الأحزاب والبنى الاجتماعية والديمقراطية

آراء وقضايا 24 مايو 2015 0
+ = -

 

جميعنا يعتقد بأن الديمقراطية هي المفتاح لمعظم الأبواب الموصدة في وجه مجتمعاتنا والتي أدت إلى رسوخ الاستبداد والقهر والظلم والحرمان  من الحقوق الفردية وكذلك حقوق الجماعات ،وجلبت الويلات وانعدام الحريات  والفقر والفاقة لهذه المجتمعات ،لهذا نعتقد نحن دعاة الديمقراطية بأن تحقيقها هو مجرد تحصيل حاصل ،تتمثل في بعض العمليات الإجرائية تقوم بها أو تفرض على السلطة الحاكمة أو تتحقق بمجرد تغيير السلطة ،هنا يمكن لنا التساؤل هل يمكن أن تكون الديمقراطية نظاما فصاميا للمجتمع ،وتكون  مرجعا للحكم بدون أن تكون نظاما للمجتمع؟وهل يمكن أن تكون هناك ديمقراطية سياسية على صعيد الدولة ؟دون أن تصبح ظاهرة مجتمعية وظاهرة وممارسة تنظيمية على صعيد الحياة الداخلية للأحزاب التي ترفعها كشعار ؟سنحاول الإجابة على بعض هذه التساؤلات قدر الإمكان ، إن الأحزاب  السياسية المعارضة التي تناضل ضد الدكتاتوريات والاستبداد،وتسعى نظريا إلى تحقيق التحول الديمقراطي في مجتمعاتنا ،ومن ضمنها الأحزاب الكردية في سوريا ،ما زالت عاجزة عن  استيعاب القيم الديمقراطية عمليا  لأنها غير مؤمنة بالديمقراطية وبما ترفعها من شعارات ، فالحركة السياسية الكردية كمثال تضم أحزاب عديدة ووجود أحزاب متعددة في البلدان الديمقراطية، تعتبر ظاهرة ايجابية لأنها تمثل تجسيدا وتعبيرا حقيقيا عن فكرة التعددية التي هي شرط وجود الديمقراطية ،لكن في الحالة الكردية تعتبر هذه التعددية تكريس لحالة انقسامية ، هددت دوما وحدة الصف الكردي وقضيته العادلة وخاصة في المحطات المصيرية كالمرحلة الراهنة ، فالحزب هو تمثيل لجزء أو فئة أو طبقة من المجتمع له حق الوجود ولكنه لا يعبر عن الكل المجتمعي، لكن بعض الأحزاب الكردية وتحديدا تلك التي تدعي بأنها أحزاب كبيرة وقائدة للمجتمع ، نراها تماهي بين نفسها وبين الكل،وهو ما يمكن أن نطلق عليه “إعادة إنتاج الدكتاتورية  من حيث إن  الدكتاتورية هي بالتعريف الجزء الذي يحسب نفسه كلا،والنسبي الذي يفرض نفسه مطلقا”كما يقول “جورج طرابيشي “في كتابه “في ثقافة الديمقراطية “وهو ما يعتبر نفيا للتعددية والنسبية ،وإنكار حق الأحزاب الأخرى في المشاركة بتأسيس الكل ،ومصدرا للاستلاب الديمقراطي ،هذه الذهنية الاستحواذية موجودة لدى معظم الأحزاب ومنها الكردية  ومرد ذلك إلى عاملين أساسيين :

.

أولا- البنية الداخلية لأي حزب هي بنية سلطوية تقوم على الانفصال وتقسيم العمل ما بين القيادة والقاعدة ،ومهما يكون الحزب ديمقراطيا وخاصة في الشرق الأوسط  فانه يطالب أعضائه بالتخلي عن آرائهم الشخصية والالتزام بالخط السياسي للحزب والباب الوحيد الذي يتركه الحزب  لأعضائه بالنسبة لحريتهم الشخصية ،هو باب الانشقاق أو الفصل أو الطرد من الحزب  ويرى ماكس فيبر بهذا الخصوص “بأن الأحزاب هي مصانع لإنتاج الاوليغارشية” كذلك تلميذه”روبرتوميشلز”يرى الأحزاب بأنها مجتمعات مغلقة  وأنسجة مريضة لا وظيفة لها غير إفراز البيروقراطية  والأوليغارشية وإعادة إنتاج العلاقة الأزلية بين الحكام والمحكومين “

.

ثانيا :البني الاجتماعية الموجودة  الموجود في الشرق الأوسط ومنها البنى الاجتماعية الكردية رغم إنها تعبر شكلانيا عن بنى مدنية لكن طبيعة العلاقات التي تحكم هذه البنى هي علاقات ما قبل مدنية ،تحمل في طياتها ذهنية عشائرية وريفية ،وموروثات تقليدية ضيقة ،فمجتمعنا ما زال يتكون من جماعات تطغى عليها الطابع العشائري العضواني،بدءا من الأسرة وصولا إلى الحزب السياسي ،الذي يتسيده السكرتير مختزلا الحزب في شخصه ،لذلك نرى الحزب تتغير مواقفه واتجاهاته السياسية وفقا لمصالح ومواقف السكرتير الذي يجنح بحزبه من اليسار إلى اليمين ومن اليمين إلى اليسار دون أية مساءلة  ودون مراجعة نقدية ،بل على العكس يتم التطبيل لهذه التبدلات غير المنطقية على إنها انجازات وتحولات لصالح الشعب ،لذلك هذه الأحزاب لا تؤمن بالفرد الحر ولا بحرية الفرد سوى للسكرتير الذي يجسد شخصية الزعيم العشائري ولكن بلبوس مدني،إن هذه البنى تشكل نقيضا صارخا للديمقراطية التي تكون دوما مهددة إذا تحول المجتمع إلى مجموعة قبائل وطوائف على صورة أحزاب بموروثات تقليدية منغلقة على حزبيتها ،هكذا مجتمع يتميز من الناحية السياسية بأمرين سلبيين :

.

الأمر الأول –الافتقاد إلى روح الجماعة  وغياب العمل الجماعي المؤسساتي”إن الذي يقود هو شخص واحد وليس كيان مؤسساتي .

..

الأمر الثاني –الصلة مع كيان سياسي أكبر والتبعية له ،وما يفسر ذلك حاجة أحزابنا الدائمة إلى الأطراف كردستانية لأجل حل وتسوية مشاكلها ،كذلك اعتمادها على هذه القوى الكردستانية  كمرجعية لتوجيه سياساتها،مما تؤدي بهذه الأحزاب إلى الدخول في حالة من التبعية والتقزم ،كما تكون هذه التحالفات بين هذه الأحزاب تحالفات ظرفية غير جادة وتفتقد للحرص على المصلحة  العليا للشعب الكردي، لذلك فهي تأتي على الأغلب بنتائج عكسية مضرة للقضية ويمكن ذكر مثال على صحة كلامنا “إنشاء الهيئة الكردية العليا ومن ثم فشلها والذي أدى إلى التناحر والتباعد بين طرفيها ،حركة المجتمع الديمقراطي تف-دم والمجلس الوطني الكردي ،والمرجعية الكردية التي أعلنت في الأشهر الأخيرة بين الطرفين السابقين تسير في نفس الاتجاه .لكن على الأحزاب الكردية أن تدرك إن ما يجري من أحداث تاريخية في المنطقة ومن ضمنها سوريا ستؤدي على الأغلب إلى تغييرات وتبدلات هامة وجوهرية في بنية السلطة السياسية  الحاكمة حتى يمكن أن تؤدي إلى  إعادة رسم الخارطة الجغرافية لدول لمنطقة ،لذلك لم تعد تنفع بقاء الأحزاب ونخبها السياسية في عملية مراوحة بالمكان وهي مطالبة بالتغيير ، والسعي بجدية لبناء أحزاب مؤسساتية ،تعتمد على منظومة فكرية ومعرفية لها نظامها وآلياتها وقوانينها ،تتجاوز العقلية العشائرية والنزعة الحزبوية ،والمصلحة الذاتية ،وتؤسس لوعي مدني وتساهم في تنسيق جهود الشعب الكردي من أجل تحقيق تطلعاته في نيل حقوقه المشروعة والمساهمة في انجاز عملية التحول الديمقراطي

……………………………………………………………………………………..

سلمان إبراهيم الخليل –قامشلو-سوريا

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك