الأسباب الحقيقية وراء التدخلالأمريكي في فنزويلا!

آراء وقضايا 18 مارس 2019 0
الأسباب الحقيقية وراء التدخلالأمريكي في فنزويلا!
+ = -

كوردستريت|| مقالات

توما حميد

قبل ان اتطرق الى الموضوع الذي اود مناقشته هنا، أي الاسبابالحقيقية وراء تدخل أمريكا في فنزويلا اود ان اسرد بعض الحقائقعن فنزويلا والأسباب والحجج التي تسوقها أمريكا والغرب بشكل عامودول أمريكا اللاتينية التي تحكمها حكومات يمينية والاعلام الرسميللتدخل في فنزويلا.

في البداية اود ان اوكد بان الاقتصاد الفنزويلي ليس اقتصادااشتراكيا. لم يؤسس شافيز ومن بعده مادورو اقتصادا اشتراكيا حتىبمقاييس القرن العشرين للاقتصاد الاشتراكي، أي بناء اقتصادراسمالية الدولة. لقد قام شافيز بمصادرة بعض الاراضي وبتأميمقطاعات اقتصادية اعتبرها النظام استراتيجية مثل الصلب والنفطوالاتصالات والسمنت والكهرباء والغذاء ولكن عدا النفط هذه القطاعاتتمثل جزء صغير من الاقتصاد اذ ان ثلاثة أرباع الاقتصاد يتحكم بهالقطاع الخاص وهذه هي أكبر المشاكل التي تواجهها الحكومةالفنزويلية حاليا في تصديها للهجمة الامريكية والمعارضة اليمينيةعليها إذا ان الطبقة الاوليغارشية التي تتحكم بالاقتصاد تتمكنبسهولة من تقويض الاقتصاد وخلق ازمة تؤثر على حياة الملايين. اذاكانت مسالة وجود قطاع اقتصادي تتحكم به الحكومة هو مقياسالاشتراكية فان الكثير من الدول الاخرى هي اكثر اشتراكية منفنزويلا اذا ان اليوم القطاع العام في دول مثل روسيا والهند واثيوبياو الدنمارك وسنغافورة وصربيا والسعودية والنرويج ومولدافيا ولاتيفياوالكويت والأردن وكرواتيا وبيلاروس وبهاماس هو اكبر من القطاعالعام في فنزويلا الذي يبلغ 29-30% من الاقتصاد.

 

.

لقد قام نظام الحكم في فنزويلا تحت شافيز ومن بعده مادورو بصرفمردود النفط بشكل اكثر عدالة على المجتمع من خلال البرامجالاجتماعية التي تخدم الفقراء في فنزويلا. لذا فان الاشتراكيةالفنزولية لاتتعدى تاميم قطاعات معينة وتقديم الخدمات الاجتماعيةللقطاعات التي كانت مهمشة تحت الأنظمة السابقة. لقد كان لشافيزكما لمادورو اليوم الكثير من المستشارين من مختلف الاختصاصاتمن داخل فنزويلا وخارجها الذين قدموا المشورة حول كيفية بناءالاقتصاد الاشتراكي بما فيه بناء قطاع اقتصادي يعتمد علىالتعاونيات العمالية وملكية العمال لوسائل الإنتاج الا ان التقدم الذيحققه النظام بقي محدودا لأسباب هي لست موضوع هذا المقال. لقدصرح فكتر الفاريز وهو اقتصادي ووزير التعدين في حكومة شافيزبانهدف الحكومة كان بناء نوع جديد من قطاع اقتصاد اجتماعيمكون من شركات يديرها العمال وتعاونيات زراعية ومشاريع أخرىتدار بشكل جماعي، الا ان الذي انجز في هذا المجال كان محدودا. لقد تحدث شافيز عن الصعوبات التي واجهها وقد استشهد اكثر منمرة بالنصيحة التي قدمها له فيدل كاسترو حول كيف ان عهد شافيزهو غير الستينيات من القرن العشرين كدليل على ان مهمة التاميموانهاء القطاع الخاص هي مهمة عسيرة واصعب بالمقارنة بفترة الحربالباردة. كما ان شافيز لم يأتي الى الحكم من خلال ثورة او انقلابحيث كان دائما يواجه مقاومة من القوى الأخرى في البرلمانالفنزويلي. لقد غادرت الكثير من الرساميل وشركات الإنتاج الخاصةفنزويلا لان سياسات حكومة شافيز الاقتصادية لم تروق لها، بدون انيتمكن النظام تعويضها بمشاريع قطاع عام. وفي سنوات حكم مادوروبرز الفساد كمشكلة كبيرة أيضا لتضاف الى المشاكل الأخرى التيواجهت الحكومة.

لقد وصل شافيز الى الحكم في 1998 في انتخابات حرة ونزيهة فيوقت كان الاقتصاد الفنزويلي في وضع يرثى له حيث كان اجماليالناتج المحلي للفرد في هذا العام هو نفسه في عام 1963 والقوةالشرائية كانت ثلث ما كانت عليها 20 سنة قبل هذا التاريخ. اذ كانالاقتصاد الفنزويلي في وضع مشابهة للوضع الذي فيه اليوم. لقد نمىالاقتصاد الفنزويلي ثلاث اضعاف بين 1998 و2014 وكان ادائهافضل من معظم اقتصاديات أمريكا اللاتينية. معظم هذا النمو كانبسبب ارتفاع أسعار النفط اذ يشكل النفط جزء كبير من اجماليالناتج المحلي و 95% من صادرات فنزويلا. قامت حكومة شافيز ومنبعده مادورو بتوسيع برامج الرعاية الاجتماعية بشكل هائل بحيث علىسبيل المثال انخفض معدل الفقر من 70.8% في 1996 الى 21% في 2010 وانخفض معدل سؤء التغذية من 21% في 1998 الى 5% في 2012 وانخفض معدل الوفيات بين الأطفال الرضع من 25 لكلالف ولادة في 1990 الى 13 لكل الف ولادة في 2010 وارتفع عددالأطباء بالمقارنة الى السكان بمقدار ثلاث اضعاف بين 1998 و2010 وعندما مات شافيز في 2013 كان 6% من اجمالي الناتج المحلييصرف على التعليم والعشرات من المؤشرات الأخرى التي تعتمد دوليالقياس التقدم في المجتمع. ويجدر الإشارة بان الاحصاءات بينها تلكالتي أجريت من قبل مركزغالوب اشارت بان فنزويلا في السنواتالأخيرة من حكم شافيز كانت من بين اسعد بلدان العالم.

 

 

.

ولكن في 2013 بدأ سعر النفط بالانخفاض مما أدى الى انخفاضالمردودات الحكومة، كما بدات قدرة فنزويلا في انتاج النفطبالانخفاض حيث لم يستثمر شافيز أموال تذكر لزيادة انتاج النفط اذلم يكن هناك حاجة بسبب ارتفاع أسعار النفط والايمان بان علىمنظمة أوبك ان تحدد أسعار النفط وان لاتتركها الى ميكانيزم السوقوالمساومات بين الدول. لقد شنت أمريكا حرب اقتصادية وسياسية علىفنزويلا منذ مجيء شافيز للحكم وفرضت إدارة أوباما حصارا محدوداضد فنزويلا في 2015 بحجة هزيلة جدا وهي ان فنزويلا تشكلتهديدا للأمن القومي الأمريكي وفي اب 2017 شدد ترامب الحصارعلى فنزويلا بهدف خنق فنزويلا اقتصاديا وماليا حيث جعل من غيرالقانوني لفنزويلا الحصول على القروض او حتى فتح حسابات بنكيةومنعت الشركة الفنزويلية للنفط المملوكة للدولة التي تنشط في تكساسمن ارسال الاموال التي جنتها من تصدير النفط الى مصافي أمريكاو الأرباح التي تحققها في امريكا الى الحكومة الفنزويلية. كما انعجز في الميزانية الفنزولية بالإضافة الى حملة منسقة من قبل أمريكاوالمعارضة الفنزولية ضد عملة البلاد وعمليات التخريب في مختلفالميادين التي قام بها الاغنياء واقصى اليمين أدت الى تضخم خياليوصل الى 80 ألف% في سنة 2018 وانخفاض القوة الشرائيةللمواطن وحتى في نقص مواد غذائية وبضائع محددة تتحكم بهاالولايات المتحدة والطبقة الغنية التي تؤيد تيارات اقصى اليمين. منالمهم معرفة حقيقة ان العقوبات التي فرضها الحكومة الامريكية تبدوبسيطة للوهلة الأولى مثل فرض عقوبات على عدة اشخاص في القيادةالفنزويلية ولكنها ادت الى اضرار هائلة اذ دفع اجراء مثل هذابالشركات الأجنبية الى تفادي التعامل مع الحكومة الفنزويلية وكلالشركات المرتبطة بها حيث يصعب على الشركات الأجنبية التأكد أيمن شركات القطاع العام والعقود والتعاملات التجارية سوف يتمربطها بشكل من الاشكال بالأشخاص المستهدفين من قبل الحكومةالامريكية. اذ يكفي ان تفرض الحكومة الامريكية عقوبات على شخصمادورو لتتخلى الدول والشركات الأجنبية عن معظم تجارتهاوتعاملاتها مع فنزويلا.

 

 

.

من جهة أخرى فاز هوغو شافيز بأربع انتخابات بين 1998 و29012 وكلها كانت بفارق كبير عن أقرب منافسيه كما فاز باستفتاءين فينفس الفترة وخسر استفتاء واحد. ما من احد بمافيهم أمريكا شككبنزاهة هذه الانتخابات. ففي انتخابات 2006 قال مركز كارتر لمراقبةالانتخابات بان الانتخابات كانت عادلة وشفافة وبدون أي تجاوزاتخطيرة وعن انتخابات 2012 قال هذا المركز بانها كانت الأفضل فيالعالم. عندما مات شافيز في 2013 ذهبت فنزويلا الى الانتخاباتوفاز مادورو وهو مرشح شافيز بفارق 1.5% في انتخابات حرة ونزيهةوفي 2018 بعكس الادعاءات الغربية، الحكومة الفنزويلية لم تمنع أيمن قوى المعارضة من المشاركة ولكن عندما علمت المعارضة بانهاستخسر الانخابات قامت بمقاطعتها بدفع من أمريكا لوضع شرعيةالانتخابات وشرعية مادورو تحت السؤال.

.

مسوغات التدخل في فنزويلا:

 

.

ان طريقة تدخل أمريكا في فنزويلا ومحاولة الإطاحة بحكومتها لايختلف عن عشرات التدخلات السابقة والتي تشمل شيطنة النظامالمقصود، خلق ازمة اقتصادية وإنسانية، وحرمان الحكومة من اموالهاتقديم مجموعة من المسوغات وتجنيد الاعلام من اجل تبريرها وحشدالرأي العام، وتجنيد اكثر العناصر رجعية في المعارضة لتقديم تبريرللتدخل تم الاعتراف بحكومة او رئيس بديل ومن ثم استخدام القوةولكن المختلف هو ان من يقوم بهذه المسرحية هذه المرة هو الاعلام ومابات يسمى بالدولة العميقة في امريكا ولكن الإدارة الامريكية الحاليةليست مهتمة حتى بأقناع الرأي العام وهي تتصرف كعصابة.

المسوغات التي تقدمها أمريكا لشن الحروب والقيام بانقلابات وقلبأنظمة هي متشابهة جدا وهي ان النظام المقصود اما يمثل تهديدللامن القومي الأمريكي بشكل مباشر او عن طريق دعم الإرهاب او انالنظام هو نظام دكتاتوري يقمع شعبه ويخلق ماساة إنسانية لايمكنللضمائر الغربيةالحيةتحملها. ولكن مايميز هذا التدخل هذه المرةهو انه يفتقد حتى لتلك المسوغات.

ما من تلك المسوغات التي اعتادت امريكا تسويقها تنطبق على مادوروفهو لايمتلك أسلحة الدمار الشامل وليس في نيته الحصول على مثلهذه الأسلحة. في الحقيقة مادورو وشافيز من قبله كانا سعداء بشراءالأسلحة الامريكية. فقط عندما منعت ادارة أوباما فنزويلا منالحصول على قطع الخيار للأسلحة التي كانت في حوزتها مثلطائرات ف 16 لجأت فنزويلا الى شراء الأسلحة الروسية.

فيما يتعلق بشرعية رئاسة مادورو ودكتاتورية نظامه،كما قلنا مادوروفاز في انتخابات 2018 ولم يمنع احد من المشاركة ولكن المعارضةفضلت المقاطعة بتوجيه من أمريكا. وقبلها وصل شافيز ومادور الىالسلطة في انخابات نزيهة.

 

 

.

كما ان شافيز ومادورو لم يقمعا المعارضة.

في الحقيقة شافيز كان ضحية انقلاب مدعوم من أمريكا في 2002 وتم اعادته الى السلطة من قبل حشود مليونيه. وكانت هناك محاولاتانقلابية أخرى ضد شافيز، وفي حزيران 2017 قام عنصر منالمعارضة المدعومة من قبل المخابرات الامريكية بخطف طائرة مروحيةللشرطة الفنزويلية ومهاجمة المحكمة العليا في فنزويلا. كما تعرضمادورو الى عملية اغتيال فاشلة في اب 2018 من خلال طائرة مسيرة. في 2015 سيطرت المعارضة على الجمعية الوطنية واعلنت نفسهاحكومة بديلة وهي الانتخابات الوحيدة التي لم تشكك بها المعارضةلأنها فازت بها. ان مسيرات المعارضة الكثيرة منذ وصول شافيز الىالحكم عادة ما تمر من امام القصر الجمهوري دون ان تتعرض لهاالأجهزة الامنية. ومنذ مطلع 2017 تقوم المعارضة بمهاجمة الشرطةبشكل متكرر، كما قتلت الكثير من مؤيدي الحكومة وخاصة ذويالبشرة السوداء والداكنة وعادة ما تلجا الى تكتيك معروف في فنزويلاحيث تقوم بغلق مناطق كاملة من العاصمة كاراكس عن طريق سدالطرقات وفرض السيطرة بشكل موقت عليها والاعتداء وإرهابمناصري النظام واضرام النار في الدوائر الحكومية والعياداتوالمدارس في محاولة لتقويض الاقتصاد وسلطة الحكومة.

وقام خوان غوايدو وهو رئيس الجمعية الوطنية بتنصيب نفسه في أحدالشوارع رئيسا للبلاد امام انظار السلطات الأمنية دون ان يتعرض هووانصاره الى القمع. اذا حدث امر مثل هذا في أمريكا نفسها، اعتقدان تعامل أجهزة الأمنية سيكون اكثر قمعا. وقبل أيام من مغادرتهفنزويلا للالتقاء بقادة الحكومات اليمينية في أمريكا اللاتينية كانغوايدو يخطب في حشد من أنصاره، وكلما كان يذكر اسم مادوروكان أنصاره بشكل جماعي يرددون شتيمة بذيئة بحق مادورو علىمسمع من الأجهزة الأمنية دون ان تقوم الأجهزة الأمنية بمضايقةأحد. في المقابل لقد قام صحفيون وناشطون امريكيون وغربيون مثلابي مارتن وارون متى وغيرهم بتوثيق العنف المنظم الذي تمارسهتيارات اقصى اليمين في المعارضة المدعومة من قبل أمريكا.

 

.

من جهة اخرى ان رئاسة مادورو هي أكثر شرعية من رئاسة دونالدترامب نفسه. فدونالد ترامب حصل على 3 مليون صوت اقل منهيلاري كلنتون في انتخابات 2016 ومع هذا فاز في الانتخاباتبسبب الطريقة التي تنظم بها الدوائر الانتخابية. كما هناك دلائل بانهلاري كلنتون قد سرقت الانتخابات الأولية للحزب الديمقراطي منبيرني ساندرز ومؤخرا نشرت بعض الوسائل الإعلامية دلائل عن تزويرالانتخابات على مختلف المستويات في امريكا. يجدر الإشارة بانفنزويلا بعكس امريكا تستخدم واحدا من احدث الأنظمة الالكترونيةلالقاء و عد الأصوات التي يجعل عملية التزوير صعبة .

يجب التذكير بان اغلب الدول الغربية الاخرى لم تتعامل مع الازمةالحالية في فنزويلا كدول مستقلة بل كمقاطعات تابعة للولايات المتحدةحيث سارعت حكومات هذه الدول في الاعتراف بغوايدو رئيسالفنزويلا على غرار ترامب وفي تأييد التدخل الأمريكي رغم هشاشةالمسوغات التي تقدمها. هذا في وقت ان ممثل الأمم المتحدة يقول بانالحصار الأمريكي ضد فنزويلا يمكن ان يرتقي الى جريمة يمكنالنظر فيها امام المحكمة الدولية.

يجب ان نذكر هنا برياء ونفاق الغرب فيما يتعلق بحقوق الانسانوالديمقراطية وغيرها، اذ انتقد رئيس وزراء اسبانيا مادورو في وقت،العالم كله يعرف كيف تعامل هو وحكومته مع مقاطعة كاتلونيا ومحاولةالاستقلال وكيف يتم زج قيادة حملة الاستقلال في السجون. من جهةأخرى قام ماكرون الذي هو اسوأ رئيس في تاريخ فرنسا من حيثتدني شعبيته وهو في طريقه الى القاهرة للالتقاء بدكتاتور مصر،بانتقاد الحكومة الفنزولية وقال فنزويلا تستحق انتخابات نزيهة. وهونسى القمع الفظيع التي تمارسه القوات الفرنسية ضد حركة الستراتالصفر بحيث وصل الحد بهم الى رش المتظاهرين بالغازات المسيلةللدموع من الطائرات. يجب ان نتذكر بان المظاهرات المستمرة فيفرنسا منذ اشهر أدت الى انخفاض اجمالي الناتج القومي الفرنسيوالفرق بين فرنسا وفنزويلا هو انها ليست تحت حصارتفرضه اكبردولة في العالم. لقد كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة فيفنزويلا منخفضة لان المعارضة قاطعت الانتخابات ولكن نسبة المشاركةفي تشيلي على سبيل المثال كانت بنفس المستوى ومع هذا فانتشيلي التي يحكمها النيوليراليون تعتبر قلعة الديمقراطية. كما انالانتخابات التي أتت بجورج بوش الابن للحكم مثلا لم تتجاوز نسبةالمشاركة فيها 30%.

 

 

.

من جهة أخرى، في كولومبيا المجاورة، الحكومة المدعومة من أمريكافي حربها مع حركة فارك والتي أدت الى مقتل ربع مليون انسانقامت بفظائع منقطعة النظير. وهناك سبعة مليون نازح بسبب الحربوسيطرة الشركات الاحتكارية من خلال اتفاقيات تجارية مختلفة معالحكومة على مناطق التي يعش فيها الافروكولوبيين الغنية بالمصادرالطبيعية اذ تقام مشاريع اقتصادية ضخمة.

وتعتبر كولومبيا حتى اليوم واحدة من أسوأ دول العالم من حيث عددالنازحين دون ان تواجه حصار او تنديد.

لقد دعمت أمريكا الحكومة الكولومبية في حملتها ضد المعارضةالمسلحة والسلمية وفي ما تسمى بالحملة على المخدراتبينماكان نفس قادة الجيش يقومون بتجارة المخدرات حيث ترتكب جرائمشنيعة بما فيها اغتيال المعارضين وفعالي القضايا الاجتماعية وقادةالنقابات. وتقوم الحكومة بحملة لرش مزارع الكوكا من الجو والتي تقتلالزراعة وتدمر البيئة وتؤدي الى مشاكل صحية هائلة. السكانالأصليين من مجموعة وايو على سبيل المثال يعانون من جفاف أدىالى وفاة أكثر من 14000 طفل من المجاعة منذ 2011 اذ تم حرف الماءالذي تعتمد عليه المنطقة الى منجم للفحم الذي هو أكبر منجم فيالعالم. وتم هذا بماركة ودعم أمريكا والغرب.

ومن مسوغات التدخل في فنزويلا هو ادعائهم بوجود كارثة إنسانيةفي فنزويلا نتيجة سوء إدارة الاقتصاد لذا يجب إزاحة النظام لصالحالمعارضة. ولكن نعرف جيدا بان أمريكا هي السبب الأساسي فيخلق الكارثة الإنسانية في فنزويلا. اذ ان فنزويلا ليس البلد الوحيدالذي يواجة ازمة اقتصادية وتضخم جنوني عندما يفرض عليه حصاراقتصادي. لا يمكن لأمريكا خلق ازمة اقتصادية خانقة ومن ثم القاءاللوم على مادورو.

 

 

.

ربما مادورو لم يقم بعمل جيد في إدارة الاقتصاد وارتكب العديد منالأخطاء ولكن تدخل أمريكا يجعل الوضع أسوا ويفاقم الازمة. يجب اننؤكد بانه ليس هناك مجاعة في فنزويلا كما يدعي الاعلام الغربيولكن هناك مجاعة في اليمين مثلا بخلق من أمريكا وحلفائها دون اننسمع عنها الكثير ويشهد اليمن كارثة انسانية أكبر ولأنجد أصحابالضمائرالحيةفي الغرب يحركون ساكنا.

المؤسسة الرسمية والاعلام في الغرب يتهمون شافيز ومادورو بجعلالاقتصاد يعتمد بشكل كلي على النفط مما يجعله رهينة أسعار النفطولكن في الحقيقية ان الاقتصاد الفنزويلي اعتمد على النفط منذالعشرينات من القرن الماضي ولم يحدث هذا منذ وصول شافيزللحكم. واكثر من هذا فان حكومة شافيز كانت اكثر نجاحا منالحكومات السابقة في تنويع الاقتصاد رغم ان نتائج هذه الجهودكانت محدودة. ان الازمة الحالية لايمكن باي شكل من الاشكالتفسيرها من خلال أسعار النفط فقط بل تعود أسبابها الى الحملةالغربية حيث جعلوا الحكومة الفنزولية عاجزة من القيام بابسط الأمورالتي تحتاج اليها الحكومة من اجل إدارة الاقتصاد.

 

 

.

التقديرات تشير بان الحصار كلف الاقتصاد الفنزويلي 7 مليار دولارفي السنة بنهاية 2018. وعدا الحصار والحملة المنسقة ضد العملةالفنزويلية، تحرم الحكومة الفنزويلية من الحصول على أموالها التيتجنيها من استثماراتها في أمريكا من خلال شركة النفط والغازالفنزويليةسيتكو. وتبحث أمريكا عن كيفية السيطرة على إدارة هذهالشركة التي هي احدى اهم الشركات الفنزويلية في الخارج وتقتربقيمتها من العشرة مليار دولار وتحويل ملكيتها الى المعارضة. ومنجهة اخرى البنك المركزي البريطاني الذي يفترض ان يكون محايدايمنع الحكومة الفنزويلية من سحب احتياطيها من الذهب بقيمة 1.2 مليار جنيه وهذه هي سابقة خطيرة جدا قد تقوض مكانة لندن كمركزتجاري إذ سيدفع الحكومات الأجنبية للتفكير مرتين قبل إيداع أموالهافي البنك المركزي البريطاني. ويسعى غوايدو للاستحواذ على هذهالودائع.

وهناك تقارير تتحدث بان عملية تدمير اقتصاد فنزويلا ومعها اقتصاددول أخرى نفطية مثل روسيا التي تعتبرها أمريكا دول معادية بدأتقبل سنوات من خلال تنسيق بين أمريكا والسعودية ودول الخليجالأخرى لخفض أسعار النفط بحيث يصبح النفط الصخري الذياستثمرت فيه مبالغ هائلة في امريكا مربحا من جهة وايذاء اقتصادهذه الدول الذي يعتمد على النفط من جهة اخرى.

سياسة خلق الازمات لتبرير التدخل في الدول الأخرى وقلب الانظمةهي ليست بجديدة فقد طبقوها ضد الكثير من الدول الاخرى. اذ تقومأمريكا ومن خلفها الغرب بإجراءات أهمها الحصار لتشديد الازمة مناجل خلق الاستياء تجاة السلطة. فالحصار يحطم الجميع عدا الأغنياءالذين بإمكانهم تفادي اثاره وهو مصمم لألحاق الأذى بالجماهير حتىيثوروا ضد النظام. يقولون اليوم نحن نضع الحصار على فقراءفنزويلا حتى نساعدهم ضد مادورو! وفي مسعاهم من اجل تحقيقأهدافهم أي تحطيم نظام الحكم وتغيره إذا مات الاف من الابرياء فهذهليست مسالة لا تتحملها ضمائرهمالحيةمثلما قالت مادليناوليبرايت بان وفات نصف مليون طفل عراقي كان ثمن يستحق الدفعفي حربهم ضد نظام البعث. نفس الشي أفصح عنه وزير الخارجيةالأمريكي السابق، ريكس تيلرسن حين قال ما معناه، نعلم بانحصارنا على كوريا الشمالية مؤثر لان أكثر من 100 سفينة صيدكوريا شمالية وجدت في المياه الإقليمية اليابانية بسبب نفاذ الوقودواغلب صيادي السمك على متنها ماتوا جوعا.

 

 

.

ويقولون ان أحد أسباب تدخلهم في فنزويلا هي الهجرة المليونية ولكنسوريا هي اخر مثال يثبت بان التدخل الغربي يخلق ويفاقم الهجرة. كما قلنا في كولومبيا المجاورة لفنزويلا والتي هي حليف أمريكا هناك7 مليون نازح ولايقول الغرب شيئا عن حقوقهم في حين يذرفون دموعالتماسيح على المهاجرين من فنزويلا.

تشن أمريكا ومن ورائها الغرب حملة على الحكومة الفنزولية لعدمقبولها المساعدات التي تقدمها أمريكا فهناك عشرات الشاحناتالمحملة بالمساعداتالامريكية عالقة على الحدود الفنزوليةواصبحت قضية دولية . يجدر التذكير بان فنزويلا تسمح بل ترحببالمساعدات الخارجية عدا المساعدات الامريكية لان هذهالمساعداتالإنسانيةقد حولت بوضوح الى سلاح لتغير النظام.

يحرمون فنزويلا من مليارات الدولارات ثم يقومون بتقديم مساعداتإنسانيةبمقدار 20 مليون دولار! ان هذا التصرف هو بدرجة منالبلطجة والنفاق بحيث حتى صليب الأحمر الدولي رفض التدخلوتوزيعها لان أمريكا قامت حسب الصليب الأحمر الدوليبتسيسالمساعدات الانسانيةوقام صليب الأحمر بالتنديد بالمعارضة المواليةلأمريكا اذ قامت عناصر من المعارضة بالتظاهر كعمال اغاثة تابعينللصليب الأحمر. وحتى هذه المساعدات لا يمكن التأكد من انها فعلالاتحتوي عل مساعدات عسكرية للمعارضة فممثل أمريكا الحاليلفنزويلا اليوت ابرامز وهو مجرم محكوم وكان له اليد في الكثير منالمجازر في أمريكا اللاتينية قام من قبل بتمرير السلاح الى الكونترامن خلال المساعدات الإنسانية“. كما ان أمريكا ترفض توزيع أيمساعدات على الفنزويليين الموجودين في كولومبيا والذين يعيشونأوضاع مزرية.

في الحقيقة ان تعين اليوت ابرامز كمندوب الإدارة الامريكية الخاصبفنزويلا له دلائل كثيرة يمكن استنباطها من تاريخ هذا الشخص. لقدكان ابرامز الرجل الأساسي في إدارة رونالد ريكان تجاه أمريكيااللاتينية وأشرف على دعم امريكا للجرائم التي ارتكبت في غواتيمالاوكولومبيا والسلفادور اذ كانت القوات الحكومية وقوات الكونترا وفرقالموت التي أشرف عليها بنفسه تقوم بعمليات إبادة جماعية ضد مئاتالقرى ومذابح لا تحصى وعدد كبير من الاغتيالات وتبنت تكتيكاتشبيهة بتكتيكات تتبناها التنظيمات الإرهابية الإسلامية مثل قطعروس الناس بما فيهم الأطفال، وصلب المعارضين والاغتصاب الخ.

 

 

.

من الضروري ان نذكر أيضا بان في وقت ان الأجانب كاشخاص اومنظمات او حكومات لايمكنها تمويل الانتخابات في أمريكا تقومأمريكا بتمويل المعارضة الفنزويلية بملايين الدولارات بشكل علني. فهلبقي أي منطق في العالم الرأسمالي؟؟!!

لقد اقامت امريكا الدنيا ولم تقعدها في الحديث عن تدخل روسيا فيانتخابات أمريكا رغم عدم تقديم أي دليل بعد سنتين من التحقيق يدعمهذا الادعاء في حين ان أمريكا تعبرعن رغبتها في تغير النظام فيفنزويلا بفخر ودون أي اعتبار لمواثيق الأمم المتحدة. والإدارة الامريكيةغير مهتمة بأقناع الرأي العام في أمريكا والعالم. فهم يعلنون تدخلهمبشكل بلطجي وبغطرسة منقطعة النظير وقد تحولت الإدارة الامريكيةبقيادة دونالد ترامب وجون بولتون وبومبيو وبينس ومن ورائهم روبيوبحق الى زمرة اجرامية غيرمهتمة حتى بالدعاية الحربية التي اعتادتعليها امريكا.

.

المعارضة الفنزويلية

هناك معارضة في فنزويلا ولكنها ضعيفة. إذا كانت شعبية مداورومنخفضة اذ تتراوح 30% فان شعبية المعارضة أدني اذ تبلغ 25%. كما ان هذه المعارضة متشرذمة، فالشيء الوحيد التي يوحدها هوالتخلص من حكم مادورو فهي غير متفقة على التدخل العكسريالأمريكي، على الحصار، وعلى من يقودها الخ. ليست لهذه المعارضةمصداقية لدى الجماهير لأنها بدون برنامج وتتأرجح في مواقفها وتقومباجراءات تهدف الى تدمير الاقتصاد واقسام فيها تدعم التدخلالأمريكي في حين ان اغلب الفنزوليين يعارضون تدخل أمريكا وخاصةالتدخل العسكري.

حسب إحصائيات شهر كانون الثاني 2019 86% من الفنزوليينلايتفقون من التدخل العسكري الدولي و81% من الفنزوليين لايتفقونمع الحصار. لذا لايمكن لهذه المعارضة الفوز في الانتخابات مهماكانت ديمقراطية لذلك تتجه الى الغرب وتدعو اطراف اقصى اليمين منداخلها الى الخيارات اليمينية أي الحل العسكري و الانقلاب.

في وسط هذا الانقسام يقوم غوايدو بتنصيب نفسه رئيسا مؤقتا فيمسرحية سياسية سمجة أدى اليمين الدستوري في أحد الشوارعوامام حشد من مؤيده في وقت ان 81% من الفنزوليين لم يسمعوا بهمن قبل.

 

 

.

فغوايدو ليس لم ينتخب كرئيس بل لم يشارك من قبل في انتخاباتالرئاسة. هذه الشخصية فعلا لاتختلف عن احمد جلبي لأنه نيوليبرالي حتى النخاع، على استعداد على التضحية بحياة الملايين مناجل أهدافه السياسية وهو عميل المخابرات الامريكة.

لقد كان احد جلبي كرمز للمعارضة العراقية التي اجتمعت في مؤتمرلندن على استعداد للتضحية بالملايين من العراقيين من اجل الوصولالى السلطة. ربما يقول أحد بان المعارضة العراقية دعمت الحرب لانهااقتنعت بالدعائات الحربية الامريكية بان الحرب ستكون خاطفة منخلال أسلحة متناهية الدقة وبخسائر قليلة جدا تنتهي الى إقامةديمقراطية في العراق ولكن هذه المعارضة واحمد جلبي أحد أبرزرموزها ايدت الحصار الاقتصادي وهو يؤدي بحياة الاف الأطفالشهريا امام اعينهم. وغوايدو اليوم يقوم بنفس ما قام به احمد جلبيفي الأيام التي سبقت الحرب على العراق. فغوايدو مثله مثل جلبييجب ان يحتل مكانه في القاموس السياسي كرمز للمعارضة النيوليبرالية عديمة الضمير والتي تفتقر الى برنامج سياسي والمستعدةللتضحية بالملايين من اجل الوصول الى السلطة من خلال التدخلالغربي.

 

 

.

يمكن من خلال الاطلاع على خلفية غوايدو من توقع أي مستقبل ينتظرفنزويلا في حال وصوله الى السلطة. فخوان غوايدو التحق في 2007 بجامعة جورج واشنطن في واشنطن دي سي السيئة الصيت المعروقةبتخريج المجرميين الدوليين المتخصصين في عمليات تغير الأنظمةللدراسة في برنامج إدارة الحكم والإدارة السياسية تحت اشرافالاقتصادي الفنزويلي لويس إنريكي بريزبيتيا أحد كبار الاقتصاديينالنيو ليبراليين في أمريكا اللاتينية وهو المدير التنفيذي السابقلصندوق النقد الدولي. وقد تلقى التعليم على ايدي ضباط السي ايأي الذين شاركوا في تدمير يوغسلافيا. وهو يتزعم حزب الإرادةالشعبية الذي اسسه في عام 2009 وقد صرح غوايدو بان اول شيءسيقوم به في حال وصوله الى الحكم هو اخذ قرض من بنك النقدالدولي وخصخصة الاقتصاد بما فيه قطاع النفط أي تطبيق مطاليبأمريكا حرفيا وفي فترة وجيزة. و رغم صغر سنه، لقد صرف غوايدوسنوات في مقدمة حملة عنيفة في فنزويلا لزعزعة النظام.

في وضع العراق، قامت أمريكا بدعم جماعات معارضة يمنية رجعيةحتى النخاع وهامشية اذ قلة قليلة في العراق كانت تعرف موفقالربيعي او نوري المالكي وحيدر العبادي واحمد جلبي وعلاوي وغيرهملان هذه الجماعات قدمت المبررات لأمريكا بشن الحرب على العراق. في فنزويلا أيضا أمريكا تدعم اقصى اليمين في المعارضة لان هذاالجزء من المعارضة يتفق مع أهدافها ويقدم التبرير لتدخلها. فغوايدوليس بزعيم المعارضة الفنزولية كما يريد الغرب تصويره.

.

أسباب الهجمة الامريكية على فنزويلا

لقد عادت أمريكا الحكومة الفنزويلية منذ اليوم الأول لفوز شافيزبالسلطة لأسباب ايدولوجية ولخططه بتأميم الاقتصاد وتقيد مصالحالكثير من الشركات الامريكية بما فيها شركات النفط وقال شافيز فياعقاب احداث سبتيمر 11 وهو ينتقد خطط أمريكا لاحتلال أفغانستانوالعراق، لايمكن هزيمة الإرهاب بالإرهاب. كما لم يروق لامريكا العلاقةالقوية التي ربطت فنزويلا بكوبا.

كما قلنا ان أمريكا دعمت محاولة انقلاب ضد شافيز في 2002 نجحت في ازاحته من الحكم لمدة 48 ساعة واستمرت في جهودهالأضعاف نظام الحكم في فنزويلا. ولكن اشتدت هذه الهجمة مؤخرابحيث باتت أمريكا على اعتاب مغامرة عسكرية و حرب كارثية أخرىقبل ان تتمكن من حسم تدخلها في افغانسان والعراق. والجديد فيتدخل أمريكا في شؤون فنزويلا هي الوقاحة والغطرسة التي يرافقهذا التدخل.

هناك الكثير من الحديث عن أهمية النفط الفنزويلي حيث ان فنزويلاتمتلك أكبر احتياطي من النفط في العالم لذا فهي مهمة من الناحيةالجيوبوليتك ووعد غوايدو بخصخصة النفط. وقال جون بولتن، مستشارالامن القومي الأمريكي: ” سيحدث فارقا كبيرا في الاقتصادالأمريكي إذا كان لدينا شركة نفط أمريكية تستثمر بالفعل وتنتجقدرات نفطية في فينزويلا“. أي ان جون بولتن قال بان التدخل فيفنزويلا هو بصدد النفط والمال والتجارة دون لفها بغطاء الديمقراطية.

 

 

.

كما ان الإدارة الامريكية الحالية وترامب بشكل خاص بحاجة الىنصر سريع اذ واجهت هذه الإدارة مجموعة من الانتكاسات منها انالمفاوضات مع كوريا الشمالية لا تمضي كما تريدها، كما يجد ترامبصعوبة في تمويل جداره على حدود المكسيك، كما ان حروبه التجاريةلا تؤدي الى النتائج التي وعد بها. والتدخل في فنزويلا والاطاحةبمادورو إذا غض النظر عن العواقب سيكون نصرا سريعا..

من جهة أخرى لقد برز عدد من المرشحين من ذوي الميول اليساريةويتبنونالاشتراكيةوبنيتهم دخول سباق الانتخابات في 2020 ببرنامج وسياسات اشتراكية ديمقراطية بما فيها خطة لمكافحة التغيرالمناخي وهي الخطة التي تسمى الخطة الخضراء الجديدة تيمنابخطة فرانكلن روزفلت لإنعاش الاقتصاد التي سميت بالخطة الجديدةوتوسيع التغطية الصحية لتشمل الجميع، ومجانية الدراسة الجامعيةدون قروض الخ.

ولكن في الحقيقة ما سيخدم دونالد ترامب والحزب الجمهوري فيانتخابات 2020 ليس قلب نظام مادورو وخلق مأساة وحرب أهلية وهوما بنيتهم القيام به، بل خلق ازمة خانقة وإبقاء مادورو في الحكم لحينموعد اجراء انتخابات 2020 لكي يمكنهم الإشارة الى فنزويلا كنموذجلما ينتظر الامريكيون تحت نظاماشتراكي“. أي ان ما سيخدم اليمينالأمريكي في انتخابات 2020 هو استخدام فنزويلا كنموذج من اجلنشر الخوف منالاشتراكيةولكن نجد ان الإدارة الامريكية الحاليةهي في عجلة من امرها للإطاحة بمادورو.

 

.

بنظري هذه هي ليست الأسباب الاساسية للتدخل الأمريكي. فأمريكااليوم أكبر منتج للنفط في العالم ولا اعتقد بان مصالح شركات النفطالامريكية هي سبب في القيام بمغامرة غير معروفة العواقب رغم انالكثير من الشخصيات في الإدارة الامريكية الحالية والحزبالجمهوري مرتبطون بشكل او باخر بشركات النفط.

بنظري السبب الرئيسي هو نفس السبب الذي وقف وراء حرب الخليجضد العراق في عام 1991 اي محاولة أمريكا تثبيت قيادتها للعالمالغربي وإعادة هيبتها وفرض نفسها كقطب وحيد في العالم ولكن فيوضع جديد وهو بروز الماركسية والاشتراكية واليسار كبديل في أمريكانفسها وبروز الصين كقوة تهدد سيطرة أمريكا والغرب على العالم. تشهد مكانة أمريكا اليوم تراجعا سريعا وتتحسس الطبقةالاوليغارشية في أمريكا ومن خلفها الدول الغربية بخطر جدي وخاصةان الحديث عن البديل الاشتراكي في أمريكا نفسها أصبح عالياومقلقا كما ان صعود الصين الذي لم يتوقعه الغرب بات خطر جدي منوجهة نظرهم حيث تخطت الغرب في الكثير من المجالات ومن الممكنان تتخطى أمريكا من حيث حجم الاقتصاد في المستقبل القريب رغمتعويلهم لحد الان على حدوث ركود اقتصادي في الصين. فالصين عداانها ليست جزء من الغرب ومن المرجح ان تنافس الغرب وتهددمصالحه حول العالم فان نموذجها الاقتصادي الرأسمالي هو ليسالنموذج النيو ليبرالي. ان صعود الصين ونموذجها الرأسماليللاقتصاد يأتي في وقت ان النموذج الاقتصادي الأمريكي أيالاقتصاد النيو ليبرالي أصبح تحت طائلة السؤال في الداخل. فالكثيرفي قلب الغرب يعترفون بانه إذا كان مسالة النمو الاقتصادي وانتشالقطاعات واسعة من الجماهير من الفقر هو مقياس النجاح كما ادعتالبرجوازية دائما، فان النموذج الصيني هو أكثر نجاحا من النموذجالغربي الحالي في هذا المجال. فبينما يزاد الفقر في الغرب في اخر2-3 عقود قامت الصين بانتشال 800 مليون انسان من الفقر. لذلكيحاول الغرب بكل السبل عرقلة تقدم الصين وهناك هستيريا حقيقيةفي أوساط الطبقة الحاكمة والاعلام خاصة في الدول الناطقةبالإنكليزية مثل أمريكا وبريطانيا وأستراليا وكندا تجاه الصين. لقدتيقن اليمين الغربي بقيادة أمريكا بان الوقت بات يفوته بسرعة لكييتمكن من تحجيم نفوذ الصين وعرقله صعودها السريع. ان الحربالتجارية مع الصين والإجراءات ضد الشركات الصينية وخاصة شركةهواوي الصينية هي بنظري محاولات متأخرة للجم واحتواء الصين.

رغم ان الصراع بين الغرب بقيادة أمريكا وبين الصين يحدث في كلانحاء العالم الا ان المناطق التي لم يحسم ولائها للصين او الغرب مثلامريكا اللاتينية ودول جزر المحيط الهادي هي في واجهة الصراعوالحرب التجارية. فمشكلة أمريكا هي ان في الوقت الحاضر هناك مايربط أمريكا اللاتينية بالصين أكثر ما يربطها مع الولايات المتحدة. فأمريكا اللاتينية غنية بالموارد الطبيعية وهو ما تحتاج اليه الصين وفينفس الوقت امريكا اللاتينية تحتاج الى بنية تحتية والصين لها المالوالتكنلوجيا لتطوير البنى التحتية في أمريكا اللاتينية. باتت الصيناليوم أكبر شريك تجاري لأمريكا اللاتينية التي تعتبرها أمريكاحديقتها الخلفية وهو امر يصعب على أمريكا تقبله.

 

.

لقد قامت الصين في عشر سنوات الأخيرة بالاستثمار في امريكااللاتينية وخاصة فنزويلا بشكل كبير. لقد استثمرت الصين حسببعض التقديرات ما يقارب 200 مليار بشكل مباشر في هذه القارة كماقدمت ما يقارب 150 مليار دولار على شكل ديون لدول أمريكا اللاتينيةوالدول الكاريبية والمقلق في كل هذا من وجهة نظر الغرب هو ليسحجم المصالح الصينية في أمريكا اللاتينية اليوم بل الوتيرة التي تنموبها هذه المصالح وحقيقة ان الاستثمارات الصينية تركز على المشاريعالمهمة والتي سيعزز نفوذها الجيوبوليتكي. وتبلغ استثمارات الصينفي فنزويلا بالذات حوالي 60-65 مليار دولار والتي قد تكون في خطرإذا تمكنت أمريكا من الإطاحة بمادورو.

في مواجهة هذا التوجه من الصين، ليس هناك الكثير من الحديث منجانب أمريكا عن التطور الاقتصادي في أمريكا اللاتينية والدولالكاريبية في حين يتم الحديث عن قوافل المهاجرين وبناء جدار علىحدود المكسيك.

والشيء الاخر الذي يميز تدخل الصين عن تدخل الولايات المتحدة فيأمريكيا اللاتينية، الصين ليست معنية مثل أمريكا بشن حربايدولوجية في أمريكا اللاتينية. فبينما تفضل الصين التعامل منحكومات يسارية ليس هذا شرطا للاستثمار. في حين، لان أمريكاترتعب من تقدم اليسار في القارة لذا فهي دائما تصطف الى جانبالقوى اليمينية الرجعية وهي مجبرة على عرض العضلات واللجوء الىالإنذارات والحصارات والانقلابات. وفي قضية فنزويلا تظهر الصينبمظهر العاقلاذ تدعو الصينإلى أن تلتزم جميع الدول بأهدافومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ، لا سيما تلك المتعلقة بعدم التدخل فيالشؤون الداخلية للدول ، واحترام سيادة وسلامة أراضي الطرفالآخر ، وعدم التهديد باستخدام القوةفي حين ان أمريكا تظهركبلطجي يريد فرض ادارته.

ان التدخل في فنزويلا والرغبة الجامحة للإطاحة بنظام الحكم هي فيالحقيقية جزء من حرب ضد خطر الاشتراكية في أمريكا نفسها وجزءمن الحرب ضد الصين أيضا. في نظر اليمين الحرب ضد الصين وضدالأنظمة الاشتراكية في أمريكا اللاتينية حتى إذا اختزلت الى تأميمصناعات معينة وتوزيع الموارد بشكل أكثر عدالة وضد الأفكارالاشتراكية في أمريكا نفسها هي حرب واحدة. فحسب رؤيتهم انوجود انظمة يسارية في أمريكا اللاتينية يزيد من نفوذ الصين في هذهالقارة كما تؤدي الى نمو الأفكار الاشتراكية في أمريكا نفسا.

وتصريحات قادة اليمين في الولايات المتحدة وامريكا اللاتينية توضحهذه الحقيقية. فقد اكدت الإدارة الامريكية على لسان ترامب ونائبهبنس على ضرورة اجتثاث الأنظمة الاشتراكية من النصف الغربي منالكرة الأرضية ويقصد بها كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ليس لان هذهالدول تشكل خطرا مباشرا على أمريكا بل ان وجودها في ظل انتشارالأفكار الاشتراكية في امريكا هو امر مقلق. وتتوالى التصريحاتالنارية التي يطلقها ترامب وبنس وجون بولتن ضد الاشتراكية كمايقوم اليمين الأمريكي بتنظيم كونفرانسات سياسية لمناقشة سبلمواجهة الأفكار الاشتراكية وهي كلها دلائل على خوف حقيقي. يقولترامبأيام الاشتراكية والشيوعية باتت محدودة ليس في فنزويلافقط بل في نيكاراكوا وكوبا أيضالأنه في الحقيقة خائف من خطرنمو الاشتراكية والشيوعية في أمريكا نفسها لان 60% من الأمريكيينلا يمكنهم تامين -$-400 في ظرف طارئ. ويؤكد ترامب هذا الخوفبقولهالاشتراكية بطبيعتها لا تحترم الحدود وهي تسعى دوماللتوسع“. وقال ترامب في كلمته السنوية أمام أعضاء الكونجرس: “نشعر بالقلق لسماعنا دعوات جديدة لقبول الاشتراكية في بلادنانحن نولد أحرارا ونموت أحرارا ونحن نؤكد قرارنا من جديد: أمريكا لنتصبح دولة اشتراكية أبدأ“. يدعون بان هناك اساب معينة تدعو الىقلب النظام في فنزويلا ولكن لماذا يشنون هذه الحملة المسعورة علىنيكاراكوا وكوبا في هذا الوقت بالذات دون ان يبرز أي شيء جديديدعو الى هذا التصعيد، إذا لم يكن الرعب من الاشتراكية داخلالولايات المتحدة.

 

 

.

ان حملة أمريكا في أمريكا اللاتينية ليست وليدة اليوم، فمنذ سنواتتحارب أمريكا ومعها الغرب الحكومات اليسارية في أمريكا اللاتينيةوتقف مع اليمين في هذه الدول وتمكنت من ايصال فاشيين الى الحكممثل جاير بولسونارو في البرازيل وسباستيان بينيرا في تشيلي وإيفان دوكي في كولومبيا. ولكن اشتدت هذه الحملة مؤخرا نتيجة بروزاليسار في أمريكا نفسها.

لذا فان الحرب على فنزويلا هي جزء من المساعي الامريكية لفرضهيمنتها على أمريكيا اللاتينية ضد الصين من خلال القضاء علىالأنظمة التي تميل نحو الصين. ولكن بنفس القدر هي محاولة لحسمالصراع القادم في أمريكا نفسها ضد اليسار والميول الاشتراكية. فبينما يتوعد ترامب بأنهاء الاشتراكية في النصف الغربي من الكرةالأرضية وعد الرئيس البرازيلي الفاشي بتنظيف أمريكا اللاتينية منالنفوذ الصيني والذي هو في الحقيقية تهديد فارغ.

.

ماذا ينتظر فنزويلا؟

التاريخ القريب يقول بان التدخلات العسكرية الامريكية والانقلاباتالمدعومة من قبل أمريكا تؤدي دائما الى كوارث تحصد حياة الالافويدمر البلد المستهدف. ان الأمثلة الأخيرة لتدخل الغرب من اجل تغيرالأنظمة مثل العراق وليبيا وافغانستان لم تؤدي الى جعل هذه البلدانأكثر ديمقراطية او أكثر ازدهارا وحتى أكثر مولات للغرب. كما ان هذهالدول تفقد سيادتها بشكل كامل وتصبح بؤرة للإرهاب والفساد. وفنزويلا سوف لن تكون مختلفة عن الدول الأخرى. فمن المرجح جداان تندلع حرب أهلية إذا وقع نظام مادورو من خلال تدخل خارجيسوآءا كان تدخل عسكري او غير عسكري. أمريكا تعرف جيدا بانجهودها لنصب المعارضة اليمينية في الحكم سوف يؤدي الى عنفويخلق أحوال كارثية وتخلق الأرضية لحرب أهلية ولكن هذا لا يهمهم مادم يحقق هدفهم.

لقد قامت أمريكا بالفعل بفرض حصار على فنزويلا والحصار كمانعلم يعني فرض الجوع على الفقراء وقاموا بإجراءات اخرى من اجلتدمير الاقتصاد الفنزويلي وإيذاء الجماهير بهدف دفعهم لمعارضةمادورو. فعندما أراد نيكسون التخلص من سلفادور اللندي في تشيليقال نيكسون يجب ان نجعل الاقتصاد التشيلي يصرخ وهم اليوميجعلون الاقتصاد الفنزويلي يصرخ. وبهذا العمل لقد خلقوا مأساةحقيقية.

أمريكا تدعو الجيش للاصطفاف مع المعارضة وفي أفضلالسيناريوهات بالنسبة لأمريكا والمعارضة الجيش سينقسم 50% معالنظام و50% مع المعارضة مما يعني حرب كارثية.

ما يزيد من احتمال نشوب حرب أهلية هو ان نظام مادورو له قوة لايستهان بها من المواليين ولهذا السبب لقد صمد لحد الان. ولذلك لمتنفع لحد الان قرارات العفو التي تصدرها المعارضة لصالح الجنودالذين يتخلون عن نظام مادورو وحتى تهديدات مستشار الرئيسالأمريكي جون بولتن ضد عوائل قادة الجيش ومحاولات اايوت ابرامزشق الجيش واشعال حرب بين الاجنحة المختلفة في تحقيق اهدافها.

.

رغم الازمة الخانقة التي يواجها نظام مادورو واحتمال انهيار هذاالنظام الا ان نتيجة هذا الصراع لم تحسم لصالح الغرب لحد الانبسبب كون الغرب نفسه في ازمة وضعف موقع أمريكا الى حد مامقابل الصين وروسيا بالمقارنة مع موقعها في الحرب على العراقوصعود الأصوات المعارضة داخل أمريكيا وخاصة في ظل ضعفالمسوغات التي تقدمها أمريكا لهذا التدخل.

على الشيوعيين الوقوف ضد التدخل الأمريكي في فنزويلا بكلالإمكانات لان الانقلاب التي تهدف اليه أمريكا يعني موت الالافوتدمير فنزويلا وتسليمه الى معارضة يمينية رجعية. النظام الفنزويليبكل عيوبه هو القوة التقدمية في هذا الصراع ويجب ان يدافع عنه فيوجه الهجمة الرجعية الي تقودها امريكا والمعارضة اليمينية وخاصةجناح خوان غوايدو الذي هو بحقاحمد جلبيلفنزويلا. من المهمان تنهزم أمريكا في هذا الصراع لان هذا سيلجم من قدرتها علىالتدخل في البلدان الأخرى وسوف يقوي الحركات التقدمية في كلانحاء العالم.

Loading

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك