كوردستريت|| آراء وقضايا
اضاءات جديدة بمناسبة الذكرى الثامنة والخمسين
بقلم صلاح بدرالدين
وفاء لذكرى هذا التحول العميق في مسار الحركة الكردية السورية ، التي كان الحزب – الديموقراطي الكردي في سوريا – يشكل التعبير السياسي المنظم الوحيد عنها ، ووصل بعد خلافات القيادة المؤسسة ، والرعيل الأول وهم في السجن ابان حملة الاعتقالات الأولى بداية الستينات ، الى وضع مفكك تنظيميا ، وضياع في الرؤيا ، وتناقضات لامست تنظيمات الحزب بكل المناطق ، على شكل تكتلات ، وجمود في العمل التنظيمي ، وغياب المركزية في الاشراف ، والقيادة ، وتقصير المختلفين في توضيح أسباب الخلاف ، او اصدار وثائق بهذا الشأن ، والأخطر من كل ذلك تحرك رموز يمينية التي لم تطالها الاعتقالات باتجاه تفريغ الحزب من أي محتوى نضالي ثوري ، وتحويله الى جمعية موالية للسلطات الحاكمة .
كانت بوادر الخلاف قد ظهرت قبل الاعتقالات ، ووقفت غالبية القيادة حينها ضد التوجه اليميني الانتهازي ، ولهذا السبب قرر الكونفرانس الرابع المنعقد عام ١٩٦٤ في قرية جمعاية تجميد عضوية المرحوم – عبد الحميد درويش – الذي كان يجاهر بتوجهه المناقض لنهج الحزب .
ولكن وبعد صدور القرار وكما اسلفنا فقد جرت حملة الاعتقالات ، وتحرك التيار اليميني لتحقيق أهدافه ، وازداد وضع الحزب سوءا ، بل لم يبق له وجود يذكر ، وكان لابد من عملية انقاذ بالطرق التنظيمية الشرعية ، التي تجسدت في كونفرانس الخامس من آب ١٩٦٥ .
اضاءات جديدة
أولا – كونفرانس الخامس من آب الذي عقد في قرية جمعاية ايضا ، لم يؤسس حزبا جديدا ، بل أعاد الحزب الام الى دربه الأصيل مع تطوير وتعزيز البنية الفكرية ، وإعادة تعريف الحزب ، والشعب ، والقضية الكردية ، وتوضيح المواقف والسياسات ، وفرز الأصدقاء ، وتشخيص الخصوم على الصعد الكردية ، والوطنية ، والكردستانية ، والاممية .
ثانيا – المجتمعون بالكونفرانس بمختلف أعمارهم ،واطيافهم الاجتماعية ، ومناطقهم هم من قاموا مجتمعين بهذا التحول العميق في مسيرة الحزب والحركة ويعود فضل الاسبقية لهم وليس لافراد معينين وهم : ( ١ – صلاح بدرالدين. 2- محمد نيو. 3- هلال خلف. 4- محمد بوطي. 5- عزيز أومري. 6- عبد الحليم قجو. 7- يوسف اسماعيل. 8- محمد حسن. 9- نوري حاجي. 10- أحمد بدري. 11- فخري هيبت. 12- شمو ملكي. 13- محمد قادو. 14- ملا محمد أمين ديواني. 15- غربي عباس. 16- محمد خليل. 17- ملا شريف. 18- عبد الرزاق ملا أحمد. 19- ملا داود. 20- نوري حجي حميد. 21- محمد علي حسو. 22- ملا هادي. 23- عيسى حصاف. 24- ملا أحمد قوب. 25- ابراهيم عثمان. 26- سيد ملا رمضان. 27- رشيد سمو ).
ثالثا – المجتمعون حاولوا دعوة معظم أعضاء القيادة الذين كانوا خارج السجن ، ولكنهم رفضوا الحضور ، ثم غادر التيار اليميني صفوف الحزب ، وانشق عنه واتخذ لنفسه طريقا آخر مغايرا لنهج الحزب الشرعي ، وبعد ختام الكونفرانس الذي قرر تشكيل قيادة مرحلية مدتها عام الى حين عقد المؤتمر الأول ، ثم تم الاتصال بغالبية افراد القيادة الذين كانوا بسجن القلعة بحلب ، وسجون أخرى ، او متوارين عن الأنظار ، خلال عقد الكونفرانسالخامس ، ومنهم ( رشيد حمو ، كمال عبدي ، محمد ملا احمد – توز – خالد مشايخ – اوصمان صبري ) ، والوحيدان اللذان قبلا العودة الى مواقعهم في المسؤولية هما ( اوصمان صبري ، ومحمد ملا احمد ) وكنا نعتبر القياديين السابقيين ( عبد الله ملا علي و محمدي مصطو ، ومحمد فخري ) من القريبين لنهجنا ولكن ظروفهم الخاصة حالت دون الانخراط في العمل التنظيمي .
رابعا – قضايا الخلاف التي أدت بالتيار اليميني الى الانشقاق هي : ١ – حزب قومي وطني يناضل ضد نظام الاستبداد ، ومن اجل الديموقراطية ، الى جانب القوى الديموقراطية السورية ، ام جمعية موالية للنظام ، ٢ –وجود شعب كردي سوري من السكان الأصليين يستحق تقرير مصيره ضمن سوريا ديموقراطية موحدة ، ام اقلية كردية بحقوق ثقافة ، ٣ – اعتبار الزعيم الراحل مصطفى بارزاني قائدا شرعيا لثورة أيلول ام الجماعة المنشقة عن الثورة والحزب .
خامسا – انعقد المؤتمر الأول مابعد الكونفرانسالخامس في موعده وحسب وعد القيادة المرحلية وذلك في احدى ضواحي القامشلي – الهلالية – آب ١٩٦٦ بحضور ( اعضاء القيادة المرحلية ) ومشاركة الشاعر الكبير جكرخوين الذي اعتذر عن الاستمرار في صفوف الحزب لانه غير قادر على العمل مع آبو اوصمان ، ومن بعده اعتذر محمد ملا احمد للسبب المعلن ذاته وهو ان آبو متشبث بآرائه ولايركن الى الحوار حسب وصفهما .
سادسا – اتسم نهج الحزب بالحرص الشديد على وحدة الصف الكردي الوطني ضد الاستبداد ومن اجل انتزاع الحقوق ، من خلال وثائقه البرنامجية الجبهويةالمطروحه ، كما ان قيادة الحزب طرحت مشروع الوحدة مع ( البارتي ) خلال فترة سكرتارية – كمال احمد – وسارت المناقشات الى الشوط الأخير ، ولكن ظهرت عقبات امام الاشقاء حالت دون تحقيق ذلك اتيت على ذكرها تفصيلا في مذكراتي ، ومنذ عام ١٩٩٩ طرح حزبنا مهمة إعادة بناء الحركة عبر مشروعه المنشور آنذاك حيث كان مع التجديد ، والتطوير .
سابعا – من جملة المهام التي انجزها الحزب تحقيق عملية التصالح بين السياسي والثقافي ، وإصدار الدراسات الفكرية ،وايلاء الاهمية القصوى للثقافة والاعلام ، وتاسيس رابطة كاوا للثقافة الكردية المستمرة بالعطاء حتى الان ، ومواجهة مخططات الاضطهاد القومي ، والتعريب باحياء الفولكلور الكردي ، وتشجيع الفنانين ، وارسال اكثر من ثلاثمائة طالب الى الدول الاشتراكية سابقا لتلقي العلوم .
ثامنا – شيد ورسخ الحزب علاقات الاخوة والصداقة والعمل المشترك ، وللمرة الأولى في تاريخ حركتنا مع قائد ثورة أيلول ، والحزب الديموقراطي الكردستاني –العراق ، ومع التيار القومي الديموقراطي في الحركة الكردية بتركيا بزعامة الدكتور – شفان – ومع حزبي ديموقراطي كوردستان – ايران ، والوثائق بهذا الشأن متوفرة في الأجزاء السبعة من مذكراتي .
تاسعا – لكل تلك الأسباب كان حزبنا مستهدفا من جانب نظام الأسد والابن ، فبالاضافة الى عدة محاولات فاشلة لاغتيال قياديين لحزبنا في سوريا ولبنان وأماكن أخرى ، وتجريد عدد اخر من الحقوق المدنية ، والاعتقالات ، والملاحقات المستمرة ، وتقديم البعض الى محكمةامن الدولة العليا بدمشق للمرة الاولىى ، فقد اقدم النظام على اختراق الحزب عبر الضابط الأمني –محمد منصورة – وشق الحزب بداية التسعينات عبر عدد من ضعاف النفوس .
عاشرا – كنت من المعجبين بشخصية آبو اوصمان قبل التعرف عليه ، وأول من اقترحت على رفاقي ان نعيده الىى موقع السكرتير بعد خروجه من سجن القلعة –حلب ، وكان يحظى باحترامي الشديد ، وقد دافعت عنه بقوة امام الزعيم الراحل مصطفى بارزاني عندما ابدى امتعاضه من كونه سكرتيرا لحزبنا وذلك خلال لقائي الأول به عام ١٩٦٧ ، وتاكيدا للحقيقة مرة أخرى لم تكن لدينا نية الاستغناء عنه مطلقا بالرغم من عدم انسجامه مع النهج الفكري اليساري العام للقيادة المرحلية ،وخلال مشاركته معنا القيادة نحو ثلاثة أعوام لم يساهم يوما في المناقشات بشكل جاد ، ولم يقدم اية مبادرات ، ولم يشارك في كتابة أي بحث اومنشور سياسي ، حتى جريدة الحزب لم ينشر فيها مقالة ، وبالاخير هو من ترك الحزب ، وتوجه الى كردستان تركيا بهدف اشعال ثورة هناك ، ثم عاد بعد مقتل ولده – ولاتو – على ايدي اقاربه ، وتقرب الى – ب ك ك – بل جاهر بتبني نهجه الى ان رحل ، وحتى بعد رحيله حاولنا المشاركة في واجب العزاء وتكريم جنازته حسب الأصول الا ان جماعة – ب ك ك – التي كانت تتعاون مع نظام الأسد تولت ذلك ، ومنعتنا من الاقتراب .
حادي عشر – على الصعييد الشخصي اعتبر نفسي واحدا من المشاركين النشيطين في كونفرانس الخامس من اب ، واعتز بتحملي مسؤوليات جسام ، وانجازي للكثير من المهام الفكرية ، والثقافية ، والإعلامية ، والسياسية ، والتنظيمية ، واتحمل كامل المسؤولية مع رفاقي السابقين في القيادة عن نهج ، ومواقف ، وسياسات ،( البارتي الديموقراطي الكردي اليساري –الاتحاد الشعبي الكردي ) حتى تاريخ انسحابي الطوعي من العمل الحزبي عام ٢٠٠٣ ، وانا على يقين ان هذا الحزب الذي ناضلت من خلاله نحو ستين عاما قد حقق الكثير وتخرجت منها كوكبة من المناضلين الشجعان ، والمثقفين الملتزمين ، وهو الأول والوحيد الذي دمج السياسة بالثقافة تاثرا بتجربة البدرخانيين ، بل ان كونفرانس آب شكل مدرسة نضالية فكرية ، ليس لجيلنا فحسب بل للجيل الناشئ الان أيضا ، ولكن تبقى الأحزاب كتنظيمات سياسية وسائل فقط وليست أهدافا ، كما اتعهد بانني سابقى امينا لمبادئ مدرسة آب ، وابذل قصارى جهدي للتصدي لكل من يحاول تشويه ، وتزييف الحقائق التاريخية حول إنجازات هذا النهج ومساره .
ثاني عشر – لم ينجز حزبنا – سابقا – كل المهام التي تم طرحها لاسباب ذاتية ، وموضوعية ، وبعضها مازال قيد الإنجاز مثل مهمة إعادة بناء الحركة وتوحيدها ، وعلى العموم نواجه اليوم ظروفا عصيبة تتشابه في بعض اوجهها أوضاع ماقبل كونفرانس آب ، أي قبل ثمانية وخمسين عاما ، ويحتاج الامر الىى تحول عميق عنوانه إعادة بناء ، وتعريف ، وترسيخ ، وتنظيم ، حركتنا من جديد ، بطرق جديدة ، عبر عقد المؤتمر الجامع .
كل الوفاء للبناة الأوائل لأول حزب سياسي كردي عام ١٩٥٧ .
كل التحية والتقدير للمشاركين بكونفرانس الخامس من آب عام ١٩٦٥ الاحياء منهم والراحلين ، ولكل الذين ظلوا امناء لمبادئ هذه المدرسة , والساعين الى التغيير والتجديد ، وإعادة البناء ..