تحسين الفقير .. من مذكراته مع عبدالحليم خدام

آراء وقضايا 05 أبريل 2020 0
تحسين الفقير .. من مذكراته مع عبدالحليم خدام
+ = -

كوردستريت || آراء 

من مذكراتي (١٠)

عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية

في عام ١٩٧٨ تعاقدت للعمل في وزارة الخارجية انا وخمسة آنسات زميلات كانوا معي بمعهد السكرتارية وتم تكليفي للعمل في إدارة والتوثيق والترجمة وكان مديرها الدكتور المرحوم بديع حقي حاصل على ٢ دكتوراه ويتقن الفرنسية والإنكليزية والروسية ولم يحظَ بلقب سفير وأحد أدب العصر والذي كانت منشوراته تُدرس في المرحلة الثانوية بمدارس القطر …
وكان لي صراع تجاوز العام لانتقل لإدارة أخرى في الوزارة وعبثاً .
اشتركت في مسابقة مجلس الوزراء ونجحت بها وعندما قدمت رغبتي لفرزي لوزارة الخارجية طُلب مني كتاب رسمي لفرزي نفذت بتوقيع السيد ناصر قدور وكان معاون وزير الخارجية تم رفض الطلب ويجب أن يكون الكتاب بالتوقيع الأخضر لوزير الخارجية بالذات وكان حظي أن أكون أنا وآنسة فاضلة (س.ق) فقط ممن تم تحقق الطلب وتم فرز الآنسات البقية الأربعة لوزارات أخرى.
وخلال هذه الفترة تم نقل الدكتور بديع حقي مدير الإدارة إلى مقديشو كقائم بالأعمال لانتهز الفرصة بطلب نقلي لأي إدارة ولحسن الحظ طلبني (د.م.ح.ع) مدير مكتب عبد الحليم خدام للعمل في المكتب الخاص وكنت بحاجة لموافقة أمنية لقبول إصدار قرار تثبيتي على نظام الموظفين حيث قام د.م.ح.ع مشكوراً بطلب الموافقة هاتفيا على أن ترسل خطياً بالبريد ليقوم بطلبي للعمل بمكتبه مكتب وزير الخارجية والذي كان يقدم خدماته أيضا كسجل لمكتب وزير الدولة للشؤون الخارجية فاروق الشرع آنذاك حيث نستقبل البريد الوارد من الجهات الرسمية في سورية ومن السفارات والبعثات السورية في الخارج وغيرها ونحضرها للعرض على الوزيرين (الخارجية والشؤون الخارجية) كلٍ حسب الاختصاص ونستعيد البريد لإعادة توزيعه حسب التوجيه والأصول وللذاكرة كان يعمل معي بالمكتب زميل ذو خبره كبيرة بالعمل بالمكاتب الخاصة عافاه الله ان كان كان ما يزال على قيد الحياة (م.ت) وكان يحتفظ لنفسه بطريقة خاصة بالارشيف وحفظ الوثائق والمستندات بملفات مرمزه بشكل لا أحد بالوزارة يستطيع استخراج أي مستند أو وثيقة إلا بالرجوع إليه وبحضوره وهنا طلب مني مدير مكتب الوزير أن أقوم بعملية جرد وفرز وتصنيف وأرشفة الملفات بشكل سهل وسريع وقال معك شهر … نفذت المهمة خلال عشرة أيام وأصبح أرشيف مكتب الوزيرين في متناول أي طالب لأي وثيقة خلال دقائق وكان المتطلب الأمني أن يكون مفتاح ذاك الأرشيف بتناول يدي وزميلي بالمكتب ومضت أيام وأصبحت بحكم العمل بالمكاتب الخاصة مناوبات بعد الظهر وفي أحد الأيام وفي ساعة متأخرة رن الهاتف فإذا بالوزير عبد الحليم خدام على الخط مستفسراً عن برقية هامة أجبته على سؤاله ليختم استفساره من معي على الخط قلت تحسين الفقير ردد منْ الفقير أجبته نعم أغلق الهاتف.
لأكتشف بعد أيام أن مدير المكتب يقول: سجل المكتب هام ويحمل مسؤولية كبيرة بالعمل وزميلك (م.ت) قديم بالمكتب وهو قبلك كانت لديه الرغبة بالنقل لإحدى السفارات لكنه عدّل رغبته للسفر لظروف عائلية وباقي بالمكتب وأنت أصبحت مؤهل للنقل للبعثات أي إدارة ترغب بالنقل لها للعمل أجبته باستغراب … (إدارة المراسم) قال أنصحك بالشؤون الإدارية والمالية ؛ والمحاسبة تحديداً … لم أفهم أسباب النقل لكني موظف وعلي التنفيذ وكان مبنى الشؤون الإدارية جانب القصر الجمهوري نهاية شارع الروضة جنوباً قبل أن يُهدم لانجاز الجسر الحالي نزلت للعمل هناك واستلمت تدقيق محاسبة ٥ بعثات وكان زملائي ينهون تدقيق شهر المحاسبة خلال أسبوع أو أكثر قمت بتنفيذ تدقيق شهر كل بعثة خلال يومين مع الملاحظات التي كنت أطبعها بنفسي دون الحاجة لقسم الآلة الكاتبة وهكذا مضت أيام واسابيع…
ليستدعيني مدير الشؤون الإدارية ويطلب مني الذهاب للمكتب الخاص لوزير الخارجية (ف.ه) والذي كان يرعى الشؤون الأمنية والحزبية والخاصة حيث كان يكلفني ببعض المهام لدى الوزارات أو السفارات وانجزها بسرعة
وبقي على عهده يطلبني لإنجاز ما يصعب على غيري تنفيذه لدى بعض السفارات المعضله أو بعض الوزارات وتكرر الأمر مرات ومرات حتى لفت نظري مدير الشؤون الإدارية اذا كانوا بحاجتك بمكتب الوزير فلما نقلوك لعندنا؟؟
وبعد فترة من الزمن علمت هذا الأمر الخاص الذي كان سبب نقلي من مكتب الوزير هو أن (باسم بن عبد الحليم خدام) أصغر ابنائه يُدرسه أستاذ رياضيات دروس خاصة بالبيت وكان مشهور وحركة تنقله صعبه بين الثانويات والدروس الخاصة فما كان من المكتب إلا أن خصص له سيارة فولكس فاجن زلحفة مع البنزين مما أثار فضول الغيرة والحسد من زملاء بالتدريس وكانت التهمة القاتلة بتلك الأيام وهي الإنتساب لجماعة الإخوان المسلمين فاتهموا هذا الأستاذ الذي يدرس ابن الوزير بالبيت بأنه اخوانجي وكان فقط من ملتزمي الصلاة وذو أخلاق حميدة ولسوء الحظ كان اسمه (محمد الفقير) ليودع السجن بلا محاكمة … رغم أني لا أعرفه شخصياً ولم ألتقِ به ولا توجد بيننا أي تواصل إلا أنه من العائلة وربما الجدود تربطهم صلة قرابة.
وهذا ما أثار الإسم حفيظة عبد الحليم خدام عندما سألني على الهاتف ما أسمك واجبته تحسين الفقير وعند ذلك جال في فكره … الإخوان زرعوا واحد في بيتي وواحد في مكتبي وعلى هذا طُلب نقلي من المكتب
دارت الأيام واستفدت بهذه الفترة لاتنقل بكل مكاتب وسجلات إدارات الوزارة واكتسب خبرة عملية منها …
في أحد الأيام تم استدعائي لمقابلة (جمال خدام الابن الأكبر للوزير) والذي كان على أبواب التخرج من كلية الطب وعلية المشاركة باطروحة تخرج شاركه فيها الدكتور محمد العاسمي والدكتور عمر العادل وكانت بعنوان “الانتانات الجراحية”
حيث استلمتها من الكتابه بخط اليد وحتى تنفيذها وطباعتها وكان الطريق مفتوح لي خلال ٣ أشهر لدخول المكاتب الخاصة ومنزل عبد الحليم خدام بأي وقت دون إذن مسبق متى أردت خلال فترة الطباعة والتدقيق تلك.
لانقل بعدها إلى السفارة السورية في المجر بودابست.
جرى خلال تلك الفترة نقل خدام من ثالث أقدم وزير خارجية في العالم بعد غروميكو وزير خارجية الاتحاد السوفياتي أولاً ووزير خارجية الكويت الأمير الحالي ثانياً ؛ لتكليفه بمنصب نائب رئيس الجمهورية. وكانت اللقاءات السياسية مع حافظ الأسد لا تتم إلا عبر بوابة اللقاء مع خدام مسبقاً.
ليستلم فاروق الشرع وزيراً للخارجية وتمضي الأيام بأجواء غائمة غير ماطرة بين الأثنين.
وخلال عودتي من البعثات كنت أعمل بالإدارة المركزية لوزارة الخارجية بمكتب وزير الدولة للشؤون الخارجية السيد ناصر قدور والذي كان المرجع السياسي الخاص بكل من عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية وعبد الله الأحمر الأمين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي وعبد الرؤوف الكسم رئيس مكتب الأمن القومي وعبد القادر قدورة رئيس مجلس الشعب.
وحالفني الحظ أن اكون ضمن الوفود برئاسة عبد الحليم خدام كنائب لرئيس الجمهورية والذي يرافقه بكل زياراته الخارجية وزير الدولة للشؤون الخارجية ناصر قدور إلى كل من مؤتمر قمة الأرض في الريو دي جانيرو البرازيل ومؤتمر عدم الانحياز في دوربان جنوب إفريقيا ومؤتمر القمة الإسلامية في دكار السنغال
وللذكرى كان عبد الحليم خدام بعهد حافظ الأسد يرعى الأوضاع اللبنانية فترة من الزمن لحقها فترة ولادة رفيق الحريري كرجل سياسي في بدايته والذي كان يحضر للمكتب بصفة شيخ يرتدي الزي الخليجي وارتبط بعلاقة وطيدة مع خدام. وكانت رعاية عبد الحليم خدام للوضع في لبنان بلقائه مع القادة في لبنان بكافة فئاتهم وطوائفهم ومشاربهم كالأب الموجه وكالأستاذ الواعظ وكالمرشد المؤنب و و و والجميع كان يقفون باستعداد أمامه وقفة الجنود أمام ضابط.
وفي آخر زيارة للرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميّل وأثناء وداعه بالطريق بالسيارة متوجهين للمطار قال له أن شاء الله في إجتماع القمة الثامن القادم مع حافظ الأسد سنتابع موضوع … قاطعه خدام ومن قال لك أنه هناك لك إجتماع قمة ثامن ستحظى به …
وكان على توافق وتواصل بالشأن اللبناني مع العماد حكمت الشهابي وغازي كنعان.
وعلى هامش الذكر عندما أسمى نفسه ملك السعودية خادم الحرمين الشريفين خط له رسالة تهنئة طلب من طابع الرسالة على الآلة الكاتبة البدء بعبارة جلالة الملك … خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بالنسخة الأصلية المرسلة وعبارة جلالة الملك … خادم الحرمين الشريفين _لا _حفظه الله بالنسخة الثانية التي تحفظ في أرشيف المكتب.
وللحقيقة تقال تم ابلاغه من أحد المقربين في آخر فترة توليه منصب نائب الرئيس بعد استلام بشار الرئاسة لو لم يغادر عبد الحليم خدام سورية خلال ٢٤ ساعة لكانت نهايته مثل رئيس الوزراء محمود الزعبي ووزير الداخلية وغازي كنعان (الاغتيال والادعاء بالانتحار)

نقلاً عن صفحة الكاتب على فيس بوك

Loading

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك