” فقط الحكمة هي من تستطيع إرشاد البوصلة “

آراء وقضايا 01 أغسطس 2015 0
” فقط الحكمة هي من تستطيع إرشاد البوصلة “
+ = -

 الحكومة التركية أولاً… والكورد لا يُعْفَوْنَ من المسؤولية. من دون أدنى شك أن الكورد في أجزاء وطنهم الممزق عانى أبشع أنواع الإضطهاد جراء سياسة التطهير العرقي الممنهج من قبل حكام تلك الدول التي تقتسم كوردستان فيما بينها.. ولن أخود في سرد المعلومات التاريخية التي تثبت جرائم تلك الحكام بحق الكورد و عمليات الإبادة الجماعية التي إستهدفت جذور الكورد وأباحت إمحاء الكورد من الوجود. كان صراع الكورد شاقاً و مؤلماً مع الحكام العنصريين الذين جعلوا من الكورد هدفاً لإشباع غريزتهم المتوحشة ومن وطنهم بؤرة لإفراغ حقدهم الدفين تجاه الكورد طوال مائة عام مضت..

.

إلا أن التجارب أثبتت بأن تلك السياسات لم تجلب إلا مزيداً من المأساة و تعميق الهوة بين القومية الحاكمة والكورد في كل جزء ملحق بتلك الدول.. وأن متابعة سياسة إمحاء الكورد من الوجود و الإستمرار في طمس هويته القومية باتت من الماضي.. فإن الحاضر يؤكد أن الكورد جزء مهم من المعادلة التي يمكن الإعتماد عليها لتثبيت الأمن و الإستقرار في المنطقة, وبالتالي الإعتراف بوجوده وحقوقه القومية أصبحت من أولويات العمل السياسي لدى المنظومة الدولية لطالما تعمل لإزالة بؤر التوتر في منطقتنا الشرق أوسطية..

.

وتثبيت توازن إجتماعي بين تلك المجتمعات التي تتشارك في دولة واحدة. مائة سنة من الإنكار للقومية الكوردية في تركيا كانت مسحوبة بغيمة سوداء على التاريخ التركي, ومليئة بالآلام والمآسي لايُشَرِفُ الشعب التركي, بل تترك على صفحاته نقطة سوداء تجعله أن يخجل من هذا التاريخ الذي كان تُسَبِبُ الحكام له تلك الآلام وتلك المآسي جراء إتباعهم لسياسة التطهير العرقي لثلث سكان تركيا من الكورد, وتهميش ثلث جغرافية تركيا من التطور التاريخي و الحضاري والإنساني…

.

وبردة فعل طبيعي إنطلقت النخبة الواعية الكوردية من تنظيم نفسها بوعي و إدراك لمقاومة تلك السياسات و الدفاع عن وجود شعبها بإخلاص وبطرق سلمية من دون أن يمس حقوق المواطنين الآخرين أينما كانوا.. لكن الحكام لم ينتبهوا إلى شرعية نضالهم الحقوقي و الإنساني, فكانت لهم بالمرصاد بأبشع طرق الإعتقال و تعذيبهم في معتقلات أشد و أعنف من معتقلات النازية, إلى أن إنطلقت ثورة مسلحة في آب 1984 على يد حزب العمال الكوردستاني كنتيجة طبيعية لتلك السياسات الجائرة بحق الكورد. ثلاثون سنة من القتال طالت أغلب مدن و بلدات و قرى كوردية.. تدمرت أربعة آلاف قرية كوردية في كوردستان.. مع أربعون ألف قتيل, وعشرات الآلاف من المعتقلين.. إلى جانب خمسة ملايين مُهَجَرٍ من المناطق الساخنة و الإلتجاء إلى المدن الكبرى وخاصة اسطنبول.. عوضاً عن مئات المليارات من الدولارات خسائر تلك الحرب المجنونة..

.

ولم تصل حكومات تركيا المتعاقبة إلى النتيجة المرجوة حسب وجهة نظرها, وبقي الكورد وحقوقه راية خفاقة في سماء كوردستان ينتظر الحل الذي طالب به الكورد منذ إنطلاقته الأولى. كانت هناك فرصة لإنهاء الصراع عام 1994 في عهد المرحوم تورغوت أوزال وبوساطة الأستاذ جلال طلباني, إلا أن القدر لم يفلحه لتحقيق ذلك.. وبعد فترة وجيزة من الهدوء عادت عقلية العسكر من جديد إلى جعل كوردستان منطقة الحروب إلى أن جاء حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان عام 2003 ليغير المشهد بشكل جذري من خلال إتباع سياسة الحوار بين الكورد والترك لإيجاد حلول سلمية لهذه القضية المعقدة لطالما تسلح الشعب التركي بعقلية الإستعلاء وعدم قبوله لقومية أخرى إلى جانبه تدير الحكم في البلاد..

.

في الحقيقة كان العمل شاقاً بالنسبة لحزب العدالة والتنمية من أجل إقناع الترك على أن هناك شعب يشاركه في الوطن وأبدى إستعداده للتخلي عن الإنفصال عند قبوله كشريك في الوطن ضمن إطار توافقات دستورية تضمن حقوقه القومية داخل الوطن الواحد.. فكانت المعارضة قوية في بداية الأمر, إلا أن الإصرار من قبل رجب طيب أردوغان لمتابعة الملف الكوردي بطرق سلمية و حوارية مع تجاوب الكورد بشكل كبير, إلى حد أن الحزب العمال الكوردستاني أوقف القتال من طرف واحد تجاوباً مع رسالة قائده في المعتقل عبدالله أوجلان.. زرعت آمالاً كبيراً في نفوس الشعبين الكوردي والتركي على حدٍ سواء, لطالما إرادة الدولة إختارت الحل السلمي عن طريق الحوار, والكورد الطرف الرئيسي المتجاوب مع هذا الطرح كمشروع..

.

و أن ترخيص حزب كوردي لممارسة سياسة سلمية كان بمثابة إنطلاقة جديدة وبناء ثقة لدى الأطراف, وخاصة بعد الإنتخابات الأخيرة التي أنتجت دخول حزب الشعوب الديمقراطية (الكوردي) إلى البرلمان.. مع التبدلات التي طرأت في موازين القوى في منطقة الصراع في كل من سوريا والعراق واليمن, ومع توقيع إتفاقية إيران النووية مع الدول 5+1 و تحريك تركيا لقواتها تجاه الحدود السورية و إعلانها الأخير بعد إنفجار (برسوس) سروج المدينة المقابلة لكوباني, على أنها ستجعل من منطقة بين عزاز وجرابلس السوريتين منطقة آمنة, تفاجأنا بالتغيير في مواقف حزب العمال الكوردستاني تجاه التحرك التركي مع تبنيه قتل رجلين عسكريين في منزلهما إشارة إلى أن الحزب سوف لن يقف مكتوف الأيدي تجاه التحرك التركي باتجاه المناطق الكوردية في غربي كوردستان (سوريا)..

.

ومع الأسف الشديد كان رد فعل الحكومة التركية قاسياً بإعلانه عن إنهاء عملية السلام مع هذا الحزب والبدء بحملة قصف مواقعه العسكرية في جبال قنديل مع بدء إنهيار الوضع الأمني في غالبية المناطق الكوردية في كوردستان الشمالية (تركيا) وبشكل خطير. أعتقد أن التدهور الحاصل لا يخدم مصلحة الطرفين, وسيؤدي إلى إنهيار كل ما بني من أجل إحلال السلام في تركيا عموماً, و أن الإستمرار في ممارسة سياسة ردود أفعال من الجانبين سيخدم الأطراف التي كانت تقف عائقاً أمام عملية السلام و مشروعه.. و أن تلك الأطراف معروفة وهي كانت تحاول بشكل جدي التدهور في العلاقات بين حكومة أردوغان و حزب العمال الكوردستاني وجناحه السياسي حزب الشعوب الديموقراطي..

.

فالعودة إلى ما كان عليه مستوى العلاقة والحوار خدمة لقضية تركيا الجوهرية والمركزية أهم من هذه ردود الأفعال السلبية التي لا تجلب إلا الكوارث والمآسي من جديد لطالما إنطوت منذ عهد أردوغان.. و أعتقد أن حزب العدالة والتنمية مطالب أكثر من غيره تحمل مسؤولية هذا التدهور كونه الحاكم وهو المسؤول عن كل تبعات ما سيلحق الضرر بالوطن والمواطنين تركاً كانوا أم كورداً.. فهذا لا يعني أن الحزب العمال الكوردستاني مُعْفِيٌ من المسؤولية كونه الطرف الآخر الذي يقود العملية السلمية.. أعتقد أن تركيا و شعبها أولى بأن تنعم بالسلام والوئام مع العمل الجاد لبناء هذا البلد باتجاه عمل دستوري ديمقراطي تتوافق عليه مكونات شعبها وخاصة الكورد الذي يشكل ثلث سكانها وهو الذي سيجلب الأمان و يحفظ على التوازن الإجتماعي في البلاد عند ممارسة حقوقه القومية من دون إنتقاص. —————————-

.

——— أحمــــــد قاســـــــم 31\7\2015

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر