التركيبة السياسية في روج آفا

ملفات ساخنة 28 سبتمبر 2013 0
+ = -

مجلة – الجدليَة – الإلكترونية , الأثنين 23 أيلول 2013
ترجمة : تمر حسين ابراهيم
كورد ستريت / في عام 1990 أراد عثمان صبري أن ينهض من فراش المرض في دمشق ليرحب بـضيفه الواقف. كان عمره خمس وثمانون عاما، و في وضع لا يسمح له بالمشي. انحنى ضيفه- عبد الله أوجلان- نحو سريره، عانقه و سلم عليه.
اعتقل مع عمه أثناء ثورة الشيخ سعيد ، و أطلق سراحه و من ثم أعيد اعتقاله في عام 1928، كان عثمان صبري واحدا من أبرز الشباب الكرد الذين أجبروا على الفرار من تركيا والهجرة إلى سورية تحت ضغط من الدولة التركية في عام 1929.
عندما وصل إلى سوريا، انضم عثمان صبري الى – خويبون – وهي منظمة أسسها مثقَفون كرد في المنفى في بيروت.

شاهد حيَ على التاريخ الكردي منذ عام 1925 إلى 1990، عثمان صبري المعروف أيضا باسم آبه عثمان ( العم عثمان) تحدث مع أوجلان لساعات متواصلة خلال زيارة عبد الله أوجلان.

في أحد نقاط الحوار مع أوجلان، أنهمرت الدموع من عيون العم عثمان، و أخبر أوجلان: ” أنت تحقق أحلامنا. لم أكن أبدا فخورا هكذا في أي وقت مضى من حياتي. هناك الآن منظمة لتحرير كردستان “.

ردَ أوجلان بإ تّفاق مع ما قيل ، “نحن نسير فقط على ُخطاك. و سيكشف الزمن عن هذا”.

بعد ثلاث سنوات من هذا الحوار، توفي عثمان صبري عن عمر يناهز الثمانية والثمانين عاماً.

يرقدُ عثمان صبري الآن في مقبرة في قرية – بير كفير – المرتبطة إداريا بالدرباسية. يتاخم قبرهُ قبوررفاق دربه: في أحد جانبيه يقع قبر الملا عبدالحي تيموك من مدينة باتمان و على الجانب الآخر يقع قبر رستم جودي، واحدة من أبرز قادة الحركة الكردية المعاصرة.فوق المقبرة يرفرف علم باللون الأخضر ،الأحمر و الأصفر.

تأسس أول حزب سياسي كردي في روج آفا عام 1957 الحزب الديمقراطي الكردي أو البارتي إختصارا تحت قيادة عثمان صبري و حميد حجي درويش ، بعد أن تأثروا بالحزب الديمقراطي الكردستاني في جنوب كردستان (في العراق) و ينظر على أنه خلف له ، في فترة اتسمت بالإضطرابات السياسية الشديدة والتحولات السريعة، حيث أجبر الحزب على مواصلة أنشطته بطريقة غير قانونية و أثرَ عليه ذلك إلى حد كبير مثل بقية الفصائل السياسية الكردية الأخرى. نتيجة الإستقطاب السياسي في جنوب كردستان في عام 1966، انشق جلال طالباني عن تحالفه مع الملا مصطفى برزاني وشكل الإتحاد الوطني الكردستاني (،\ي ن ك اختصارا). أثرَت إعادة التنظيم السياسية هذه في جنوب كردستان مباشرة على روج آفا . ترك حميد حجي درويش ، الحليف المقرب من طالباني، حزب البارتي وأسس الحزب التقدي. مازال يرأس الحزب لغاية اليوم ويقضي معظم وقته في السليمانية.
ترك عثمان صبري الحزب أيضا ، بعد أن رأى أن الخط القومي للحزب لم يعد مقنعا . عوضا عن ذلك،أصبح تركيزه ينصب’على المشاريع الاجتماعية والكتابة. الأعمال الأدبية والسياسية التي خلفها وراءه هي ثمار هذه الفترة. لم يضعف حزب البارتي من تحالفه السياسي مع عائلة برزاني في كردستان الجنوبية، و واصل الحزب نهجه حتى اليوم. عبدالحكيم الحكيم بشار هو الزعيم الحالي للحزب. تعرضت ثورة كردستان الجنوبية لنكسة خطيرة بسبب اتفاقية الجزائر عام 1975 بين العراق وإيران، والتي قطعت بعض الإمدادات الإيرانية إلى كردستان العراق، لاقت الأسس السياسية المزيد من الانقسام في روج آفا أيضا.

مستفيدة من الوضع، بدأت حكومة بغداد بتشكيل حزب جديد تحت قيادة صلاح بدر الدين، الذي كان على تواصل مع ياسر عرفات في لبنان وصدام حسين في بغداد. أسس صلاح بدرالدين حزبا حمل اسم اتحاد الشعب .بعد أن أعلن أن “كردستان الجنوبية خلقت لتكون إسرائيل الثانية”، وبعد أن قام بكل ما يمكن تخيله من تشويه لسمعة عائلة برزاني، لم يترك صلاح بدرالدين قيادة الحزب فقط، وإنما عمل أيضا مستشارا لمسعود برزاني لعشر سنوات تالية. حتى بعد أن أنتهى عمله كمستشار للبرزاني ، فإن علاقته مع برزاني لم تتدهور أبدا ، أعدَ كافة أنشطته السياسية اللاحقة حول وجود معارضة لحزب العمال الكردستاني. عندما ترك صلاح بدرالدين قيادة الحزب و عمل مستشارا لبارزني ، مصطفى جمعة أحد أقرب أصدقاءه ، تولى قيادة الحزب. تم تبديل اسم الحزب إلى آزادي. على أية حال بعد فترة ليست بطويلة على تغيير الاسم، ظهرت خلافات داخلية وصراع على السلطة مرة أخرى، وانشقَ مجموعة تحت قيادة مصطفى أوسي و أسسوا حزبا آخر، واسموه أيضا آزادي، في بداية عام 2000.
ونظرا لهذه الخلافات الداخلية، فإن روج آفا تحتضن الآن حزبين باسم آزادي ، وكلاهما ينحَازان سياسيا إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني. لكن المحاور الرئيسي للحزب الديمقراطي الكردستاني في روج آفا ما زال البارتي، على أية حال بقيت الأنشقاقات في البارتي ,حيث أن جماعة أخرى تحت قيادة نصر الدين ابراهيم شكلت الحزب الديمقراطي الكردستاني. ليس من المبالغة القول بأن حالة التشرذم الذي نتج عن هذه الخلافات الداخلية كانت متعلقة مباشرة بتوزيع وتقاسم الدعم المالي الآتي من كردستان الجنوبية في بداية عام 1990.
مع بدء حركة حزب العمال الكردستاني بإنشاء قاعدة سياسية له في روج آفا وكذلك في كل سورية، برزت ثلاثة اتجاهات سياسية في روج آفا في التسعينات و هي: حزب العمال الكردستاني، الحزب الديمقراطي الكردستاني، و حزب الإتحاد الوطني الكردستاني كان أوجلان , برزاني و طالباني يعقدون اجتماعات من وقت لآخر لمناقشة الإطار الوطني. كانت هناك أحزاب أخرى ’شكلت خلال هذه الفترة أيضا كحزب يكيتي (أو الاتحاد الكردي في سوريا) تحت قيادة إسماعيل حمة ، منذ انطلاقته، أعلن الحزب استقلاليته عن الأحزاب الثلاثة. وفي وقت لاحق، انشق إبراهيم برو وأصدقاءه عن الحزب وشكلوا حزب يكيتي آخر. في الوقت الحاضر، الحزب اليساري، التنظيمات اللبرالية، وجماعات منشقة أخرى تتواجد في المشهد السياسي في روج آفا. عندما بدأت الحركة الثورية في عام 2011 في سورية، تجمع الكرد من الميول السياسية المختلفة وشكلوا المجلس الوطني الكردي السوري. حيث توحد ستة عشر حزبا سياسيا و تنظيمات سياسية مؤسساتية أصغر في ظل هذا المجلس(و ذلك يشمل ما ذ’كر من اسماء سابقا),أيدوا النهج السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني و حزب الإتحاد الوطني الكردستاني . فقط حزب الاتحاد الديمقراطي ( المعروف ب ي د اختصارا) لم يكن ضمنهم.
حزب الاتحاد الديمقراطي ومجلس الشعب في روج آفا
عبر عبد الله أوجلان الحدود من – سورج – في شمال كردستان إلى كوباني. ووفقا لروايته عن الرحلة عبر الحدود، أنه عندما عبر الحدود بمساعدة المهربين من القرى الحدودية الذين يعرفون المنطقة الحدودية بشكل جيد للغاية، قال جندي تركي كان في مهمته “اسرع ,اسرع ، يا صديقي “

أجريت العام الماضي مقابلات مع الناس في المنطقة الذين يتذكرون تلك الفترات. رجل في منتصف العمر ومعاصر لأوجلان روى تلك الفترة والمقابلة معه هي على النحو التالي:
القائد آبو (اختصار لعبد الله) كان يقرأ باستمرار، في غرفة قدمت له، أو تحت تلك الشجرة هناك. كنا نعرف بأنه هارب. لم نكن نعلم أنه كان القائد. قيل لنا فقط انه كان شخصية مهمة. في أحد الأيام، تجمعنا نحن شبان القرية في المقهى للعب الورق. جاء لمشاهدتنا. دعوناه للإنضمام إلى اللعبة. قبل دعوتنا بلطف. أدركنا أنه لم يكن يعرف كيف يلعب الورق بشكل جيد ، لذلك قمنا بخدعة صغيرة عليه. وبعد بضعة أيام لم يعثر عليه في أي مكان، اختفى،. كان ذلك في عام 1984 عندما علمت بانه القائد. في عام 1988، تم تشكيل وفد من مائة شخص للذهاب و لقاء القائد في البقاع في لبنان . كنت ضمن الوفد. رحب بنا كل على حدة. بالرغم من وجود ما يقارب من عشرة أشخاص بيننا، نادى عليَ بأسمي. مبتسما، و طلب مني الإقتراب. استذكر وعانقني. ، “عرفت بأنك خدعتني في ذلك اليوم عندما لعبنا الورق، لكنني أرغب أن أحرجك ” قال لي. التقينا لبضع من المرات بعد ذلك. بدا الأمر كما لو انه لم ينس أبدا أي شيء. كان لديه علاقة وفاء قوية جدا مع الشعب. أملي الوحيد في الحياة هو أن أكون قادرا على رؤيته مرة أخرى.
جعل عبد الله أوجلان هذه المنطقة منزلا له لأكثر من عشرين عاما. و بقى على تواصل دائم ومنتظم مع الناس في جميع أنحاء المنطقة.
ووفقا لمصادر حزب العمال الكردستاني، فقد خمسة آلاف رجل و امرأة حياتهم من روج آفا بين سنوات 1984 و 2012، في مناطق مختلفة من كردستان في صفوف مقاتلي حزب العمال الكردستاني.لكن لم يقم حزب العمال الكردستاني و لم يتمكن من القيام بأي عمليات مفتوحة في سورية. عندما غادر أوجلان سورية، كل من كان معجبا بحزب العمال الكردستاني لقوا أنفسهم تحت المراقبة والضغط المتزايد من الدولة السورية. منذ ذلك الحين، سلمت سورية عشرات من مقاتلي حزب العمال الكردستاني الى تركيا. لكن، حزب العمال الكردستاني ترك أيضا بصمة لا تمحى على هذا المشهد. حيث نشأت علاقة روحية عميقة جدا بين حزب العمال الكردستاني و روج آفا. ربما كان حزب العمال الكردستاني غائبا، لكن موقفه السياسي وروحه تعيش في روج آفا . حتى أولئك الذين بقوا بعيدا عن السياسة من حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني فإن صورة عبد الله أوجلان كانت معلقة في منازلهم.
و أنشأ حزب الاتحاد الديمقراطي على هذه الأراضي، وأعلن تأسيسه الرسمي في عام 2003.على خلاف الفصائل السياسية الكردية الأخرى في المنطقة، فانه كان يقوم بأنشطته بشكل غير قانوني. تم القبض على عدد من قادته الكبار و أعدموا. برهنت على وجودها من خلال قيادة انتفاضة آذار 2004 في القامشلي. لم يصبح أو يدعي حزب الاتحاد الديمقراطي أنه حزب العمال الكردستاني، ولكن كممثل فخري لنضال دام عشرين عاما لحزب العمال الكردستاني فقد دخل تقريبا في كل منزل في روج آفا. عندما بدأت الحركة الثورية في عام 2011، كان التنظيم السياسي الأقوى والأبرز في روج آفا ، والقادر على المشاركة في هذه العملية.
بينما أيدت العديد من الأحزاب سياسة الانتظار والترقب، أو انضموا إلى المعارضة السورية، فإن حزب الاتحاد الديمقراطي لم يدعم النظام ولا المعارضة. بدلا من ذلك، فإنه التزم الموقف التالي: “دعونا بداية ننتظم و نحمي منطقتنا ، وبعد ذلك نقدم دعمنا للمعارضة إذا تم الاعتراف بحقوق شعبنا “.

بهذه السياسة اتجه حزب الاتحاد الديمقراطي إلى الشارع في روج آفا.
من الواضح أنها مهمة صعبة جدا لحزب واحد أن يلبي مطالب ثورة الشعب. من أجل تلبية هذه المطالب، تم تشكيل مجلس الشعب الديمقراطي. أنشئت إدارتها وممثلوها عن طريق الانتخابات، بينما الحركة النسائية ستار، حركة المجتمع الديمقراطي (تف دم اختصارا)، بالإضافة للشباب، المهنيين، والمنظمات الطلابية تم تمثيلهم في المجلس. كما اشترك حزب الاتحاد الديمقراطي في تشكيل المجلس. ونتيجة لذلك، ظهرت منظمتان تمثلان جميع الأحزاب السياسية والتنظيمية في روج آفا.
توحد المجلس الوطني الكردي في سورية، المكون من ستة عشر حزبا ومنظمات سياسية ومجلس الشعب الديمقراطي في شهر تموز من عام 2012 لتشكيل الهيئة الكردية العليا، التي تتألف من عشرة أعضاء. يتم تمثيل كل من المجلس الوطني الكردي ومجلس الشعب الديمقراطي مناصفة لكل منهما خمسة مندوبين في الهيئة الكردية العليا ، حيث الرؤساء المشتركين من مجلس الشعب و أحد من الرؤساء المشتركين لحزب الاتحاد الديمقراطي يكونون كأعضاء. تمكنت الهيئة الكردية العليا من بناء تعاون ملحوظ في روج آفا ، على الرغم من أن أنشطتها لم تلبي كامل مطالب الشعب. في حين أن أحزاب أخرى وجدت نفسها منهمكة في خلافات داخلية، فإن التنظيم السياسي الذي يقع تحت مظلة مجلس الشعب قد قاد الثورة حتى الآن ، يقوم بذلك بقدر كبير تحت كنف حزب الإتحاد الديمقراطي.
الإختلافات الأساسية بين الأحزاب السياسية في روج آفا
أحد أكثر الأسباب الأساسية للإحترام والدعم الذي يحظى به حزب الاتحاد الديمقراطي بين الناس هو تمسكه بالرؤية السياسية لأوجلان. عندما بدأت العملية الثورية، كافحت العديد من الأحزاب و الفصائل السياسية الأخرى للبقاء في الساحة السياسية والتنافس مع حزب الاتحاد الديمقراطي . قاد الموقف الذي أيدته أحزاب متحالفة بشكل وثيق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى خيبة أمل بين الناس في روج آفا حيث ميَزوا بسهولة بين الخطاب السياسي والفعل الملموس. أكثر من ذلك، أيد حزب الاتحاد الديمقراطي واتبع برنامجا سياسيا يرتكز على المجتمع. على سبيل المثال، من المستحيل أن ترى المرأة في أعلى المناصب القيادية في أي من الأحزاب الأخرى، حيث يبلغ متوسط العمر بين الممثلين أكثر من أربعين. بالنظر إلى الرئاسة المشتركة للحزب الذي تجاوز الرسميَات الخطابية ، نفذ حزب الاتحاد الديمقراطي نظام الحصص بنسبة الأربعين في المئة لممثلي المرأة عبر صفوف الحزب. بينما انكفأ معظم قادة الأحزاب وبقوا في هولير، بقت قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي على الأرض أكثر من أي حزب آخر. في حين أن الآخرين كافحوا من اجل إرسال أبنائهم إلى الخارج، فإن أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي بنوا حواجز دفاعية شاركوا فيها جنبا إلى جنب مع أطفالهم. ، بعبارة أخرى رأى الشعب بشكل واضح جدا من قَدم على أرض الواقع. بالنظر إلى هذه العمليات على الأرض ,نرى أحد أبرز الشخصيات في صفوف حزب الاتحاد الديمقراطي عيسى حسو الذي قتل مؤخرا في تفجير في قامشلو.
بعد أن أيدت وسائل الإعلام في جنوب كردستان وتركيا موقفا سياسيا شبيها بموقف الحزب الديمقراطي الكردستاني، فإنها عززت بشكل غير مباشر من موقف حزب الاتحاد الديمقراطي في روج آفا. الدعاية المنبثقة من خارج روج آفا تهدف إلى تشويه سمعة حزب الاتحاد الديمقراطي لصالح الإقليم، و لأن الناس الذين يعيشون على أرض الواقع كانوا قادرين على الرؤية بأنفسهم بأن الوضع كان على عكس الصورة “الكئيبة” عبر هذه الوسائل الاعلامية. قام حزب الاتحاد الديمقراطي بحملة نشطة بين الناس لكشف النوايا التي تقف وراء هذه الوسائل الإعلامية. ونتيجة لذلك، تضاعفت قاعدة الدعم لحزب الاتحاد الديمقراطي ، وحتى أولئك الذين لا يتفقون مع الموقف السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي هم الآن يحترمون الحزب لثبات موقفه. بما أن حزب الاتحاد الديمقراطي لم يكن بموقف ليقود الثورة نظرا لبنيته الداخلية والموارد المحدودة، ثبت بأن تشكيل مجلس الشعب كان مكسبا استراتيجيا مهما. ومن المهم أيضا أن نذكر، على أية حال، بأن الموقف الطائفي في بعض الأحيان من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي وردود أفعاله المتسرعة على الإستفزازات أدت إلى انتقادات. افترض معظم الأحزاب والجهات السياسية الأخرى الفاعلة ، بعد أن أيدوا سياسة الانتظار والترقب، أن حزب الاتحاد الديمقراطي سيتضرر بسبب موقفه الفعال. على الرغم من كل نواقصه، لكن ظهر حزب الاتحاد الديمقراطي أقوى من أي وقت مضى من الحركة الثورية. من خلال التفكير في نواقص الحزب ، والإستماع إلى الانتقادات ومشاكل الناس في المنتديات المفتوحة،أظهر حزب الاتحاد الديمقراطي الفرق بينه و الفصائل السياسية الأخرى في روج آفا.
في آخر لقاءاته مع ممثلي حزب السلام و الديمقراطية في ايمرالي ، اقترح أوجلان تشكيل تنظيم سياسي يكون مقره قامشلو ، و الذي سيكون بمثابة منتدى ليس فقط لحزب الاتحاد الديمقراطي والكرد ، ولكن أيضا لجميع الفئات الاجتماعية و الفصائل السياسية في روج آفا. رسم حزب الاتحاد الديمقراطي خططا لتشكيل مثل هذه المنظمة الجامعة على أساس مقترحات أوجلان و قدمتها للأحزاب الأخرى . لاحقا ، توحد كلا المجلسين معا في شهر أيلول 2013، و أيدوا اتفاقا تاريخيا بشأن مستقبل روج آفا . و قرروا أيضا تشكيل لجنة فرعية تكلف بمهمة التحضير للإنتخابات . برلمان روج آفا ، الذي سيتمخض من الانتخابات ، و هولا يهدف إلى تشكيل حكومة انتقالية فقط ، ولكن إلى خلق إطار قانوني لشعب روج آفا أيضا. وقد تقدم المجلس الوطني الكردي السوري مؤخرا بطلب الإنضمام إلى الائتلاف الوطني السوري على شرط أن يعترف الائتلاف بالحقوق الأساسية للكرد . تصريحات قادة الائتلاف الوطني السوري من جهة و مطالب المجلس الوطني الكردي السوري من جهة أخرى تبدو حتى الآن متضاربة، لكن لم يتم الأعلان بعد عن اتخاذ قرار نهائي حتى كتابة هذه المقالة . يصرح ممثلو المجلسين في روج آفا أنه مهما كان القرار ، فإنه لن يؤثر على خطط تشكيل حكومة انتقالية . بالأعتماد على ذلك ، فإن العملية من المتوقع أن تكون مؤلمة ، حيث أن الشعب في روج آفا أنفسهم يواصلون الضغط على جميع الفصائل السياسية للعمل معا، و معالجة مطالب الناس .

على أية حال فإن ثورة روج آفا ، قد تجاوزت حزب الاتحاد الديمقراطي أو أي مجلس سياسي . الأحزاب الداخلة في تحالف وثيق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني تستمر في الإشارة إلى نموذج كردستان الجنوبية و تحاول فرضه. بعبارة أخرى ، كانوا يرغبون لفصيلين سياسيين رئيسيين التوحد و و الحكم في إطار تقاسم السلطة. يصُر حزب الأتحاد الوطني الكردستاني و حزب الاتحاد الديمقراطي على مشاركة الجميع على أساس نتائج الانتخابات . على الرغم من أن إطار تقاسم السلطة الذي يقدمه الحزب الديمقراطي الكردستاني يجد دعما في الخارج ، فإنه يفتقر إلى أي دعم اجتماعي في روج آفا .

هل يمكن أن تكون جنوب كوردستان نموذجا لروج آفا ؟ أو أن روج آفا نفسها برزت كنموذج لعموم كردستان ؟
ملاحظات ختامية : النماذج ومكاسب ثورة اجتماعية في روج آفا
من المهم أن نلاحظ أن هناك اختلافات مهمة بين جنوب كوردستان و روج آفا و التي يجب أن تدرس قبل أن نتمكن من تقديم احتمالية أن يكون السابق أنموذجا لهذا الأخير. في الوقت الحاضر، روج أفا مقسمة إلى ثلاثة أجزاء ، و احتدم قتال شديد في مناطق فصلت هذه الأجزاء الثلاثة عن بعضها البعض. هذه المناطق التي تربط بين الأجزاء الثلاثة يسكن في معظمها عرب سوريين – وهم غارقون في صراعات داخلية على السلطة بين عشائرهم. بالرغم من أن السلطات السياسية تعمل في إطار منسق، يبقى الإنفصال الجغرافي مسألة خطيرة جدا عندما ستعالج في المستقبل. جنوب كردستان، من ناحية أخرى، هو كيان جغرافي متجاور، بالرغم أنها لا تخضع كليا للسيطرة الكردية. بينما تسيطر الحكومة الإقليمية الكردية على ستة وخمسون في المئة من كردستان الجنوبية، فإن المناطق الغنية بالنفط مثل كركوك تبقى تحت سيطرة الحكومة المركزية في بغداد. على الرغم من أن المناطق الغنية بالنفط تقع حاليا تحت السيطرة الكردية، فإن مستقبلها لا يزال غير مؤكد في أحسن الأحوال، بالنظر إلى أن النفط هو محور كل الصراعات على السلطة تقريبا ودافعا كبيرا لحرب طويلة في المنطقة.
من الضرورة أن نتذكر بأنه من الناحية الثقافية، شعب روج آفا هم أقرب إلى شعب شمال كردستان. لامبالغة في القول أنهم مثل أقارب يعيشون في نفس الشارع تحت دولتين، حيث اللهجة الكردية التي يتكلمون بها هي الكورمانجية. منذ عام 1966، هيمنَ فصيلان سياسيان هما الحزب الديمقراطي الكردستاني و الأتحاد الوطني الكردستاني على سياسات جنوب كردستان. بالرغم من نشوء تنظيمات سياسية أخرى هناك مؤخرا ، تتميز المنطقة بهيكلية تقاسم السلطة، سواء من حيث القوة العسكرية والتنظيم الجغرافي. بالرغم من أن مجموعة متنوعة هائلة من الأحزاب السياسية وجدت موطئ قدم لها في روج آفا ، هناك قوة عسكرية واحدة فقط. بالرغم من أن بعض الأحزاب الكردية قد اقترحت تشكيل جيش ثاني، لم تلقى الفكرة أي دعم في روج آفا. اقترح الحزب الديمقراطي الكردستاني إنشاء إطار لتقاسم السلطة مع حزب الاتحاد الديمقراطي، إلا أن الأخير يرفض تشكيل مثل هذا الإطار قبل الانتخابات. ويعود سبب هذا الخلاف إلى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني أغلق معبر سيمالكا الحدودي.
الإقتصادات السياسية في جنوب كردستان و روج آفا أيضا تعقد أي اقتراح باستخدام الأخيرة كنموذج للسابقة. بينما تعتمد معظم الأسر والبشمركة على الرواتب الشهرية المستخرجة من عائدات نفط في جنوب كردستان، الحياة في روج آفا لا تعتمد على المصالح المالية على الإطلاق. يتميز الاقتصاد السياسي لروج آفا بالإنتاج المعتمد على السكان و جمعيات تعاونية واسعة النطاق. بالرغم أنه يمكن القول ربما أن هذا الفرق ليس سوى نتيجة للظروف المادية الحالية، فإن الاختلافات الثقافية تشكل عاملا مهما لا يمكن تجاهله أيضا.
لذلك، لا يمكن تقديم جنوب كردستان كنموذج لروج آفا ، بل يمكن جعل روج آفا نموذجا لبقية كردستان، هذا إن لم يكن لكل الشرق الأوسط. يتميز السلوك السياسي في جنوب كردستان، إن لم يكن في المنطقة كلها، بنظم اجتماعية، التي تتبدل بحسب مبادرات مختلف الطبقات الاجتماعية. بالرغم من كل نواقصه، ما زالت السياسة في روج آفا تركز بشكل مباشر على المجتمع ككل، حيث يتم قياس وضع الساسة بحسب نجاحهم في تلبية مطالب الناس على أرض الواقع، والحسابات والمصالح المالية هامشية نسبيا. لعل هذا ببساطة نتيجة الموارد المالية المحدودة جداعلى الأرض. ويكفي القول في هذه النقطة بإن الظروف المادية في روج آفا لا تسمح بظهور سياسات تعتمد على المصلحة المالية. الأهم من ذلك على أية حال ، وخلافا لأمثلة عالمية وإقليمية أخرى، سبقت الثورة الإجتماعية الثورة السياسية في روج آفا. يمكن فقدان مكاسب ثورة سياسية بسهولة نظرا لمزاعم كاذبة استراتيجية مزيفة؛ لكن الثورات الاجتماعية تفتح آفاقا لا تحصى لثورات سياسية متعددة. لذلك ما حدث في روج آفا هوأفضل منهج و صياغة من التنظيم الاجتماعي والنشاط السياسي على مدى السنوات الثلاثين الماضية.
آمد دجلة

http://www.jadaliyya.com/pages/index/14272/rojavas-political-structuren

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر