أسطورة كردستان

آراء وقضايا 20 يونيو 2017 0
أسطورة كردستان
+ = -

بقلم: د.محمود عباس 

هل ستنتقل كردستان من واقع الأسطورة إلى حقيقة؟ معظمنا والذين يتفاعل مع قضيتنا يؤكدون عليها وإن طال الزمن، والزمن يدرج ضمن جدلية السؤال ليخلق حيرة فيما إذا حاولنا الجواب عليه بمنطق! لا شك أنه حلم كل كردي منذ أن يعي الكلمة إلى يوم لحده، والحلم تتحكم فيه الظروف والعوامل وتفرض ذاتها في نقل الأسطورة إلى واقع، مع ذلك لا ندرسها بحكمة، ونستمر في المسيرة بدون دراية وتخطيط فنصطدم بالمطبات، ولربما لعدم نضوجنا واستيعابنا للعلاقات الدولية، قد نصاب مرة أخرى بالانهيار والعودة إلى واقع الأسطورة، وكأنها أسطورة سيزيف، عقاب أبدي ينقله جيل إلى جيل، حيث الأمل واللاجدوى.

  فما يظهر على الساحة، بوادر تغيير في الأحكام الإنسانية وليست الإلهية، لذلك فإمكاننا تغييرها، فيما إذا كنا على دراية كافية. جزأين من كردستان يقتحمان عتبة الدخول إلى عالم الحقيقة، لكنهما يواجهان عدوين لا يقلان عن بعضهما خطراً.

1-    العامل الذاتي، عدم نضوجنا نحن الكرد، فكريا، الشعب الذي أفرز حركة سياسية مهترئة على مقاسه، وعلى رأسها الأحزاب التائهة، والتي بلغت مكانتها بقدرات خارجية، تظهرها، رغم ضحالتهم في المجالات السياسية والدبلوماسية، يدهم الطولى على مصير كردستان بجزأيها، وتوسيع حقول الخلافات، وتقزيم إمكانيات الشعب الهائلة. والإقليمين بخلافاتهم يعكسان بشكل أو آخر مدارك الشعب البسيط، ويعيقان من تزايد مكتسبات هذه الأمة بنفس السوية التي تفعلها الأطراف المعادية. فعلينا أن ندرك بأنه بدون يقظة الشعب وتوعيته، فإن الإقليمين سيواجهان أخطار قد تكون مميتة:

1-    في البعد الجغرافي، لن يتم التحرير من سيطرة المحتلين فيما إذا لم يصبح لهما منفذ بحري، والمنفذ الوحيد سيكون عن طريق جنوب غربي كردستان، وبدون تقارب بين الطرفين لن يملكا القوة التي ستساعدهم فيها الدول الكبرى لبلوغ البحر.

2-     ومن حيث الحيز الاقتصادي، فسيظلان تحت رحمة الشركات الإقليمية أي بما معناه السلطات الإقليمية، عمليا سيستمر الاحتلال، علما أن فتح الحدود وعلى مراحل سيخففان من هذه الهيمنة، ولا يستبعد وبمساعدة الخبرات الذاتية من بلوغ الاكتفاء الذاتي، والتعويض عن النقص بالتعامل مع الشركات العالمية عن طريق المنفذ البحري.

3-    لا بد من فتح المعابر بين الجزأين إلى أن تصبح ومع مرور الزمن، بدون رقابة حدودية، فالتداخل الديمغرافي سيؤثر بدوره على عامل اختلاف اللهجات، والعادات المتباينة التي ظهرت بسبب اختلاف الدول والسلطات الحاكمة.

4-    بدون الوقوف على الخلافات، والاتفاق على النقاط المشتركة، والخروج من الجغرافية الحزبية أو الإقليمية إلى الحيز الوطني الكردستاني، فالإقليمين سيظلان تحت رحمة الأجندات الخارجية وستسهل للمحتلين منطق الإملاءات عليهما، وبالتالي فسيكون وضعهما كحالة الأحزاب في زمن سيادة المربعات الأمنية، وبالتالي فسيكون قد أنتقل من شعب تحت نير محتل معروف وواضح إلى راضخ لمستبد ساذج بغطاء كردي.

5-    لا بد من إيجاد صيغ سياسية عسكرية مشتركة، أي دمج الحكمة بالنضال، وإلا فالطرفين سيكونان أمام كارثة سيزيف، التي قد تظهر عند أول موجة تغيير في الظروف الدولية لصالح القوى الإقليمية.

2-    العامل الموضوعي: وتبدأ من السلطات المحتلة إلى أدواتهم من المنظمات العروبية-التركية والفارسية والتكفيرية إلى الشخصيات السياسية الانتهازية، والشريحة المثقفة العنصرية، وهؤلاء جميعا يتفقون على معاداة الشعب الكردي، إما بحصره ضمن جغرافية التعتيم السياسي-الدبلوماسي، والاحتفاظ بمفرزاته من الأحزاب الساذجة، أو محاربة الشعب بشكل مباشر، وبأساليب متنوعة تتلاءم والظروف الجارية، ويشتغلون على عدة محاور، وحيث الإمكانيات المادية الملائمة، والتي يسخرونها بدون حدود. ومن المحاور التي يعملون عليها:

1-    إعلامية، دعمهم لمراكز ثقافية، كالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والتي يتزعمها الفلسطيني العفلقي عزمي بشارة، ورابطة العالم الإسلامي، والتي يتزعمها التكفيري القرضاوي، وتوجيههم للأقنية التلفزيونية، كالجزيرة وأورينت، والأقنية الشيعية المتعددة في داخل العراق، وكذلك التركية الرسمية، جميعها تتشابه بشكل أو آخر في لهجتها العدائية ضد الكرد وتشويه مكتسباتهم، وخلق حالة عداوة مقيتة بين شعوبهم ضد الشعب الكردي، حتى ولو كانت الأساليب تختلف، وهم وراء خلق مصطلح إسرائيل الثانية، ليوجهوا لا شعور الشعب الفلسطيني، عن طريق تسخير شخصيات أمثال إسماعيل هنية وغيره، ليسخروا نضال شعبهم لخدمة مصالح السلطات المتاجرة بالقضية الفلسطينية، ويتناسوا أنهم بانجرارهم لأجندات الدول الإقليمية، خلقوا شرخا ليس بينهم وبين الكرد بين الشعب الفلسطيني ذاته، وأدت بهم إلى التغاضي عن حقيقة موبوءة، وهي أن دول مثل قطر وتركيا لها علاقات دبلوماسية واقتصادية استراتيجية مع إسرائيل، وكان عراب علاقات قطر، العفلقي عزمي بشارة، والقرضاوي بشكل أو آخر، وقدم خدمات جليلة لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، وتظهر وكأن وجودهما في قطر كان بتكليف من إسرائيل ذاتها، فلهذا وبعد استقرارهم فيها بقليل أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. وهو بتهجمه على الكرد يخدع ذاته وينافق على شعبه، ويغطي على خدماته لقطر وتركيا وإيران، وبالتالي فهي تنجرف لأعداء فلسطين، وإلا فكان عليه أن يرفض تحريض إيران لحماس على مهاجمة القوات العسكرية الإسرائيلية، والتي لم يكن سوى انتحار مباشر، ذهب ضحيتها المئات من خيرة الشباب الفلسطيني، وحصار اقتصادي مميت، وتجويع شاركت فيها الدول العربية الداعمة لحماس كقطر، ومعهم تركيا وإيران، فما فعلته حماس وهذه الدول بالشعب الفلسطيني تقدر بأضعاف ما فعلته إسرائيل بهم، وغطيت بدعاية إعلامية ملفقة، في الوقت الذي كان باستطاعة إسماعيل هنية وقادة حماس الحصول على مكتسبات وبدون تلك الكوارث بالطرق السلمية، كما وأن عداوته للكرد وللحكومة الفلسطينية أدت إلى تقسيم فلسطين شعبا ودولة ولن تلتئم مادامت حماس ستخدم الأخرين. ولا شك فإن أساليب الحرب ضد الكرد مختلفة، وخبيثة ويستخدمون طرق منافقة لإدراج تهجماتهم في اطر منطقية أمام شعوبهم، بل ولا نستغرب أن بعض تلك الأساليب تؤثر حتى على شريحة من الكرد وبينهم مثقفون وسياسيون، وعليه فهؤلاء يساهمون بطريقة أو أخرى في توسيع شرخ الخلافات ليس فقط بين القوى السياسية والثقافية بل والأخطر أنه تظهر بين الشعب الكردي، والبعض يتأثر بمراكزهم الثقافية، وبلغت سويات استغلالهم ماديا

2-    سياسية، تعقد تحالفات، يتناسون فيها خلافاتهم المذهبية والسياسية، فتلتقي المنظمات السنية المتطرفة ما مع مثيلاتها الشيعية، وبتخطيط من السلطات الإقليمية، وعليه نجد كيف تقف دولة مثل قطر مع تركيا وإيران في نفس المحور، وكيف أن تركيا تجاهد على تخميد خلافات الخليج ليتفرغوا لمواجهة الصعود الكردي، فيوهمهم بأن كردستان القادمة ستعادي الجميع.

3-    عسكرية، تحشد إيران فصائلها الشيعية المتعددة، وعلى رأسهم الحشد الشعبي، وتحت حجة التعامل الاستراتيجي مع طرف كردي ضد آخر. فليس غريبا أن يهاجم قادة الحشد الشعبي بيشمركة جنوب كردستان، والجيش المسمى بالحر والذي يمثل الجناح العسكري لإخوان المسلمين، والمدعوم عسكريا من تركيا وماديا من قطر في مهاجمة القوات الكردية في جنوب غربي كردستان، في الوقت الذي يعد فيه القوتين الكرديتين أكثر القوى المتصدية لإرهاب داعش، ومن خلال ملاحظة تصريحات السلطات التركية الإيرانية والعربية الداعمة لهذه المنظمات المتنوعة، نجدهم متفقون على أن عدوهم الأول ليس داعش ولا المنظمات الإرهابية كالنصرة، بل القوتين الكرديتين، وتحت حجج ومسوغات متنوعة.

نحن الكرد وفي خضم مجريات هذه الأحداث المصيرية، لا نزال نستخدم نفس الأساليب الكلاسيكية، مع القوى الإقليمية، ومع الدول الكبرى التي تظهر بأنها تتخلى عن الأخرين لصالح إقامة دولة فتية ذات الإمكانيات الضخمة، ونظهر ذاتنا للعالم بأننا دون تطورات العصر، ولا معرفة لنا بالعلاقات الدولية، ولا زلنا نتحاور مع الأخرين بمنطق القبيلة، منطلقين من جغرافية الأحزاب، وعليه فلا عتب إذا كانت الدول الكبرى مترددة في علاقاتها معنا، علماً أن كل المؤشرات تبين بأنهم يتطلعون إلى خلق كيان كردستاني في المنطقة، ويطمحون إلى تفعيل قوة شعبنا الخام، ونتناسى أو لا ندرك أننا لمسايرة هذه المخططات يجب علينا كشعب، أن نرفع من سوية تراكمنا المعرفي، وننتبه إلى عدم نضوجنا، ولا شك فالحركة الثقافية الكردية، هي الملامة في كثيره، بدءً من تخلف هذه الأمة، إلى انزلاق شريحة واسعة منها في الصراعات الحزبية والتي تجري حسب الأجندات الخارجية. فهي وحتى اللحظة، لم تستقطب تلك الشريحة، المتحدثة عنها فولتير، والتي بإمكانها إحداث تغيير في مدارك الشعب، وخلق ثورة، فأغلبيتها إما تصمت أمام الواقع، أو انجرفت إلى الصراع السياسي، بل وكثيرا ما شاركت في توسيع الشرخ بين الشعب ذاته، وغطيت بأساليب النقد والمشاركة في التهجم الساذج بين الأطراف السياسية، عوضا عن التوعية وإعطاء الحكمة للشعب، وتنوير دروبه. وأغلبية هذه الحركة تشارك اليوم في الخلافات بين جزئي كردستان، وتتناسى أو لا تدرك أن الصراع بين الإقليمين قضية مصيرية، سيعيدون أسطورة سيزيف، فهي لا تشبه الخلافات الحزبية، والتي في واقع الكيان الكردستاني الواحد أو المشترك، لا بد منه، لأنها تعكس الحيز الديمقراطي.

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك