“القمة العربية بين الواجب و الطموح”

آراء وقضايا 30 مارس 2015 0
+ = -

جاءت القمة العربية السادسة و العشرون وسط متغيرات و تطورات خطيرة على مستوى الشرق الأوسط و شمال إفريقيا. وهي تزامنت مع إعلان المملكة العربية السعودية عن حملة عسكرية ضد الإنقلابيين الحوثيين تحت إسم (غاصفة الحزم) وذلك خوفاً من أن تسيطر الحوثيون على اليمن و خصوصاً مدينة عدن التي تشكل موقعاً إستراتيجياً مهماً بالنسبة للملاحة الدولية كونها تسيطر على مضيق باب المندب, و يُذكر أن الحوثيون تتقاسم مع إيران المصالح الإستراتيجية في اليمن و ما لها تأثير مباشر على المنطقة برمتها.

.

أن مستوى النقاش بين زعماء العرب على خلفية التهديدات الحقيقية التي تهدد أمن و سلامة الدوليين و تعرض مصالحها للخطر, كان في حده الأدنى من التشخيص لمسببات تلك الأزمات التي تجتاح دول المنطقة و خصوصاً بما تتعلق بمصالح الشعوب على إمتداد “الوطن العربي”. و جاءت مرة أخرى قرارات القمة لصالح الأنظمة من دون المرور على جوهر القضايا التي تهم الشعوب. وخاصة قرار تشكيل قوة عربية لحماية أمن و مصالح الدول المشاركة.. يبدو أن زعماء العرب اجتنبوا البحث في مسببات نهوض الشعوب ضد أنظمتها الإستبدادية تحت مسمى “الربيع العربي” و التي استهدفت إلى البدء بعملية التغيير وبناء أنظمة ديمقراطية تحرر الشعوب من ظلم و إضطهاد الديكتاتوريين. إن الثورات التي اندلعت بدءً من تونس و مروراً بليبيا و مصر و اليمن وسوريا, لم يكن الإرهاب في حينها يشكل خطراً على أمن الشعوب بقدر ما كان خطر إستمرارية تلك الأنظمة الظالمة على حياة الإنسان أفراداً و جماعات و شعوباً.

.

لذا, كان من الأولى في هذه القمة أن تضع الأصبع على الجرح و تشخص المرض و العاهة التي نخرت الفكر العربي بدءً من زعمائه و انتهاءً بأبسط عنصر من الشعوب العربية نتيجة لضخ ثقافة إلغاء الآخر في الفكر العربي السائد, والحشد الدائم شعبياً حول كلمة “القائد” ظناً منهم أن الشعوب لا تمتلك قوة الإرادة ما لم يكون لهم قائداً قوياً. و هذا ما أثبته الشارع العربي الذي يمجد إلى الآن مناقب “قائده” صدام حسين.. يعني ذلك أن القائد القوي يجب أن تمتلكه قوة قمع الصوت الحر الذي قد يهدد موقعه القيادي.

.

القمة العربية التي أتت بنتائج قد تكون مغايرة عن القمم السابقة من حيث الشكل, إلا أن في جوهره لم تقدم للشعوب العربية والشعوب التي تتعايش معها من قوميات أخرى أية رؤية قد تكون سبيلاً إلى تمتين العقد الإجتماعي بينها في ظل المتغيرات و المستجدات على الساحتين الدولية و الإقليمية.. و أن بقاء الشعوب التي تتكون من قوميات أخرى على مساحة “الأوطان العربية” مهمشاً مقياساً بما تمتلكها الشعوب من القومية العربية من إمتيازات سياسية و إقتصادية و ثقافية و إجتماعية سيهدد دائماً الإستقرار و الأمن, كون هذه الشعوب لا يمكن أن تسكت على حقوقها و تلك الإمتيازات التي تتميز بها غيرها.

.

ليست كل الثورات تندلع من أجل التمسك بالسلطة و الحكم, بل أن تلك الثورات التي تجتاح مساحة الوطن أنها تهدف الإنسان من أجل تحقيق مصالحه من خلال بناء حكم ديمقراطي يؤسس للإنسان مستقبله قبل أن يؤسس للحاكم ضمان حكمه. “فثورة الثامن من آذار” كما سماها حزب البعث والتي كانت في حقيقتها إنقلاب عسكري لم تكن ثورة من أجل تحقيق مكاسب للشعب و حل قضايا الشعب السوري بل كانت تهدف إلى ترسيخ حكم الحزب و عسكرة المجتمع لصالحه.. وهي ما أنتجت اليوم من دمار و قتل و تهجير شامل لكل السوريين. فإذا جاءت قرارات القمة العربية بالجديد, فإنها جاءت مرة أخرى خدمة لبقاء الأنظمة الإستبدادية, و إلا فكانت من الأولى بها أن تأتي قراها الخاص بتشكيل جيش موحد على أن تكون مهمة هذا الجيش حماية الشعوب من الأنظمة المستبدة عوضاً عن الأنظمة.. و أما الشرعية التي تطرقت إليها القمة أعتقد أنها كانت ناقصة أيضاً كان من الممكن معالجتها بصيغة أخرى..

.

بقيت تلك الرسالة التي أرسلت من فلاديمير بوتين رئيس روسيا الإتحادية والتي لاقت الترحيب و الشكر من قبل السيسي, وكان التصفيق لها طلقة في خاصرة السوريين, إلا أن وزير خارجية المملكة العربية السعودية أحسن في مداخلته جواباً لتلك الرسالة التي لا تحمل في جوهرها إلى إلتفافاً على القيم.

————–

أحمــــد قاســــم

29\3\2015

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك