الدب الروسي أمام رقعة الشطرنج

آراء وقضايا 08 فبراير 2016 0
الدب الروسي أمام رقعة الشطرنج
+ = -

في لعبة الشطرنج كش مات, عندما يموت الملك تنتهي اللعبة , أما في لعبة الحياة والسياسة عندما يموت الملك فإنه في معظم الحالات عند الأنظمة الملكية يتسلم الابن مقاليد الحكم بعده, وعندما تحولت سوريا من نظام جمهوري إلى نظام ملكي بشكل غير قانوني استلم الابن كرسي الأب بشكل هزلي وبمباركة من القوى الدولية نظراً لأن النظام السوري وبفضل المحور الداعم له ( المحور الروسي ) كان يعرف كيف يحافظ على الكثير من النقاط المشتركة التي ترعى مصالح المحور الأمريكي أيضاً, وطبعاً ودون أي شك هذا لم يكن من خلال عبقرية هذا النظام بل لأن الحسابات الروسية كانت تشمل تحقيق هذا التوازن والحفاظ على مناطق النفوذ التقليدية لمرحلة الحرب الباردة.

.
ولأن الروس لديهم مصالح واستراتيجيات بعيدة المدى في المنطقة للحفاظ على هذا النظام الذي يكاد لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة دون توجيهات أو إملاءات من قبل المحور الروسي وخاصة بعد قيام الثورة السورية في ربيع عام 2011.

.
ولهذا كانت الفيتوهات الروسية الأربع في مجلس الأمن للحفاظ على هذا النظام.

.
ولا شك أن المحور الروسي والإيراني والنظام السوري يمتلكون الكثير من الأوراق التي يمكن أن تستخدم ضد المحور الأمريكي في المنطقة, ومن هذه الأوراق التي يستخدمها هذا المحور هي القضية الكرُدية حيث هناك قسم من أطراف الحركة الكرُدية تتلقى الدعم من المحور الروسي, وهذا القسم يتمثل في الأحزاب “حزب الاتحاد الوطني الكرُدستاني في العراق – حزب العمال الكرُدستاني في تركيا – حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا”.

.
ومن اللافت أيضاً أن هذه الأحزاب وبشكل عملي ليس في مشاريعها ما هو ضد الدول التي تقتسم كرُدستان باستثناء الموقف من تركيا، أما بخصوص إيران وسوريا والعراق فلا تمتلك أية مواقف مناهضة لسياسات هذه الدول, وربما في الحالة العراقية في مرحلة نظام حكم صدام حسين كانت هناك نقاط تفاهم بينها وبين أطراف الحركة الوطنية الكرُدية في الجانب الآخر وذلك انسجاماً مع الموقف الإيراني بشكل مؤقت بحسب الاصطفافات الآنية لتلك المرحلة.

.
وهنا يمكن القول بإن الإستراتيجية الروسية في تلك المرحلة تمثلت بالتغاضي, بسبب التقاء المصالح بين حليفتها إيران وبين الأمريكان, لكن سرعان ما بدأت روسيا بالخطوة التالية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق فقامت بخلط الأوراق والحسابات الأمريكية من خلال خططها التي وضعتها لإفشال المشروع الأمريكي في العراق والمنطقة حيث ركزت على موضوع دعم المعارضين العراقيين المناهضين للمشروع الأمريكي ودعم الإرهاب ضمن الأراضي العراقية في أعوام 2005 – 2006 – 2007 وبتفاهمات روسية مع حليفتها النظام السوري تم تصدير الإرهاب إلى العراق من خلال حدوده مع سوريا , لممانعة المشروع الأمريكي باستخدام البعثيين القدامى والقوى الراديكالية والإسلامية المتطرفة, التي أصبحت اليوم بما تسمى الدولة الإسلامية ( داعش).

.
حتى أن رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي الحليف القوي لإيران اتهم بشكل مباشر النظام السوري بدعم الإرهاب في العراق ( شهد شاهد من أهله ) كما كان يُفهم أيضاً من تصريحات المالكي أن إيران وروسيا والنظام السوري يتبادلون الأدوار للتشويش على المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط.

.
وبنتيجة السياسة الروسية تلك لم يكد يمر يوم على العراق دون عشرات التفجيرات الإرهابية في جميع المدن والمحافظات العراقية لخلق حالة من الفوضى، لتقول روسيا بعدها للعالم بأن الأمريكيين هم السبب في كل هذه الفوضى لتفردهم بالقرارات الدولية دون العودة إلى المجتمع الدولي أو القرارات الأممية بخصوص تدخلها في العراق,

.
ولن نبتعد كثيراً عن الموضوع عندما نقول بأن الحسابات الأمريكية الجديدة وبناءاً على تجربتها في العراق هي التي منعتها للمغامرة بضرب النظام السوري حتى الآن بدون موافقة روسية لأنها تمتلك الكثير من أوراق اللعب مع مصادر الإرهاب وحركته,

.
ولهذا فإن الأمريكيين يحاولون من خلال حساباتهم الجديدة وإدارتهم للأزمة فك الشيفرة لهذه القوى الفتاكة وسحبها من بين أيدي الروس, التي لا تتردد روسيا باستخدامها للدفاع عن مصالحها, كما تحاول أمريكا إضعاف هذه القوى بإطالة الأزمة في المنطقة إلى جانب تحقيق بعض الأهداف الإستراتيجية الأخرى,

.
وربما الأمريكيون قد وصلوا إلى الخطوات ما قبل الأخيرة بعد أن تمكنت من جر الروس إلى الحرب في سوريا بهذه الطريقة الهمجية لكي تتكشف جميع الأوراق الروسية أمام الحسابات الأمريكية, حيث ستقوم أمريكا بعد فترة ليست بطويلة بإرباك الروس من خلال خطواتها الجديدة والمفاجئة التي ستتمكن من خلالها ضرب معظم الأوراق الروسية في المنطقة بضربات قاسية وفي الصميم.

.
وبالعودة إلى موضعنا وتبيان سبب اختيار الأحزاب الكرُدية الثلاثة التي ذكرناها آنفاً ولمعرفة سبب اختيارها للمحور الروسي لكي تحقق مطالب الشعب الكرُدي في نيل حقوقه المشروعة, فإننا أمام كميات هائلة من التناقضات إذا ما نظرنا إلى الموضوع بعين احترام الرأي الآخر والاجتهاد وإذا ما اعتبرنا بأن هذا الاجتهاد والرؤية هي قراءة للسياسة العالمية سعياً منهم إلى تحقيق الأهداف المرجوة لنيل حقوق الشعب الكرُدي بكافة الوسائل السياسية فإننا نكون أمام تساؤلات ملحة تحتاج إلى أجوبة منطقية.

.
ولكن للأسف الشديد فإن هذه الأحزاب لا تملك الردود المنطقية على هذه التساؤلات ولهذا اعتبر أنها أشبه ببيادق الشطرنج يتم التحكم بها من قبل العقل الروسي بشكل أساسي وبمساعدة من المخابرات الإيرانية والسورية, ويتم استخدام هذه الحركة حسب ما تقتضيه الإستراتيجية الروسية والمصالح الروسية وحلفاءها إيران والنظام السوري, وبالمقابل لم نجد حتى الآن أية مردود إيجابي من هذا المحور لصالح القضية الكرُدية والمشروع القومي الكًردي كما تدعي هذه الأحزاب سوى أن عملها ينحصر ضد المشروع القومي الكرُدي, إذاً فكيف سيصرف هذا الاجتهاد منهم وأين يكمن موضع المنفعة ؟!!.

.
محمد ليلي

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر