كوردستريت|| آراء وقضايا
صلاح بدرالدين
منذ سقوط الدكتاتورية وبعبارة اصح بعد ترك الأمريكيين العراق لقمة سائغة لنظام طهران ، تحول الى بلد ملحق لنظام الولي الفقيه الذي اعتمد كليا على موارد البلد النفطية الهائلة خاصة بعد تعرضه للعقوبات والحصار الاقتصادي ، من جانب االمجتمعالدولي ، وبدا الحرس الثوري الإيراني بالتغلغل ، والسيطرة على المؤسستين العسكرية ، والأمنية ، وفي مرحلة لاحقة تم مصادرة المؤسسة القضائية ، والتحكم بمصير البرلمان كسلطة تشريعية ، واصبح التقليد المتبع لدى العراقيين انتظار قرار طهران في تعيين الرئاسات الثلاث : االحكومة ، والبرلمان ، والجمهورية ، وقد سار ذلك بالتزامن مع اقدام الحرس الثوري الإيراني ، والأجهزة الأمنية على تشكيل العشرات من الميليشيات المسلحة بأسماء ذات صفات مذهبية ، والتي انضوى معظمها في ميليشيات – الحشد الشعبي – السيئ السمعة الذي اصبح الذراع الضارب في الداخل العراقي من الجنوب الى كردستان ومن الغرب الى الشرق لكل من يبدي موقفا مغايرا لسياسات النظام الإيراني .
يقف نظام طهران وراء كل المواقف والممارسات ،والقرارات المعادية لشعب كردستان العراق ولفدرالية كردستان ، التي تصدر من الحكومات العراقية المتعاقبة ، ومختلف المؤسسات الفدرالية ، وفي مسالة عرقلة حل القضايا المتنازع عليها ، ومسالة النفط والغاز ، وميزانية الإقليم ، وقضية كركوك ، إضافة الى ان نظام طهران له ضلع مباشر ومن خلال حكومات المركز ، حتى في الخلافات الكردية الكردية في إقليم كردستان العراق
وفي ظل السيطرة الإيرانية الكاملة تحول العراق من دون اعلان وضجيج الى العضو الأهم في ماسمي ” بمحور المقاومة ” فكان ومازال الداعم المالي الأول ، وخزانا بشريا لتشكيلات ميليشياوية ، ومكانا مناسبا لتجميع وتنظيم مرتزقة من ايران ، وأفغانستان ، وباكستان وارسالهم الى سوريا ، ولبنان ، واليمن لتنفيذ مهام قتالية ، وعمليات تدريب ، واغتيالات ، وتخريب لمصلحة طهران ومن خلال حرسه الثوري الذي تكفل بمهام نشر العقيدة الخمينية التي ظاهرها ديني مذهبي ، وجوهرها قومي شوفيني عنصري ،وتنفيذ مهمة التصدي لمشاريع بناء الدول الحديثة ، ولاهدافثورات الربيع في التغيير الديموقراطي ، واثارة النعرات المذهبية ، والقومية .
منذ اندلاع الثورة السورية كانت الحكومات العراقية المتعاقبة على صلات ، وعلاقات مع نظام الأسد ، وقدمت له الدعم المادي ، والقتالي ، بل زودته بالمعلومات عن المعارضة السورية ، وخرقت قرارات الجامعة العربية ، ومجلس الامن ، بهذا الشأن ، كما ساهمت هذه الحكومات في حروب ايران بالمنطقة ، والاعتداء على الدول العربية الى درجة ان الكثير من الصواريخ الموجهة الى المنشآت السعودية كانت تنطلق من الأراضي العراقية .
يجمع المراقبون ان الحكومة العراقية الحالية هي الأكثر تبعية لنظام طهران في تاريخ مابعد اسقاط الدكتاتورية ، ولايمكن للإقليم التفاهم والتعاون معها الا باشرافورضى حكام طهران ، وقد لفت التصريح الأخير لوزير خارجية العراق انتباه المراقبين عندما اعلن ” ان هناك تعاون امني عراقي إيراني حول وجود المعارضة الكردية الإيرانية بكردستان العراق ، ومسالة نزع أسلحتها ، وابعادها عن مناطق الحدود …” كما اعلن عن ” إقامة اكثر من ٧٠ مركز عسكري على الحدود المشتركة مع كردستان ايران لتنفيذ ذلك الاتفاق ” وهناك اخبار تتردد بان الحكومة العراقية وبامر من طهران ابطلت اكثر من ( ١٥٠٠٠ ) جنسية منحت لكرد من ايران وسوريا وتركيا من جانب حكومة الإقليم قبل نحو عشرين عاما ، ولاشك ان تنفيذ الامر سيخلق مشاكل إنسانية ، واجتماعية ، واقتصادية لاكثر من ( ١٠٠٠٠٠ ) انسان على اقل تقدير .
مقابل ذلك فان الحكومة العراقية تتواطأ مع الحشد الشعبي في دعم واسناد وجود عسكري لقوات ب ك كفي سنجار ، وتتراجع عن الاتفاقية المبرمة مع حكومة إقليم كردستان بشان اخراج المسلحين الاجانب من سنجار ، أي تتغنى بالسيادة عندما تطلب ايران ، وتسكت على خرق السيادة عندما ترضى ايران .
ويقول موقع “بلومبيرغ في تقرير له الأسبوع الماضي، ” إن الأسواق النفطية خسرت 47 مليون برميل منذ أنصفت محكمة تجارية دولية في باريس، بغداد في آذار/مارس الماضي، بالاعتراض على شحنات النفط المباعة من الحقول في اقليم كردستان، وخاصة من كركوك الى تركيا لتصديرها عبر ميناء جيهان التركي، ما أجبر أنقرة على وقف تدفق النفط فوراً عبر شمال العراق، فيما لا توجد مؤشرات على امكانية استئناف التدفقات النفطية في وقت قريب، وهو ما يجلب خسارة للعراق تقدر بنحو 33 مليون دولار يومياً، ما يطرح تساؤلاً عما إذا كانت عملية إعادة إحياء خط كركوك-بانياس، ستكون بمثابة البديل الطبيعي والملح أمام بغداد، في حين أنه من المؤكد أن دمشق ستجني مكاسب بديهية من رسوم العبور والخدمات والتصدير. ماذا أيضاً بين بغداد ودمشق؟ هناك مشروع السكك الحديدية بين شلمجة في إيران والبصرة في العراق المتوقع استكماله خلال أقل من عامين، والمقدّرة كلفته بحوالي 10 مليارات دولار. التصورات القائمة بين الطرفين الإيراني والعراقي أن الخط سيمتد تدريجياً باتجاه مدينة القائم على الحدود، ومنها إلى محافظة حمص ثم دمشق، وربطاً بمدينة اللاذقية على البحر الأبيض المتوسط أيضاً..”
من الملفت مدى الازدواجية التي تمارسها الحكومة العراقية الراهنة عندما تزعم انها وسيط محايد لراب الصدع بين السعودية وايران في حين انها تقوم بذلك الدور كطرف في صف الإيرانيين .
وقد جاءت الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة العراقية لدمشق لتدشن مرحلة متقدمة في العلاقات بعد الانفتاح العربي على نظام الأسد ، ( حيث لعب العراق دورا بهذا الصدد ) وعلى ضوء امتناع الاخير عن تنفيذ الشروط المطلوبة وخصوصا الحد من النفوذ الإيراني ، واغلاق مصانع – الكبتاغون – واطلاق سراح السجناء ، والاتفاق مع المعارضة لتشكيل حكومة مشتركة ، وإعادة النظر في الموضوع العسكري الأمني .
ومن غير المستبعد ان تكون للزيارة علاقة بالتطورات الأخيرة في المنطقة بتكليف من ايران لتوفير عوامل جديدة لحماية نظام الأسد ، بعد قرار الدول الخليجية بمغادرة مواطنيها من لبنان ، وازدياد حدة التوتر في المخميات الفلسطينية ، وقيام حزب الله بتسريع عملية التسلح تحضيرا لامر ما ، يضاف الى كل ذلك ازدياد الصراع الدولي حول دول افريقيا ، واسيا والشرق الأوسط ، وإعلان طهران عن حصوله على أسلحة متطورة استراتيجية .
شعوب الشرق الأوسط ودولها في قلب الازمة ،ووتعاني من المشاكل المستعصية ، وضمن قوس الحروب والمواجهات المحدودة عبر الوكلاء المحليين ، فهل ستتطور الأمور الى مفاجآت لم تكن بالحسبان بعداستمرار العدوان الروسي على أوكرانيا ؟ .