الثورات العربية.. وأنصاف الثائرين

آراء وقضايا 22 أغسطس 2019 0
الثورات العربية.. وأنصاف الثائرين
+ = -

كوردستريت || مقالات

.

لم ندرك قبل قيام ثورات الربيع العربي أن الثورة يمكنها أن تسقينا وتطعمنا دما وعلقما وآهات وخرابا.. وأن الثوار الذين كثيرا ما نظرنا لهم كقديسين لا يمكن أن يجروا لنا الخراب معهم، ولا يهدوننا إلى مدنٍ مدمرة خاوية على عروشها.. انظر إلى اليمن وسوريا والعراق وليبيا، مدن من الطروح والأقزام.. من يحارب من في سوريا؟! وكذلك الحرب الدائرة في اليمن، وإعلان انفصال الجنوب.. ماذا يحدث في ليبيا والصراع الخفي بين فرنسا وإيطاليا ودخول تركيا على الخط، وأيضا قوى أخرى لها مصالحها؟! صدمتنا عنيفة في غياب جامعة تسمى مجازا (جامعة الدول العربية)!

.
لندرك أن للثورة قوانين إذا لم تحسب حسابًا دقيقا فقد تنحرف عن مسارها وتفقد بوصلتها فتخطئ الطريق، ويتم إسقاطها أو إجهاضها وتموت الثورة بفعل أخلاقى.. والصادق فيها هو من يجتهد ليعرف لماذا تَعْوَّج فطرة البشر فيقبلون بالفساد ولا يقبلون بغيره.. ويعرف أنه حتى وإن اعوَجَّت فطرتهم.. فما عليه إلا التبصرة.. وأنه ليس عليك هداهم إنما عليك البلاغ.
في عالم أصبح قرية صغيرة، وعهد التكنولوجيا الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي التي جعلت الثورات العربية تدخل كل بيوتنا وتعصف بحياتنا وتهز وجداننا.. الثورات العربية خلقت منَّا خلقا آخر، فجاءت صدمتنا عنيفة.. الثورة التي تعني دك المدن وتدميرها فوق رءوس أهلها ما فائدتها.. قتل الملايين وخلق أجيال من الثكالى والأرامل والأيتام.. الثورة التي لا تأتى للحياة بل للموت لا أحد يريدها.. أين كرامة الإنسان.. وحقوق الإنسان.. لسنا في زمن الأنبياء والرسل.. من منَّا يدعي القداسة..!

.
قد عصفت الثورات بكل شيء ومزقته إربا، وجعلت شعوبا كاملة تعيش مأساة خطف الهوية الوطنية، وتحويل الشعب الواحد إلى شعوب وقبائل متفرقة ومتناحرة، وأصبح نسيج المجتمع في خطر داخل الأسرة الواحدة، وتحويل بلدان كاملة بكل بيوتها وشوارعها وناسها إلى لا شىء.. انظر إلى اليمن أصبحت مثل العصر الحجري.. وجوه ممسوخة تائهة الملامح وممزقة إلى ألف قطعة..
أخبرونا في الكتب أن الثوار بشر لا يأتون بنقيصة أو حماقة أو شرٍ، ولا ينثرون إلا برا وخيرا، وأغرقونا بالحديث عن وطنية الثورات.. ونزاهتها وأمانتها ﻷوطانها ومواطنيها، لكن تربينا على أن الثورة لا تدوم إلا يوما أو بضعة أيام، ثم بعد ذلك تسير الحياة طبيعية في سلام.. انظر اليوم إلى من لبس ثوب الثوار في مصر حدِّث ولا حرج.. أصحاب السيارات الفارهة والبزنس الجديد وأصحاب العوامات.. رحم الله شيخ الثوار في القرن الماضي (تشي جيفارا).. حقًا إنه يستحق هذا اللقب فقط..
بعد 25 يناير و30 يونيه ظهر على الساحة الاجتماعية والسياسية في مصر أنصاف الثائرين وآلهة انتحال الألقاب العلمية والصفات الوظيفية، وانتحال صفة مستشار أو دكتور، وأخيرا صفة مناضل.. وقد أصيب بعضهم بانفصام في الشخصية النرجسية (الأنا)، أشخاص ذووا قدرة محدودة ورؤية عقيمة، لكن لديهم القدرة والأدوات والأساليب التى يسحرون بها الناس بالكذب.. ومنهم من في طريقه إلى أعلى درجات الجنون، وقد يوسوس له شيطانه بأنه فوق البشر وأصبح من سادة القوم، حتى وصل به أن صدق نفسه أنه صار مقدسا.. جيفارا الثائر الحقيقي ترك كل شيء.. المنصب والزوجة والطفلة وذهب إلى أحراش وغابات إفريقيا مناضلاً مات من أجل مبدأ.. المصلح الحق هو الثائر على الظلم.. لا يَمِن على البشر بإصلاحه ونضاله.

.

محمد سعد عبد اللطيف
كاتب وباحث في الجغرافيا السياسية 

Loading

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك