لماذا تخوض تركيا غمار الوساطة بين روسيا وأوكرانيا؟

آراء وقضايا 03 أبريل 2022 0
لماذا تخوض تركيا غمار الوساطة بين روسيا وأوكرانيا؟
+ = -
كوردستريت || آراء وقضايا
بقلم : هادي جان بو شعيا
تسعى أنقرة لرفع مستوى الحوار القائم حاليًا في اسطنبول بين موسكو وكييف إلى قمة روسية-أوكرانية، حيث عبّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرارًا عن رغبته في عقد لقاء يجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الأوكراني فلودومير زيلينسكي، واصفًا في خلال اتصال هاتفي مع بوتين اجتماع الوفدين الروسي والأوكراني قبل أيام بالإيجابي والبنّاء.
تؤكد تركيا، التي دخلت على خط الأزمة الروسية-الأوكرانية، أنها مستعدة للعمل كدولة ضامنة لأمن أوكرانيا. فيما شكلت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تحديًا كبيرًا لأنقرة وسط تشابك معقّد للمصالح الاستراتيجية والعسكرية والسياسية والاقتصادية بين القوى الإقليمية في المنطقة.
كما أن عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي “الناتو” وعلاقتها الاستراتيجية مع كل من أوكرانيا وروسيا، فضلاً عن أزمة الغاز والطاقة والممرات البحرية، كلها عوامل تدفع أنقرة إلى الانخراط في سياسة الوساطة وتسعى جاهدةً لتبديد العديد من النقاط الخلافية بين البلدين من ضمنها موضوع حيادية أوكرانيا وعلاقتها بـ”الناتو”، وسط أجواء وُصفت بالايجابية وعكسها تحوّل في موقف موسكو وقبولها بانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.
بيد أن مهمة أنقرة لن تكون باليسيرة وإن نجحت في خطوة الجمع بين الطرفين إلى طاولة المفاوضات، وحتى إن اكتملت التفاهمات بين البلدين تبقى كيفية التقدم بشأن التفاصيل التقنية والسياسية والقانونية وسط خلافات متشعبة، ناهيك عن الاصطفاف الغربي ضد روسيا وتمسّكه بالتصعيد  ضد موسكو الذي تقوده واشنطن.
قد يتبادر إلى الذهن سؤال جوهري: ما هو هدف أنقرة من لعب دور الوساطة، خصوصًا أن تركيا عضو في “الناتو”، وتشكّل روسيا دولة منافسة لها في كثير من المناطق في العالم، وبالتالي من المفيد استراتيجيًا، أن يكون هناك ضعف ووهن روسيَان أو أن تتسبب هذه الحرب باستنزاف روسيا. غير أن إلحاح أردوغان على وضع حدّ لهذه الحرب ينطوي على جملة أسباب أبرزها:
– حرص تركيا على العلاقات التي بنتها مع طرفي النزاع في الأعوام السابقة، ذلك أن هناك تقاربًا في أكثر من اتجاه وتريد أنقرة حماية مصالحها مع البلدين.
– خشية أنقرة من تشعّب وتعقد هذه الحرب، الأمر الذي يرفع احتمالية انتقالها إلى مناطق أخرى قد تهدد مصالحها الاستراتيجية ولعلّ أبرزها حوض البحر الأسود ومناطق شرق أوروبا وسواها من المناطق المجاورة.
 – تسود قناعة في تركيا أن نجاح أنقرة بالدخول على خط الوساطة سيمنحها الكثير من الفرص والامتيازات ذات طابع استراتيجي سواء في علاقاتها مع روسيا أو مع أوكرانيا.
– إبداء تركيا موقفًا متوازنًا إزاء الجانبين فهي مع أوكرانيا ولكنها في الوقت نفسه ليست ضد روسيا وذلك لأسباب عديدة، حيث تبرز حاجة أنقرة من خلال استيراد ما نسبته 45% من الغاز الروسي سنويًا، بالإضافة إلى 70% من القمح.  
– تترقب تركيا الاستحقاق الرئاسي بعد 13 شهرًا تقريبًا، ووفق أحدث استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرًا، تبيّن أن شعبية الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية التركي زادت ثلاث نقاط في شهر شباط/فبراير الماضي على خلفية الدور الذي لعبه أردوغان في الأزمة الأوكرانية، حيث ظهر كزعيم قوي يفاوض زعماء العالم، فضلاً عن توقعات بعض المقربين منه حصوله على جائزة نوبل للسلام في حال نجاحه في هذه الوساطة.  
– رصد محاولة تركية لسدّ الثغرات في كل إقليم ناغورو كاراباخ وليبيا وإفريقيا عمومًا، حيث تشهد هذه المناطق عمليات لبسط النفوذ التركي من جهة يقابلها توغل روسي من جهة أخرى.
على الطرف الآخر، لا بد أيضًا من طرح سؤال أساسي: هل تثق أنقرة ذاتها بأن جهودها الرامية للخروج بحلول ملموسة على أرض الواقع لإيقاف نزيف الحرب المندلعة قد تؤتي ثمارها؟
هنا يمكننا أن نستذكر سويًا المشهد في العام 2010 حينما كان هناك وساطة تركية-برازيلية حيال الملف النووي الايراني وإعلان أنقرة وقتها نجاحها في التوصل إلى اتفاق وتفاهم مع إيران، حتى فوجئ الرأي العام العالمي آنذاك بردة فعل وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي نسفت هذا الموضوع برمّته.
وعليه يمكن الإقرار هنا أن تركيا تخوض غمار الوساطة بين روسيا وأوكرانيا لهدفين إثنين:
-الأول، الإبقاء على مسافة واحدة من كييف وموسكو، رغم إرسالها ودعمها الأولى بمسيرات “بيرقدار” التركية، والحديث جارٍ عن رزمة جديدة من هذه المسيرات سيتم تزويد كييف بها.
– الثاني، على الرغم من كون تركيا عضو مهم في “الناتو” ولعبت دورًا مهمًا في هذه الحرب، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، غير أنها تحاول الإبقاء على روسيا كقوة عظمى ضمن نادي القوى الكبرى لتكريس مبدأ التوازن والحؤول دون انفراد   الولايات المتحدة الأميركية بقيادة العالم، فضلاً عن انضمام دول أخرى في المنطقة إلى هذا الطرح التركي ولعلّ هذا هو السيناريو الأساسي الذي نجح في إقناع بوتين بمراجعة مواقفه وسياساته والانفتاح أكثر على الحوار مع أوكرانيا.
أخيرًا وليس آخرًا، تبرز تناقضات لا بد من طرحها وتتمثل بالتقارب التركي-الإسرائيلي من أجل إيصال الغاز في شرق المتوسط إلى أوروبا، الأمر الذي يعكس تطلّع تركيا للإفادة من الحرب الحاصلة وتنويع مصادر الغاز وتكريس التوجه الغربي للاستغناء عن الغاز الروسي في ظل الوساطة التركية بين روسيا وأوكرانيا.

في المحصلة، بات جليًّا أن أردوغان يلعب بدهاء لافت أوراق التناقضات العالمية على المدى البعيد في استراتيجية تعاطيه بالملف الأوكراني، إذ لا يعوّل فقط على تشجيع الطرفين للدخول في تفاهمات سياسية وأمنية فحسب، وانما الحصول على مكاسب استراتيجية بعيدة المدى وكان ملاحظًا “الهدايا” الكثيرة التي قدمتها وعرضتها الولايات المتحدة الأميركية على تركيا سواء في تجميد مشروع “إيست ميد”، فضلاً عن دعم المصالحة التركية-الإسرائيلية. وهذا ما يقودنا إلى قناعة أن التحرك التركي في الملف الأوكراني ليس أحاديًا فهناك أكثر من لاعب يتبنى هذا التوجه وينسق مع أنقرة وفي مقدمتهم إسرائيل على وجه الخصوص.

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر