السياسة أخلاق أم انتهازية ونفاق

آراء وقضايا 09 مارس 2015 0
+ = -

                    سلمان إبراهيم الخليل

.

السياسة في إحدى تعريفاتها هي فن قيادة المجتمعات وتدبير شؤونها ،بهدف تحقيق منفعة وخير هذه المجتمعات وتأمين حقوقها أما الأخلاق فهي مجموعة القيم والفضائل والمثل الموجهة للسلوك الانساني ،نحو الخير والعدل والصدق والتعاون وغيرها من الفضائل التي تساهم ،في وضع المجتمعات على سكة التطور والرقي والانسانية ،هنا يمكن القول بأن ممارسة السياسة في مجتمعات ترزح تحت نير الاستبداد وتعاني الحرمان من حقوقها القومية والديمقراطية ،لها بعد أخلاقي لأنها تهدف إلى بناء دولة ديمقراطية والدولة بالتعريف هي كائن سياسي وأخلاقي ،والديمقراطية أول ما فيها هي العنصر الأخلاقي والانساني ، لأنها تسعى إلى تحقيق حرية الأفراد والمجتمعات على حد سواء ،وكذلك تحقيق العدالة والمساواة والتعددية وقبول الآخر المغاير والصالح العام .

.

إذا ما حاولنا مقاربة هذا الكلام بأهداف الحركة السياسية الكردية في سوريا ، نرى نظريا بوضوح بأن أهدافها تتمحور نحو بناء دولة ديمقراطية تعددية في سوريا وفق عقد اجتماعي جديد تصان فيه الحقوق القومية للشعب الكردي استنادا إلى العهود والمواثيق الدولية ،لتحقيق هذه الأهداف لابد من اتباع أساليب نضالية حقيقية ،تتضمن الالتزام بالمعايير الأخلاقية المشروعة ،حتى تستطيع أن تصمد في معركتها السياسية والانسانية ، ضد قوى الاستبداد والشر والارهاب ،وهذا يستلزم التضحية ونكران الذات والاخلاص ،والنضال السلمي والابتعاد عن نزعة الأنا “لأن الشر لا يقتل الشر والنار لا تطفئ النار” كما قال تولستوي.

.

لكن على مدى أربع سنوات أي منذ انطلاق الثورة في سوريا وما رافقها من تحولات دراماتيكية ،لم تستطع غالبية القيادات السياسية للأحزاب الكردية مواكبة الأحداث الجارية والمتسارعة ،والارتقاء بأدواتها النضالية ،لأجل ايصال قضية الشعب الكردي إلى هدفها المنشود ، في هذه المرحلة التاريخية الهامة والنادرة في الوقت ذاته ، التي قلما تتكرر ، لكن بدلا من ذلك نلاحظ جليا طغيان لغة المصالح الحزبية وسيادة النزعة الانتهازية لدى غالبية القيادات الحزبية الساعية والطامعة بالسلطة والمال والشهرة ، ولو بأساليب غير مشروعة وعلى حساب الهدف الأسمى وهو حقوق الشعب الكردي المسلوبة من قبل الأنظمة الشوفينية المتعاقبة على الحكم في سوريا ، ما يؤكد على صحة كلامنا هذا ما جرى سابقا أثناء تشكيل الهيئة الكردية العليا ومحاولة أطراف سياسية معينة الاستئثار بقرارات هذه الهيئة والهيمنة عليها واستغلالها لمصالحها الحزبية ولو أدى ذلك شق وحدة الصف الكردي وبوادر الممارسة ذاتها تتضح حاليا في المرجعية الكردية ، وكذلك ماجري ويجري الآن في المجلس الوطني الكردي ، من المحاولات المتكررة من قبل بعض الأحزاب المنضوية تحت سقف المجلس التي ترى في  نفسها مقومات الحزب القائد للمجلس والشعب الكردي تماهيا مع الثقافة البعثية ، التي لا ترى إلا صورتها ولا تسمع إلا صوتها ،ولا ترى الأحقية والصواب إلا في رؤيتها وقراراتها ،محاولين فرض أجنداتهم الحزبية ومصالح قياداتهم الشخصية على الأطراف الأخرى في المجلس الوطني وإن تعارضت مع مصلحة الشعب الكردي مثال ذلك محاولة البعض من هذه الأحزاب الاستئثار بالتمثيل في المرجعية الكردية التي لم ترى النور بعد عمليا ، أو نسف هذه العميلة السياسية برمتها مقتدين بالمفكر الايطالي (ماكيافيلي )الذي رأى بأن السياسة بعيدة عن الاخلاق داعيا في كتابه (الأمير )عام 1513الى”أن يستعمل من الصفات ما يشاء غير ناظر إلى قيمة دينية أو أخلاقية ،فهناك من الفضائل ما يؤدي إلى سقوط حكمه وهناك من اللا فضائل ما تؤدي إلى ازدهار حكمه “شعاره في ذلك (الغاية تبرر الوسيلة والضرورة لا تعترف بالقانون)هذا الكلام قاله ماكيافيلي قبل خمسة قرون في ظروف معينة خاصة بوطنه ايطاليا،لكن بعض قياداتنا تصر السير على هذا النهج رغم أنه لم يجر على الشعب الكردي سوى الخيبات والاخفاقات ، هؤلاء عليهم الاقتداء بالمهاتما غاندي ونيلسون مانديلا اللذان حققا لبلديهما الهند وجنوب افريقيا الحرية والديمقراطية بفضل تضحياتهما ووسائلهما النضالية السلمية .

.

إن ابتعاد وسائل النضال عن معاييرها الأخلاقية واقترانها بالمصالح الشخصية والأجندات الحزبية هي انتهازية قاتلة تؤدي إلى فشل ذريع للأهداف التي يسعى إلى تحقيقها الشعب الكردي ،وكذلك فشل للانتهازيين أنفسهم .إن الاهداف التي تناضل من أجلها الحركة السياسية الكردية هي أهداف سامية وقيمة عليا ،لأنها تتعلق بالحقوق القومية للشعب الكردي والديمقراطية لسوريا ،لذلك لابد للوسائل والأساليب النضالية أن تحمل معايير أخلاقية كون الأهداف والوسائل حلقتان مرتبطتان ببعضهما البعض ولكسب المعركة العادلة لقضية الشعب الكردي لابد من القيادات الابتعاد عن الانتهازية والنفاق السياسي والانا الحزبوية والشخصية المدمرة للذات وللقضية.

 

 

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك