جمال حمى: من يزرع الآوهام والآكاذيب ، سيحصد الخيبات والخذلان

آراء وقضايا 19 يوليو 2021 0
جمال حمى: من يزرع الآوهام والآكاذيب ، سيحصد الخيبات والخذلان
+ = -

كوردستريت || آراء وقضايا 

جمال حمى:
_________
تعالوا لكي ننعش ذاكرتنا الجمعيّة كجماعة بشرية واحدة جمعتها الأقدار الإلهية على متن سفينة واحدة تحت عنوان الشعب الكوردي في سوريا ، وأن نعود بذاكرتنا تحديدًا إلى الشهر العاشر من العام 2019 وهي الفترة التي أعلن فيها قائد قوات QSD مظلوم عبدي عن مبادرته لتوحيد الصف الكوردي في سوريا ، ودعونا نربط بين الأحداث التي كانت تجري وقت الإعلان عنها بما سبقها من أحداث وما تلاها أيضًا وصولًا إلى يومنا هذا حتى نستطيع أن نضع تحليلًا سياسيًا سليمًا لواقعنا الحالي ولكي نعرف إلى أين وصلت هذه المبادرة وهل كانت مبادرة حقيقية ؟ وهل كان مظلوم عبدي يؤمن أساسًا بمبادرته ؟ وهل كان صادقًا فيها ؟ وهل كان الأمريكيون أيضًا جادّون في رعايتهم لهذه المبادرة ؟

ودعونا نُقسِّم المسألة إلى عدة نقاط وهي :
توقيت المبادرة – الفترة التي سبقتها – الجهة التي طرحتها – أسباب طرح المبادرة – مستوى التمثيل الأمريكي الديبلوماسي لرعاية هذه المبادرة ، حتى نخرج بتحليل سليم .

توقيت المبادرة :

يجب أن لاننسَ أن المبادرة جاءت في وقت كان عصيبًا وكارثيًا على الكورد ، إذ أنه جاء بعد أن خسرت قوات مظلوم عبدي مدينتين كورديتين وهما تل أبيض ورأس العين أمام جحافل الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية وكان هنالك حنق وغضب كوردي عارمين رافقهما إحتقان شعبي كبير ضد الإدارة الذاتية أدُّوا إلى تحميلها السبب في إستدراج الجيش التركي إلى حرب غير متكافئة أدت إلى تهجير مئات الآلاف من المدنيين الكورد وحصول كارثة إنسانية كبرى .

الفترة التي سبقت المبادرة :

هي فترة الهزائم والخسائر والإنكسارات العسكرية التي حصلت تحت قيادة جنرال الصدفة مظلوم عبدي ورفاقه والتي منيوا فيها بالخزي والعار ، وهي فترة خسارة مدن كوردية مثل عفرين وتل أبيض ورأس العين والتي تسببت بتهجير مئات الآلاف من الكورد من مدنهم وقراهم حيث كانت النقمة الشعبية الكوردية تزداد عليهم يومًا بعد يوم .

الجهة التي طرحت المبادرة :

هي نفس الجهة التي كانت وماتزال تسد آذانها ولاتستمع إلى النصائح وتتبنى منطق نحن أو لا أحد ، نحن أو نحرق البلد ، ومنطق العنجهية والغرور والعناد والتكبّر وتمارس كل أنواع الإرهاب والتطرف والإجرام بحق الكورد ولاتعترف آساسًا بالوجود التاريخي الكوردي في سوريا وتحارب كل من له صلة بالفكر القومي الكوردي التحرري وترفض مشروع الإخوة الكوردية – الكوردية وتروج لمشروع الشعوب الديموقراطية ، بمعنى أنها جهة أساسًا منسلخة من كل القيم الكوردية الأصيلة .

أسباب طرح المبادرة :

مرتبطة بالفترة التي طرحت فيها المبادرة وبما قبلها أيضًا ولعل أهم أسباب طرحها هو من أجل تنفيس الإحتقان الشعبي الكوردي والتخفيف من الضغط الشعبي عليهم بعد خسارتهم تل أبيض ورأس العين وذلك عبر دغدغة مشاعر الكورد القومية بشعار الحوار الكوردي – الكوردي ولإسكات المعارضين الكورد بحجة أنكم ضد الحوار الكوردي – الكوردي وأنتم تعكرون صفو هذه الحوارات ومن أجل تخدير الشارع الكوردي ومن أجل كسب المزيد من الوقت لإعادة ترتيب أوراقهم بعد الخسارات الكبيرة التي مُنيوا بها وإغراق الجميع في التفاصيل والشكليات ، تمهيدًا للإنقلاب على تعهداتهم ومبادرتهم وتحميل أسباب فشلها للطرف الآخر والتهرب من الإستحقاق الوطني ، وكعادتهم .

مستوى التمثيل الديبلوماسي الأمريكي .

أذكر أنه عندما أعلنت أمريكا عزمها على رعاية المفاوضات الكوردية وفق مبادرة مظلوم عبدي فور طرحها ، راح الكثير من الكورد يُسقطون حالة شبيهة حصلت في إقليم كوردستان في تسعينيات القرن الماضي على مايجري في سوريا ، وهي عملية التفاوض والتوصل إلى إتفاق شامل مابين الحزبين الرئيسيين في الإقليم وهما الحزب الديموقراطي الكوردستاني الذي يتزعمه الرئيس مسعود بارزاني وحزب الإتحاد الوطني الكوردستاني الذي كان يتزعمه آنذاك الراحل جلال طلباني ، حيث قامت أمريكا آنذاك برعاية الإتفاق ، فقالوا أن هذه مثل تلك ، وقد بينت وقتها موقفي بكل جرئة وصراحة وقلت أن هذه لا تشبه تلك ، وإسقاطاتكم ليست في محلها وأنها قراءة سياسية خاطئة .

ففي الحالة الكوردية في الإقليم كان التمثيل الأمريكي آنذاك في المفاوضات على مستوى وزيرة خارجية أمريكا مادلين أولبرايت ولعبت أمريكا آنذاك دور الراعي والضامن والداعم ، أما التمثيل الديبلوماسي الأمريكي في الحالة الكوردية في سوريا فهو بمستوى سفير سابق يلعب دور الراعي فقط ولم يقدم أية ضمانات للطرفين ، ومن مستوى التمثيل الدبلوماسي الأمريكي في الحالتين ومعرفة الفرق بين الرعاية والضمانة ، يتبين لنا أن القضايا التي تكون أمريكا جادة فيها ، نجدها ترفع مستوى تمثيلها إلى مستوى وزير الخارجية وتمنح الضمانات ، أمام القضايا التي لاتكون جادة فيها فيكون مستوى تمثيلها الديبلوماسي منخفضًا – سفير سابق أو مبعوث ولاتمنح الضمانات ويقتصر دورها على الرعاية فقط .

إضافة على ذلك فإن طرفا النزاع في إقليم كوردستان كانا يملكان قوة عسكرية ضاربة على الأرض وكانت موازين القوى العسكرية والسياسية متقاربة بينهما إلى حد كبير ، أما في الحالة السورية فهنالك قوة عسكرية وسياسية واحدة ، مستبدة ومهيمنة على الأرض ، أما الطرف الآخر فهو جسم سياسي هزيل لايملك مخالب عسكرية على الأرض ولايملك أوراقًا للضغط ، بل لايسيطر حتى على شبر واحد من الأرض ولايستطيع حتى الدفاع عن أعضائه الذين يتم إعتقالهم كل يوم من قبل الطرف الجنجويدي الآخر أمام أعينهم ويكتفون بالبيانات فقط .

وبمعنى آخر ، كيف سينجح مايسمى بالحوار الكوردي – الكوردي بين الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكوردي ، والمجلس يفرض شروطًا تعتبر تعجيزية بالنسبة للطرف الآخر ، لاسيما أن جعبة المجلس خاوية تمامًا من أوراق الضغط ! ويكتفي بالطلب من الأمريكي الذي إكتفى هو أيضًا بلعب دور الراعي فقط ، لكي يضغط على الإدارة الذاتية التي تقدم خدمات كبيرة للأمريكيين يعجز المجلس نفسه عن تقديم 1% منها لهم ؟

وبناءً على ماسبق من مواقف وأقوال وأحداث وشواهد وردت في هذا المقال أعلاه ، كنا نعرف ومنذ اليوم الأول أن المبادرة كانت مجرد فقاعة إعلامية لتخدير الشارع الكوردي ، وها نحن اليوم بعد مضي نحو عامين على إطلاقها ، وجدنا أنفسنا قاب قوسين أو أدنى من إعلان فشلها ووصولها إلى طريق مسدود ، وهذا أمر طبيعي جدًا لأن من يزرع الآوهام والآكاذيب ، سيحصد الخيبات والخذلان .

جمال حمي

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر