كوردستريت || آراءوقضايا
حسني محلي
يعرف إردوغان أنَّ المصالحة مع الأسد لن تكون سهلة بالنسبة إليه ما دام يعتقد أن مثل هذه المصالحة ستعني هزيمة مشروعه الإقليمي والدولي نهائياً.
كيف تتحول “إسرائيل” إلى صديق لإردوغان، ويبقى الأسد أكثر من عدو!؟
بعد أسبوع من “المصالحة التركية مع الإمارات”، والتي تحققت بزيارة محمد بن زايد إلى أنقرة (24/11) بدعوة من الرئيس رجب طيب إردوغان، أعلن الأخير “مساعيه لتحقيق مصالحات مماثلة مع كل من مصر وإسرائيل والسعودية والبحرين”، متحدثاً عن زيارته القادمة لأبو ظبي في النصف الأول من شباط/فبراير المقبل بعد أن اتصل بابن زايد هاتفياً وهنأه بالعيد الوطني للإمارات (1 كانون الاول/ديسمبر).
فإردوغان الذي نسي، ومعه وزراؤه، كل ما قاله عن محمد بن زايد سياسياً، وأهانه الإعلام التركي الموالي، واصفاً إياه بأسوأ النعوت، يبدو أنه نسي أيضاً كل ما قاله شخصياً عن عبدالفتاح السيسي و”إسرائيل” جملةً وتفصيلاً، وهو ما يثبت نجاح الوساطة الإماراتية على طريق “صفقة القرن” التي أطلقها ترامب، وأعلن ابن زايد نفسه عراباً لها.
ومع استمرار الرهان على نتائج الجولة السابعة (والجولات اللاحقة) من مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا، تتحدث المعلومات عن زيارات قريبة لوزير الخارجية مولود جاويش أوغلو إلى القاهرة والرياض والمنامة و”تل أبيب”. وقد تلحق بها زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ (بوساطة أذربيجانية وأوكرانية أيضاً) إلى أنقرة قريباً، في الوقت الذي يستمر الغموض حول موقف القاهرة، التي يبدو أنها لن تستعجل المصالحة مع أنقرة حتى تضمن موقفاً عملياً ونهائياً من الرئيس إردوغان ضد الإخوان المسلمين مصرياً وعربياً، وهو الطلب الذي قد يوافق على شقه المصري (بل والإسرائيلي في ما يتعلق بحركة “حماس”)، ويؤجل شقه العربي، وخصوصاً الليبي والسوري، وذلك مع استمرار المساومات الإقليمية والدولية في هذين الملفين، ومنها الزيارة التي سيقوم بها الرئيس إيمانويل ماكرون (3-4 كانون الأول/ديسمبر) لكلٍّ من قطر والإمارات والسعودية، أعداء الأمس وحلفاء اليوم في المسرحية الأميركية التي ما زالت سوريا هدفها الرئيسي، ومعها إيران والعراق ولبنان واليمن.
ويفسّر ذلك التّصعيد السّعودي – الإماراتي في اليمن، واستمرار التآمر السعودي ضد لبنان، والتمادي المغربي (الملك وحاشيته) في التحالف مع “إسرائيل” ضد الجزائر (لعرقلة القمة العربية وإفشالها) والشمال الأفريقي عموماً، وأخيراً استمرار الموقف التركي والأميركي في سوريا.
وتمنع واشنطن حلفاءها الكرد من أيّ اتفاق مع دمشق، لتستمر في مشاريعها السرية والعلنية مع أطراف مختلفة في العراق، لضمان مصالحها في المنطقة عموماً، في الوقت الذي يبقى الموقف التركي في سوريا العنصر الأهم والأكثر تأثيراً في مجمل تطورات الأخيرة، بانعكاساتها على مجمل المشاريع والمخططات الإقليمية والدولية (استفزازات الغرب ضد روسيا في أوكرانيا)، وهو الحساب الذي يجعل الرئيس إردوغان طرفاً أساسياً في “صفقة القرن” بصيغتها المحدثة، التي تريد لها واشنطن، ومعها باريس ولندن، وحتى برلين، بحكومتها الجديدة (زعيمة حزب الخضر ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك صديقة لـ”إسرائيل” وعدوة لروسيا والصين)، أن تنجح في ترتيب أمور المنطقة، مع ضمان مستقبل “إسرائيل” الصهيونية إلى الأبد.
وسيتطلَّب ذلك إضعاف الموقف العربي أكثر مما هو عليه الآن، من خلال نسف مفهوم المقاومة بكلِّ أشكالها ومضامينها العسكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وهي التي نجحت حتى الآن في عرقلة كل المشاريع والمخططات الإمبريالية والاستعمارية بأدواتها العربية والإسلامية.
وكالعادة، يبقى الرهان على موقف الرئيس إردوغان حيال كلّ هذه المعطيات واحتمالاتها المستقبلية التي يريد لها أن تدعم موقفه في سوريا ما دامت الأطراف العربية والغربية لا تريد لها حلاً قريباً، فإردوغان الّذي تخلّى عن كل مقولاته وسياسته السابقة، وصالح الإمارات، وأعلن استعداده للمصالحة مع “العدوين اللدودين” مصر (السيسي) و”إسرائيل”، يعرف الجميع أنه لن يصالح الرئيس الأسد ما دام يعرف أن الأنظمة العربية والغربية لن تجبره على ذلك أبداً.
كما أنه يعرف أنَّ المصالحة مع الأسد لن تكون سهلة بالنسبة إليه شخصياً، ما دام يعتقد أن مثل هذه المصالحة ستعني هزيمة مشروعه الإخواني الإقليمي والدولي نهائياً، فالمصالحة مع الرئيس الأسد ستتطلَّب منه سحب القوات والسلطات التركية من المناطق التي تسيطر عليها (حوالى 9% من مساحة سوريا) في الشمال السوري، وإيقاف كل أنواع الدعم العسكري والمالي لعشرات الآلاف من مسلحي الفصائل المعارضة (تأتمر بأوامر الجيش التركي) التي تقاتل الدولة السورية، والكفّ عن حماية إدلب ومن فيها من “النصرة” وأمثالها، وأخيراً إعادة اللاجئين السوريين من تركيا إلى بلادهم، في إطار خطة يتم الاتفاق عليها مع دمشق. هذا بالطبع مع التنسيق والتعاون معها لمعالجة الوضع شرق الفرات، حيث الميليشيات الكردية التي تعتبرها أنقرة الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي الذي يقاتل الدولة التركية منذ 40 عاماً.
وتتطلّب مثل هذه الاحتمالات أكثر من معجزة بالنسبة إلى الرئيس إردوغان حتى يتصل بالرئيس الأسد أو يلتقيه، وهو الذي كان صديقه الوحيد عندما كان الجميع ضده بسبب أصوله الإخوانية السابقة، فالانسحاب التركي من سوريا بكل عناصره السرية والعلنية سيعني في الوقت نفسه انسحابه من ليبيا والعراق، وتخليه عن مشاريعه العقائدية، ليس في المنطقة فحسب، بل في العالم أجمع أيضاً.
هذا الاحتمال ضعيف جداً بنسبة 1 على 10، إن لم نقل 1 على 100، نظراً إلى علاقة أنقرة المتشابكة والمعقدة خارجياً والأكثر تعقيداً في الداخل، وخصوصاً بعد أن أصبح الحاكم المطلق للبلاد بعد تغيير الدستور في نيسان/أبريل 2017، فهو يرى في تفاصيل سياساته العقائدية والقومية الخارجية عناصر مهمة للتأثير في أنصاره وأتباعه، لضمان استمرارية دعمهم له، على الرغم من كوارث الأزمات الاقتصادية والمالية الخطرة، وأهم أسبابها تكاليف السياسة الخارجية، وإلا فالموضوع لا يحتاج إلى مثل هذا المد والجزر في مواقف إردوغان الذي يستطيع أن يعود بتركيا إلى ما قبل العام 2011 باتصال هاتفي واحد مع الرئيس الأسد، ومن دون اللجوء إلى أي وساطة خليجية أو روسية أو إيرانية، فمن يصالح السيسي (قال عنه إنه مجرم)، و”إسرائيل” (وصفها أكثر من مرة بأنها عصابة إجرامية)، ويسعى للمصالحة مع ابن سلمان بعد أن قال عنه ما قال (بعد مقتل جمال خاشقجي)، يستطيع أن يصالح صديقه السابق الأسد بكل بساطة، وخصوصاً أنَّ سوريا لم تقم بأي عمل معادٍ ضد تركيا، على الرغم من كل ما فعلته أنقرة بها خلال السنوات العشر الماضية.
يأتي ذلك في الوقت الذي يعرف الجميع أن المصالحة مع سوريا ستفتح له أبواب المنطقة من جديد، ما دام سيعود صديقاً لـ”إسرائيل” (ليكسب ود اللوبيات اليهودية، ويبعد “إسرائيل” عن قبرص واليونان وفرنسا)، ويضمن دعم أنظمة الخليج له مادياً، ليساعده ذلك على تحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة من مشاريع التنمية وإعادة الإعمار في سوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان وباقي دول المنطقة، وتركيا هي الأكثر حظاً فيها، بسبب إمكانياتها وقربها منها، وهو ما يحتاج إلى مرحلة جديدة من المصالحة والمسامحة بين إردوغان وكل زعماء المنطقة، وعودة التنسيق والتعاون في ما بينهم لن تعني أي شيء ما لم تبدأ بالرئيس الأسد. هذا بالطبع إن لم يكن التنسيق والتعاون الجديد لا يهدف إلى ربيع دموي آخر يستهدف سوريا، كما هو الحال منذ 10 سنوات، وإلا كيف تتحول “إسرائيل” إلى صديق لإردوغان، ويبقى الأسد أكثر من عدو!
(الميادين)