كوردستريت || اراء وقضايا
بقلم: م. محفوظ رشيد – 5/11/2021
من قراءة سريعة للمشهد السوري يستخلص المتابع للأحداث وجودتفاهمات غير معلنة بين الولايات المتحدة وروسيا كدولتين عظميين بشأنإدارة الأزمة القائمة والبحث عن حلول لها عبر تقاسم للنفوذ وتبادلللمصالح مع أخذ الأمن القومي للبلدين واسرائيل من منظاراستراتيجي بعين الاعتبار، ولعل أبرزالقواسم المشتركة في رؤاهماهي: اعتماد القرار الأممي 2254 كأساس للحل النهائي، والابقاء علىالنظام الحالي وإعادة تأهيله مع تغيير سلوكه، وأن سورية لن تعودكسابقة عهدها لما قبل 2011، واشراك الكورد في بناء سوريا الجديدة،وتحييد كل من إيران وتركيا كقوتين فاعلتين على الأرض في رسمسوريا المستقبل..
ولكن لكل من موسكو وواشنطن أساليبها وآلياتها الخاصة في فرضوشرعنة حضورها وتنفيذ أجنداتها، فروسيا التي تدخلت عسكرياًكحليف تقليدي للنظام السوري وبطلب منه لحمايته من الانهيار أنشأتقاعدة حميميم لقيادة عملياتها القتالية، ونسقت مع إيران وتركيا عبرآستانا وسوتشي في إلحاق الهزيمة بالمعارضة واستعادة السيطرةعلى ما خسره من مناطق في معاركه، أما أمريكا فقد تدخلت عبر بوابةمحاربة الارهاب بعد أن شكلت التحالف الدولي وحررت جميع المناطقالتي احتلتها “داعش” بعد أن دحرتها من آخر معاقلها “باغوز“، وذلكمن خلال الدعم والتنسيق والتشارك مع قوات حماية الشعب والمرأةالكوردية ypg و ypj والتي تحولت إلى قوات سوريا الديمقراطية“قسد“، وساهمت في تشكيل الادارة الذاتية في مناطق شمال وشرقسوريا بغطائها السياسي مجلس سوريا الديمقراطي “مسد“.
روسيا وأمريكا تستهدفان إيران وتركيا لاخراجهما من المعادلةالسورية آخذتان بالحسبان أنهما قوتان اقليميتان محوريتان ومؤثرتانفي الساحة السورية وتمتلكان أوراقاً ضاغطة ورابحة تشاغبان بهاعلى حدود مصالحهما وتعيقان مشاريعهما، فتركيا التي تحتضنالمعارضة وتدعمها وتتحكم بمصيرها وتستغلها في تمرير سياساتهامن منطلقات طائفية (سنية) عبر الأخوان المسلمين وإدعاءات أمنيةوخلفيات عثمانية توسعية ونزعات عنصرية (ضد الكورد بصورةخاصة) واستغلالها في احتلال مناطق كثيرة ونهب ثرواتها واجراءتغييرات ديموغرافية فيها، إضافة إلى كونها عضو في حلف الناتو. أماإيران القوة النووية المهددة للأمن الاقليمي والدولي فهي العمقالاستراتيجي للنظام السوري بتغولها في مفاصل الدولة الاقتصاديةوالعسكرية..، وربطها بمحورها الشيعي الممتد من طهران مروراًبالعراق إلى لبنان عبر أذرعها السياسية والعسكرية ذات التأثيرالمباشر على الداخل السوري كحزب الله.
المعارضة السورية المنقسمة على نفسها وبين الداخل والخارجوالمنصات تبعاً لولاءاتها وأماكن إقاماتها تحولت معظمها (باستثناءالقوى الوطنية الديمقراطية) إلى مجاميع مرتزقة تحت الطلب وبخاصةالمسلحة منها التابعة للائتلاف، فقد أصبحت عصابات إرهابية وعميلةتشارك في احتلال مناطق سورية وترتكب فيها الجرائم الشنيعةوالانتهاكات الفظيعة وبشكل خاص المناطق الكوردية منها (عفرينورأس العين وتل أبيض)، فقد اجتمعت أخيراً تحت مظلة الهيئة العلياللتفاوض مع النظام عبر اللجنة الدستورية باشراف الموفد الأممي غيربيدرسون، التي فشلت في تحقيق أي تقدم يذكر بالرغم من عدم وجودتباين في رؤى الطرفين تجاه المبادئ الأساسية المقترحة من قبلهمالصياغة الدستور مثل هوية الدولة (العربية) ومصدر التشريع(الاسلام) ومركزية النظام..إلخ، ورفض مبادئ الديمقراطية والعلمانيةوالتعددية واللامركزية وعدم الاعتراف بحقوق جميع مكونات الشعبالسوري واحترام خصوصياتها وبالتحديد الكورد الذين يعتبرونالقومية الثانية من النسيج الوطني التاريخي.
أما الكورد الذين يعتبرون أكثر تنظيماً بالمقارنة مع غيرهم، فقدأصبحت قضيتهم من الأولويات ذات الاهتمام الدولي سياسياًودبلوماسياً وإنسانياً، ويسيطرون على مناطق تزيد على ربع مساحةسوريا، يحمونها بواسطة منظومة أمنية عسكرية مدربة ومجربة،ويديرون شؤونها من كل النواحي ويتحكمون بثرواتها، وذلك كإدارةذاتية وكأمر واقع بدعم ورعاية من التحالف الدولي بزعامة أمريكا، بعدأن أثبتوا جدارتهم في محاربة الارهاب (داعش والنصرة وأخواتهما) وإلحاق الهزيمة به وتحرير مناطقها من سيطرته.
بالتمعن في اللوحة السورية وبما سردناه نستنتج أن شكل سورياالمفترض والمطلوب (ما بعد عمليات القتل والتدمير والتهجير التي خلفتالكثير من الخسائر والضحايا وعمقت الكثير من الأحقاد والنعراتوبدلت الكثير من المفاهيم والقيم) كي تكون وطناً لجميع أبنائها علىقاعدة المواطنة الحقيقية والشراكة الفعلية في السلطة والثروة والادارة،لا بد من بناء نظام ديمقراطي علماني تعددي لا مركزي يحقق العدلوالمساواة في الواجبات والحقوق، ويراعي العهود والمواثيق الدوليةواللوائح الأممية ذات الصلة، وهذا ما يجب أن يسعى لتحقيقه كل قوىالخير(الوطنية الديمقراطية) عبر حوار حر ومفتوح بين كافة المكوناتدون إقصاء أو تهميش.
تحاول روسيا إمالة الكورد إلى جانبها واشراكهم في العمليةالسياسية عبر تحقيق مصالحة وتسوية مع النظام لاستعادة سيطرتهعلى مناطق الادارة الذاتية بأقل الشروط والضمانات على غرارمحافظة درعا، ومساعيها في خفض التصعيد (منطقة بوتين – أردوغان) بادلب، مستغلة الضغوط التركية وتحشداتها العسكريةوتهديداتها بالاجتياح، وذلك لرفع أسهمها وفرض أجنداتها في الحلالنهائي، وبالمقابل فإن أمريكا تؤكد التزامها بحماية ودعم “قسد” الحليفة والشريكة في محاربة “داعش” التي ماتزال تشكل خطراً علىالأمن والاستقرار في المنطقة، وتحذر كافة الأطراف من أي تجاوزلخطوط وقف اطلاق النار بعد عملية ما تسمى ب“نبع السلام“،وتسعى لتوحيد الصف الكوردي عبر مبادرتها (الحوار الكوردي بينPYNK وENKS) وذلك لتمكين الادارة الذاتية القائمة وتطويرهاوتوسيعها، وجعلها نموذجاً يحتذى به ويثبت على أرض الواقع وفيالدستور كحلقة رئيسية من تنفيذ مشروعها الاستراتيجي في رسمالخارطة السياسية لسوريا والمنطقة.
ومن جانب آخر فإن الدول الاقليمية والمقتسمة لكوردستان تعملالمستحيل وبكافة السبل والوسائل وعلى جميع الأصعدة لاستبعادالكورد من العملية السياسية والحؤول دون نيلهم أية حقوق أو مكاسبقومية، وتؤلب الرأي العام على الكورد بتهم الارهاب والانفصالوالإلحاد.. لتبرر سياساتها الشوفينية القمعية تجاههم، هذا من جهة،ومن جهة أخرى تمارس كافة أشكال الترهيب والترغيب وعبر الحربالخاصة (الاستخباراتية والاعلامية والنفسية..) لتمزيق صفوفهموتشتيت خطابهم وتحريف بوصلتهم واجهاض نضالاتهم ونسفتطلعاتهم التحررية.
ومما سبق نصل إلى نتيجة منطقية وحتمية وهي أن استتباب الأمنوالسلام والاستقرار – حالياً ومستقبلاً – في سوريا والمنطقة مرهونبحل القضية الكوردية حلاً عادلاً داخل الدولة الوطنية الموحدة، لأنالكورد أصبحوا الرقم الصعب داخلياً وخارجياً وعامل ضمان وأمانوتوازن ضمن الخليط الاثني والديني والطائفي والتنوع السياسيوالثقافي في ظل التغيرات السريعة والتنافسات الشديدة بين القوىالعظمى لأجل إرساء نظام عالمي جديد على أنقاض الدول القوميةالمركزية ذات اللون الواحد واللغة الواحدة (كما يحصل في العراقوالسودان)، والتي تشكلت عقب الحرب العالمية الأولى بموجب اتفاقاتاستعمارية مثل سايكس بيكو ولوزان والتي تنتهي صلاحيتها عام1923، لذلك ومن الأهمية والضرورة والحاجة ترتيب البيت الكورديوتقويته وإعادة تأهيله كي يحتل مكانه المناسب واللازم على الساحةلبناء الدولة السورية الوطنية الديمقراطية المنشودة بما يتوافقوضرورات العصر وتحدياته، وينال الكورد في إطارها كاملاستحقاقاتهم العادلة والمشروعة■
#مقال المنشور في جريدة “الوحدة yekîtî” العدد ٣٣٤ – ١٩ تشرينالثاني ٢٠٢١.بقلم: م. محفوظ رشيد – 5/11/2021