أورفا مدينة تركية قريبة من الحدود السورية، وتسمى بـ “الرها” عند الأكراد، وكانت منذ زمن – قبل ترسيم الحدود – تشكل السوق التجاري لغالبية الأكراد القاطنين في سهل سروج وما حوله ..
في الحالات العادية كانت المدة الزمنية اللازمة للوصول من مدينتي كوباني إلى أورفا بحدود الساعتين، أما الآن فقد تحتاج إلى أكثر من خمس ساعات، بحكم مرورك بحواجز أكثر من دولة ودويلة عسكرتارية قبل الوصول إلى الحدود.
كان انطباع غالبية السوريين عن أورفة هذه بعد كل زيارة لهم أنها مزيج من الحضارة والتخلف.. وانطباعي عنها قبل أكثر من سبعة أعوام، أنها مدينة تعيش التناقض بين تقدم الإدارة وتخلف السكان .. أما اليوم فقد تغير انطباعي عنها، فوجدت السكان أكثر تحضرا من ذي قبل، إلا أن نظافتها تراجعت قليلاً، وحين سألت عن السبب من أحدهم عزاه إلى كثرة الوافدين من السوريين، ولا أدري لماذا انتابني شعور بالخجل، وفي نفس الوقت جاء كلام محدثي كالصاعقة بالنسبة لي، فقد وجدت فيه نوعا من إهانة مضمرة .
في أورفا للسوريين قصص مختلفة عن العبور، وكلها تتحدث عن محاولات تحطيم المتبقي من الكرامة من لدن أولئك الذين يدّعون الكرامة ليل نهار، لكن القاسم المشترك بين كل القصص يتمحور حول نقطة أساسية وهي، أن الإنسان السوري بات لا قيمة له في نظر الآخرين، حتى وصل الأمر إلى حد، أن البعض من أخوتنا في أورفا يمتنع عن تأجير داره فيما لو عرف أن المستأجر من سوريا .. حقا إنه لأمر حزين .
في أورفا قادني الفضول لأن أتجول في شوارعها إلى أن جلست في حديقة عامة.. مشهد الشوارع والحديقة والصخب الذي يلف الحياة .. جلوس العشاق وهمسات الهيام واستعراض الفاتنات لمفاتنها .. مجموعات السواح من بشرات مختلفة والحميمية التي تمد الخيال بمزيد من الخصوبة، كل ذلك استفزت ذاكرتي المحرومة منذ أكثر من سنتين من مشاهد مماثلة وأنا الذي كنت انتمي إقامة إلى مدينة حلب، تلك المدينة التي طالما كانت وجهة لمن يود البحث عن مفردات الحياة، والتي تحولت بقدرة قادر إلى حقيبة سفر وسط زوبعة هوجاء وأمواج عاتية من الرياح التائهة .. نعم وجدت نفسي أقارن لا شعوريا بين المشاهد هنا وهناك وأنا أتساءل عن الإنسانية وما يطمح إليه الإنسان، بعيداً عن السياسة ولوثتها مع أن الكل يكتوي بنهارها كما في بلدي .
وسط الحديقة كانت مجموعة شبان تصغي إلى عزف سوري من بزق كردي يرتل أناشيد الثورة وكأنها تريد أن تقول حتى في الغربة مشدودون إلى الأمل، وعلى مقربة منهم طفل منهمك في أداء عمل من نوع معين، فهو لا يكل عن القيام بعمليات المساج لشخص عريض المنكبين، ذكرني بالبعض من أبناء سوق المدينة في حلب، ولا أدري لماذا انتابني شعور أن الطفل لابد أن يكون سوريا ..
في هذا الجو الهادئ/الصاخب لم أشعر إلا والشريك الذي يقاسمني المقعد ينكزني ويحاول أن يشرح لي بلغة الإيماء أن جرس هاتفي يرن، وقد كان محدثي في الطرف الآخر ثوريا سوريا يعيش أجواء اسطنبول ومغرياتها يشرح لي عن مواقف الائتلاف من القضية الكردية ومستقبل الدولة وشكلها، فيما كنت أعيش الصمت والذهول مما يجري من حولي وكان السؤال الذي يأخذني إلى المجهول أو اللا إجابة، ترى الذي يعيش بعيدا عن بلده وآلامه وهو يقاسم الآخر ملذات الحياة إلى متى سيبقى مرتبطا بذاك الوجع؟ وقد تخيلت حينها أن صديقي ذاك يشبه العاشق الذي تسأله عن عشيقته فيقول لك العشق وباء وتسأله بعد فترة فيكون جوابه كانت لحظة طيش عابرة ..!!