الحضارة الكوردية … خدمت الشعوب وأجحفت بحق الكورد ( 4 )

آراء وقضايا 01 أغسطس 2013 0
+ = -

لم يكن هولاء من يدَعون الإسلام منصفين بحق الكورد يوماً ، فقد كان جلَ أهتمامهم هو سلب الحقوق المشروعة للشعب الكوردي ، وطمس الهوية الكوردية ومحاولة دمج القومية الكوردية ضمن القوميات الفارسية والعثمانية والعربية .

ففي القرن العشرين وبعد الحرب العالمية الأولى وعندما سقطت الامبراطوريتان العثمانية والقاجارية تحت سطلة أوزارهما ، تمكن العرب والترك والفرس أن يؤسسوا دولهم القومية المصطنعة ذات الأنظمة الرجعية اللاديمقراطية واستطاعوا أن يحموا حدودها المصطنعة إلى يومنا هذا ، وكل ذلك بمساعدة المستعمرين الغربيين دعاة الديمقراطية والحرية ، لقد قام المستعمرون بتقسيم كوردستان على الترك والعرب والفرس حيث يعاملون الكورد كالعبيد والأعداء ، ولم يحرموا الشعب الكوردي من حقه المشروع في تقرير مصيره بنفسه وإنشاء دولته القومية الخاصة به فحسب بل حاربوا الشعب الكوردي في لغته وتراثه ووجوده وأرضه وعرضه ويقومون بتهجير الكورد من وطنهم كوردستان قسراً وهم يسفكون دماء الكورد فيقتلون الأطفال ويستحيون النساء ويهتكون الأعراض ويقومون بإبادة الكورد بأبشبع الاسلحة المستوردة من الغرب والشرق . والجماهير العربية والتركية والفارسية صمٌ ، بكمٌ ، عميٌ اتجاه كل مايقوم به حكوماتهم بحق الشعب الكوردي ، فمنذ تأسيس جمهورية التركية مارست أبشع الجرائم بحق الكورد واستخدمت الغازات السامة ضد الكورد في درسيم عام 1937م ولكن الأخوة الأتراك المسلمون سكتوا على هذه الجرائم وعندما استخدم صدام حسين الغازات السامة ضد الأبرياء في حلبجة وقام بعملية الأنفال وقتل الآلاف المؤلفة من الكورد بقيت كل الدول العربية ساكتة ولم نجد مناصراً للقضية الكوردية ، ولم تفعل الشعوب العربية شيئاً حتى بلسانها وهو أضعف الايمان إلا ما ندر .

إن القوميين العرب والترك والفرس استغلوا ولا زالوا يستغلون الديانة الاسلامية سلاحاً ماضياً ضد الشعب الكوردي المغلوب على أمره ، فكثيراً ما يستعمل العرب لفظة “العروبة والإسلام ” وكأن العروبة والإسلام متلازمان ، حيث أنهم يعتبرون أنفسهم أصحاب الرسالة الإسلامية وهم من نشروها ومن خلال أفكارهم السلطوية يعملون على استعباد الأقليات كالشعب الكوردي ، ونفي كل الانجازات التي قدمتها الحضارة الكوردية للإسلام والعالم ، حيث يحاولون نكران الانجازات الجبارة التي قدمها الشعب الكوردي للعلوم والفنون والحضارة الإسلامية على مدى القرون والعصور وذلك بإرجاع أصل كل العلماء والأدباء والزعماء الكورد إلى لأصول عربية حيث قاموا باستعراب صلاح الدين الأيوبي وأبن الأثير والشيخ معروف البرزنجي والشيخ محمود الحفيد وكذلك ينسبون إلى أكبر العشائر الكوردية بأنها عشائر عربية كعشيرة المزوري ، وكذلك يستخدم القوميون العرب وخاصة البعثيين المصطلحات القرآنية المختلفة ليبرروا بها إبادة الشعب الكوردي فعملية الأنفال أكبر مثال على ذلك .

أما القوميون الترك فبمنظورهم أن الشعب الكوردي شعب لايستحق العيش ، ويؤيدون حكومة تركيا بشن حرب إبادة ضد الشعب الكوردي ، والقوميون الترك ينسبون العشائر الكوردية إلى التركية .

أما القوميون الفرس فيدعون بدورهم أن الكورد لايشكلون شعباً قط ، بل هم طائفة من الطوائف الأيرانية يؤيدهم في ذلك المسلمون الفرس المتعصبون أي مايسمى بالأصوليين .

إن اختلاف المصالح العربية والفارسية والتركية في الكثير من المجالات تنتهي عندما تعود القضية الكوردية إلى طاولة الحوار ، ففي الوقت الذي يتهم النظام الأيرني الحركة الكوردية التحررية بكونها تحريضاً أمريكياً صهيونياً يتعامل هذا النظام نفسه مع كل الأنظمة التي يعتبرها معادياً للاسلام ، ضد الشعب الكوردي.

حيث نرى النظام الإيرني الذي يعتبر النظام الاتاتوركي والبعثي معاديين للإسلام ويهاجم أتاتورك كيهودي وميشيل عفلق كمسيحي يتعاون مع حكومة تركيا التي تطبق الفكر الاتاتوركي ويتعاون مع حكوة البعثيين التي تطبق فكر ميشيل عفلق ، ضد ما يسمى بالخطر الكوردي المزعوم .

إن الشعب الكوردي وكوردستان وقعت فريسة الاتفاقيات الدولية ، فالكورد ومنذ الأزل قدموا للحضارة العربية والفارسية والتركية الكثير وذكرت في مقالاتي السابقة الكثير من هذه الخدمات التي لا تعد ولا تحصى ، ولكن عندما قررت الدول الاستعمارية تقسيم المنطقة وقعت كوردستان ضحية للأتفاقيات التي تحاصصت فيها دول المطنقة وبمباركة أوروبية وأمريكية ، ففي اتفاقية سايكس بيكو خرج الأكراد والفلسطينيين من مشروع دولة ، فلسطين لأن البريطانيين خططوا منذ البداية إعطائها وطناً قومياً لليهود والحركة الصهيونية . وكردستان لأن المنطقة الكوردية وجدت ضمن نطاق معقد يحيط به دول تربطها مصالح مع الدول الاستعمارية .

فجزء منها كان داخل أيران التي وجدت كدولة قبل سايكس – بيكو وجزء منها وهو الأكبر أعطي للقيادة التركية استرضاءاً لها بعد أن قبلت بتفكيك الدولة العثمانية وإلغاء الخلافة والجزء الأكبر الأخر وضع ضمن حدود العراق البريطاني طبقاً للتفاهم الخاص بمسألة حقول النفط ، وكذلك الجزء الرابع منحتها روسيا لسوريا على طبق من ذهب مقابل مصالح اقتصادية وفي مقدمتها النفط .

إن الشعب الكوردي وخلال القرون الماضية عانى الويلات على أيدي حكومات لا تخشى الله في شيء ولكن هذا الشعب أستطاع الصمود في وجه كل تلك القوى التي حاربت الوجود الكوردي ، وما نحتاجه نحن الكورد المزيد من وحدة الصفوف لكي نقطع الطريق أمام كل من تسول له نفسه المساس بأرض كوردستان وأن نتعلم من أخطاء أجدادنا لنكون خير سلف لمستقبلنا ، ولنعلم أن الشعب الكوردي الذي حفظته مشيئة الله لا تستطيع مشيئة البشر أن تبيده ، وأعلم أننا اليوم لسنا أقوياء كفاية ولكن لا بد أن يكون النصر حليفنا إن كل مانحتاجه هو التكاتف والتوافق على حقوق الشعب الكوردي ونبذ الخلافات الحزبوية التي لم تنفعنا بشيء فعلى العكس تماماً كانت دائماً عائقاً أمام تحقيق أحلامنا ، فمشكلتنا مشكلة شعب مظلوم ومشكلة وطن مغتصب ومجزأ وليست مشكلة أقلية قومية أو عرقية أو محاولة أنفصالية يحركها ويحرضها ما يسمى الدول الغربية وأمريكا ، فنحن الكورد شعب لنا الحق في الأعتراف بنا وبحقنا بتقرير مصيرنا ، لأن لنا كوردستان منذ الأزل ولا أحد يتصدق بها علينا ، بل هم من أحتلوها ونهبوا خيراتها وقتلوا الكورد وقد آن الآوان لإعادة الحقوق إلى أصحابها .

حاولت في مقالاتي الأربعة ولو بإيجاز أن ألم قدر المستطاع بما قدمته الحضارة الكوردية للعرب والفرس والترك ، واستذكرت هولاء العظماء الكورد من أدباء وشعراء وقادة وعلماء وماقدموه لتلك الحضارات ونسوا حضارتهم الكوردية وأرفع لهم قبعة الأحترام لإنجازاتهم ولكن كان حريٌ بهم أن لا ينسوا قضيتهم الأم .

 

 

بقلم : المهندس اسماعيل درويش

 

Loading

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك