أوباما وسوريا .. سلسلة من الخطوات المترددة والرسائل المتباينة

ملفات ساخنة 28 يوليو 2013 0
+ = -

واشنطن (رويترز) – عندما اشتد أوار الحرب الأهلية في سوريا ووجد المقاتلون المناهضون للحكومة صعوبات في توحيد صفوفهم وقواتهم المفتتة استدعى البيت الابيض في هدوء مجموعة خاصة من كبار مهندسي السياسات لتقديم النصح للرئيس باراك أوباما في أوائل العام الماضي.

كان التكليف الموجه لهم غير عادي وهو أن يفكروا في طرق غير تقليدية لابعاد الرئيس بشار الاسد عن السلطة.

رأس هذه المجموعة أحد كبار أعضاء مجلس الامن القومي وضمت عددا محدودا من خبراء وزارتي الدفاع والخارجية والمخابرات. وأجمع الكل على ضرورة أن يزن أوباما الخيارات العسكرية لتنحية الاسد.

إلا أن الفكرة لم تخرج إلى حيز التنفيذ بفعل تصميم أوباما على تحاشي التدخل العسكري الامريكي. وقال مسؤولون أمريكيون سابقون إنه بحلول منتصف عام 2012 تم حل هذا الفريق الذي كان وجوده معلوما لعدد محدود من المسؤولين في الحكومة.

ويبرز فشل هذه المجموعة في مهمتها الخطوات المترددة والرسائل المتباينة التي كانت سمة أساسية لسياسة أوباما في سوريا.

فبعد هذا التردد الذي عاشته واشنطن على مدى عامين تقريبا استعاد الاسد زمام الامور في الحرب ووافق البيت الابيض في نهاية الامر الشهر الماضي على تزويد المقاتلين السوريين باسلحة محدودة بعد أن ظل أوباما يقاوم هذه الخطوة طويلا.

وقد ثبت أن تنفيذ هذا القرار أمر صعب إذ انتقد أعضاء الكونجرس الامريكي هذه المساعدات ووصفوها بأنها أقل من اللازم وتأخرت كثيرا بل وشككوا في استراتيجية أوباما في سوريا.

ولم توافق لجنة بمجلس النواب على شحنات الاسلحة إلا الاسبوع الماضي بعد تأخير استمر شهرا طلب خلاله أعضاؤها ايضاحات من الحكومة.

وتتيح مقابلات أجرتها رويترز مع أكثر من عشرة من المسؤولين الامريكيين الحاليين والسابقين والدبلوماسيين الأجانب تفاصيل جديدة عن عملية صنع القرار في إدارة أوباما في ظل اقتناعه بإمكانية الاطاحة بالاسد دون تدخل خارجي مباشر ورفضه جر الولايات المتحدة إلى حرب جديدة في الشرق الاوسط.

وعلى مدى شهور من المناقشات الداخلية كثيرا ما كان أوباما يرفض النصيحة من مستشاريه الكبار الذين اقترحوا اتخاذ خطوات ملموسة مع اشتداد وتيرة سقوط الضحايا في سوريا وكان ذلك سببا في شعور بعض المستشارين بخيبة الامل.

ويرفض مسؤولو الادارة الامريكية الانتقادات القائلة إنه لو أن أوباما اتخذ خطوات أقوى قبل ذلك لكان مآل المقاتلين أفضل في قتال القوات الحكومية الأشد تسليحا.

وقال مسؤول رفيع مشترطا عدم الكشف عن اسمه “لم يكن من الممكن أن تنجح المعارضة في تقليص الفجوة نتيجة تلقيها دعما من مصادر خارجية ما دام لدى النظام دبابات وطائرات حربية.”

ويختلف بعض المسؤولين السابقين وكثير من المتخصصين في شؤون سوريا مع هذا الرأي ويقولون إن القتال يهدد الان مصالح أمريكية أوسع في الشرق الاوسط.

وسقط في هذا القتال نحو 100 ألف قتيل وأصبح هناك 1.8 مليون لاجيء كما تعمقت الخلافات الطائفية في سوريا وما حولها.

وقد ظهرت نبرة أوباما في أوائل الصراع. ففي 18 أغسطس آب عام 2011 وفي خطوة كان يفترض أن تضع خطا فاصلا دعا الرئيس الامريكي الأسد للتخلي عن السلطة وذلك بالتنسيق مع زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا وتركيا.

وقال أوباما “من أجل الشعب السوري حان الوقت لكي يتنحى الرئيس الاسد جانبا.”

وجاء هذا الاعلان الذي تردد البيت الابيض شهورا في اصداره ردا على ضغوط مكثفة من حلفاء الولايات المتحدة والرأي العام بعد أن أرسل الرئيس السوري قواته ودباباته إلى مراكز عمرانية لسحق الاحتجاجات المدنية المتصاعدة.

لكن بيان أوباما سبقته مناقشات حامية في البيت الابيض.

وجادل بعض المستشارين الاصغر سنا ومن بينهم سامانتا باور التي وقع عليها اختيار أوباما كسفيرة في الامم المتحدة وبن رودز نائب مستشار الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية بأن حكم الاسد يزداد ضعفا فيما يبدو يوما بعد يوم وأن على الرئيس أن يقف على “الجانب الصحيح من التاريخ” ويطالب الاسد بالرحيل.

لكن قدامى المستشارين المتخصصين في امور الشرق الاوسط كانوا أكثر حذرا وقالوا إن نطق ما وصفه أحدهم بالكلمات السحرية عن الأسد سيرفع مستوى التوقعات بأن تقوم الولايات المتحدة بدور نشط.

وقال مصدر مطلع على سير المباحثات إن ستيفن سايمون كبير مستشاري البيت الابيض لشؤون الشرق الاوسط تساءل هل كان ينبغي أن يدلي أوباما بهذا التصريح في حين أن واشنطن ليست على استعداد للقيام بخطوة ملموسة.

وأضاف المصدر أن سايمون جادل بأن الأسد الذي تدعمه روسيا وايران ربما تكون لديه قدرة أكبر على البقاء مما تظهره الشواهد.

إلا أنه في ذلك الوقت لم يكن أوباما مستعدا لبذل شيء يذكر أكثر من الجمع بين الدبلوماسية التي تهدف لتنحي الاسد والعقوبات الاقتصادية إذ حظر شراء النفط السوري ومنع المواطنين الامريكيين من التعامل مع الحكومة السورية.

ويرى بعض المساعدين السابقين الان سوء تقدير كبير لمدى قوة حكومة الأسد.

وقال دينيس روس أحد كبار مستشاري البيت الابيض في شؤون الشرق الاوسط حتى أواخر 2011 وكان ينادي بتشديد الموقف الامريكي قولا وفعلا “كان ثمة شبه اجماع في البداية على انه … لا يستطيع البقاء طويلا. وكان ثمة افتراض أننا إذا انجزنا العقوبات الاقتصادية … فسيكون ذلك كافيا.”

وأبدى مسؤول رفيع سابق آخر اسفه للفجوة بين دعوة أوباما للاطاحة بالاسد وخططه لوضع هذا الامر موضع التنفيذ.

وأضاف “عندما يقول الرئيس شيئا كهذا فهو ليس رأيا استشاريا. لابد من عمل شيء لتحقيق ذلك… لم تكن هناك استراتيجية. هذا كل ما في الامر.”

ومع اتساع رقعة الحرب الأهلية في سوريا في أوائل 2012 وتفوق جيش الاسد على جماعات المقاتلين المناهضين له المسلحين بأسلحة خفيفة بدأ بعض كبار أعضاء الكونجرس مثل السناتور الجمهوري جون مكين يطالبون أوباما بدعم المقاتلين.

ولم يقتصر التأييد لهذه الخطوة على الكونجرس. ففي مراحل مختلفة كان أغلب وزراء أوباما المسؤولبن عن السياسة الخارجية ينصحونه بتقديم دعم أكبر لمقاتلي المعارضة بما في ذلك وزيرا الخارجية هيلاري كلينتون وجون كيري ورئيس المخابرات المركزية السابق ديفيد بتريوس ووزير الدفاع السابق ليون بانيتا.

وفي خطوة غير معتادة قدم بتريوس وكلينتون قبل عام اقتراحا مشتركا للبيت الابيض أن تسلح واشنطن جماعات المقاتلين بعد فحص دقيق لكل منها بما يقلل من فرص وصول الاسلحة إلى أيدي الجماعات الاسلامية المتشددة.

وحظي الاقتراح بتأييد بانيتا والجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الاركان المشتركة. وقال مسؤول أمريكي إن مدير المخابرات القومية الامريكية جيمس كلابر كان مطلعا على الاقتراح ولم يعترض عليه.

لكن أوباما اعترض على هذه التوصية.

وأبرز هذا الرفض موقف أوباما الذي وصفه روس بالموقف المتشكك إزاء التدخل العسكري المصطبغ بما لاقته الولايات المتحدة من مصاعب في العراق وأفغانستان.

وتمثلت عقبة كبرى أخرى في عجز المقاتلين المعادين للاسد عن تنظيم انفسهم والتغلب على انقساماتهم السياسية.

وقال روس الذي يعمل الان بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إن أوباما “كان يقول ‘إذا كنت ستقترح علي خطوات محددة فقل لي إلى أين تؤدي’.”

وأضاف “لا أعتقد أن بوسعك أن تنظر للامر بمعزل عن العراق وأفغانستان. وبخاصة أن هذه الامور من السهل التورط فيها ومن الصعب الخروج منها.”

وعندما قدمت كلينتون وبتريوس اقتراحهما في صيف 2012 كان البيت الابيض يدرس في هدوء ما وصفه المسؤول الكبير السابق بخيارات أقوى.

كانت محاولات الامم المتحدة التوسط لتنفيذ هدنة في سوريا قد انهارت واستخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) في مجلس الامن الدولي لمنع اقرار عقوبات على الاسد وكان المقاتلون وحلفاؤهم في الدول العربية يطالبون بالسلاح.

وكانت المجموعة الخاصة التي شكلها ورأسها سايمون مستشار مجلس الامن القومي تضم ما بين ستة وثمانية أعضاء من بينهم فريدريك هوف الذي كان أكبر مستشاري وزارة الخارجية لشؤون سوريا إلى جانب مسؤولين من وزارة الدفاع والمخابرات. ولم يعلن من قبل عن وجود هذا الفريق كما أن البيت الابيض لم يرد على رسائل بالبريد الالكتروني للاستفسار عنه.

وحذر ممثلو وزارة الدفاع من تكلفة التدخل العسكري الامريكي ومخاطره وما يترتب عليه من نتائج.

ومع ذلك قال المسؤولون إن قدرا من التوافق تحقق على أن يقوم أوباما على الاقل بدراسة تدابير عسكرية مثل فرض مناطق حظر تجول أو توجيه ضربات جوية.

لكن تم حل الفريق في يوليو تموز 2012 تقريبا بعد أن رفض أوباما اقتراح كلينتون وبتريوس.

بحلول منتصف عام 2012 كان البيت الابيض قد ازداد اقتناعا فيما يبدو بأن الاسد في طريقه للخروج من الصورة. وقال المسؤول السابق إن البيت الابيض طلب من وكالات حكومية أمريكية التركيز على التخطيط لمرحلة ما بعد الاسد في سوريا.

وفي 25 يوليو تموز حثت كلينتون الاسد بكل ثقة على التفاوض على الخروج من سوريا.

لكن تقارير المخابرات الامريكية التي أظهرت أن القوات السورية تحرك مخزون الاسلحة الكيماوية أزعجت المسؤولين الامريكيين. وفي 20 أغسطس آب أعلن أوباما أن نقل الاسلحة الكيماوية أو استخدامها “خط أحمر” سيؤدي تجاوزه إلى عواقب لم يحددها. ولم يكن لهذا التهديد أثر مرأي يذكر.

وقال مسؤولون سابقون وحاليون إن عاملين اجتمعا خلال فصل الربيع الاخير ليحفزا أوباما على تقديم السلاح للمقاتلين.

فقد تزايدت الضغوط الشعبية على الرئيس للتحرك مع تزايد الادلة على أن الاسد يتجاهل الخط الاحمر الذي رسمه له أوباما.

وكما قال توني بلينكن نائب مستشار الامن القومي في أحد الاجتماعات مع أوباما ومساعديه “القوى العظمى لا تلوح بتهديد أجوف.”

وقال المسؤولون إن الامر الاخطر هو أن قوات الاسد كانت تسترد ما فقدته في المعارك بدعم من مقاتلي حزب الله اللبناني الذي تدعمه ايران. ولم يعد رحيل الاسد يبدو وشيكا.

ويوم السبت الثامن من يونيو حزيران تلقت بيث جونز المسؤولة الاولى عن الشرق الاوسط في وزارة الخارجية الامريكية مكالمة عاجلة من العميد سالم ادريس رئيس المجلس العسكري للمقاتلين السوريين.

أكد ادريس الذي حصل على دعم وزير الخارجية كيري أن الحكومة السورية ومقاتلي حزب الله استولوا على مدينة القصير معقل المقاتلين وأصبحوا يهددون مناطق أخرى.

وجادل كيري خلال اجتماعات البيت الابيض بأن المقاتلين يحتاجون دعما أمريكيا أكبر. كان كيري قد ألغى جولة خارجية للتعامل مع الازمة السورية ومبادرته للسلام في الشرق الاوسط.

وفي اجتماع لفريق الامن القومي الأساسي التابع للرئيس أوباما قال كيري في 12 يونيو حزيران إن على الولايات المتحدة أن تفعل ما هو أكثر من تسليح مقاتلي المعارضة باستخدام الضربات الجوية على حد قول مسؤول مطلع على ما دار في الاجتماع.

واعترض الجنرال ديمبسي رئيس هيئة الأركان بشدة قائلا إن هذه المهمة ستكون معقدة وباهظة التكلفة.

وفي اليوم التالي أعلن البيت الابيض أن الرئيس قرر تقديم مساعدات عسكرية مباشرة للمجلس العسكري الذي يرأسه ادريس.

وقال أحد المسؤولين إن أوباما اتخذ القرار الاساسي بهذا التحول السياسي من تلقاء نفسه في الايام الاولى من يونيو حزيران.

وجاء الاعلان لا من أوباما نفسه بل من مساعده رودز. ورأى البعض في ذلك دليلا على استمرار تحفظ أوباما.

وقالت مصادر مطلعة إنه عندما قدم كيري ومايكل موريل نائب مدير وكالة المخابرات المركزية تقريرا لاعضاء لجنة المخابرات في أواخر يونيو حزيران ترك الاثنان الانطباع بأن الادارة نفسها مازال لديها تحفظات على تسليح المقاتلين.

وقال مسؤولون إن من المستبعد أن يتم تسليم الاسلحة الخفيفة نسبيا والمحدودة قبل أغسطس اب. وتشمل الشحنة اسلحة آلية ومدافع هاون (مورتر) وقاذفات صواريخ.

ويتشكك كثير من المراقبين داخل الادارة وخارجها أن تكفي هذه الاسلحة لتغيير التوازن لصالح مقاتلي المعارضة.

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر