فرمز حسين
القوى الدولية تمارس أسوأ أنواع الغبن السياسي تجاه الشعب السوري في محنته ومعاناته التي شارفت على دخولها في عامها الرابع متمثلا بانحصار جلّ تفكيرهم في شكلين للسلطة أحلاهما مر. هذا الأمر هو الذي يفسر مواقفهم المتخاذلة تجاه الأحداث الدامية في البلاد و يمنع توصلهم الى اتفاق في مجلس الأمن من شأنه وضع حد للمذابح التي يتعرض لها السوريون , هذه ليست مجرد استنتاجات بل هي وقائع صبغت صيرورة الأحداث المؤلمة في البلاد و سدّت جميع منافذ الخلاص أمام السوريين الطامحين الى الانتقال السلمي ببلادهم من حكم استبدادي الى آخر ديمقراطي , تعددي, مدني.
يقول السويدي يان إلياسون نائب الأمين العام للأمم المتحدة في كلمة له ألقاها في جامعة أوبسالا الأسبوع الماضي بمناسبة مرور مائتي عام من السلام على السويد وانقضاء مدة مائة عام منذ الحرب العالمية الأولى, نشرت صحيفة سفينسكا داغبلادت مقتطفات منها:
صعوبة التوصل الى اتفاق في مجلس الأمن هو العائق أمام التوصل الى حل سلمي و الحرب الدائرة في سورية هي الأكثر صعوبة , إيلاما ومصدرا للقلق أكثر من أية بقعة أخرى في العالم اليوم.
يضيف إلياسون قائلا: لقد طال أمد النزاع في سورية كثيرا , حيث كان حله أسهل لو أن العالم الخارجي تدخل منذ بداية التظاهرات المناوئة للسلطة , المشكلة أن أعداد الضحايا ترتفع , يزداد حجم الدمار, تتفاقم المعاناة وتتعاظم درجة الكراهية بين الأطراف المتنازعة مع كل شهر يمر.
سورية وطن فقد أمل الخروج من نفق القتل المظلم , مع التفاتة بسيطة إلى الخلف لاستحضار أسباب الاحتجاجات السلمية نرى أنها كانت في مجملها ترنوا للوصول إلى تحرير المواطن من عقدة الخوف , كسر طوق التبعية , الشعور بالعجز تجاه استبداد النظام والرعب الذي زرعه في نفوس المواطنين على مدى عقود من الزمن , من كتم للأفواه ,غياب العدالة الاجتماعية ,الاستحواذ على الامتيازات من قبل شرائح محدودة من المجتمع , تصنيف النظام للسوريين في درجات متباينة على أسس طائفية , حزبية , قومية , طبقية كانت من أهم العوامل المحركة للشارع السوري للنهوض ضد الطغيان.
الذي يحصل الآن في ظل الـتأثيرات الدولية و الاقليمية على أطراف النزاع هو تغيير كامل لتوجه الثورة ووصولها مسارات غدت بعيدة عن العوامل المذكورة آنفا ليس ذلك فحسب بل في ظل المعطيات التي يفرزه الوضع المأساوي فإن عوامل الثورة ستبقى قائمة حتى لو رحل النظام فهناك الجماعات الاسلامية المناهضة للسلطة وخطابها السياسي الطائفي الذي لا يبشر بالخير والتي تأتي من بعض شخصيات المعارضة السياسية الذين يقدمون أنفسهم كمشاريع قادة المستقبل, هم يريدون كما قال “كمال اللبواني”على قناة الجزيرة بأن : سورية ستكون دولة عربية اسلامية سنية شاء من شاء وأبى من أبى !؟
بير جونسون محرر في معهد الشؤون الخارجية السياسية السويدية ,مراسل سابق في الشرق الأوسط ومن المتابعين والمعلقين للشأن السوري منذ انطلاقة الاحتجاجات ربيع 2011 يقول في الصحيفة نفسها والتي تعدّ من كبريات الصحف السويدية اليومية:
بدأت الاحتجاجات في سورية سلمية بعد خمس سنوات متواصلة من الجفاف من قبل شعب مظلوم ضد حكم ديكتاتوري متأئرا برياح التغيير التي هبت مع الربيع العربي و أطاحت بحكام تونس, مصر, اليمن, ليبيا , الفرق بين سورية و مصر أن الجيش السوري لم يقف بجانب الثائرين وتحوّل إلى صراع مسلح سرعان ما سيطرت المجموعات الجهادية الاسلامية الداخلية والخارجية على جانب المعارضة, اثنان منهم على الأقل على ارتباط مباشر مع تنظيم القاعدة الإرهابي (جبهة النصرة ودولة العراق والشام).
يتابع يونسون : الحقيقة المؤلمة الآن هي أنّ هذه الحرب ليست بين شعب مسالم متعطش للحرية وبين نظام شمولي جائر ومعزول , أعمال العنف التي تسببت بتشريد ملايين السوريين من بيوتهم يتحمل مسؤوليتها الطرفين أو بالأحرى جميع الأطراف لأنّ مسلحي المعارضة قاتلوا بعضهم البعض مثلما فعلوا مع النظام.
تضيف الصحيفة:
قبل أعياد الميلاد بقليل نشرت معهد دراسات الشرق الأوسط في واشنطن دراسة رائدة لمختارات بعنوان “العلوم السياسية في الحرب السورية ” اشترك فيها 17 باحثا سياسيا لتحليل الحروب الأهلية التي جرت بعد الحرب العالمية الأولى بغرض استنباط العبر منها في الحرب المحتدمة في سورية اليوم.
تقول الدراسة : 125 حربا أهلية تجاوز عدد القتلى فيها على الألف شخص في السنة نشبت منذ 1945 , دامت تلك الحروب وسطيا 10 سنوات , هذا يعني أن الحرب السورية ما زالت في بداياتها , غالبية تلك الحروب انتهت بانتصار عسكري لطرف على آخر , اثنان من أصل ثلاثة انتصرت فيها القوات الحكومية , واحد من أربعة انتهت من خلال التوصل الى توافق سياسي.
هذه الدراسة تدفعنا الى التفكير بنسب النجاح المأمولة من مؤتمر جنيف 2 المزمع عقده في” مونترو” السويسرية أواخر الشهر الجاري , كل الدلائل تشير الى أن فرص التوصل الى حل مبدئي في ضوء المعطيات الموجودة على الساحة الآن شبه معدمة , حيث الأطراف التي تنفذ عمليات القتل والتدمير , نظام البعث بقيادة الأسد لن يقبل بأية تنازلات عن السلطة خاصة مع تصريحات كيري الأخيرة حسب نيويورك تايمز التي مفادها بأن ايران قد تشارك في المؤتمر, الأمر الذي يشجع النظام على الاستمرار في قصف المدن بالبراميل المتفجرة ولا ننسى الخلافات الكبيرة والاستقالات الجماعية من الائتلاف المعارض الذي لا يزيد الا في الطين بلّة . من جهة أخرى أين مصلحة إيران من رحيل الأسد؟ أين مصلحة جبهة النصرة ودولة العراق والشام من سورية دولة يعمّها السلام؟
فرمز حسين
2014-01-09
ستوكهولم
.