المجلس الوطني الكردي بين أهداف التأسيس و نتائج التسييس

آراء وقضايا 20 فبراير 2017 0
المجلس الوطني الكردي بين أهداف التأسيس و نتائج التسييس
+ = -

لقد كانت طموحات وأهداف المجلس الوطني الكردي، عند تأسيسه في 26 أكتوبر 2011، كبيرة ومشروعة كسائر أهداف الأحزاب و التيارات السياسية التي نشأت عقب الحراك السياسي الذي جرى في سوريا وما ترتب عليه من أحداث وتداعيات وقد حظي المجلس وقتها بدعم الأحزاب الكردية التي تداعت بزخم للانضواء تحت رايته مباشرة -حتى بلغت خمسة عشر حزباً سياسياً – وسعت إلى توحيد صفوفها و إعلان أهدافها بوضوح وصراحة في كافة مؤتمراتها وعلى لسان قياداتها بالقدر الذي بعث على التفاؤل لجهة نيل حقوقنا المشروعة و رفع الحيف والضيم الذي لحق الكرد السوريين فيما مضى.

.
بدأ المجلس الوطني الكردي، باعتباره مظلة معارضة للنظام السوري، بالتفاوض و التواصل مع كافة التيارات السياسية المعارضة الأخرى ومن ضمنها المجلس الوطني السوري للتحالف والتنسيق بيد أنَّ العلاقات بينه وبين الأخير كانت مضطربة ومتوترة منذ البداية لرفض رئيسه، آنذاك، برهان غليون اعتماد الفيدرالية في سورية معتبراً أنها “وهم” فاقتصر الأمر في كانون الأول/ديسمبر 2011، على عرض الاعتراف بالأكراد دستورياً كجماعة إثنية (منفصلة) وحلّ القضية الكردية من خلال “إزالة الظلم والتعويض على الضحايا، والاعتراف بالحقوق الوطنية الكردية ضمن سورية موحّدة أرضاً وشعبا”….الخ وهو ما رفضه المجلس الوطني الكردي من خلال إصراره على مطلب الفيدرالية أو اللامركزية السياسية وهو ما أكد عليه أغلب قيادات المجلس ومنهم الدكتور عبد الحكيم بشار الذي أعلن أكثر من مرة، وعلى أكثر من وسيلة إعلامية تمسكه بمطلب الفيدرالية كطلب أساسي وجوهري واعدا الشعب الكردي بتحقيقه تحت أي ظرف

.
في 7 أيلول (سبتمبر) 2013 قام ممثلون عن المجلس الوطني الكردي وآخرون عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة (التحالف السوري المعارض الأكبر) بتوقيع مسودة اتفاق صادق عليه لاحقا كلا من الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي والهيئة السياسية للائتلاف الوطني بأكثرية كبيرة، حيث أشارت مسودة الاتفاق إلى ست نقاط أساسية لحلّ المسألة الكردية أهمها النقطة الأولى التي أكد من خلالها الائتلاف الوطني ” على الاعتراف بالهوية القومية وحقوق الشعب الكردي” وفي الجلسة التي انعقدت بين 13 و15 أيلول (سبتمبر) 2013 وافق المؤتمر العام للائتلاف الوطني على الوثيقة بأغلبية 54 صوتا من أًصل 80 ليصبح المجلس الوطني الكردي عضواً رسمياً في الائتلاف.

.
بدأ أداء المجلس الوطني الكردي بالانحدار كسائر التيارات السياسية السورية المعارضة نتيجة للتدخلات الإقليمية والدولية (على وجه الخصوص تركيا ) التي فرضت أجنداتها مستغلة ظروف تلك الأحزاب الداخلية و المالية ونتيجة للخلافات ما بين الأحزاب الكردية ذاتها التي حالت دون تطبيق بنود اتفاقيات هولير 1و2 ثم دهوك لاحقاً وما تبعه من عمليات طرد أحزاب مؤسسة للمجلس وانسحابات خلخلت بنية المجلس الوطني الكردي كانسحاب الحزب الديمقراطي التقدمي و “طرد” حزب الوحدة ( شيخ آلي ) والبارتي ( نصر الدين إبراهيم ) وأحزاب الوفاق، وحزبي اليسار( محمد موسى وصالح كدو) فضلاً عن انسحاب مستقلين بشكل متتالي بعد، الأمر الذي حوّل المجلس إلى كتلة بلون واحد تتبع جهةً واحدة.

.
البداية الأولى للانحدار في أداء المجلس كانت في الوثيقة الموقعة مع الائتلاف والتي تم فيها التراجع عن مطلب الفيدرالية ( المطلب الأساسي للمجلس) و القبول (ضمنياً)بترحيل مسأل الدولة الاتحادية( الفيدرالية) إلى أجل غير معلوم، وبالتأكيد لن تفيد تحفظات المجلس الخجولة ومن ذلك ما افاد به السيد إبراهيم برو سكرتير حزب “يكيتي”عندما اقر بالتوقيع مع التحفظ على البند الثالث الذي يقر مركزية الدولة القادمة وكانت هذه البداية هي التراجع في خطاب المجلس إن لم نقل بداية التنازلات.

.
بدأت آثار ذلك الانحدار في الأداء تظهر للعيان، من خلال التصريحات المتتالية لقيادات الائتلاف السياسية والعسكرية التي كان معظمها ينصب في إطار نكران حقوق الكرد وأهمالها وصولاً إلى التشكيك في نسبتهم الحقيقة و اللامبالاة اتجاه ماتمَّ الاتفاق عليه بشكل صريح وفج أحيانا و بشكل ضمني أحيانا أخرى دونما مراعاة أواحترام لشريكهم الأساسي الذي هو المجلس الوطني الكردي وجميع التبريرات التي صدرت لاحقا لم تنفِ حقيقة تصدر قوى شوفينية عروبية المشهد الائتلافي المعارض،ولعلّ مراجعة تصريحات برهان غليون و هيثم المالح و ميشيل كيلو و كمال اللبواني واسعد الزعبي وغيرهم، تعكس الصورة والتعاطي السلبي مع المكون الكردي، لكن الطامة الكبرى بقيت في ردات فعل قيادات المجلس الوطن الكردي الباردة والهزيلة والتي لا تتناسب وخطورة مثل هذه التصريحات المعادية والمؤلمة، على اعتبارها صادرة عن جهة سياسية تمثل الأغلبية العرقية في سورية وتزعم قيادة الاتجاه المعارض والثوري .

.
إلى ذلك ازدادت سرعة الانحدار مع انضمام المجلس الوطني الكردي إلى الهيئة العليا للتفاوض المنبثقة عن مؤتمر الرياض والذي أشار البيان الختامي الصادر في 10 ديسمبر عام 2015 على تعهد المجتمعون والموقعون _ ( بما فيهم المجلس الوطني الكردي طبعا ) ، على تمسكهم بوحدة السورية و سيادتها على أساس اللامركزية الإدارية مما اعتبر تراجعا جديدا من المجلس الكردي عن أهم وعد من الوعود التي أطلقها عند تأسيسه ونكسة جديدة لآلية عمله، ودون اكتراث بالرأي العام الكردي المؤيد لسياسات المجلس.
و مع إصدار الهيئة العليا للتفاوض رؤيتها لما سميَّ بوثيقة (الإطار التنفيذي لآلية الانتقال في سورية) والتي خلت من أية إشارة واضحة ومباشرة لحقوق الكرد لا بل إن واقع حال موادها أشار إلى رغبة صريحة في هدر و التراجع عن الوثيقة الموقعة بين المجلس الكردي والائتلاف، بتنص المادة الأولى من وثيقة الاطار على أنّ “سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، واللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وتمثل الثقافة العربية الإسلامية معينا خصبا للإنتاج الفكري والعلاقات الاجتماعية بين السوريين على اختلاف انتماءاتهم الإثنية ومعتقداتهم الدينية حيث تنتمي أكثرية السوريين إلى العروبة وتدين بالإسلام ورسالته السمحاء التي تتميز بالوسطية والاعتدال” كما نصت على مبدأ التوافق كأساس للحل السياسي والى أغلبية الثلثين في حال عدم التوافق أي إلى الديمقراطية التوافقية التي تقوم على أساس الأغلبية العرقية لا الأغلبية السياسية وكان من المفترض ان يكون رد المجلس على تلك الوثيقة حازما وحاسما كونها تنسف الأساس القانوني الذي قام عليه وتؤسس لنظام شمولي طائفي جديد وتضرب بعرض الحائط كل حقوق الكرد، التي يدعي المجلس الوطني الكردي تمثيلها، المشروعة وكانت ردة الفعل كالعادة باردة وهزيلة ولا تتناسب وخطورة تلك الوثيقة لتضاف نكسة جديدة الى سلسلة نكساته المتلاحقة.

.
تسارعت وتيرة الانحدارات والتنازلات مع تسارع الأحداث السياسية والعسكرية في سورية وتجلت بأمور كثيرة نذكرها على سبيل المثال لا الحصر ومنها الآتي :

.
– الإصرار على البقاء ضمن مؤسسة الائتلاف رغم إفلاسها سياسيا وماديا ورغم سيطرة وتحكّم الإخوان المسلمون على كافة مفاصلها ورغم تخلي أغلب الدول التي ادعت صداقتها عنها أي مؤسسة الائتلاف وعدم الانسحاب منه و المشاركة بصفة مستقلة .

.
– انحراف بوصلته من تحقيق أهداف الكرد، بل السعي لتحقيق أجندات بعض الدول الإقليمية وربط سياساته وتصريحات مسؤوليه بسياسات هذه الدول بشكل مطلق.
– عدم اتخاذ مواقف جدية وحاسمة تجاه الدعوات الصادرة عن بعض شركائه في العملية السياسية والتي تنم عن عروبية وطائفية مقيتة واقتصاره على التصريحات الكلامية الهزيلة دون إبداء موقف معلن .

.
-التمثيل الهزيل والشكلي في مؤتمر آستانا وانضوائه ضمن وفد مرؤوس من قائد فصيل عسكري من الفصائل المحسوبة على التيارات الإسلامية المتصارعة في سورية، وفوق ذلك غياب الفاعلية وانعدام الحضور داخل قاعة المفاوضات.

.
– التمثيل الهزيل في الوفد المشارك في مؤتمر جنيف 4 المزمع عقده في تاريخ لاحق واقتصاره على عضو واحد في وفد يضم 49 عضواً، بشكل يعكس صورة المجلس والكرد داخل أروقة المعارضة والدول الراعية للائتلاف،

.
من كل ما سبق ذكره يتضح جليا عجز المجلس الوطني الكردي بآلياته الراهنة -التي يصر على التمسك بها – عن تحقيق الأهداف التي نشأ من اجلها مما يفقده صفة تمثيل الكرد، وأن قرراه الابقاء على ذات الآليات وذات السياسات وخصوصا بعد الانسحابات الكبيرة التي طرأت عليه هو مؤشر عن سوء حال المجلس ووضعه التنظيمي والسياسي، ومن هنا يتوجب على النخب الكردية من سياسيين و مثقفين وقانونيين وناشطين…، ممارسة الضغط على المجلس الوطني الكردي لأجل تغيير سياساته قبل فوات الأوان تحت طائلة المحاسبة امام الشعب الكردي والتاريخ وإلا فليس هناك من مبررات للرضوخ و التنازل عن الحقوق المشروعة للشعب الكردي ضمن الجغرافية السورية تحت أية ذريعة أو أي سبب وتغيير قياداته الحالية التي فشلت في إدارة ملف الكرد في الساحة الدولية واستبدالها بقيادات جديدة، قادرة على النهوض بالمجلس من جديد ووضعه على السكة التي قام لأجلها.

.
المحامي محمد علي إبراهيم باشا، تركيا – اورفا

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك