د. تارا إبراهيم
.
الإرهاب الذي يضرب مجتمعاتنا اصبح اليوم أمرا روتينيا، لا يمر يوم إلا ونسمع عن مغامرات داعش وكأن هذا التنظيم أصبح جزءا من حياتنا، ان لم نسمع عنه شيئا نحس أن هنالك امراغريبا بل ونحاول البحث عن اخباره بانفسنا، هذا يدل على إعتيادنا على نوعية هذه الاخبار، ولكن الغريب في الامر أن داعش قد يعتبر امرا سياسيا بحتا، كوننا نهتم بالجانب السياسي وكيفية محاربته، والتخلص منه واي نهج يجب أن نتبعه بهذا الخصوص . وسائل الاعلام لدينا لا تسلط الضوء إلا على الاعمال المرعبة التي يرتكبها ضد الناس الابرياء، وعلى اعداد الفارين منه ، وكيفية ايجاد مأوى لهم، أي تغطية الجانب المادي والظاهر من الامور، ولكن ماذا عن الجانب السايكولوجي .؟ وماذا عن ما تخلفه هذه الاعمال الشريرة في بواطن النفس ؟. من السهل إيجاد شهود عيان يتحدثون عن أفعال داعش، ولكن هل تم التفكيربمعالجة نفسياتهم من قبل السلطة ؟ وكيفية التعايش مع الخوف المتولد من الارهاب امرمهم جدا، ولكن هل تمنح هذا القضية اهمية في مجتمعاتنا ؟ وما هوالطريق أو النموذج الذي يجب ان نتبعه كي نتغلب على الخوف وآثاره . ؟
.
كيفية التعامل مع الخوف الناجم عن الإرهاب أصبحت قضية العصر في فرنسا وفي اوربا بصورة عامة، فقد أعتادت هذه المجتمعات على حياة سلمية هادئة، الامر الوحيد الذي يقلق شعبها هو كيفية التمتع بالحياة إلى اقصى درجة، ولكن ما ان ظهر الارهاب الذي اصبح يأخذ اشكالا اخرى غير التي تم الإعتياد عليها في المجتمعات الشرقية، حتى اصبح الخوف يتسلل الى نفوس هذه المجتمعات، وخصوصا ان الوسائل المستخدمة لتنفيذه مختلفة وغريبة نوعا ما على المجتمع الاوربي، وأبسط مثال على ذلك هي الشاحنة السريعة التي دهست العديد من الناس في مدينة نيس في فرنسا.. من كان يتوقع هكذا نوع من الارهاب .؟!.
.
ألآن، الشغل الشاغل لفرنسا ولوسائل الاعلام فيها وندواتها وطاولاتها المستديرة هو موضوع كيفية التعايش مع الارهاب وخصوصا بعد الاحداث الاخيرة التي ضربتها، وكيفية الولادة من جديد بعد هذا الخوف؟ للارهاب في فرنسا جانب إيجابي على عكس حاله في الدول الاخرى، حيث ان الارهاب لم يفرق المجتمع بكل أديانه وطوائفه واعراقه بل على العكس ان هذا زاد من التماسك بين ابناء الشعب الواحد وزاد تماسك الاحزاب السياسية على الرغم من الاتجاهات المختلفة والمتناقضة، لان فرنسا أو الوطن هو أهم شيء وله الاولوية وإن الكره والحقد ليس لهما مكان فيها …
.
أهم شيء بعد أحداث الارهاب هو عدم ترك الضحية وحيدا، يجب على الحكومة مراعاة هؤلاء نفسيا وان يكون هنالك أطباء نفسيون لمتابعة حالاتهم والأهم من ذلك ان يكون هؤلاء الاطباء متخصصون في هذا المجال، الامرالاخر المهم جدا، هو ان على الضحية عدم التكتم لان ذلك له مساوئه ، وإن لم تظهر في البداية أي أعراض فقد تظهر في المستقبل البعيد ، او قد تظهر في اولادهم، حيث يقال ان معاناة الأرمن بعد المجازرالتي ارتكبت بحقهم هي اكثر في الجيل الذي ظهر بعد المجزرة وليس جيل المجزرة نفسها كون اغلبية الآباء فضلوا التكتم وعدم التحدث عن الامر خوفا من تداعيات ذلك لاحقا على نفسيات ابنائهم.
.
وفي الوقت نفسه فللمجتمع دورمهم في مساعدة هؤلاء الضحايا أو اقربائهم ، فهنالك الجمعيات التي تجمعهم وتقوم باعمال فنية كي ينسوا ما حدث لهم، هذه الجمعيات يمولها الناس العاديون الذين يشعرون بمدى أهمية الامر، وهنالك امثلة كثيرة على هذه الجمعيات، بما معناه أن المجتمع المدني هو الذي يساهم في معالجة هكذا حالات من خلال الشعور بالمسؤولية . فعندما نتكلم عن الضحايا فهذا لا يعني فقط الضحايا الناجين أو اقرباء الضحايا الذين لقوا حتفهم في الحدث الارهابي، هنالك ايضا نوع آخر من الضحايا الذين يجب معالجتهم نفسيا وهم الاشخاص الذين كانوا في موقع الحدث ولكن لم يمسهم شيء، لقد شعروا بحالة خوف وهلع فقط ، فهؤلاء يشعرون بإندهاش وذنب كبيرين كونهم يتساءلون كيف لم يصابوا بمكروه ؟ .
.
ألامر الآخر هو التعويض المادي للضحايا، فالكثير من شركات التأمين على الحياة عوضت المتضررين والضحايا، الامر الذي اثار جدلا في المجتمع الفرنسي بعد حادثة نيس الارهابية، بسبب صعوبة القرار في التعويض المادي، فالسؤال الذي طرح نفسه، هل يجب تعويض جميع من كان قريبا من شاحنة الموت وكانت حياته في خطر؟ يبدو ان كثيرا من الذين كانوا بعيدين عنها طالبوا شركات التأمين على الحياة بتعويضهم، امر جديد لم تشهده فرنسا من قبل ما سبب صعوبة إتخاذ القرار من قبل الشركات وحق اولئك الناس الذين ربما لم يتضرروا جسديا بل نفسيا، فشكواهم من الامور الجدية التي لم تحسم بعد.
.
وبما أن المال لن يعيد الاموات إلى الحياة حتى وإن عوضت شركات التأمين الضحايا واقرباءهم ، الا انه يساعدهم في التغلب على الكثير من الامور التي قد لا يستطيع الطبيب النفسي ان يعالجها، فعلى سبيل المثال قام كثيرون بدفع مبالغ لدروس اليوغا والتأمل
.
على أمل الحصول على الراحة النفسية بل والروحية التي يبحثون عنها، والولادة من جديد بعد الخوف الذي تعرضوا له، والاستمرار بطريقة إيجابية في الحياة…السؤال الآن، عن اوطاننا التي تتعرض للارهاب المستمر، ماهي إجراءات الحكومة في هذا الصدد ؟ وماذا عن الذين عاشوا اكثرمن سنتين في ظل احتلال داعش وافكاره السوداء التي افرزها ؟ وماذا بعد هزيمتهم الحتمية ؟.. أمر نتركه للحكومة والمنظمات الإنسانية للإجابة عليه.