غير بيدرسون على خطى ديمستورا الفاشلة.

آراء وقضايا 29 ديسمبر 2021 0
غير بيدرسون على خطى ديمستورا الفاشلة.
+ = -

كوردستريت || آراء وقضايا 

بقلم فؤاد عليكو 

رجال يسجل لهم ورجال يسجل عليهم (ممثلوا الأمم المتحدة إلى سوريا نموذجا).

                     
نادراً ما يحصل أن كلفت “الأمم المتحدة” عدداً كبيراً من المبعوثين الدوليين لمعالجة أزمة في دولة ما،  كالذي حصل ويحصل في سوريا،  ذلك نظراً لتعقيدات المسألة السورية وتشعب الأطراف الدولية المنخرطة فيها وتضارب مصالحهم فيها أو عليها، سواءً كانوا لاعبين إقليميين أو دوليين، كما أن كل دولة تعمل باستمرار على استقطاب لاعبيين محليين ليلعبوا أدوارهم نيابة عنها ، إضافة إلى استحضار لاعبيين إقليميين لمساعدتهم على لعب الدور المحلي، كاستعانة إيران بحزب الله والفصائل العراقية وغيرهم، ولم يسلم جيش النظام من هذا التجاذب بين حليفي النظام (الروس والإيرانيين ). ويمكننا القول بأن أمريكا وتركيا لهما أيضا أنصار من القوى المحلية لتعزيز موقعهما وموقفهما في الأزمة السورية.

 

إزاء هذا الواقع السياسي والعسكري المعقد على الساحة، وما حصل من دمار كبير للبنية التحتية والثروة البشرية سواءً من استشهد خلال المعارك أو تعرض للنزوح والهجرة داخلياً وخارجياً ، نقول إزاء كل ذلك كان لا بد من تدخل الأمم المتحدة لوقف هذا النزيف، وذلك بالبحث عن مخرج للأزمة السورية، بعد أن فشلت الجامعة العربية بدايةً بقيادة السوداني مصطفى الدابي من معالجة الأزمة، وهكذا تم تكليف الأمين العام الأسبق والحائز على جائزة نوبل للسلام المرحوم الدكتور كوفي أنان كممثل للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية معاً في شباط 2012.

 

وللأمانة فقد درس هذا الرجل  الأزمة السورية من جميع جوانبها وتوصل في المحصلة إلى ست نقاط للعمل عليها ، والتي تتلخص ب( الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين – سحب القوات العسكرية من المناطق المأهولة بالسكان – هدنة مؤقتة على ان يليها وقف شامل للقتال والعنف وضمان تقديم مساعدات إنسانية فورية للمتضررين من المعارك – حرية الحركة للصحافيين وحرية تكوين الجمعيات – حق التظاهر – الدخول في عملية سياسية شاملة يقودها السوريون ).
وبعد عدة محاولات غير مجدية مع النظام ، وجد أن من الأنسب تعزيز موقفه ودعمه  بموقف  دولي جامع، فكان مؤتمر جنيف١ في 30 حزيران 2012 بحضور عدد من الدول المعنية بالملف السوري، إضافة للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والجامعة العربية، وفي نهاية المؤتمر خرجوا ببيان واضح يؤكد على نقاط المبعوث الدولي الست بالإضافة إلى بعض التفاصيل حول الحل السياسي الشامل خاصة الفقرة التي تؤكد على ( وجوب تشكيل  هيئة حكم انتقالية تملك كامل الصلاحيات التنفيذيه من طرفي النزاع، على قاعدة التفاهم المتبادل )،إضافة لذلك فقد أكد البيان على أن يكون الحوار شاملاً لكل أطياف المجتمع، ومراجعة للدستور، ثم انتخابات حرة ونزيهة، لكن كان واضحاً الخلاف الروسي /الأمريكي حول مشاركة الأسد في العملية السياسية من عدمه، إذ أكد “لافروف” في المؤتمر الصحفي بأن حكومة وحدة وطنية لاتعني إبعاد بشار الأسد عن العملية، وأنه يعتبر جزء من الحل السياسي، بينما رأت “هيلاري كلينتون” بأن العملية السياسية تفضي إلى تنحي الأسد عن السلطة( لازالت هذه النقطة غير محسومة حتى اليوم ).

 

بعد ذلك بذل كوفي أنان جهودا كبيرة لمدة شهر لعقد إجتماع بين النظام والمعارضة لتطبيق بيان جنيف١، لكنه فشل في تحقيق ذلك وتنبأ حينها (بأننا إن لم نوقف العنف الآن فإننا سوف نصل بالصراع الدامي إلى نقطة اللاعودة ) وهذا ما حصل بالضبط. وعندما وصل إلى طريق مسدود أعلن صراحة بأن الانقسام الدولي حال دون نجاحه، وأنه لايرغب بالتجديد لمهمته وهكذا استقال وانسحب بهدوء بعد خمسة أشهر من التكليف، لكنه ترك إرثاً دولياً كبيرا لمعالجة الأزمة السورية ، حيث ارتكزت كل القرارات الدولية التي أتت بعده وخاصة  القرار 2118 لعام 2013 والقرار 2254 لعام 2015 ، وكذلك لم يستطع أي مبعوث دولي أتى بعده أن  يقدم إضافة جديدة على مشروع هذا الرجل الذي دخل التاريخ ويسجل له .

 

ثم كُلف بعده السياسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي، المعروف ببعد نظره ونفسه الطويل وخبرته في المنطقة، وتسجل له نقطتان في غاية الأهمية، الأولى مساهمته الفعالة بتحويل بيان جنيف إلى القرار الدولي 2118 لعام 2013 والتي يؤكد في الفقرة 16 منه على بيان جنيف تماماً  ( يؤيد تأييدا تاما بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012 الذي يحدد عددا من الخطوات الرئيسية بدءا بإنشاء هيئة حكم انتقالية تمارس كامل الصلاحيات التنفيذية ويمكن ان تضم أعضاء الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات وتشكل على أساس التوافق ). والثانية  هو في قدرته على عقد مؤتمر جنيف2 كانون الثاني 2014 حيث جمع بين المعارضة والنظام، لأول مرة على طاولة واحدة مباشرة، ومن ثم محاولاته الجادة في إحداث اختراق جدي للعملية السياسية وفق القرار 2118 لكنه في الجلسة الثانية بعد شهر من الأولى أدرك صعوبة حدوث هذا الاختراق المأمول وانسحب بهدوء واعتذر للشعب السوري عن عدم قدرته في تخفيف معاناته، وأوعز الأمر ايضا لعدم تعاون المجتمع الدولي، ثم خلفه السويدي ستيفان ديمستورا في أيار 2014 والمعروف بقدرته الفائقة على تدوير الزوايا لمعالجة الأزمات، حيث أدرك منذ البداية تعقيدات الأزمة و اختلافات اللاعبين، ووجد أن القرار الدولي 2118 “متشدد” أكثر لصالح المعارضة، لذلك ساهم وبدعم روسي/ إيراني على التخفيف منها فكان مؤتمري فيينا 1،2 ثم إصدار القرار الدولي 2254 في نهاية 2015 وهناك تراجع واضح من صيغة هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات التنفيذية إلى صيغة حكم ذات مصداقية شاملة، وأضحت الصيغة أكثر غموضاً، والسؤال هل تفسر على أساس بيان جنيف١ أم أنه تفسر على أساس حكومة وحدة وطنية وهذا ما كان يركز عليه ديمستورا في حواراته مع المعارضة ولم يتمكن من جمع الطرفين على طاولة واحدة، لذلك كان يقوم بإدارة الأزمة تماشياً مع سياسة الدول وليس العمل على تنفيذ القرار الدولي بجدية، إضافة لذلك  قام بتقسيم مضمون القرار تلدولي إلى أربع سلال، ووضع السلة الدستورية في المقدمة، بطريقة مخالفة لتسلسل القرار الدولي، أو بتعبير  آخر تجاوز لها، وهذا التدوير هو في جوهره إفراغ متعمد للقرار الدولي، وأصبح البحث عن سلة الانتقال السياسي ضرب من الخيال، واختزل الأزمة السورية بالسلة الدستورية، لذلك نستطيع القول بأنه أساء للشعب السوري وقدم نموذجا سيئاً كمبعوث دولي يقوم بإدارة الأزمة مسايرة للقوى الدولية وخاصة روسيا وإيران، وقد شهدت فترته أسوأ المجازر بحق الشعب السوري.

 

ومن الموسف القول بعد استمراره لمدة 4 سنوات دون تحقيق اية إضافة إيجابية، جاء بعده  النرويجي غير بيدرسون الذي صار على خطى ديمستورا،بدلا من إعادة نصوص القرار إلى مكانه الصحيح وتسلسله الطبيعي المنصوص في القرار، والذي يبدأ بسلة الانتقال السياسي ثم الدستور، لكنه لم يفعل شيئا منذ ثلاث سنوات وحتى الآن وهذا ما يسجل عليه ايضاً.

 

الخلاصة هناك رجال احترموا أنفسهم وفرضوا احترامهم على الآخرين، ويسجل التاريخ لهم ، وآخرون فقدوا احترامهم وعملوا كما يُملي عليهم الآخرون ويسجل التاريخ عليهم.

لكن يبقى هناك شعباً يدفع الثمن يومياً قرباناً للصراعات الدولية.

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك