الأمية الوطنية والبناء الديمقراطي

آراء وقضايا 06 سبتمبر 2021 0
الأمية الوطنية والبناء الديمقراطي
+ = -

كوردستريت || آراء وقضايا 

كفاح محمود كريم

 

  في معظم دول الشرق الأوسط وغالبية الدول العربية يعاني سكانالريف والقرى وأطراف المدن والبلدات الصغيرة من فرق شاسع في الوعي والثقافة وما يرتبط بهما سياسياً واقتصادياً وحضارياً مقارنة بمراكز المدن الكبيرة رغم التقدم الكبير في التعليم ووسائل الاتصالوالتواصل، حيث ما يزال الإرث الاجتماعي المتراكم في هذه المجتمعات متكلساً في السلوك والعادات والتقاليد وخاصة المرتبط منها بالأديان والأعراف، بعيداً كل البعد عن الحداثة والقوانين المعاصرة، حيث تساهم الأميّة الأبجدية والحضارية مع الموروث في التركيباتالاجتماعية القديمة بشكل كبير على إضعاف مفهوم جامع للمواطنةوالانتماء الموحد للوطن، وهذه اشكالية معقدة واجهت وما تزال تواجه عملية التحول الديمقراطي في غالبية هذه البلدان وخاصةً الدول ذات النظم الشمولية في الشرق الأوسط والعالم الثالث عموماً، حيث تسود الأميّة بأشكالها المتنوعة الأبجدية والحضارية والسياسية المستشرية في قطاعات واسعة بين الأهالي في المدن وبشكل أوسع في الأرياف، وهي التي تنتج حينما تجتمع جميعها أمية وطنية، وأعني بذلكالجهالة بالوطن والمواطنة و تقزّيم البلاد واختزالها في قرية أو مدينة أوقبيلة، بسبب التكلس البدوي في الشخصية مع تراكم التخلفالحضاري والتجهيل المتعمد من قبل معظم الأنظمة التي تسلّطت على البلاد، من خلال عمليات غسل الأدمغة وتسطيح العقول الذي تعرض له المواطن طيلة عشرات السنين خاصةً في الدول الحديثة كالعراق وسوريا منذ قيام كيانيهما السياسيين مطلع القرن الماضي وحتى اليوم حيث تم تقزّيمها في حزب أو عرق أو دين أو مذهب أو دكتاتور.

  في العراق مثلا كانت هناك محاولات جدية في نهاية سبعينيات القرن الماضي للقضاء على الأميّة الأبجدية حصرياً، لكنها فشلت حالها حال التعليم بشكل عام نتيجة سلسلة الحروب التي شنها النظام علىكوردستان وما تبعها بعد ذلك في الحرب العراقية الإيرانية التياستمرت ثماني سنوات لكي تعقبها حرب الكويت التدميرية وما تلاها من حصار وتحطيم شبه كلي للدولة العراقية، حيث تسببت في انهيار البلاد وتدهور مريع في المستوى المعاشي والتعليمي والتربوي، وبدلا من وضع خطط لمعالجة تلك الانهيارات ذهب النظام الى وضع برنامج منظم ومشدد لعسكرة المجتمع وغسل أدمغة الأهالي وتسطيح عقولهم ووعيهم بتكثيف الولاء للدكتاتور وحزبه وما فعلته أجهزة دعايتهم في تقزّيم المواطنة واختزالها إلى درجة إلغاء مفهوم العراق كوطن للجميعواعتباره قطراً في كيان خيالي وطوباوي، وبناء منظومة سيكولوجيةوفكرية لدى الفرد لا تتعدى مجموعة شعارات الحزب ووصايا القائد ومفردات الحرب والعسكرتاريا والعدو المفترض الذي يهدد البلاد ويستهدف العرض والأرض والدين!؟  

  وقد أدّى ذلك إلى تفشي أمية في المفاهيم الوطنية وغياب مفهوم المواطنة الحقة لتكريس مجموعة قيمية ضمن أيديولوجية (الحزب القائد) حيث أغلقت دائرة معلومات الفرد وثقافته وتطلعاته وانتمائه على شخص القائد الضرورة وأيديولوجية الحزب الحاكم الشمولية والمطلقة والتي لا تقبل الآخر المختلف إلا من خلال تبعيته وانقياده كلياً لثقافة القطيع التي كرستها مبادئ ذلك الحزب وسلوكيات رئيسه، مما أدى خلال أكثر من ستين عاما إلى ظهور طبقة واسعة من الأهالي ذات الوعي المسطح والمستكين تماماً والذي تكون على أساس (نفذ ثم ناقش) وساهم في تشويه بناء الشخصية الإنسانية وقتل عنصر المبادرة، وبالتالي عمل على نمو أنماط من السلوكيات والتعقيدات والتناقضات الحادة بين طيات تكوينها النفسي والاجتماعي مثل الانهزامية والتملق والسذاجة وفقدان الثقة والتردد والقسوة والأمعية وثقافة الاستكانة والانقياد وغياب الرأي والتفكير.

  إن ما يواجه العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان ومن ماثلهم في التكوين السياسي والاجتماعي اليوم ليس إرهاباً منظماً وتدخلات مخابراتية وسياسية أجنبية بل هو هذه الحاضنات الأمية المسطحة التي أصبحت بيئة صالحة لانتشار العصابات والميليشيات وأفواج من الفاسدين والإرهابيين والقتلة وتجار السياسة والمخدرات، تحت خيمة الولاء الديني والمذهبي والعنصري خارج أي مفهوم للانتماء الوطني الجامع في بلدان تعج فيها المكونات العرقية والقومية والدينية والمذهبيةويغيب عنها اي مفهوم للمواطنة الجامعة.

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك