كردستان من التعتيم إلى الإنكار

آراء وقضايا 17 مايو 2015 0
+ = -

الجزء الرابع

 

 حذارِ من المعارضة -البعثيين.

.

   كتابهم اليوم يركزون على فكرتين لتسويق ثقافتهم، مستندين على نتائج عقود من عمليات التعريب والتهجير والنزوح الاضطراري للكرد من جغرافيتهم:

.

1-   التركيز على “حداثة الكرد” في جنوب غربي كردستان، من خلال تشويه تاريخهم، لتقليص جغرافية كردستان، وهي دراسات لا تحتاج إلى إثباتات لدحضها، فالحقائق معروفة لشعوب المنطقة وللعالم كله، وما يجري من إنكار لديمغرافية الكرد، في جنوب غربي كردستان، والمبنى على مراحل عديدة سابقة، المخططة من قبل السلطات العروبية المتتالية، تندرج ضمن المؤامرة، الفاضحة، التي يشترك فيها الدول المستعمرة لكردستان.   كثفت الدراسات التاريخية للمنطقة، ومعظمها تدعم، ماديا وإعلاميا، من قبل قوى إقليمية عروبية، بإعلام ممنهج، وتجنيد كُتاب ينتمون إلى البعث ثقافة وتنظيما، واستفحلت بعد بروز الكرد على الساحة السياسية، في سوريا والعراق، وتزايد دورهم عالميا في مواجهة الإرهاب الإسلامي السياسي العروبي.

.

ظهر كتاب من هذه الشريحة في منطقة (جنوب غربي كردستان) وبشكل خاص في (محافظ الحسكة) يعرضون دراسات تنكر ديمغرافية الكرد التاريخية في المنطقة، على نفس نهج المفاهيم البعثية، والعديد من الكتاب الذين يقتحمون هذا المجال، لا يملكون غير أدوات البعث لتحليل التاريخ أو عرض دراساتهم، وهي من المعضلات الكبرى التي تواجههم ولا يستطيعون التحرر منه. فالبعد الفكري لمعظم الإخوة من الكتاب العرب المتناولين القضية الكردية في جنوب غربي كردستان، لم تتخلص من هيمنة الثقافة الماضية، وهي الثقافة التي توسع هوة الصراعات في المنطقة، وفي مقدمتها الصراع القومي الكردي-العربي. إلى جانب كتاب، لهم تاريخ في مسيرة البعث، كالذي شارك في مؤتمر الدوحة في عام 2011، والذي نظمها (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تحت عنوان “العرب وتركيا: تحدّيات الحاضر ورهانات المستقبل) جامعا أفكاره في صفحات كتابه البالغ ألف صفحة ونيف، معظمها من أرشيف البعث ومواده، والقوانين الاستثنائية والمراسيم الرئاسية، ليعرضها بأسلوب ولغة مغايرة للماضي، لكن الأدوات هي نفسها، وتهدف إلى الغاية ذاتها، وهي إلغاء الكرد من منطقة جنوب غربي كردستان. فعلى هذا الدرب يلتقي هاتين الفئتين من الكتاب، ليمرروا فكرة مشتركة، وهي ملكية العرب للمنطقة، وتهميش الكرد فيها، ويغطونها بنهجين:

.

العربية) فبعد نصف قرن يعودون ليسندوا دراساتهم التاريخية المنفية للوجود الكردي بالشعار الوطني ذاته، الذي رفعه طلبة الكرد في قامشلو، كمنية على الكرد، مع إرفاقه بفكرة ضيوفة الكرد على جغرافية المنطقة، أو اعتبارهم محتلين، متغاضين أن التاريخ عند القوي يكتب بأقلام متنوعة الأشكال، كالتي سخرها صدام حسين لرسم شجرة عائلته وتعميق جذورها إلى الرسول الكريم، وبأرشيف ووثائق مزورة.

  عند دراسة التاريخ، على الباحث أن ينتبه إلى الظروف والقوى التي كانت تسيطر أثناءها، ليميز بين الأرشيف المزور الذي يلفق ويمجد، والصحيح المطمور. فبطون الكتب التاريخية الموثوقة علميا، لم تعد تحتاج إلى كثير وقت، لتبيان غاية الدراسات السلبية لقضية أو تاريخ ما، لذا لا داعي لجلب الوثائق المتعددة لإفناد ما يطرحه الكتاب الوطنيون العروبيون اليوم حول ديمغرافية الكرد في جنوب غربي كردستان، بل سنكتفي هنا بأبسط الأمثلة، والداحضة لدراساتهم، كأبحاث كاتب أبن منطقة قامشلو، وتاريخه المسنود من هيئة إعلام تلفزيوني، تعرف كصوت المعارضة الوطنية السورية، ونتمنى أن تبقى كذلك،  وتنتبه إلى ما تبثه في هذا الموضوع والذي لا يقل تشويها لتاريخ المنطقة، عن تلك التي رسخها البعث في أرشيفه ومناهجه، والمؤدية إلى صراعات لا نهاية لها. ومن بين هذه الوثائق، وليست كلها، تلك التي قدمت إلى  القصر الجمهوري في عام 1967م، عندما أسقطت الجنسية السورية عن عائلة (آل عباس) وهي سندات تمليك (قوجانات) مكتوبة باللغة العثمانية، صادرة من الأستانة، مؤرخة بـ 1230 هجرية، تبين فيها ملكية (آل عباس –الكرد- رؤساء عشيرة دوركان وعشائر أخرى حينها كانوا يسكنون المنطقة)  لأراض تبدأ من قرية  كري ميرا شمال-غرب قريتهم المركز (دوكر) بخمس كيلومترات خط نظر، وتمتد حتى شمال غربي جبل سنجار، ووثيقة تثبت أن قرية (دوكر) كانت قائمة قبل عام 1820م، ومثلها قرية (حلوة) التابعة لآل حجي سليمانان، كما وهناك شواهد قبور لزعماء من عشيرة (آباسا) تعود إلى القرن الثالث عشر الهجري ما بين المثلث السكني قره جوخ(تل كوجر بالعربية) ورميلان وديركا حمكو، ومثلهم  آثار عشيرة كوجري ميران وآل نايف باشا في المنطقة، وفي شرق تلك المنطقة حيث آل مرعي، يعود تاريخ سكنهم في منطقة آليان إلى أكثر من 300 سنة ومركزهم الأساسي ديرونا آغي، وهناك وثائق بيد العائلة تثبت المذكور، وكذلك عائلات أخرى مع عشائرهم، تملك سندات تمليك (قوجانات) مثبتة من الأستانة لأراضي على طول السلسلة الشمالية لسوريا الحالية وتمتد عمقا حتى جنوب جبل عبدالعزيز وجنوب الحسكة الحالية وما بينها وبين جبل سنجار، وكانت أراض لمراعيهم، مع التجمعات السكنية كحاضرات مستقرة في جنوب خط جغرافية سايكس بيكو السورية التركية.

.

     وهنا نبحث في تاريخ سكن المنطقة في القرنين الماضيين، وليست ديمغرافيتها الكلية أو جغرافيتها، والتي ننأ أن نبحث فيها لمجرد شكوك الأخرين بأحقيتها، ويحضرنا السؤال التالي: ليت هؤلاء الكتاب، ومنهم ابن المنطقة، والمنتمي إلى أحد العشائر الرحل والتي لم تعرف الحضر إلا في نهاية العشرينات من القرن الماضي، الإتيان باسم قرية عربية من قرى العشائر، الحاضرة الأن، التي كانت تظهر في المنطقة أثناء القحط على أطراف الحماد الشمالية، ليتبين فترة مجيء العشائر العربية إلى المنطقة، وملكيتها لها، كحاضرة سكنية، فيما إذا كانت موجودة فعلا في المنطقة في العشرينيات من القرن الماضي؟ وفي هذا السياق لا بد من ذكر مدينة كوباني وريفها حيث عشيرة البرازية، وزعمائهم من آل شاهين البرازي، ووجودهم هناك منذ قرون، ومثلها منطقتي عفرين وجبل الأكراد وعشائرهم، والذين يعود تاريخ سكناهم في المنطقة إلى أكثر من خمسمائة سنة، وفي هذا الصدد يمكن العودة إلى كتاب  الدكتور محمد عبدو علي ( جبل الكرد، دراسة تاريخية – اجتماعية – توثيقية) أما عن الإحصائيات القديمة، فهناك أرشيف ووثائق فرنسية رسمية وليست كتلك المزورة أو المفبركة في أقبية مراكز البعث، تعود إلى الثلاثينات من القرن الماضي، تثبت أن المنطقة الممتدة من البحر الأبيض المتوسط مرورا بمنطقة عفرين وعلى طول الحدود المرسومة حينها بين تركيا وفرنسا، وعلى عمق 15 كيلومتر، وفي أقصى شمال شرق سوريا بعمق 25 كيلومتر، أن نسبة الكرد ما بين 80-100 % ويذكر بأنه لم يكن هناك عنصر عربي بتجمعات سكنية أو قرى موجودة في المنطقة، باستثناء قبائل رحل، والنسبة الأخرى هي نسبة المسيحيين من السريان والأشوريين ومعظمهم كردا من الديانة المسيحية. أما وفي الجانب الأخر من الدراسات التاريخية، حيث الأبعاد الزمنية الغابرة…

.

يتبع…

د. محمود عباس

نائب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا.

الولايات المتحدة الأمريكية

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك