جرابلس…. جائزة ترضية أم بوابة عبور؟

آراء وقضايا 26 أغسطس 2016 0
جرابلس…. جائزة ترضية أم بوابة عبور؟
+ = -

التدخل التركي البري في جرابلس السورية مدان بكل المقاييس, لكنه لم يأت كثمرة لتفاهمات أنقرة مع طهران وروسيا كما يظن البعض, بخلاف الرد الخجول لسوريا النظام حيال الموضوع الذي من الممكن أن يكون من ضمن تلك التفاهمات, فحين الإعلان عن حملة تحرير منبج طلبت تركيا من التحالف الغربي منحها بعض النفوذ في المنطقة الممتدة من جرابلس إلى إعزاز بعمق لا يتجاوز بضعة كيلومترات و منحه الأخير ذلك بمثابة جائزة ترضية لها بعد أن خسرت أوراقاً كثيرة و فشلت مراراً في انتزاع قرار دولي بمنطقة عازلة أكثر عمقاً و مساحة رغم محاولات حثيثة و إطلاق مسميات عديدة على هذا الطرح التركي بدءً من منطقة عازلة لحماية المدنيين و منطقة بديلة لتجميع اللاجئين إلى منطقة نموذجية لسوريا المستقبل تموّلها الدول الغنية وتبنيها تركيا.

.
لا أعتقد أن التدخل التركي يمكن أن يتجاوز الحدود المسموح بها من قبل التحالف و أمريكا حتى وإن رافقته خطابات الحرب و أناشيد النصر, فالملعب المخصص لها لا يتجاوز مساحته مدينتي جرابلس وإعزاز و ما بينهما من شريط ضيق و هي كل ما يمكن أن تضحي بها الأطراف الرئيسية في الملعب السوري من أجل تركيا لاحتلالهما –كما أعتقد – والبقاء فيهما حتى إشعار آخر… و ليس لتحريرهما من داعش كما يظن البعض, كان بإمكان التحالف وقوات سوريا الديمقراطية أيضاً رفض هذا الطلب و الزحف من الشرق إلى الغرب بموازاة شريط الحدود بدلاً من الالتفاف نحو الجنوب.
التواجد التركي لن يتمدد نحو مناطق إقليم الشمال الفيدرالي المزمع إعلانه و لن يُحدث اختراقاً لجغرافيته باتجاه الداخل السوري بقدر ما يمكن أن يشكل مخفراً متقدماً يُصدّر إليه القلاقل و الشغب من جواره القريب و أي تمدد تركي خارج المنطقتين المذكورتين سيبرر انسحاب قوات سوريا الديمقراطية من اتفاقها مع التحالف الغربي, و بالتالي انسحابها من الحملة الوشيكة لتحرير الباب و الرقة و التي يتم التحضير لها منذ فترة, في الوقت الذي لا تستطيع فيه القوات التركية أداء هذه المهمة في الداخل السوري بكل عديدها وعتادها حتى وإن طلب منها التحالف ذلك , لأسباب كثيرة لعل أبسطها عدم استعداد تركيا في الوقت الحالي لإعلان الحرب المباشرة على داعش و بقية التكفيريين – دعكم من مسرحية تحرير جرابلس- أما التصريحات النارية و الزيارات المكوكية لمسؤوليها فليست سوى بضاعة للتسويق الداخلي بعد الانقلاب الفاشل و تبعاته كما لتهدئة أتباعها من السوريين المخدوعين بها و بمواقفها , أمريكا و الغرب حتى وان تعاملتا بحذر خلال السنوات الماضية لن تتركان سوريا حتى النهاية مستباحة أمام أطماع تركيا لاستخدامها جسراً نحو بناء شرق أوسط إسلامي , و لن تسمحان لها بالحظوة بالجائزة الكبرى رغم سعيها الدؤوب لسنوات, قبل أن تقتنع و إن على مضض بجوائز ترضية , تبقى في النهاية أفضل من لا شيء .

.
قرار التحالف في إغلاق طرق الإمداد بين تركيا و تنظيمات الجهاد السلفي في الداخل السوري كان نهائياً ولا زال ساري المفعول يلتقي مع قرار نهائي أيضاً لقوات سوريا الديمقراطية في تأمين ممر (كوريدور) يصل بين كوباني و عفرين بغية فك الحصار عن الأخيرة و توحيد جغرافية إقليم الشمال السوري , إلى درجة يمكن القول فيها أن الاتفاق نفسه بهذا الخصوص هو نهائي و استراتيجي بين الطرفين و سيلقى قبولاً نسبياً حتى من قبل النظام و إيران حين تتعهد سلطات الإقليم المنشود بحماية الشيعة في بلدتي نبل و الزهراء و قبول عضويتهما ضمن جغرافيتها.

.
قوات سوريا الديمقراطية لديها ما يكفي من هامش لتجنب الصدام المباشر مع تركيا في جرابلس و إعزاز بالانعطاف على الأرض نحو الجنوب للالتفاف منها إلى الشمال الغربي حيث عفرين, تماماً كما انعطفت تركيا في السياسة نحو الشرق لحفظ ماء وجهها في الجنوب , فمن منبج إلى الباب جنوباً وعلى طول المسافة منها إلى حدود عفرين ثمة تنوع عرقي مختلط يلتقي في ثقافة وقيم وتقاليد فوق قومية , تجمعهم روابط جيرة و مصاهرة وشراكة عبر التاريخ يمكن التعويل عليها من قبل قوات سوريا الديمقراطية تحت شعار التشاركية بعد أن حققت هذه القوات انتصارات مدوية على الفصائل الجهادية وعلى النظام نفسه, وبعد أن عايش الكثير من أبناء هذه المنطقة إرهاب داعش و النصرة وأحكامهم الجاهلية و صاروا يخشون على أبنائهم من ثقافة الإرهاب المنتشرة و استخدامهم وقوداً لنزاعات دموية من المرجح أنها ستستمر إلى أجل غير مسمى في الداخل السوري الموبوء بين كتائب مختلفة جمعت بين صفوفها كل مرتزقة العالم تقتل نفسها من اجل خلافة خيالية !.

.
الوصول إلى عفرين عن طريق مناطق الشهباء ليس أمراً صعباً و توحيد جغرافية الشمال السوري ضمن إقليم فيدرالي واحد ليس حلماً فقط عندما تَصدق أمريكا هذه المرة مع نفسها و مع العالم قبل الكرد بقطع طرق الإمداد من تركيا على التنظيمات السلفية في الداخل السوري فالحزام الفاصل حتى و إن يكن بعمق مئات الأمتار حتى وإن عجزت أمريكا عن فرضها بالقوة العسكرية يمكنها أن تلجأ إلى اتفاقيات مع وجهاء بعض القرى و البلدات على الخط من منبج أو من كوباني إلى عفرين وهو ما يكفي لتواصل أبناء عفرين مع أقرانهم في الطرف الآخر و يفي بالغرض في المرحلة الحالية .

.
إقليم الشمال التشاركي الممتد من نهر دجلة و مدن الجزيرة بمختلف مكوناتها الدينية والعرقية إلى تل ابيض و كوباني و منبج والباب إلى عفرين التي لن تعترض – كما أظن- على ضم بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين سيتحول إلى فسيفساء دينية وطائفية و فضاء ثقافي أكثر انفتاحاً و أكثر قابلية للتطور و أبعد عن أي تعصب , من المفترض أن يحظى برعاية غربية سيما عندما يجتمع كل ذلك في موقع جغرافي يفتح طريق البحر الأبيض أمام خطوط الغاز والبترول في الشرق دون المرور بتركيا و بعيداً عن استغلالها و جشعها .

.
روسيا أيضاً تعاني من الجشع التركي و لن تعارض منطقة نفوذ غربية في الشمال السوري مقابل إقرار أمريكا لها برعاية الإقليم الغربي (الساحل) و الاحتفاظ بموطئ قدم لها على بحر حيوي يتوسط العالم بعدما تقلص نفوذها في مناطق عديدة و حكمت عليها الجغرافيا أن تتحكم تركيا بخطوط غازها إلى أوربا كما بممرات البحر الأسود نحو الغرب و الجنوب حيث معظم أنشطتها العسكرية و الاقتصادية .

.
الحديث بعد اليوم عن صِدام بين قوى كبرى في سوريا أو التعويل على تدخل تركي بري لإعادة خلط الأوراق و تحقيق توازنات جديدة مبالغ فيه , و محاولات تشكيل جبهة عسكرية جديدة في الشمال السوري بزعامة تركيا وعضوية قوات بشمركة روز-آفا كما يُتَوقع أن تكون تركيا قد طرحته على الرئيس بارزاني في زيارته الأخيرة مقابل قوات سوريا الديمقراطية للعب دور ما , تأتي في الوقت بدل الضائع – تركياً و في لحظة تاريخية حرجة – كردياً , فنعتقد أن مباحثات الأطراف المعنية بالملف السوري تجاوزت منذ زمن مرحلة الخطوط العريضة إلى التفاصيل بغياب السوريين عنها و ربما لن يكون بعيداً الإعلان عن موعد تقسيم الكعكة بغياب السوريين أيضاً …

.
سيراعى في مراسيم توزيع الجوائز و تقسيم الكعكة إرضاء الجميع عدا السوريين طالما بقيت معارضته السياسية تتنقل على موائد الجيران و بقيت بلادهم مشاعاً … و تركيا ستكون أول من استلمت نصيبها في جرابلس و إعزاز كونها انتظرت طويلاً في مقدمة الطابور .

.

صلاح علمداري – عضو القيادي في حزب الوحدة الديمقراطي الكوردي في سوريا ( يكيتي)

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك