كوردستريت|| مقالات
.
منذ ما يقارب الخمسين عاماً أقدم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين على التنازل عن نصف شط العرب لشاه إيران مقابل وقف الدعم عن الثورة الكردية في كردستان العراق وعدم إعطاء أي حقوق أو اعتراف بالهوية الكردية في العراق ليعود بعد ذلك في عام 1980 ويشن حرب الثماني سنوات على إيران في سبيل استعادة ما خسره في اتفاقية الجزائر عام 1975 حرب مدمرة أتت على الأخضر واليابس والحجر والبشر وخلّفت ملايين الضحايا على الجانبين كل هذا في سبيل الهدف الأسمى وهو إسكات الصوت الكردي .
كان هذا في الماضي فهل تغيرت العقلية القمعية الآن عند من يتقاسمون الوطن الكردي قبل حوالي السنة وبالتحديد عند الاستفتاء التاريخي لكردستان العراق فمن جملة الرافضين في وجه الطموح الكردي الدولة التركية التي جنّ جنونها على جرأة الزعيم الكردي مسعود البارزاني وعادوا واستذكروا الماضي وتغنّوا بتركية كركوك المزعومة وأنّها قطعة من الجسد ولا بدّ من التحرك لإجهاض هذه الخطوة لكن ما الذي حصل؟
.
خضعت كركوك لميليشيات الحشد الشعبي المرتبطة بإيران وسكتت تركية وتغاضت النظر ونست التركمان لأنّ مشروع الاستفتاء فشل ولتذهب كركوك إلى الجحيم .
وهناك مثال آخر ولو على حساب بني جلدتهم فعند اندلاع التظاهرات في عموم إيران وخشية وقوع نظام ولاية الفقيه وتتحرّر الشعوب في إيران عملت تركية وعبر دولة أذربيجان على ارسال رسائل إلى الأقلية التركمانية والآذرية وحثّهم على عدم التحرك لأنّ أيّ سقوط لنظام الدولة في إيران سيحصل عشرة ملايين كردي على حقوقهم وربّما دولة .
اجتماعات عديدة يعقدها كل من النظام وحزب الاتحاد الديمقراطي في المربع الأمني في كل من مدينتي الحسكة والقامشلي وهناك معلومات تقول عن انتقال الحوار إلى العاصمة السورية دمشق وإلى قاعدة حميمين الساحلية الروسية .
فهل سيمنح النظام السوري أي حقوق للشعب الكردي في سوريا ؟
.
أم أنها مستعدة للتخلي والتضحية بشرق الفرات لصالح تركية في سبيل عدم إعطاء أي حقوق للشعب الكردي في سوريا وهذا ليس غريباً فهو الجناح الآخر لحزب البعث العربي الاشتراكي .
رئيس غريب الأطوار والأفعال لا يتوقف عن مفاجأة العالم بقرارات غريبة وأحياناً مضحكة لأنها تمس أبجدية السياسة الأمريكية الثابتة والمعروفة بعد الحرب العالمية الثانية .
آخر هذه القرارات أوامره بسحب القوات الأمريكية من سوريا في خطوة متناقضة تماماً لما أعلن عنه البيت الأبيض قبل شهرين وهي استراتيجية جديدة لتموضع القوات الأمريكية وربطها بوجود الإرهاب المتمثل بداعش وانسحاب الميليشيات الإيرانية من سوريا .
هذا القرار المتناقض لدولاند ترامب أربك الإدارة الأمريكية وجعلها تفقد التوازن لأيام ووقوف الكثير من أعضاء الكونجرس في دهشة وحيرة من الأمر فالرئيس الأمريكي كان يهاجم دائماً سلفه باراك أوباما حول موقفه من إيران والاتفاق النووي ووفى بوعده في الانسحاب من الاتفاق وفرض المزيد من العقوبات على إيران.
.
ولكن ألا يعلم السيد ترامب إنّ هذه العقوبات تحتاج إلى مراقبة وقوات على الأرض تراقب طريق الموت الواصل من طهران إلى الضاحية الجنوبية لبيروت ومواجهة الروس من الضفة الشرقية لنهر الفرات .
وإذا كان الرئيس الأمريكي يبحث عن عالم جديد يريد خلقه والاستغناء عن الحلفاء وأن دوافع الانسحاب من سوريا هي محلية استعداداً للانتخابات الرئاسية القادمة بعد سنتين فإنّ القرار المتعلق بالانسحاب لا يؤثر في هذا شيئاً كون عديدها ليست ضخمة ولم يقتل أي جندي أمريكي هناك .
مكالمة هاتفية واحدة أحدثت هذا الضجة واظهرت الولايات المتحدة على حقيقتها المعروفة وخاصة تجاه الكرد بأنها تخونهم دائماً دون الوقوف على ما قدمه الكرد من آلاف الشهداء في مواجهة الإرهاب والحرب نيابة عن العالم والولايات المتحدة وأن همّها الوحيد إحراز نصر يتباهى به ترامب أمام الكاميرات .
أردوغان كان زكياً وأطعم حديثه مع تاجر البيت الأبيض بصفقة الباتريوت البالغة ثلاثة مليارات ونصف وعرف أنه يبحث عن ممول لبناء جدار على حدود المكسيك
.
صدم الرئيس التركي بقرار ترامب المفاجئ ولكن في نفس الوقت وضعه في ورطة تصريحاته المتكررة تجاه الكرد وشرق الفرات وكيفية تحقيقها لأنه كان يريد أن يدخل إلى مناطق سيطرة الوحدات الكردية بعد القضاء عليها ويفرض نفسه جنباً إلى جنب مع الجيش الأمريكي في مواجهة صنيعتها داعش ولكن بانسحاب هذه القوات تكون المغامرة محفوفة بالمخاطر والأرض شاسعة وستجعلها المحور المقابل المتمثل بإيران والنظام السوري وربما روسيا من وراءهما في رمال متحركة
أعتقد أن الرئيس التركي يبحث عن نصر خارجي وخاصة على الكرد بعد تدني شعبيته وضعف الاقتصاد وقرب الانتخابات البلدية .
هذه العملية المتمثلة بالسيطرة على شرق الفرات ومنابع النفط والغاز وفرض الرؤية التركية للحل في سوريا تتطلب التفاهم الآن مع الجانب الروسي الذي يرى نفسه أولى بهذه المنطقة ويريد عودة النظام إلى هذه المناطق ولو بشكل رمزي وعدم وصول أردوغان إلى مغارة علي بابا السورية وسلة غذائها وعدم تكرار عمليتي غصن الزيتون (نهب الزيتون) ودرع الفرات (سطو الفرات) اللتين كانت روسيا مجبرة ومكرهة على التوافق حولها.
.
الولايات المتحدة تبحث الآن عن مخرج وحفظ ماء الوجه تجاه الكرد وأن وفداً عسكرياً أمريكياً سيزور أنقرة هذا الأسبوع ومحاولة التقليل من حجم الهجوم التركي واقتصاره على مدينة منبج المتفاهم عليها سابقاً وربما تل أبيض وأن الجانب التركي سيعود للمطالبة بشريط حدودي بعمق 40 كلم على طول الحدود السورية التركية ولكن هذا المطلب رفض من قبل وهو مرفوض من الجانب الكردي وسيلاقي مقاومة شرسة ولا سيما أن جميع التجمعات والمدن الكردية لا تبعد عن الحدود التركية إلا أمتاراً.
وهناك أيضاً اجتماعات تكميلية في واشنطن بين الجانبين في الثامن من الشهر المقبل وكذلك محاولة الرئيس العراقي برهم صالح إيجاد حلول على طريقة قاسم سليماني وقد استفاد من خبرته وتعلّم سريعاً وهو دعوة بعض قيادي قنديل إلى السليمانية ومن ثم الإقلاع من بغداد إلى العاصمة دمشق وإجراء حوار مع النظام في سبيل عودة وانتشار الجيش السوري في المنطقة والحدود التركية ولكن هذه البادرة سوف تفشل لأن النظام السوري ليس مستعداً أن يعطي صفة مختار قرية واحدة لأي شخصية من حزب الاتحاد الديمقراطي وحتى وأن خسر كل الجزيرة السورية لصالح تركيا
.
إلى الآن تركيا ورئيسها أردوغان في رقبتهما دماء الآلاف من السوريين والرئيس التركي يتحمّل وحده فشل الثورة السورية لأنه قام بانتقاء المعارضين السوريين على مقاسه وعنصريته لمحاربة الكرد فقط فهو الآن يتقارب بصمت مع النظام وأن هذه الثورة لم تهزم إلا بفعل السياسة التركية وقطع الإمداد عنها ومحاولتها المستميتة في عدم نيل الكرد لأي حقوق في سوريا وليس بفعل براميل النظام والميليشيات الإيرانية والغطاء الجوي الروسي .
.
الرئيس دونالد ترامب وضع نفسه في مأزق كبير وإذا كان انسحابه من أجل الانتخابات الرئاسية القادمة فربما سينقلب المشهد لغير صالحه وخاصة بعد الطلقة التحذيرية من وزير الدفاع المستقيل ماتيس الذي قال لم يعد من الممكن التسامح مع وجود رئيس يقوم بأعمال بهذا الشكل والتهجم على الرئيس في وسائل الإعلام حيث عنونت مجلة نيوزويك في عددها الأخير نقلاً عن عدد كبير من النواب الجمهوريين اعتقادهم أن الرئيس ترامب غير لائق لمنصبه .
.
ولامتصاص الموضوع وخطورته على المصالح الأمريكية صرّح وزير الخارجية بومبيو أن الولايات المتحدة سوف تلجأ لتكتيك جديد وهو استخدام القوات الخاصة من خارج سوريا وهذا يؤكد حاجة أمريكا لتأمينات لوجستية وعسكرية وقسد من تتعاون معهم .
أعتقد إن هذه الإدارة وصلت إلى الحد المسموح به لوقوع الفضيحة السياسية والاستقالات العديدة دون ردود أفعال تؤثر على شخص الرئيس ترامب وأن استقالة وزير الخارجية السابق تيلرسون ومستشار الأمن القومي ماكماستر ووزير الدفاع ماتيس سيجعل ترامب يفكر ببعض القرارات وربما العودة عن بعضها وتجنب الوقوع في حسابات تؤثر على فرصه في الظفر بولاية ثانية وأن الولايات المتحدة بحاجة إلى وجود دائم ومؤثر في الشرق الأوسط وخاصة في سوريا وإعادة الانتشار بطريقة جديدة وهذا ما سيتحقق.
.
بقلم – رودوس خليل