الصراع الأمريكي – الإيراني داخل الفرع السوري لمنظومة PKK

آراء وقضايا 15 مايو 2021 0
الصراع الأمريكي – الإيراني داخل الفرع السوري لمنظومة PKK
+ = -

كوردستريت || مقالات 

بقلم شاهين أحمد

ــــ يوماً بعد آخر يطفو على السطح ، الصراع الذي بقي خفياً لمدة طويلة داخل الفرع السوري لحزب العمال الكوردستاني ، ولكن هذا الصراع بدأ شيئاً فشيئاً يتوضح ملامحه وأطرافه مؤخراً ، وكذلك المحسوبين على طرفي الصراع تنكشف هوياتهم أكثر فأكثر، وخاصةً بعد إنطلاق مفاوضات وحدة الصف الكوردي بين المجلس الوطني الكوردي قي سوريا ENKS من جهة ، وأحزاب الوحدة الوطنية الكوردية PYNK ( بقيادة PYD ) من جهة ثانية ، على اثر المبادرة التي أطلقها قائد قوات سوريا الديمقراطية، والقيادي في PKK مظلوم عبدي وذلك قبل نحو سنة .
ولعل أحد أبرز أوجه هذا الصراع يتجسد في التصفيات الجارية في أوساط الإدارة الذاتية المقادة فعلياً وحتى هذه اللحظة من قبل كوادر وقيادات PKK جناح قنديل . وسبق لنا أن كتبنا في طبيعة ومخاطر هذا الصراع ، وأسبابه ، وأطرافه ، والوجود الإشكالي لحزب PKK خارج ساحته ، والنتائج الكارثية لهذا الوجود وهذا الصراع على أبناء شعبنا في كوردستان سوريا وكذلك على كوردستان العراق وكوردستان إيران .
ولكن الجديد الذي ظهر في هذا الصراع الداخلي الكبير والخطير ، هو الصراع الإيراني – الأمريكي داخل الفرع السوري لهذه المنظومة ، حيث تعمل أمريكا كما نعلم على قصقصة أجنحة إيران في بعض المناطق ، لتغيير سلوك نظام الملالي الإيراني ، من أجل تحسين شروط التفاوض ، للتوصل إلى اتفاق نووي جديد ، يشمل بعض أنواع الصواريخ البالستية ، والحد من بعض التدخلات الإيرانية ، والإبقاء على بعض العقوبات الخاصة عليها …إلخ ،وما المعارك التي حصلت مؤخراً في قامشلو بين أسايش PYD وميليشيا الدفاع الوطني المعروفة بولائها لإيران إلا أحد مظاهر هذا الصراع .
كما سبق أن وضحنا في أكثر من مناسبة بأن الفرع السوري لهذه المنظومة يتكون من تيارين متباينين ، الأول : يتكون من بعض الكورد السوريين وغالبية أخرى من كوادر PKK من خارج كوردستان سوريا، وهو تيار مغامر مرتبط عضوياً بقنديل بشكل تام ، وينفذ إملاءات ذاك المركز بشكل كامل ، ويقف ضد أي مسعى للتقارب الكوردي – الكوردي ، ويعرقل أية محاولة من شأنها فرز طبقة قيادية بخصوصية كوردية سورية من داخل هذا الفرع ، ويحاول فرض إرادة قنديل بشكل مطلق على مختلف مفاصل الفرع السوري، وكذلك مختلف الهيئات والإدارات التابعة لهذا الفرع، كما يحاول هذا التيار خلق انطباع عام بأن كورد سوريا كلهم من أنصار PKK ،ويحاول نقل صراع هذه المنظومة مع الدولة التركية إلى مناطق كوردستان سوريا وذلك على حساب الشعب الكوردي في هذا الجزء الذي يشكل مصدراً مهماً للمال والرجال . الثاني : وهو تيار عقلاني نسبياً ، ويتكون هذا التيار بالكامل من كورد سوريا الذين انتسبوا لصفوف حزب العمال الكوردستاني منذ منتصف ثمانينات القرن العشرين وحتى اليوم ، ومنهم من خدموا في مختلف المواقع العسكرية لقوات الحزب في الجبال ، وعادوا إلى مناطق كوردستان سوريا بعد انطلاق الثورة السورية في منتصف آذار 2011، بعد تسليم بعض المناطق الكوردية لحزب PKK بموجب اتفاقية دوكان المعروفة ، وباتوا يشعرون بمخاطر وجود قيادات وكوادر الحزب الذين اصولهم من خارج كورد سورية في هذه المناطق ، وتخوفهم المشروع من تكرار مآسي عفرين وكري سبي / تل أبيض وسري كاني / رأس العين ، ولكن هذا التيار من جملة مايحتاجه : قيادة منظمة وموحدة وواعية وجريئة لوضع حد نهائي لنفوذ قنديل ، وأخذ المبادرة ، وتسريع المفاوضات مع المجلس الوطني الكوردي للتوصل إلى اتفاق واقعي قابل للعيش ، ومن ثم إنجاز اتفاق بين مكونات المنطقة للتخلص من سطوة قنديل ، ولقطع الطريق على أية حروب جديدة .
أسباب الصراع وأطرافه وأهدافه
من المسلمات في عالم السياسية بأنه لايوجد صراع على الإطلاق بدون أسباب ، وانطلاقاً من هذه المسلمة ، من الطبيعي أن يسأل المرء عن أسباب الصراع الذي نراه اليوم داخل المنظومة المذكورة ، ولعل من بين أهم الأسباب المباشرة – وربما المؤقتة – تلك المتعلقة بالصراع بين أمريكا وإيران ، وذلك للأسباب التي تم ذكرها في المقدمة بصورة مختصرة ،وخاصة تلك المتعلقة بتحسين شروط التفاوض بين الطرفين ( أمريكا وإيران ) حول العودة إلى الاتفاق النووي بشروط جديدة . وكذلك مايتعلق منها بالحد من النفوذ والتدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة ومن بينها سوريا . لكن هناك سبب آخر أكثر عمقاً في هذا الصراع وهو المتعلق بشعور شريحة كبيرة – التيار العقلاني – من أعضاء وأنصار الفرع السوري لـ PKK بأنهم يتحولون يوماً بعد يوم إلى وقود لمعارك وصراعات قنديل الاقليمية ، والكثير من تلك المعارك لا ناقة لكورد سوريا فيها ولا جمل ، وكذلك بالتهميش الذي يتعرضون له من جانب كوادر قنديل الذين يسيطرون على مفاصل القرار والهيئات والإدارات والمال والاقتصاد بصورة فعلية ، ورغبة بعض هؤلاء – التيار العقلاني – بالتخلص من سيطرة المركز ، ووقف نزيف الدم الكوردي السوري ، والتوصل إلى مظلة مشتركة مع الحركة التحررية الكوردية في سوريا بشكل عام والمجلس الوطني الكوردي بصورة خاصة ، وقطع الطريق أمام التدخلات العسكرية ، ومنع تكرار التجارب المأساوية التي حصلت في المناطق المذكورة. ونتذكر جيداً التباين الواضح في الموقف بين قائد قوات سوريا الديمقراطية والقيادي في حزب العمال الكوردستاني مظلوم عبدي ،والقيادي البارز في منظومة PKK في قنديل جميل باييك بعد توقيع عبدي عقوداً مع شركات أميركية لاستخراج النفط في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية ، حيث اعتبر باييك في تصريحات صحافية مطلع آب/أغسطس 2020، أن “حكومة النظام السوري لا تزال تتمتع بالشرعية القانونية والدستورية من الأمم المتحدة “، مضيفاً ” أنه إذا ما كان الاتفاق النفطي مع الشركة الأميركية قد جرى وفق تفاهمات مع السلطات السورية فهذا ممكن ومقبول ، لكن إذا ما كان الاتفاق مبرماً من طرف واحد فقط ، علينا أن نقف عنده “.
لذلك كلما تأخر التوصل إلى اتفاق نووي جديد بين أمريكا وإيران ، فإن الصراع داخل الفرع السوري لـ PKK سيشتد وسيظهر بوضوح يوماً بعد يوم ، وربما نشهد تصفيات متبادلة لرموز التيارين داخل المنظومة المذكورة ، وقد تطال عمليات الاغتيال بعض الشخصيات خارج تلك المنظومة ، وهناك أكثر من طرف متضرر من التقارب بين الطرفين الكورديين الفاعلين والمشاركين في مفاوضات وحدة الصف ، وفي مقدمة تلك الأطراف يأتي نظام البعث . وبالتالي فإن الأيام القادمة قد تكون حاسمة في هذا الجانب لجهة سيطرة تيار على الساحة بعد انسحاب أو تصفية رموز وقيادات التيار المنافس ، وبكل أسف التيار المغامر والمرتبط بقنديل مازال هو الأقوى ، وهو المدعوم من أكثر من طرف محلي واقليمي ، وبالتالي على التيار العقلاني الذي يؤكد ويطمح إلى إبراز خصوصيته الكوردية السورية ، أن يكون جريئاً وواقعياً ، وأن يدرك جيداً بأن الوقت ليس في مصلحته ، لذلك عليه أخذ زمام المبادرة ، والتحرك سريعاً لإخراج كافة كوادر PKK العسكرية والسياسية والإدارية التي تنحدر اصولها من خارج كوردستان سوريا فوراً ، وتسريع عملية التفاوض مع المجلس الوطني الكوردي للتوصل إلى اتفاق من شأنه إعادة قوات بيشمركة روج إلى أرض الوطن ، ومن ثم التوصل إلى اتفاق واقعي يعكس إرادة مكونات المنطقة وفق نسبها وعلى أساس الشراكة والتوافق والتوازن ، وضمن المفهوم العام للمشروع الوطني السوري التغييري الشامل ، لإعادة إنتاج جمهورية سورية إتحادية ، بنظام ديمقراطي مدني تعددي على مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية .
ومن الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن الصراع داخل المنظومة سوف يأخذ أشكالاً متعددة ، مثل حملات مكافحة الفساد ، أو مكافحة الإرهاب ، أو بتهمة العمالة والارتباط بالعدو المفترض ، أو الخروج على مقدسات فلسفة الأمة الديمقراطية …إلخ . وجدير ذكره هنا أن كل الداعمين الجديين للمفاوضات الكوردية – الكوردية داخل حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية معرضون لعمليات التصفية سواءً الجسدية أو السجن والخطف ، أو الإبعاد والإقصاء من مراكز القرار ، لأن التيار المغامر يدرك تماماً أن التوصل إلى اتفاق كوردي – كوردي يعني تقوية نفوذ التيار العقلاني ، وبالتالي سحب البساط من تحت أقدام التيار المغامر ، لأن شروط وثوابت المجلس الوطني الكوردي واضحة تماماً منها : الإعلان عن فك الارتباط بين PYD وPKK ، وإخراج كافة الكوادر التابعة للأخير من سوريا ، وبيان مصير المفقودين ، وصياغة اتفاق شامل من النواحي الإدارية والسياسية والأمنية والعسكرية والمالية…إلخ، وإعادة قوات بشمركة روج إلى الوطن ، وإعادة صياغة عقد اجتماعي جديد …إلخ ، بمعنى إنهاء نفوذ PKK في سوريا . وهذا لن يكون سهلاً أو نزهةً ، لأن التخلي عن كنوز المال والرجال قد لا يتم إلا عبر بحار من الدماء بكل أسف.
ومن هنا يأتي أهمية وجدية الدور الأمريكي ، لأن هذا الدور إن لم يكن فاعلاً ومؤثراً وحاسماً ، سيتم تسليم كامل المنطقة المعروفة بشرق الفرات للنظام وإيران والميليشيات المختلفة التابعة للأخيرة . وهناك جانب آخر له كثيرمن الأهمية ، وعلى علاقة بهذا الموضوع وهو العلاقة مع المعارضة السورية ، وكذلك أخذ التوجسات الاقليمية وفي مقدمتها التخوفات التركية بعين الاعتبار ، وذلك من خلال تقديم تطمينات للجهات المعنية بأن المشروع الكوردي في هذه المنطقة هو عامل استقرار وسلام ، ولن يكون موجهاً ضد أحد ، ويشكل حلقة هامة في المشروع الوطني السوري التغييري الشامل .ولاننسى هنا موقف إيران وحزب العمال الكوردستاني الرافض لأي مسعى من شأنه تحقيق توافق بين ENKS و PYNK ، وكذلك حصول أي تقارب بين الكورد والمعارضة الوطنية السورية المؤمنة بتغيير نظام البعث ، وإقامة سوريا جديدة. وحسب العديد من المصادر، فإن قادة قنديل ومن خلال تيارهم المغامر والرافض للتقارب الكوردي – الكوردي قد عقدوا لقاءات غير معلنة مع قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي من أجل الحد من نفوذ مظلوم عبدي تمهيداً لإخراجه من المشهد نهائياً. وهنا من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن تصريحات آلدار خليل – ( بالرغم من ترأسه لوفد PYNK في المفاوضات مع ENKS) – المتكررة والمسيئة للمجلس الوطني الكوردي وقوات بيشمركة روج والمرجعية القومية الكوردستانية كلها لا تأتي في إطار عرقلة المفاوضات فحسب ، بل وخدمة لأجندات التيار المغامر الرافض للمفاوضات والساعي لنسفها من الأساس .
ومن مظاهر الصراع داخل الفرع السوري على سبيل المثال حصول اعتقالات وتصفيات شملت أسماء مهمة من قادة حزب الاتحاد الديمقراطي وقسد المحسوبين على التيار العقلاني المذكور ، حيث تم استدعاء قسم منهم إلى جبال قنديل مركز قيادة PKK ، وعقد محاكمات شكلية لهم ، ومازال مصير غالبيتهم مجهولاً حتى لحظة كتابة هذه الكلمات ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ” القيادي Dozdar hemo دوزدار حمو ” الذي تم تصفيته ، والقيادية خالدة وغيرهما ، علماً أن القياديان المذكوران كانا محسوبين على التيار العقلاني وينحدران من كورد سوريا – منطقة عفرين .
ملخص الكلام
إذا استمر التجاهل الأمريكي لما يجري من صراع وجودي بين التيارين المذكورين داخل الفرع السوري لـ PKK، فإن المشروع الأميركي المتعلق بإنجاز اتفاق كوردي – كوردي بين ENKS و PYNK ، والذي جاء من خلال مبادرة قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي سوف يفشل ، وخاصة أن المفاوضات متوقفة منذ أكثر من خمسة أشهر نتيجة عرقلة التيار المغامر المذكور ، وعودة ظاهرة خطف القصر والنشطاء، وكذلك التصريحات المسيئة واللامسؤولة والمتكررة لـ آلدار خليل . وربما كان انشغال الأمريكيين بترتيبات انتقال الإدارة من الحزب الحزب الجمهوري إلى الديمقراطي ، وكذلك تركيز الرئيس الأمريكي خلال الـ 100 يوم الأولى من تسلمه الحكم على الأولويات الداخلية ، ومكافحة جائحة كورونا ، كان له تفسيره الخاطئ لدى التيار المغامر بأن مرحلة الضغط على هذه المنظومة قد انتهت ، وبالتالي جهود أمريكا في قصقصة أجنحة إيران في هذه المساحة ( منطقة شرق الفرات ) سوف لن تنجح !.

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر