على من يعول اكراد سورية؟

آراء وقضايا 16 يناير 2017 0
على من يعول اكراد سورية؟
+ = -

مصطفى عبدي – صحفي كردي

.

لم يعد خافيا أن التحركات التركية في المنطقة باتت تهدف إلى ضرب الصعود الكردي في سورية ومحاولة الحد من المكاسب التي يحققونها مع حلفائهم العرب سياسيا وعسكريا، فتركيا تصر على وصف قوات سورية الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب عمودها الفقري ”بالإرهابية” وهي من ابرز القوات الحليفة للولايات المتحدة والتحالف الدولي وأثبتت جدارتها في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية؛ في وقت تكون فيه أقل حدة في التعامل مع فصائل كانت تابعة للقاعدة حتى وقت قريب، بل وتدعم العشرات من الفصائل الإسلامية المتشددة التي ادرج البعض منها في القوائم الدولية للمنظمات الإرهابية، أضف إلى ذلك أن تركيا التي كانت تشترك في حدودها مع تنظيم داعش الذي كان يسيطر على مساحات واسعة بدءا من تل خنزير في رأس العين حتى حدود مدينة مارع لم تسجل اية اشتباكات أو مواجهات بين الطرفين وإنما كانت تلك الحدود منفذا مهما للتنظيم وممرا لمقاتليه تحصل منه على دعم لوجستي كبير، الجيش التركي تحرك فجأة في اب 2016 وتوغل في جرابلس واعلن السيطرة عليها دون مقاومة من مسلحي داعش الذين انسحبوا باتجاه الباب التحرك التركي جاء بعد أن تمكنت قوات سورية الديمقراطية من انتزاع منبج من التنظيم واعلنت عن رغبتها في التحرك باتجاه جرابلس والباب ضمن مشروع ربط كوباني بمدينة عفرين وهو ما يشكل فزعا بالنسبة لأردوغان الذي ظل يتوعد بأنه لن يسمح بتجاوز الوحدات الكردية غرب الفرات.

.

التوغل العسكري التركي داخل سوريا سبقه استهداف مواقع القوات الكردية بدء منذ تحرير مدينة كوباني من سيطرة تنظيم داعش، ولم يكن مقتصرا على الجانب العسكري وإنما تعداه إلى الدبلوماسي فتركيا كانت تضع الفيتو دائما على حضور الكرد أي مؤتمر دولي يتعلق بمستقبل سوريا، بدءا من المؤتمرات الثلاث في جنيف، والمؤتمر الأخير المزمع عقده في الآستانة، رغم أن مواقف روسيا والولايات المتحدة ظلت ايجابية من ناحية دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي كان يرد على التهميش بخطوات اضافية لتعزيز اعلان الفدرالية.

.

بالنظر الى سياسة التحالفات في سوريا نجد أن الكرد مقربون من القوتين الرئيسيتين وهما واشنطن وموسكو وذلك بفضل العامل الذاتي ونجاحهم في ادارة مناطقهم وتحقيق الاستقرار، والتزامهم بالمشروع الوطني والديمقراطي والدعوة الى الحوار وقدرتهم على اعادة الناس الى قراهم المحررة من داعش وتنظيم حياتهم اضافة الى كسبهم حلفاء من مكونات المنطقة، ولعل قيام الكرد بتنظيم انفسهم والدفاع عن مجتمعهم كقوة على الارض، هو ما اكسبهم الثقة في المضي في مشروعهم المتمثل في تشكيل حكومة اتحادية مع باقي المكونات في شمال سوريا.

.

العامل الذاتي هو ما يعول عليه الكرد السوريين:

.

يبقى السؤال الاهم حاليا هو على من يعول الكرد في خطواتهم التالية؟ ولعل الجواب مرتبط بما حققه الكرد في سوريا منذ العام 2011، فالكرد تجاوزوا مسألة ربط المكتسبات والمواقف بالعامل الخارجي وحده، معتمدين على الركائز الواقعية، لمواكبة الفوضى المندلعة في المنطقة بصورة أكثر منطقية باتباع سياسة الانكفاء الذاتي والاعتماد على النفس والتوجه لبناء قواتهم الامنية والعسكرية والمؤسسات المتعددة وهو بالتأكيد ساهم بشكل فعال في صمودهم فهم اليوم ليسو ورقة مهمشة، يظهرون عند تقاطع مصالح الدول ويختفون متى تصالحو! بل اصبحو ذا تأثير قوي على الارض والان هم السبب الرئيسي للتناقضات الاخيرة بين واشنطن وتركيا واصبحوا رقما صعبا في الصراع في سوريا.

.

لعل الاستراتيجية الأمريكية المقدسة في محاربة الإرهاب تماهت مع عقيدة وحدات الحماية أكثر من أي لاعب في المنطقة، فهم اليوم قوة عسكرية، لا يمكن تجاوزها بأي شكل، وقادرون على استثمارها كما هو جاري الان واي اتفاق لا يمكن ان يتم بمعزل عن ارادتهم حتى ولو واصلت تركيا جهودها لمنعهم. فحزب الاتحاد الديمقراطي مع حلفائه اعلنوا عن الادارة الذاتية، وهو ماضي في اعلان الفدرالية وفق المكاسب العسكرية والدبلوماسية التي يحققها خاصة ان ذراعه العسكر يسيطر على شمال سوريا باستثناء جيوب محاصرة في جرابلس واعزاز، وهي مفاتيج تفاوض مهمة.

.

قصارى القول أن الكرد في سوريا تجاوزوا جدل القدرية المحتوم في ظل الفوضى، والتبعية الصرفة للعامل الخارجي الى الاعتماد على الذات فالموازنة مع الأمريكان كانت جداً مهمة، لكن حجم المناورة الذاتية عادلها الأهمية، مع الاخذ بالحسبان ان المقايضات تجري فعليا ولكنها تتبدل ايضا، والكرد اليوم ليسوا في حالة عدمية وبائسة تماماً كي يستسلموا كلياً للخارج، وخاصة أن هذا الخارج، لأول المرة في الشرق الأوسط يتخلى عن صيغة إنزال الجيوش العسكرية على الأرض لرسم مصالحه، ففكرة الصيغة المقترحة لنظرية الفوضى التي يراهن عليها الكرد اليوم في سوريا تكمن في العامل الذاتي أكثر ما هو موجود في العوامل الخارجية المساعدة، وهي بالتأكيد ليست قدرية كلية.

.

بكلّ حالٍ لا يُبدي الكُرد في سورية قلقاً بخصوص المستقبل. فهم يؤمنون بقدرتهم على كسب التّحديات إذا ما حُلّت الأزمة السوريّة. يثق معظمهم بقدرتهم على “لعب السياسة”. وهم يجدون أن حصولهم على “الفدرالية” حقّ مشروع.

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك