
القضية الكردية في سوريا ليست وليدة الحاضر فهذه القضية ولدت مع بروز الاتفاقية المشئومة بين مارك سايكس البريطاني وجورج بيكو الفرنسي بعد الاتفاق بين دولتي بريطانيا وفرنسا على تقاسم منطقة الهلال الخصيب (حوض نهري دجلة والفرات، والجزء الساحلي من بلاد الشام) في مابينهما بعد الحرب العالمية الأولى. وبدون الدخول في تفاصيل أكثر عن هذه الاتفاقية المشئومة فقد تم إنشاء دولتي سورية والعراق و بالتالي إنشاء الحدود في ما بينهما و بين تركيا الوريثة الشرعية للدولة العثمانية أي بمعنى آخر أصبحت جغرافية كردستان ( وهي وطن الكرد ) بين أربع دول رئيسية تركيا و إيران و العراق وسوريا إضافة لجزء صغير في ارمينا ومنذ ذلك الحين أصبح الكرد في سوريا مجبرين أن يعيشوا مع شركائهم في الوطن الجديد وأصبح دولتهم هي الدولة السورية الحديثة و لكن وبسبب الحكومات الشوفينية المتعاقبة بالإضافة إلى عقلية الكردي و تمسكه بالإسلام كخطوة أولية لبناء شراكة حقيقية مع إخوتهم العرب المسلمين أصبح الكرد منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم يناضلون في سبيل تأمين حقوقهم القومية ككرد خصوصاً بعد انتشار فكرة القومية العربية بعد الوحدة بين سورية ومصر و محاولة الحكومات في تلك الفترة في طمس للقوميات الأخرى في بوتقة القومية العربية، هذا النضال كان عبر أحزاب ومنظمات وشخصيات كردية تسعى جاهدةً في سبيل تحقق الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في سوريا.
.
بعد ثورات الربيع العربي ضد الدكتاتوريات ومنها ثورة 18 آذار في سوريا ضد دكتاتورية بشار الأسد و من معه في السلطة، بدأت سقف المطالب الكردية في الارتفاع تماشيا مع الظرف، و في الوقت الحالي ورغم التماسك العرقي للكرد السوريين، ثمة انقسامات سياسية وخلافات حادة بينهم، حول طبيعة قضيتهم وسقف مطالبهم. فوجود أحزاب كردية كثيرة، يعكس الشرخ الكبير في البيت الكردي.
.
الحرب السورية الراهنة، بقدر ما ساهمت في إبراز قضية الكرد في سوريا، كذلك زادت الوضع الكردي تعقيداً. فالقوى السياسية الكردية، المنقسمة اليوم بين كتلة (حزب الاتحاد الديمقراطي)، الذي يأخذ من “جبال قنديل” العراقية مرجعية له، حيث تتواجد قيادة حزب العمال الكردستاني(pkk )، وكتلة ( المجلس الوطني الكردي) المنخرط مع ما يعرف بـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” و الهادفة إلى تغير نظام الحكم في سوريا ، ويأخذ من (اربيل) مرجعية له، بالإضافة إلى أحزاب أخرى منها الحيادية ومنها الأقرب إلى حزب الاتحاد الديمقراطي باعتبار الأخير ذو قوة وسلطة ونفوذ في كردستان سوريا.
.
حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd)، الذي نشأ في سوريا عام ( 2003) بعد اعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، يُعد اليوم أقوى الأحزاب الكردية السورية، بات له جيش قوي وقوى أمنية ومجتمعية ومنظمات وهيئات اقتصادية وإدارية، يدير المناطق الخاضعة لسيطرته “إدارة ذاتية” وفق عقلية “الحزب القائد”، بمشاركة شكلية من بعض الأحزاب والمنظمات الكردية ومن أبناء القوميات الأخرى (عربية، آشورية، ارمنية ). حزب( pyd) يُعد الفرع السوري لـ(حزب العمال الكردستاني- تركيا) ذات العلاقة الوثيقة مع حكم آل الأسد. هذه العلاقة مرت بمراحل فتور ونكسات في أواخر عهد الأسد الأب بعد إبعاد زعيم الحزب عبد الله أوجلان عن سوريا، لتعتقله السلطات التركية فيما بعد، لكن على قاعدة تقاطع المصالح والعدو المشترك(تركيا)، سرعان ما دخلت العلاقة بينهما في “شهر عسل” جديد، مع انطلاق حركة الاحتجاجات الشعبية المناهضة لدكتاتورية بشار الأسد وحكمه ، انسجاماً مع عقيدته اليسارية، المطعمة ببعض مبادئ ومفاهيم الليبرالية الغربية، أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي عن تخليه عن ما يسمى بـ”كردستان سوريا أو غرب كردستان/روج آفا” لصالح مشروعه الأممي” الأمة الديمقراطية”. هذا التحول في إستراتيجية الحزب، يفسر إلى حد بعيد تمدده العسكري في الجغرافيا السورية، متجاوزاً الخرائط العرقية/الديمغرافية/السياسية لأكراد سوريا.
.
على الجهة الأخرى ف (المجلس الوطني الكردي)، يضم أقدم الأحزاب الكردية السورية، وثيق العلاقة بمسعود البرزاني وحزبه، المجلس الكردي متمسك بـ” مقولة كردستان سوريا”، ويسعى إلى أن تكون سورية فدرالية اتحادية مكونة من فدراليات شبيه بفدراليات أوربا أو العالم فعند تحقيق الفدرالية ( حسب وصفهم) لسوريا سيحصل كل صاحب حق على حقه والشعب الكردي في سوريا من هؤلاء و أيضا لن يتمكن أي شخص من حكم سوريا الاتحادية بقوة من حديد ولن يتفرد أي شخص بالسلطة و بالتالي القضاء نهائيا على الدكتاتورية في سورية. المجلس الوطني الكردي و رغم اخطائه لكنه يظل الإطار الأكثر اعترافا من المجتمعات الغربية وذو شعبة كبيرة في الداخل السوري والأكثر تقبلا للرأي الأخر .
.
رغم الشكوك باستقلالية القرار الكردي أصلاً، تتمحور الخلافات بين الكتلتين الكرديتين بشكل أساسي حول ( القرار السياسي والعسكري للكرد في سوريا). فحزب الاتحاد الديمقراطي، لا يمكنه الفصل بين القرار العسكري والقرار السياسي. بمعنى آخر، باعتباره يمتلك السلاح بالتالي يجب أن يكون القرار السياسي بيده. حتى الآن، نجح الاتحاد الديمقراطي(pyd) في امتلاك ” القرار العسكري” باحتكار “البندقية الكردية” وفي فرض نفسه “سلطة أمر واقع” في المناطق الخاضعة لسيطرته. وقد تنامت وانتشرت بشكل مثير في الجغرافية السورية وهي تحظى بدعم ومساندة محلية واقليمية ودولية، عززت موقع ومكانة الحزب ليس في الساحة الكردية فحسب، وإنما في الساحة السورية أيضاً وهذا يحسب لحزب الاتحاد الديمقراطي و قوته العسكرية ypg ولكن يجب أن لا يكون على حساب الشعب الكردي في كردستان سوريا وقضيته بالاضافه إلى الاتهامات انه يعمل لصالح النظام السوري و بعده عن مشروع قومي كردي لصالح مشروع الأمة الديمقراطية.
.
أما المجلس الوطني الكردي فله منتقديه أيضا تتمحور في ارتباطه مع حزب الديمقراطي الكردستاني العراقي باعتباره الداعم الرئيسي له باعتبار أن حزب الديمقراطي الكردستاني ترتبط مع تركيا بعلاقات اقتصادية متينة، تركيا التي تُعتبر العدو الأول للكرد في تركيا وحقوقهم القومية وبالتالي عدو لحزب العمال الكردستاني في تركيا. وكذلك جدوى استمراره في الائتلاف و مدى قوته في فرض نفسه كقوة فاعلة في المعارضة في سبيل اعتراف المعارضة للحقوق الكردية المسلوبة. وأخيرا اتهامه من قبل أحزاب تعتبر نفسها حيادية بالهروب من التحالفات الكرية – الكردية لإرضاء شركائه في المعارضة.
.
مؤخراَ و بالنظر إلى الأحداث والمشاكل الحاصلة في سنجار، التي بدأت في أوائل آذار الماضي بين” وحدات حماية سنجار” من جهة، وبين “بشمركة روج آفا” من جهة أخرى، على خلفية إصرار حزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني خروج قواة حماية سنجار من المدينة التي كانت بوقت قريب بيد القوة الظلامية داعش تأتي بظلالها الثقيلة على الكرد السوريين. على وقع هذه المواجهات، شهدت مدينة القامشلي السورية و بتحريض وتنظيم الإدارة الذاتية التي تقودها حزب الاتحاد الديمقراطي pyd تظاهرات كردية مناهضة لرئيس إقليم “كردستان العراق” مسعود البارزاني، و اتهامه بالخيانة وحصول عمليات خطف واعتقال لناشطين أكراد واعتداء على مكاتب بعض الأحزاب الكردية في (المجلس الوطني الكردي). كذلك انتهاك الحقوق والحريات السياسية طال مكاتب(المنظمة الآشورية الديمقراطية) في الحسكة والمالكية.
.
المجلس الوطني الكردي في بيان له أدان واستنكر هذه الأعمال والتعديات وحمل pyd المسؤلية ويتهمه بالتنسيق مع النظام السوري بالتآمر على قضية كرد سوريا والعمل على خدمة أجندته، ويتهم قواته الأمنية ( الأسايش ) بممارسة أعمال إرهابية بحق ناشطيه. في هذا السياق يرى عدد من السياسيين الكردي المعارضين لنظام بشارالأسد وبالتالي معارضتهم لكل حليف ل بشار الأسد مثل المعارض الكردي ( عبد الباسط سيدا)، حيث يرى في سياسات حزب الاتحاد، سبباً بهجرة مليون كردي سوري، منذ إعلان الإدارة الذاتية الكردية.
.
المجلس، يرى في مواجهات سنجار “خطوة استباقية” من ال pyd لقطع الطريق على أي محاولة لإعادة قوات “بشمركة روج آفا” إلى سوريا للدفاع عن الأكراد والقتال إلى جانب فصائل “الجيش الحر” ضد جيش النظام السوري حتى إسقاطه. بينما ال pyd يعتبر الهجوم على قوات حماية سنجار،المدعومة من حزب العمال الكردستاني PKK، “مخطط تركي” بأداة كردية، يهدف إلى محاصرة (وحدات حماية الشعب – القوة العسكرية ل pyd في سوريا وتفجير صراع كردي- كردي. كما هو معلوم ال pyd يرفض وبقوة دخول قوات” بشمركة روج آفا” إلى سوريا، المؤلفة من كرد سوريين فروا لكردستان العراق ،والذي يُعد “الذراع العسكري” لـ(المجلس الوطني الكردي)
.
أن تفاقم الخلافات بين الكتلتين الذين يعتبران الأقوى على الساحة الكردية السورية بالإضافة إلى تعنت حزب الاتحاد الديمقراطي وإصراره على الحكم الأحادي لكردستان سوريا دون أي مشاركة فعلية مع معارضيه ، الأمر الذي يجبر تمسك المجلس الوطني الكردي بالائتلاف في سبيل بقائه ضمن خط المعارضة. بالإضافة إلى التناقضات السياسية الأخرى داخل البيت الكردي في كردستان سوريا ما هي إلا واقع مؤلم نعيشه كل يوم وتؤرق العملية السياسية وتدفع عجلة التقدم الحاصل للقضية الكردية في سوريا نحو الخلف ، نتمنى أن يتغير هذا الواقع على المدى القريب فالتناحر والاقتتال لا يفيد غير أعداء الكرد من حكومات تركيا إيران والعراق وسوريا.
.
عبد الحميد عمر