كورد ستريت/ « الشرق الأوسط» بعد قطيعة دامت ثلاث سنوات، رد رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني أمس الزيارة التي كان قد قام بها إلى أربيل خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي رئيس الوزراء نوري المالكي، وعقده جلسة اعتيادية لمجلس الوزراء هناك. وبينما تأتي الزيارة استكمالا للمباحثات التي كان أجراها المالكي مع رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني في بغداد وأسفرت عن التوقيع على تشكيل سبع لجان بشأن القضايا العالقة بين الطرفين، فإنها تأتي أيضا وسط توترات بالغة الدقة والصعوبة في المنطقة واحتمال انعكاسها على الأوضاع الداخلية في العراق. وكان كل من المالكي وبارزاني ركزا خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقداه عقب اللقاء الذي جمع بينهما فور وصول بارزاني إلى بغداد على أهمية ترصين وتحصين البيت الداخلي العراقي، سواء عبر حل القضايا العالقة بينهما أو إيجاد حلول للأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد. وأعلن المالكي أن «تنسيقا لعمل الدولة سيجري بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان». وأضاف المالكي: «سيكون هناك تعاون لتنسيق عمل الدولة بين الحكومتين؛ لأن الظروف التي تحيط بنا تحتاج لإيجاد مناخات جيدة لحل المشاكل وبرغبة مشتركة لتحصين البلد من المخاطر». ونفى المالكي «وجود خلافات مع الأكراد، وإنما الاختلاف بوجهات النظر تتعلق بالدستور»، مشيرا إلى أن «المصلحة العليا في البلد أهم من كل هذه الخلافات». من جهته، أشار بارزاني إلى أن الهدف من زيارته الحالية برفقة وفد حكومي وحزبي هو «لإيصال رسالة إلى داخل وخارج العراق بإصرارنا على التعاون والسعي لحل المشكلات، خاصة أننا نعيش في منطقة تحيط بنا المشاكل من كل صوب، ولذلك فإن وحدة العراقيين كفيلة برد المخاطر والتهديدات عن بلدنا، وكان لزيارة رئيس الوزراء إلى كردستان تأثير بالغ لتذليل العقبات أمام تطبيع العلاقات وتفعيل عمل اللجان المشتركة لحل المشكلات بما يخدم مصلحة جميع العراقيين». وأضاف بارزاني: «صحيح أن هناك مشاكل وخلافات بيننا، ولكن هناك أيضا دستور ينبغي أن يكون المرجع لحل تلك الخلافات، وهناك إرادة حقيقية الآن لحل جميع تلك المشاكل، وهذا بحد ذاته يبعث على التفاؤل والارتياح، ونحن مستعدون لكل ما من شأنه أن يخدم مصلحة العراق والعراقيين». مريم الريس، المستشارة السياسية في مكتب المالكي، أوضحت أن «هناك اتفاقا بين المالكي وبارزاني على أن الدستور هو المرجعية العليا التي لا بد للطرفين الاحتكام إليها عند وجود أي خلاف بأي شأن من الشؤون». وقالت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك قناعة لدى الطرفين بضرورة حل المسائل العالقة من خلال تكرار اللقاءات والاجتماعات، فضلا عن اللجان التي تم تشكيلها لغرض تحديد الأولويات والبدء بمعالجة القضايا الخلافية على أن هناك مواد تحتاج إلى وقت للتطبيق وفي المقدمة منها المادة 140 من الدستور». وأضافت أن «الحكومة الاتحادية تعهدت بأن تبدي قدرا من المرونة لحل المشاكل العالقة على كل المستويات، كما أن هناك قناعة أنه في حال وجد خلاف بشأن الدستور ذاته فإن هناك المحكمة الاتحادية التي تكمن مهمتها في تفسير القوانين وفي فض المنازعات بشأن المواد الدستورية الخلافية»، معتبرة أن «مباشرة الحلول من خلال تبادل الزيارات من شأنه أن يقلص من المدد الزمنية ويسرع من الحلول ويقطع الطريق أمام أي محاولات للتشكيك وغيرها». وأوضحت أن «لدى الطرفين من المشتركات أكثر بكثير من نقاط الخلاف، وهو ما ينعكس ليس على مستوى العلاقة الثنائية بين المركز والإقليم، بل على مستوى العملية السياسية في العراق؛ لأن بارزاني سيلتقي خلال الزيارة بالزعامات وقادة الكتل، وهي أمور نرحب بها تماما». وأشارت إلى أن «أي اتفاق يتم توقيعه بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان لن يكون على حساب أحد؛ لأن المالكي يلتقي بارزاني ليس بصفته زعيما لكتلة، وإنما لكونه رئيسا لوزراء العراق». بدوره، أكد مؤيد الطيب، المتحدث الرسمي باسم كتلة التحالف الكردستاني، أن «زيارة بارزاني إلى بغداد مهمة لجهة كونها تأتي بعد قطيعة استمرت لثلاث سنوات، فضلا عن أن بارزاني هو صاحب اتفاقية أربيل التي تشكلت الحكومة الحالية بموجبها، وبالتالي فإن للزيارة أبعادا كثيرة يمكن تلخيصها بثلاثة أبعاد، وهي أولا بناء علاقات سليمة مع المركز ببحث القضايا المشتركة، وثانيا بحث مجمل العملية السياسية في البلاد، وهو ما ركز عليه بارزاني خلال لقائه هيئة رئاسة البرلمان ورؤساء الكتل، باعتبار أن البرلمان بيت الشعب، وأن أي خلاف لا بد من العودة إلى البرلمان لحله، وهو ما ينسحب على القوانين العالقة، وثالثا البعد الإقليمي والدولي الذي بدأ يؤثر على العراق». وقال إن «إقليم كردستان بات اليوم يحتل أهمية على خارطة النفط والطاقة العالمية، وأن هناك دولا مثل فرنسا وروسيا وغيرها تنتظر التوصل إلى اتفاق بين بغداد وأربيل فيما يتعلق بالنفط لكي تباشر عملها في الإقليم بعيدا عن التهديد والوعيد والتشكيك». لكن المعارضة الكردية شككت في جدوى الزيارة، وقال عبد الستار مجيد عضو المكتب السياسي للجماعة الإسلامية، وهي أحد أطراف المعارضة بإقليم كردستان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «اقترحنا قبل عدة أشهر تشكيل هيئة تفاوضية كردية تقود جولات التفاوض مع بغداد فيما يتعلق بالمشاكل القائمة، وأردنا من خلال ذلك المشروع أن ننهي سيطرة الحزبين الحاكمين بالإقليم وانفرادهما بملفات حساسة تتعلق بعلاقة الإقليم بالمركز، وأن تكون تلك الهيئة تابعة للبرلمان ويتمثل فيها جميع القوى الكردستانية لإعطاء الصراع الدائر بين كردستان وبغداد بعده الشعبي، وليس حصره في نطاق حزبي ضيق تخدم مصالح حزبي السلطة فقط، ولكن مشروع تلك الهيئة، ورغم ترحيب وموافقة الحزبين به، ما زال يراوح مكانه، بل تم إهماله بشكل واضح من قبل حزبي السلطة، لذلك فإن كل اللقاءات والمفاوضات التي تجري بين قيادة الحزبين مع بغداد تدخل في إطار المصالح الشخصية والحزبية، ولا علاقة لها بمصلحة الشعب الكردستاني».