الصفقة الأمريكية التركية

آراء وقضايا 03 أغسطس 2015 0
الصفقة الأمريكية التركية
+ = -

 

الجزء الأول

 .

 عواقب انهيار السلام …

.

  موافقة أمريكا الخفية على قصف تركيا لمواقع العمال الكردستاني، وفرزها وداعش على صفحة واحدة، لم يكن اعتباطيا، رغم الفروقات بين إيديولوجية الطرفين، ودوافعهما وأهدافهما. ولإدراك مستشاري البيت الأبيض زاوية الضعف الكردي، واضطرارهم على مواجهة هجمات داعش لمناطقهم، غضوا الطرف عن تجاوزات الحكومة التركية، وتناسوا مواقف الشعب الكردي وحراكه. فاستخدامهم لقاعدة إنجرليك، مقابل التصريح الشكلي لتركيا على محاربة الإرهاب، عدتها صفقة سياسية ناجحة. والإشكالية الأخلاقية هي في نأي أمريكا عرض الحقيقة إعلاميا، والتغاضي عن تصنيفات تركيا للإرهاب، والتخلي المفاجئ لإدارة أوباما عن قسم من الحركة الكردية مقابل استخدام مدارج إنجرليك، لتساند قسم آخر من الحركة الكردية في حربها مع داعش. ولا شك صمت الأطراف الكردية على هذا التلاعب، ليست سذاجة كردية، بل واقع اضطراري يواجهونه مرغمون، خلقتها تركيا ودول إقليمية، وبموافقة أمريكا.

.

  وفي هذه القضية بالذات، يدرك الكرد خلفيات قبول أمريكا وأوروبا على مدى عقدين من الزمن معظم شروط تركيا حول قضيتهم، ويعرفون أن المشكلة ليست في تصنيفاتهم للإرهاب بل في المصالح والعلاقات الاستراتيجية، وهو ما لا تريده أمريكا البحث فيه، رغم أنها اقتنعت في السنوات الأخيرة أن التهمة الموجهة لحزب العمال الكردستاني، كحزب إرهابي، مثلما اتهمت  الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان الفيدرالي، الديمقراطي والاتحاد  وأدرجتهما ضمن قائمة الإرهاب إلى وقت قريب، غير منصفة مثل عدم منطقية قبولهم لواقع الشعب الكردي، لكن لحاجتها لتركيا، حيث ظهور الإرهاب السياسي الإسلامي المتطرف، وتبجح تركيا أمام العالم بأنها تنمي وتنشر الإسلام الليبرالي، للحد من الإرهاب والتطرف الديني، تغاضوا عن بشائعها بحق الكرد عامة وساندوها بشكل أو آخر على محاربة أل ب ك ك. ولم تطلب أمريكا ولا أوروبا يوما من تركيا فيما إذا كان لها أبعاد سياسية في التمييز بين الإرهاب والأحزاب القومية المتطرفة خارج القومية التركية، أي بما معناه، الفرق بين الحركة الكردية القومية والمنظمات الإسلامية المتطرفة كحزب الله الذي خلقه الميت التركي والدولة المخفية، أو المنظمات الإرهابية الشاذة كداعش المسنودة حتى قبل أيام من قبل حكومة أردوغان، والمعروفة من قبل البيت الأبيض.

.

 حزب العمال الكردستاني، عرف بين الكرد كحزب متطرف، في فكره، وطروحاته، وأيديولوجيته، وصراعه الدائم مع معظم أطراف الحركة الكردية، إلى حد تناسي العدو الحقيقي ومواجهة الذات الكردية كأعداء وهميين، تحت حجة تصفية الداخل، وهي المقولة  الخاطئة والتي نشرتها الأحزاب والسلطات الشمولية على مر القرون الماضية، لتركيز السلطة بانفرادية مطلقة، ولا شك قام أعضاؤه بأعمال مرفوضة، في العمق الكردي والأوروبي، وكانت هناك مواجهات قدر الإمكان له على صعيد الحركتين الثقافية والسياسية، لكنه رغم كل هذا لم يبلغ في أعماله الخارجية لتصنفه أمريكا وأوروبا كمنظمة إرهابية، ولم يخرج نضاله العسكري من حدود جغرافية كردستان، وعملياته لم تتجاوز منطق الدفاع عن البقعة الجغرافية المحتلة، ونضالاته ونضالات غيرها من أطراف الحركات التحررية الكردستانية لا تصنف كهجمات أو اعتداءات على الأخرين في الاعتبارات العسكرية العالمية، بل دفاع عن الذات، حسب الأعراف الدولية في تحرر الشعوب، والتي سادت في عصر الاستعمار والانتداب، من بدايات القرن الماضي.

.

  ولا شك أن مسيرة منظومة المجتمع الكردستاني على الصعيد القومي كان مجال صراعات عقيمة أدت وتؤدي إلى توسيع هوة الخلافات الكردية -الكردية، مثلما يحصل اليوم بينها وبين إقليم كردستان الفيدرالي، وليست هنا بيت القصيد، بل خلفية الصراعات الاستراتيجية في المنطقة وتداخل المصالح الدولية التي سمحت لتركيا بإدراج حزب كردي ضمن قائمة الإرهاب، وسهولة موافقة الدول الكبرى عليه، والتي بنيت على تشويه للحقائق، وتناسي الأعراف الإنسانية المنتهكة ضمن الدولة المعتبرة. ورغم أنه يقدم ذاته كحزب يدافع عن حقوق شعب إن كان من المنطق القومي أو الأممي كما يعرضه حاليا، لكن الهيئات العالمية تعتبر طرق نضالها متعارضة والأعراف الدولية واعتبروها انتهاك لشرعية الدولة التركية، والحكومات المتعاقبة دافعت من خلال هذا المنحى عن بعدها القومي في تركيا وعرضتها على مبدأ الدستور الأتاتوركي المعترف به داخليا وخارجيا رغم بنوده العنصرية، وكان الحكم الدولي مبني على مصالح وأجندات دولية، وتزييف الحكومات التركية للواقع الكردستاني أمام الخارج.

.

   كادت، عملية انتقال الحوار من المجال الأمني التركي إلى الساحة السياسية، أن تؤدي إلى نوع من السلام، على الأقل في جزء من جغرافية كردستان، وكثيرا ما يتهم حزب العمال الكردستاني بوضع العوائق أما المسيرة، وذلك بالقيام بأعمال عسكرية ومظاهرات تخللتها الفوضى، على خلفية ما حدث للشباب الكرد، في مجزرة سروجي، وتسارعها بمطالبها في تطبيق بنود اتفاقية السلام.

.

لكن الحقيقة تكمن خلف هذه التهم، فتصاعد النزعة التركية أو العثمانية عند إدارة أردوغان مؤخراً، في البعدين القومي والديني، وتراجع شعبيتها في الانتخابات النيابية، أوقفتها عند مراحل متقدمة، ودفعتها لقطع طريق السلام، وهي مقتنعة بأن هدوء العمال الكردستاني على مدى السنوات الماضية أضعفتها، وترى بأنه من السهل القضاء عليها وفرض شروط السلام كما ترغبها هي لا كما يجب أن يتم بموافقة الطرفين.

.

   كما وأن ولوج قادة العدالة والتنمية سابقا ضمن القضية السورية بدروب مغايرة لمفاهيم الثورة، وتحركاتها لتغيير سلطة بشار الأسد ليس حبا بالشعب السوري  بقدر ما هو لغاية قومية -اقتصادية ودينية-مذهبية، وضعتها أمام قضايا أخرى، كانت تحسب لها وتضع الخطط مسبقا، كدعمهم لداعش، لكنها لم تكن تتوقع أن تتعرض جغرافيتها للمشاكل، رغم انها على معرفة من أن  الهلال الشيعي يعمل على هذا المنحى ويدعم داعش من جهتها، وكانت تركيا منتبهة لهذا، لكن غايتها تختلف عن غاية بشار الأسد في سوريا أو إيران في العراق، فعيون الحكومة التركية لم تحيد يوما عن القضية الكردية في سوريا، وكان تكتيكهم دقيقا حتى قبل فترة، لكن تزايد القوة الكردية في غربي كردستان، أجبرتها على تعديلها، فدفعت بداعش، وتحركت بشكل مكثف في الأروقة الدبلوماسية الأوروبية والأمريكية والمحافل الدولية، وقامت بقبول صفقة (إنجرليك) مقابل وضع حلول للقضية الكردية مسايرة لأجنداتها، لكنها ولأسباب داخلية،  منها قطع درب السلام، ويتوقع أن تنجرف إلى مستنقع لا تحمد عقباه، مثلما انجرفت السعودية إلى مستنقع اليمن، فأردوغان يدفع بتركيا إلى حرب عواقبها قد تكون وخيمة، ولربما ستعد هذه من أحدى أكبر أخطاءه وستكون سببا في سقوطه مستقبلا، وستبدأ بتراجع نمو الدولة الاقتصادي، والظهور أمام العالم كدولة بلا استقرار داخلي، وربما معتدية فيما لو تدخلت في سوريا…

يتبع…

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

[email protected]

31/7/2015

 

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر