تركيا تعود للصناديق: البرنامج اليومي لم يتغير لكن الاجواء اكثر قطبية

صحافة عالمية 01 نوفمبر 2015 0
تركيا تعود للصناديق: البرنامج اليومي لم يتغير لكن الاجواء اكثر قطبية
+ = -

بقلم: تسفي بارئيل

 

 .

في وسائل الاعلام التركية يمكن رؤية الاحرف R.Y- R.Tكما هو الحال في دولة القانون التي تحافظ على سرية هوية الاشبال الخارجين عن القانون. اثنان من ابناء العم 12 و 13 عام من سكان ديار بكير الكردية جنوب شرق المدينة تتم محاكمتهم الان بسبب مخالفة خطيرة – “اهانة رئيس الدولة”. في شهر ايار تم الامساك بهم وهم يمزقان مناشير عليها صورة رجب طيب اردوغان واذا تمت ادانتهما قد يسجنا لاكثر من عامين. ادعى الاشبال انهم ارادوا بيع اليافطات لمنع يجمعون الحديد والخردوات للحصول على بعض المال والنيابة لم تقتنع.

 

الاكراد حتى وان كانوا أولاد فهم دائما مشبوهون واهانة رئيس الدولة تحولت في الاشهر الاخيرة الى مخالفة معروفة لدى النيابة التركية. سينضم الولدان الى الصحافيين والكتاب ونشطاء الفيس بوك والتويتر الذين ادين بعضهم والبعض الاخر ينتظرون المحاكمة بسبب الانتقادات التي كتبوها او تحدثوا بها ضد الرئيس اردوغان الذي لا تفوته اية اهانة. كلما اقترب موعد الانتخابات في البرلمان في يوم الاحد القادم كلما ازدادت حساسيته. التوتر في قصر الرئاسة الفاخر الذي كلف دافع الضرائب التركي 615 مليون دولار يمكن تفهمه. بعد هزيمة حزب العدالة والتطوير في الانتخابات التي تمت في 7 حزيران حيث حصل حزب السلطة الاسلامي على 40.5 في المئة وفقد قدرته على اقامة حكومة لوحده، من شأن الانتخابات القريبة أن تؤكد من جديد الهزيمة وتضع اردوغان في وضع لا يستطيع فيه حكم تركيا كزعيم وحيد.

 

خوف اردوغان وصل الى ذروته هذا الاسبوع عندما اقتحمت قوات الشرطة مكاتب شركة “كوزا آيباك” التي يمتلكها رجل الاعمال علي آيباك، طردوا الموظفين بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه وحطموا الابواب ووضعوا على رأس الشركة ادارة جديدة بأمر من وزارة الداخلية. “كوزا آيباك” هي اتحاد يمتلك 22 شركة من ضمنها خمسة وسائل اعلام اساسية. وبررت النيابة السيطرة على الشركة بالقوة بـ “غياب الترتيبات المالية” ودعم الارهاب الاقتصادي. لكن التهمة الحقيقية هي علاقات الشركة مع “هيومت” وهي حركة بتولا غولان رجل الدين التركي المنفي للولايات المتحدة منذ 2013 بعد أن تحول من ولائه لاردوغان الى عدوه اللدود.

 

ان ملاحقة “هيومت” التي اقامها غولان قبل عدة سنوات ليست جديدة وهي بنظر اردوغان حركة ارهابية لا تقل خطورتها عن حزب العمال الكردي الذي هو منظمة ارهابية. ولكن ما يقلق اردوغان ليس النجاح الاقتصادي لغولان وانما وسائل الاعلام التابعة لهيومت التي تبذل جهودا كبيرة للكشف عن فساد النظام. والعاملين في هذه الوسائل الاعلامية تمت استدعاءهم للتحقيق وقدمت لوائح اتهام ضد بعضهم. والغريب هو لماذا انتظرت السلطات فترة طويلة قبل أن تهجم على مكاتب “كوزا آيباك” قبل الانتخابات بخمسة ايام.

 

محلل تركي معروف قال لـ “هآرتس″ ان الرسالة ليست موجهة فقط الى “كوزا آيباك” بل تهديد على اتحاد وسائل الاعلام “دوان” (المسؤولة عن عدة وسائل اعلام مهمة مثل “ديلي نيوز″ و “هورييت”)، واتحاد “فاظا” الذي يملك عدة وسائل اعلام وضد كل من يحاول انتقاد النظام في الايام القريبة. لان الدعاية الانتخابية ممنوعة في الايام التي تسبق الانتخابات، فلم يبقَ لمنتقدي اردوغان سوى كتابة المقالات النقدية والتعبير عن رأيهم في محطات التلفاز. هذه الافواه يحاول اردوغان اغلاقها.

 

الا ان حملة الاسكات والتخويف التي يقوم بها النظام التركي لا تنجح في خلق التحول في الرأي العام لصالح الرئيس. استطلاعات الرأي الاخيرة تشير الى أن حزب العدالة والتطوير قد ارتفع رصيده ووصل الى 42 في المئة من الاصوات ولكن هذا الازدياد القليل لن يمكن اردوغان من الحصول على الاغلبية المطلوبة لاقامة حكومة من حزب واحد. تلك الاستطلاعات تتنبأ بازداد قوة الحزب الكردي التي دخلت في الانتخابات الاخيرة الى البرلمان وتشكل 13 في المئة وشوشت الصورة السياسية لاردوغان.

 

من بين 550 مقعد في البرلمان يحتاج حزب السلطة الى 276 من أجل اقامة حكومة لوحده. لكن حلمه لا ينتهي هنا. فحزب العدالة والتطوير الذي حصل على 258 مقعد فقط في الانتخابات الاخيرة يسعى الى الحصول على 330 مقعد من اجل تغيير الدستور وطرح هذا التغيير للاستفتاء الشعبي. مع التغييرات التي يسعى اليها اردوغان باحداث ثورة في الحكم في تركيا ومنحه صلاحيات تشبه صلاحيات رئيس الولايات المتحدة براك اوباما أو تشبه صلاحيات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. في الانتخابات السابقة حث اردوغان الناخبين منح حزبه 400 مقعد في البرلمان لكي يمتنع عن الاستفتاء الشعبي في طريقه الى الرئاسة على النمط السلطاني وهذا الامر لم يسمع هذه الايام بصوت مرتفع.

 

الانتخابات في تركيا هي للبرلمان ولكن من يخضع للاختبار هو اردوغان وليس فقط شخصيته بل سياسته ايضا. المواضيع الكبيرة التي نزلت على الناخب التركي لم تتغير بين حزيران وبين تشرين الثاني. الليرة التركية تراجعت مقابل الدولار وازدادت البطالة والتضخم وتلقت السياحة ضربة قوية ونشر الاتحاد الاوروبي تقريرا حول وضع حقوق الانسان. لكن هذه الامور لن تتراجع بسببها شعبية الرئيس وحزبه الذي لا زال اقوى من اي حزب آخر. ولكن في الاشهر الاربعة الاخيرة حدثت احداث عمقت الشرخ الداخلي في تركيا وخلقت نظرة “هم ونحن”.

 

“نحن نموت وانتم لا”، قال رئيس الحزب الكردي سلاطين دمرتاش بعد العملية الدموية في محطة القطار في أنقرة التي قتل بسببها اكثر من مئة شخص واصيب المئات. معظم القتلى كانوا اكراد جاءوا للمشاركة في مظاهرة ضد الارهاب ومع المصالحة بين الحكومة وبين الاكراد. انضمت هذه العملية الى عملية اخرى حدثت في حزيران في مدينة سيروتس جنوب شرق الدولة وقتل فيها 33 مواطن كردي ونشطاء ساعدوا الاكراد في سوريا. الاكراد لا يتبنون موقف السلطة ان المتظاهرين كانوا من رجال الدولة الاسلامية داعش ويتهمون قوات الامن بالتعاون مع المنفذين او على الاقل غض البصر عنهم.

 

من خلال حوارات مع المواطنين في سيروتس ومدن اخرى في المنطقة الكردية يبرز العداء والاحتقار للسلطة التركية وقوات امنها.

 

بالمقابل ايضا مؤيدي الحزب القومي المتطرف غير راضون عن سياسة اردوغان الذي وحسب ادعاؤهم قام باستيراد الحرب السورية الى منطقة تركيا واغرقها باكثر من مليوني لاجيء. “هم ونحن” هو ايضا شعور الليبراليين العلمانيين الذين يشعرون بانهم ملاحقين. وكذلك رجال الاعمال الذين لا يتخذون القرارات للنظام. كيف ستؤثر نتائج الانتخابات على كل اولئك؟ لاردوغان لا يوجد جواب حتى الان. من الممكن أنه يهيىء نفسه لجولة اخرى من الانتخابات، اذا لم تمنحه النتائج الانتصار الساحق الذي يريده.

.

هآرتس   1/11/2015

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك