” الواقعية السياسية في حال غيابها “

آراء وقضايا 11 ديسمبر 2015 0
” الواقعية السياسية في حال غيابها “
+ = -

أحمد قاسم /

.

” العقلانية في العمل السياسي ” تعتمد على الحكمة في التعامل مع الوقائع عن طريق تحليل علمي بعيد عن ” فعل ورد فعل “. ولما كانت السياسة في جوهرها هي عملية ” فن إستخدام الممكن ” فهي أيضاً تعتمد على الممكنات المتاحة بين الأيدي لصيانة ما تقوم بها وتفاعلها مع الوقائع بشكل أكثر ترابطية لتحقيق هدف ما أو الوصول إلى ” غاية ” في طريقها إلى تحقيق ” الهدف “.

.

في ” الحراك السياسي العام ” تختلط الأمور, و تتخبط المفاعيل حول قضية قد تكون أكثر جوهرية نسبة إلى القضايا العامة التي تهم الجماهير, وتتفاعل وسائل الإعلام المختلفة لتناول تلك القضية من باب ” الترويج ” أو ” المقاربة ” أو دفعها نحو السطح للتفاعل معها جماهيرياً على الأرض… حيث أن “الإختلافات ” والتنوع الإعلامي في تناوله للقضية وفقاً لمفهومه و دوافعه تُطغي نوعاً من التشويش على نقاوة ” ما هيتها ” واقعياً و ” موضوعياً ” كقضية تهم أسباب وجودها المتلازمة مع حياة أناس ينتظرون حلها. وهنا يأتي دور السياسي الذي يجب أن يزيح ذلك الغطاء و يزيل عنها ( أي القضية ) ما تغطيها من غشاوة من خلال تناولها بموضوعية بعيداً عن المستفزات و ردود أفعال.

.

لا شك أن أية قضية مهما كانت بسيطة أو معقدة وخطيرة, تلازمها جانب من التشويش و سحابات من الضبابية التي يصنعها المستفيدين من بقائها دون حل, أو هم الذين يصنعونها بالأساس للإستفادة من الحالة بعيداً عن الظروف الصحية, مع خلق ظروف قاهرة في وجه الطرف المتضرر بشكل موضوعي سلبي وخطف الممكنات وتحريم المتضرر من فرص تمكينه وبناء ظروف ذاتية تتحمل أعباء ومخاطر الحراك عند أية صدمة أو الإصطدام مع ” الضد “.

.

وفي حالات كثيرة, يقوم المستفيد من بقاء القضية ” معلقاً ” يصنع قوة موازية تحت شعار ” نفسه ” لتلك القوة المتضررة, وتعمل بشكل متطرف “شعاراتياً” من دون المصاص بجوهر القضية لخلق صراع مع الجانب الآخر خدمة ” للمستفيد ” والتقليل من فرص النجاح لحل هذه القضية, والتشويش عليها ما أمكن لتضليل الشارع وعزله عن القوة الحقيقية التي تعمل على حل تلك القضية بشكل “سلمي”.. وقد يضطر الطرف “المتطرف” عند محاصرته إلى زرع بذور الفتنة للتصادم ونشوب القتال لخلط الأوراق وتعكير صفوة القضية وإبعادها عن جوهرها.

.

إذاً, تبقى الحكمة في السياسة وعقلانيتها التي يجب أن تدير الحراك في مواجهة قوى تضليلية التي تصنعها الخصم بصور مختلفة وفقاً للمتغيرات. من هنا يجب على القوى الفاعلة التي يجب أن تقود الحراك بحكمة ودراية أن تستفيد من أخطاء الخصم ” المتكرر ” و إظهارها على السطح لعزل مبتغاه, وبالتالي عزله عن القوى الجماهيرية من دون التصادم معه بشكل عنفي.. كونه هو المستفيد من الظروف التي تغطيه حالة العنف و إنتشار الفوضى.

.

وعلى هذا الأساس كان أحد الوسائل الخطيرة التي إتبعها النظام السوري هي وسيلة إشاعة الفوضى المنظمة وتنظيم حالة العنف المسلح و إدارتها بعد أن أيقن أن الجماهير لم يعد يتحمل ظلم النظام و إستبداده, وبالتالي لن يقف عند أي حد بدون قلب النظام وبكل مؤسساته الأمنية المختلفة… فكان لا بد من أن يستعمل هذه الآلة الخطيرة من آلياته المدمرة للشعب وللوطن معاً.. لكن ومع الأسف الشديد, كان الجماهير يفتقر إلى قيادة حكيمة كي تتعامل مع الوقائع والمتغيرات بعقلانية و صبر وحنكة في مواجهة تلك القوى العنفية المتصاعدة.. ولذلك تم إبعاد القوى الجماهيرية عن جوهر القضية التي ضحى من أجلها مئات الآلاف من المواطنين. كانت في مرحلة الحرب الباردة, لكل ثورة تقام ” ثورة مضادة”..

.

هذه كانت أخطر ما تشاهدها الثورات في حالات صراعها مع الظلم والإضطهاد.. واليوم في سوريا نستطيع أن نميز تماماً وبدون أية إرباكات بين ” الثورة والثورة المضادة ” اللتان تحترقان بنيران بعضها البعض.. مع غياب القوى الفاعلة والمتحكمة بمفاعيل القوى على الأرض.. ومن أجل إعادة تكوين تلك القوى فلا بد أن تتدخل القوى الدولية المستفيدة من حالات الإستقرار في ظل إشاعة النظم الديمقراطية ودعم ومساندة ما تبقى من المتضررين من هذه الحرب المجنونة الذين يؤمنون بالسلم والعدالة والمساواة للنهوض من حالة الضعف إلى القوة والتمسك بدفة العمل السياسي الذي ينتج ما هو في صالح الإنسان والوطن. 

.

11 / 12 / 2015

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر