أمريكا و الجهاديين و الشرق الأوسط

آراء وقضايا 25 أكتوبر 2013 0
+ = -

 

كوهدرز تمر –

حادثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 في نيويورك كانت نقطة انعطاف تاريخية ، غيرت استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في حربها مع القاعدة التي دعمتها خلال سنين الاحتلال السوفياتي لأفغانستان . فالدولة العظمى خلف المحيط الأطلسي دخلت حربين عالميتين انهتهما لصالحها و حلفائها لم تتعرض لصدمة كتلك التي فاجأتها القاعدة بتفجيري برجي التجارة العالمي و الذي راح ضحيتهما أكثر من 3000 قتيل و آلاف الجرحى عدا الرعب و الهلع اللذين دبّا في الشارع الأمريكي المصدوم  .

 و كما تاريخ الدولة العظمى الأولى في العالم فقد نقلت الحرب إلى أرض العدو منعاً له من العودة و الوصول إلى الأراضي الأمريكية ، و دخلت أفغانستان عسكرياً بعد أقل من شهر من الحادثة في أكتوبر 2001 و انهت حكم طالبان و القاعدة و مازالت تطارد فلولهما على الحدود الباكستانية و الإيرانية . و رغم الخسائر التي وضعها الجيش الأمريكي خلال عقد من الزمن نتيجة العمليات الانتحارية و القتال و حوادث غير قتالية أثناء التحرك اللوجستي ، و التي تجاوزت 2000 قتيل في صفوفه ، و مليارات الدولارات ، فإن الدولة العظمى حريصة على ألّا تقوى شوكة القاعدة و التكفيريين أو تتمكن من نقل الحرب إلى أراضيها أو تهديد مصالحها الاستراتيجية

 . أيضاً حرب تحرير العراق كانت تجربة أخرى و مفاجئة للجيش و الحكومة الأمريكيتين حيث تلقت القوات الأمريكية ضربات موجعة و فقدت حوالي 5000 مقاتل و مليارات الدولارات في العراق خلال ست سنوات و انسحبت من العراق مبقية على قواعد عدة موزعة .

الحرب الطائفية في العراق غيرت كثيراً من سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنطقة الجاثمة على بارود طائفي مدمر ، فستة مليون مشرد و مهجرو 150 ألف قتيل عدا الأيتام و الأرامل و الحرب الجارية حتى الآن بين التكفيريين السنة و المتشددين الشيعة لا زالت مستمرة و ترعب المحللين و السياسيين في الغرب  .  

و ازداد الحرص الأمريكي على عدم الخوض في التجربة ذاتها في دول أخرى ففي اليمن و شمال أفريقيا و باكستان تتعامل مع القادة عن طريق الضربات الجوية  لمقراتها و أوكارها . و  في سوريا و نظراً لنفس التركيبة الطائفية و القومية التي في العراق المجاور ، و ظهور الكتائب التكفيرية و تجمعها في سوريا من بقاع العالم لدعم الدولة الاسلامية في العراق و الشام و جبهة النصرة القاعديتين ، جعلت القوة العظمى تتريث في الإقدام على أي مغامرة غير محسومة و محسوبة العواقب كما جرى في العراق ، و يعتقد القادة و المحللون الأمريكان بسعي تلك التنظيمات الجهادية التكفيرية لجرهم إلى ساحة سوريا و التعامل معها على طريقتها في العراق بعملياتها الانتحارية و تفجيراتها بعدما فشلت في عبور المحيط و تسديد ضرباً للأمريكيين في عقر دارهم أو إعادة كرّة الحادي عشر من أيلول ، و يستقرأ من مواقف أمريكا و سياساتها ترك الطرفين العدوين اللدودين القاعدة و النظام العلوي المدعوم من إيران يتحاربان و يستنزفان قوتهما على الأرض السورية كما العراقية .

فالنظام السوري و حليفه العراقي الذي يأتمر بأمر طهران أطلقا أيادي السلفيين التكفيريين من سجونهما ليرسلاهم إلى الميدان السوري حيث الثورة الشعبية المسلحة التي تطالب بالديمقراطية و الحرية و تدعمها بعض الدول الحليفة للغرب ، و ذلك لتحريف مسارها و تشويه صورة أمام الغرب الخائف من المتشددين الإسلاميين و من أن يكونوا بديلاً قادماً لنظام لن يكونوا أفضل منه ، و نجح نظام بشار الأسد الدموي نوعاً ما في خطته تلك و ازداد التردد الأمريكي و الغربي عامة باسقاطه أو دعم المعارضة المسلحة بشكل منظم و رسمي .

و ثقافة المجتمع العربي الإسلامية و إحساسه بالغدر الغربي به و بثورته  ساعدا في توسع رقعة وشعبية  الكتائب و التنظيمات التكفيرية في سوريا ، و الدائرة تتسع كلما مر الوقت و ازداد ظلم و قمع النظام و تفرج المجتمع الدولي على مجازره مكتوف الأيدي ، و تتسع معها دائرة الحقد الطائفي و الديني و القومي التي يعمل لها النظام بتهجير قسري و مجازر مروعة و أمان في ساحله العلوي الغالبية .

و ارتفعت بورصة المعارضة السلفية و القومية على حساب القوى العلمانية و الليبرالية و  الديمقراطية المعتدلة .

و يبدو أنه و وفق حسابات المحللين السياسيين و دائرة  الأمن القومي الأمريكية  فإن إيران  الساعية إلى هلال شيعي يسيطر على منابع النفط في الخليج الفارسي و يوصلها بالبحر الأبيض المتوسط ، يهدد مصالحها الاستراتيجية ، كما المنظمات التكفيرية الساعية لبناء دولة الخلافة و محاربة الغرب (الصليبي) و ربما امتلاك اسلحة دمار شامل توصلها إلى مرابع واشنطن و أوربا القريبة ، و أن من الأفضل تركهما يتحاربان على البقعة الجغرافية السورية لفترة أخرى أطول و تجنب الدخول عن قرب في صراعهما الذي يمتد من 1300 عام ، حتى يسهل إضعافهما و تشتيتهما بتجريد الدولة من أسلحتها الكيماوية و البايولوجية و تدمير أسلحتها الثقيلة و بنيتها  التحتية (العسكرية و المدنية و الإجتماعية ) .

في ظل صمت إسرائيلي و ترقب من الدولة العبرية المرتاحة من تجريد جوارها العربي من أسلحة التوازن الإستراتيجي و تفتيت بنيانها  بانتظار التقسيم الذي يلوح في الأفق و تجريد إيران من نوويها و إرهاقها بدعمها اللامحدود لحليفها بشار الأسد .

أما  روسيا بوتين التي أثبتت وجودها بقوة بعد أكثر من عقدين على انهيار الإتحاد السوفياتي ، و لأول مرة في الأزمة السورية ، تفكر بمنطق واشنطن أيضاً  و تفضّل جرّ المجاهدين المتشددين من القوقاز الذين أربكوها في جمهورية الشيشان ذات الحكم الذاتي و تجميعهم في الساحة السورية  وإشغالهم بدولة الخلافة في سوريا و العراق و إنهاك قواهم .

و محاذاة لذلك تسعى الولايات المتحدة إلى دعم و تدريب القوى المعارضة السنية المعتدلة في معسكرات بالأردن وربما بتركيا قريباً للسيطرة على الأوضاع و ردع القوى السلفية و الجهادية و التكفيرية و لجمها (ارضاء لحلفائها الخليجيين و لذر الرماد في العيون) ، الذي بات مكشوفاً لدى هؤلاء الحلفاء الميئوسين من مواقف أوباما و سياساته و من عهودها مع أمريكا و أولهم السعودية و قطر اللتين احتارتا في تعاملهما مع الأزمة السورية و توحيد المعارضة و دعمها المنهك مع إطالة الأزمة ، وسط سيطرة الكتائب المتشددة على الأرض و جنوحها إلى القاعدة أكثر فأكثر و رفضها لقرارات المعارضة السياسية (الإئتلاف الوطني ) .

و نفس الشيء ينطبق على تركيا الجارة الشمالية و عضو حلف شمالي الأطلسي التي احتارت بين خيارين كلاهما مُرّ ، أحدهما دعم المعارضة الجهادية التي تخشى تركيا من توسعها و أفكارها المتشددة و التكفيرية و من مطامحها التي لا تتوقف عند حدودها بل تتجاوزه إلى كل العالم الإسلامي و منها الدولة التركية ، و الآخر دعم القوى الكوردية و خاصة وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي الكوردي جناح حزب العمال الكوردستاني في سوريا الذي يسعى إلى إقامة إدارة ذاتية أو ربما أكثر إن فُرِض التقسيم في غربي كوردستان على حدودها الجنوبية و هي (أي تركيا) لم تحل بعد قضيتها مع كوردها في شمالي كوردستان و مع حزب العمال الكوردستاني و كفاحه المسلح الذي أنهكها خلال العقود الثلاثة الماضية و خسّرها أكثر من 300 مليار دولار كافية لبناء سدود و إرواء كل المنطقة و رفاهية أبنائها كما ادعى أردوغان رئيس وزارئها بنفسه .

المعارضة  التي بدروها  ستجد نفسها مرغمة على حضور جنيف 2 و القبول بالجلوس مع النظام على طاولة واحدة بعد رفض طويل و ستقبل بدولة اتحادية تراعي حقوق و وجود المكونات الطائفية و القومية و الدينية  و التعهد بحماية الأقلية العلوية و العفو عن مرتكبي المجازر البشعة حرصاً على إيقافها و وضع حدّ للحرب القائمة ولو بنصف نصر و نصف هزيمة .

و إلّا فإن التقسيم الذي بدأ يفرض نفسه بقوة وسط صعوبة التعايش بين المكونات المتعادية كلما تأخرت الحلول سيصبح واقعاً ، و ستتجه سوريا إلى  سايكس بيكو مصغر ، و ستكتفي روسيا بدولة ساحل علوية و تظفر بموانئ لم تستغنِ عنها  و أمريكا بإفشال مشروعي ملالي طهران  و خلفاء بن لادن و لو إلى حين ،   فلا دولة الساحل التي تتوسطها مناطق سنية تحل مشكلة إيران و هلالها الشيعي الحلم و لا الوسط السني مجرداً من الساحل و الشمال الكوردي و الجنوب الدرزي يحقق أحلام الإسلاميين المتشديين في دولة داعش .

 في ظل صراع مستديم  في المنطقة الأكثر حساسية في العالم ، و مزيد من القتل و الفتك و سفك الدماء و تهجير قسري و تغييرات ديمغرافية بقوة السلاح و الترهيب و الإرهاب ، و انتقامات طائفية و عرقية مقيتة ، كشف القناع عن وجهها في سوريا أيضاً أسوة بالعراق و لبنان و أفغانستان و باكستان ، و الحبل على الجرار كما يقال !؟

 

و  السياسة الأمريكية ستظل تعيش على اختلاق عدو لا تريد القضاء عليه نهائياً و لا تسمح له بتعزيز قدراته ، و ستبقى القاعدة كمنظمة إرهابية بعبعاً للأمريكيين (كشعب) و عدواً تستغله الإدارة لتنفيذ مخططاتها و مآربها على حساب دماء و دموع و دمار شعوب و بلدان الشرق الأوسط المهضومة الحقوق و الإرادة منذ قرن ، وسط تقدم حثيث للمحور الروسي الصيني الداعم بقوة لإيران و نظام بشار  ، المحور الذي برهن على تماسكه في الأزمة السورية  و على فشل القطبية الواحدة في ظل صمت و تحرك بطيء لا جدوى منه أوربياً .

 

 

 

 

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك