حوار مع فوزة اليوسف عضوة الهيئة التنفيذية في المجلس التأسيسي للنظام الاتحادي الديمقراطي لروج آفا – شمال سوريا

تقارير خاصة 31 يوليو 2016 0
حوار مع فوزة اليوسف عضوة الهيئة التنفيذية في المجلس التأسيسي للنظام الاتحادي الديمقراطي لروج آفا – شمال سوريا
+ = -

النظام الفيدرالي، نظام ديمقراطي يضمن حقوق الشعوب والهويات الثقافية والاجتماعية

.

أجرى الحوار/ دلشاد مراد

.

لقد خلق تطبيق نظام الدولة القومية في منطقة الشرق الأوسط أزمات ومشاكل عرقية واجتماعية واقتصادية بقيت دون حل، وأدى تراكم تلك الأزمات والمشاكل إلى نتائج ووضع كارثي ماثل أمام أنظارنا جميعاً في الوقت الراهن. وفي خضم هذا الوضع المأساوي عملت مكونات وشعوب روج آفا وشمال سوريا على طرح مشروع الفيدرالية الديمقراطية بعد التجربة الناجحة لنظام الإدارة الذاتية الديمقراطية في المقاطعات الثلاث لروج آفا (الجزيرة، كوباني، عفرين)، ولتوضيح المرتكزات والمبادئ التي يرتكز عليه النظام الفيدرالي الديمقراطي وفق مسودة العقد الاجتماعي الذي توافقت عليه مكونات روج آفا- شمال سوريا، كان لنا حوار مع فوزة اليوسف عضوة الهيئة التنفيذية في المجلس التأسيسي للنظام الاتحادي الديمقراطي لروج آفا – شمال سوريا، وهذا هو نص الحوار:

.

ـ لِمَ يعتبر نظام الفيدرالية الديمقراطية هو النظام الأمثل لمعالجة القضايا التاريخية والاجتماعية والقومية في روج آفا كردستان وسوريا؟ وما الذي ستحققه من آمال للشعوب والمكونات التي تعيش على أرض روج آفا- شمال سوريا؟

.

قبل كل شيء أود أن أقول إن هذه الأرض كانت وتزال فسيفساء الشعوب، لأنه لم يعش فيها شعب واحد أو قومية واحدة، بل ومنذ آلاف السنين شهدت الكثير من الحضارات وعاش فيها الكثير من الهويات الإثنية والقومية، لذلك فإن النظام المركزي كان دائماً متناقضاً مع الطبيعة الثقافية والاجتماعية والسياسية لهذه الجغرافية، وكلما تم فرض نظام مركزي كانت النتيجة هي الأزمة وتفاقم الصراعات. ولن يكون من المبالغة القول إن السبب الرئيس للأزمة التي عاشتها المنطقة ومنذ فترة طويلة يعود إلى هذا السبب، فالطبيعة الاجتماعية ترفض شيئاً كهذا وتبحث دائماً عن أرضية تقوم بعيش خصائصها بشكل حر، لذلك إذا ما قمنا بالبحث في تاريخ المنطقة سنرى بأنه كان وبشكل دائم فيدراليات عشائرية وإثنية. أيضاً كان هناك كونفيدراليات بين المجموعات والمكونات من أجل أن تحمي نفسها من المخاطر الخارجية وأيضاً من أجل إدامة نفسها من الناحية الاقتصادية. والجدير بالذكر أنه وبالرغم من الإمبراطوريات الجائرة التي حكمت المنطقة إلا أن أي نظام حتى النظام العثماني لم يتجرأ على فرض نظام مركزي، حينما حكم المنطقة، فكانت كل ولاية تدير نفسها بنفسها إلى حد ما، ولم يتم منع اللغات وتداول الثقافات في ذلك الوقت.

.

ظهور الدولة القومية كان بمثابة مجزرة بالنسبة لجميع الهويات، لأنه ولأول مرة تم العمل وبشكل مبرمج على إنكار ثقافة وهويات بعض الشعوب باسم القومية وحماية وحدة الدولة، فنظام الدولة القومية الذي يعتمد على التعصب القومي والديني والجنسي، أدى إلى مجازر فظيعة في العالم، لكن لعدم تمكن منطقتنا تجاوز هذا النموذج من الدولة فإن المنطقة بأجمعها تئن اليوم تحت وطأة الدولة القومية، لأن الدولة القومية تعتمد على دولة واحدة، قومية واحدة، دين واحد وعلم واحد. هذا يعني إنكار وتهميش جميع الهويات الأخرى، والذي يعني الفاشية في آخر المطاف، لأن عدم قبول الآخر يؤدي إلى فرض سياسة تعسفية، وبالتالي إلى أزمة دائمة.

.

في الحقيقة إن الدولة القومية هي نظام يتناقض تماماً مع الطبيعة الاجتماعية والثقافية لمنطقتنا. إن التنوع الثقافي والإثني والديني يؤدي إلى أن تتحول الدولة القومية إلى مقصلة بالنسبة للهويات، فالمجازر التي تعرض لها كل من الكرد والأرمن والسريان واليهود والعرب هو نتيجة هذا النظام السياسي الجائر، بحيث عندما تصبح قومية حاكمة تقوم بالقضاء على القومية الأخرى، ففي الوقت الذي تعرض اليهود على يد هتلر للمجازر نرى أن اليهود قاموا بفرض المجازر على الفلسطينيين، وصدام قام بفرض المجازر على الكرد، والترك على الكرد والأرمن والسريان. الدولة القومية كنظام تحولت في المائتي سنة الأخيرتين إلى حصادة تحصد أقدم ثقافات هذه المنطقة، وتؤدي لتعرض البعض منها للانقراض ومع الأسف الشديد، فإذا ما كانت منطقتنا تعيش أزمة وفوضى وحرب في الوقت الراهن، فهي نتيجة ما أعلنته الدولة القومية من حرب الكل ضد الكل، فأصبحت القوميات عدوة لبعضها وتعمل كل واحدة للقضاء على الأخرى.

.

كل هذا يعني أن هناك حاجة إلى نظام إداري وسياسي يقوم بتجاوز هذا الوضع ويصبح البديل لما نعانيه من مآسٍ، ففي منطقتنا تم إفلاس الدولة القومية والعمل على إحيائها من جديد، يعني نفخ الروح في الجسد الميت، أي لا جدوى منه. نحن بحاجة إلى نظام ديمقراطي يضمن لكل الشعوب والهويات الثقافية والاجتماعية حقوقها في العيش بشكل مشترك، وبشكل متساوٍ وحرٍّ، وهذا النظام هو بحسب رؤيتنا “الفيدرالية الديمقراطية”، وبما أن سوريا أيضاً تعتبر من الدول التي تتكون من عدة مكونات إثنية وثقافية ودينية ومذهبية، فهي بحاجة إلى نظام ديمقراطي يحقق لكل هذه الهويات الحق في التعبير عن نفسها وتنظيم نفسها والمشاركة في مركز صنع القرار بشكل متساوٍ حر، وكبديل للأزمة الراهنة، فإننا نرى أنَّ هناك حاجة إلى بديل للدولة القومية التي قسمت وشتت هذه الفسيفساء، وهذا البديل يكون على هيئة نظام لامركزي يمنح لكل المكونات الحق في إدارة نفسها بنفسها ضمن تكامل وتوحد، أي مثل حبات الرمان كل لوحدها وبخاصيتها لكن ضمن وحدة وتجانس متكامل، وأقرب نظام يمكن أن يحقق هذا الأمر حسب اعتقادنا هو نظام “الفيدرالية الديمقراطية”.

.

يعتمد على مبدأ الأيكولوجيا والحياة التشاركية

.

ـ ماهي المرتكزات والمبادئ التي يعتمد عليه النظام الاتحادي الديمقراطي – الفيدرالي لروج آفا – شمال سوريا؟ وما الذي يميزه عن النظام الفيدرالي المعمول به في بعض الدول الغربية كالفيدرالية الأميركية أو الألمانية على سبيل المثال؟

.

المرتكزات والمبادئ التي يعتمد عليها النظام الفيدرالي الديمقراطي لروج آفا – شمال سوريا هي، أولاً إنه يرتكز على حقيقة تاريخية وهي أن هذه الأرض شهدت وقبل الآن فيدراليات بين العشائر وبين المكونات، وبأن الشعوب لديها القدرة أن تحقق حياة مشتركة فيما بينها، أي إن نظام الفيدرالية الديمقراطية هذا ذو جذور تاريخية، ومن مبادئ هذا النظام هو اعتماده على مفهوم الأمة الديمقراطية المستندة إلى الأسس الديمقراطية والحريات، وأيضاً يعتمد على الفرد والمواطن الحر، ويأخذ مشروعيته من إرادة الشعوب، ويعتمد على نظام الانتخابات في هيكليتها ونظامها، هذا النظام لا يهدف إلى بناء دولة قومية أو أي دولة أخرى؟! بالعكس سيعمل على التصغير والتقليل من دور الدولة وزيادة دور المجتمع والفرد والمواطن الحر، أيضاً يعتمد على الإدارة الذاتية الديمقراطية، ويحقق لكل مجموعة ثقافية وإثنية إدارة نفسها بنفسها بحيث لا يتناقض مع مصالح الشعوب والمكونات الأخرى. كما يعتمد نظام الفيدرالية الديمقراطية على مبدأ الأيكولوجيا والحياة التشاركية. ومن الخاصيات الأساسية في هذا النظام هو ضمان حقوق وحرية المرأة في المجتمع ومشاركتها بشكل متساوٍ مع الرجل في كل مجالات الحياة، ويكون نظام الرئاسة المشتركة سائداً في كل مجالات الحياة، هذا بالإضافة إلى أنه يرى أن الشبيبة والمرأة هما القوة الطليعية لهذا النظام، وأن الشبيبة يجب أن تكون القوة الفعالة في كل مجالات الحياة. والجدير بالذكر أن نظام الفيدرالية الديمقراطية لروج آفا وشمال سوريا لا يعتمد على مفهوم قومي وإنما يعتمد على مفهوم جغرافي، لذلك يشمل كل مناطق روج آفا وشمال سوريا ويشمل كل المكونات التي تعيش فيها، لذلك كل اللغات فيها رسمية ويمكن للمكون أن يتعلم بلغته وينظم حياته وفق ثقافته.

.

مشاركة المكونات يعطي قوة مادية ومعنوية

.

ـ كيف ترون مشاركة مختلف المكونات والشعوب من الكرد والسريان والعرب والتركمان والأرمن والشيشان…إلخ في المشروع الفيدرالي المطروح حالياً؟

.

مشاركة المكونات بتنوعها يشكل جوهر هذا المشروع، فنحن كشعوب المنطقة عانينا الكثير على يد الحكومات الاستبدادية، وحان الوقت أن نرسم مصيرنا بأيدينا، حتى العرب الموجودون في المنطقة تم تهميشهم، فعلى الرغم من أن نظام البعث كان قومياً، إلا أن العرب الذي يعيشون في المناطق الشمالية من سوريا تعرضوا لسياسة التجويع والفقر والتجهيل مثلهم مثل الشعوب الأخرى، هذا يعني أن الدولة القومية لم تأتِ لشعوبنا بأي فائدة، بالعكس عملت الحكومة والنظام البعثي يومياً على تمزيق النسيج الاجتماعي بين المكونات، بحيث صار كل مكون يكن العداء للمكون الآخر دون أن يعرف السبب، وهذه السياسات لم تكن تخدم سوى نخبة من السماسرة العرب، الكرد والسريان وغيرهم، لقد توحد هؤلاء من أجل أن لا نتوحد، وهذا ما يؤكد على أن المشكلة ليست في الشعوب وإنما في الإدارات وفي المفهوم السياسي، فإذا تم التحرك برؤية ديمقراطية يمكن للشعوب أن تعيش بأخوة وأن تعمل معاً من أجل حياة مشتركة، وقد أثبتت الإدارة الذاتية الديمقراطية في المقاطعات الثلاث صحة هذه النظرية، أيضاً قوات سوريا الديمقراطية أكدت على أننا يمكن أن نحمي مصيرنا معاً ونستشهد من أجل هدف مشترك.

.

إننا نعيش في سفينة واحدة ويجب أن نعمل معاً من أجل حماية هذه السفينة من الغرق، وهذه السفينة هي المشروع الفيدرالي الديمقراطي الذي يمثل إرادتنا المشاركة، ولذلك بقدر ما نشارك فيه ونمنحه القوة سيكون بنفس الوقت جداراً منيعاً يحمينا من المجازر ومن الهجمات سواء من قبل داعش أو القوى الإقليمية المناهضة للشعوب، لذلك فإن مشاركة المكونات يعطي قوة مادية ومعنوية لهذا المشروع، ويؤكد هذه المشاركة على مدى صحة ضرورته من أجلنا جميعاً.

.

للمرأة دور ريادي في عملية البناء وستكون صانعة القرار

ـ ماذا عن دور المرأة، وهل ستحقق النظام الفيدرالي الديمقراطي آمالها في تأسيس أرضية متينة للحياة الندية الحرة والتشاركية وفي دمقرطة المجتمع؟

.

كما قلت سابقاً تعتبر المرأة من العناصر الأساسية لنظام الفيدرالية الديمقراطية، فمنذ بداية الثورة حتى الآن كانت مشاركة المرأة في روج آفا- شمال سوريا مختلفاً عن المناطق الأخرى، فهي شاركت في كل مراحل الثورة وبشكل فعال، وسيكون للمرأة دورٌ رياديٌ في عملية بناء نظام الفيدرالية الديمقراطية لروج آفا – شمال سوريا. المرأة مثلها مثل الشعوب هي أيضاً عانت الكثير تحت الحكم الاستبدادي للدولة القومية البعثية، لأن النظام القومي كان جنسوياً بالنسبة للمرأة وكان الرجل قد بنى إمبراطوريته في البيت، حيث كانت الدولة تقزم المجتمع في الخارج وتقزم المرأة داخل البيت. الدولة القومية بقدر ما قامت بمجازر بحق الشعوب، فهي أيضاً تشكل مقصلة بالنسبة للنساء، حيث تعرض النساء إلى شتى أنواع الظلم في ظل نظام البعث، فقد كانت محرومة من كل حقوقها، وفي الحقيقة كانت الدولة القومية، دولة حماية الرجل وتحول المرأة إلى عبدة لا حول ولا قوة لها، فالمرأة في النظام الفيدرالي الديمقراطي لن تكون مصنعاً للأطفال، بل ستكون صانعة قرارات، لن تكون عبدة مطيعة بل ستكون طليعية، لن تكون محبوسة داخل المنزل بل سيتم فتح جميع مجالات الحياة أمامها، لن تكون محكومة للرجل، بل سيكون لها قوة الإرادة في تقرير مصيرها، فالمرأة ستكون حجر الزاوية في نظام الفيدرالية الديمقراطية، وبأيد المرأة وقوة عقلها وعاطفتها سيتم بناء وإنشاء هذا النظام، لأننا مقتنعون بأن وجود ومشاركة المرأة في ثورة روج آفا هو السر الأساس في نجاح الثورة واستمراريتها وسيكون هذا بالنسبة لمشروع الفيدرالية الديمقراطية أيضاً.

.

نظام الرئاسة المشتركة يعتبر قفزة مهمة وتاريخية بالنسبة لمجتمعنا

.

ـ يعد نظام “الرئاسة المشتركة” والذي أدخل في التطبيق العملي لأول مرة في روج آفا، هل يمكنك الحديث أكثر عن هذا المفهوم وأهميته، ودوره في تحقيق الحياة التشاركية المنشودة؟

.

نظام الرئاسة المشتركة مهم جداً، فالمرأة ومنذ آلاف السنين خرجت وأُقصيت عن الحياة السياسية، إذ كان يتم إدارة كل شيء برؤية رجولية، وإذا علمنا أن الحياة تسير وفق جدلية ثنائية، فإن إقصاء أي طرف يعني شلل الطرف الآخر، وفي الحقيقة إذا ما كانت مجتمعاتنا متخلفة لهذه الدرجة، فإن السبب الرئيس يعود إلى ما تعيشه المرأة من تخلف وتهميش، فالمرأة هي التي تبني الفرد وبقدر ما تكون متحررة وذات إرادة يمكن أن تبني جيلاً متحرراً وصاحب إرادة، لذلك فإن تهميش المرأة يعني تهميش إرادة البناء هذه والذي سيؤدي إلى كارثة اجتماعية، لذلك نظام الرئاسة المشتركة يعتبر قفزة مهمة وتاريخية بالنسبة لمجتمعنا، لأنه يؤدي إلى مشاركة المرأة الفعالة في إدارة شؤون المجتمع وعملية البناء، هذا النظام بقدر ما يمنح المرأة القوة والثقة بذاتها لكي تشارك في مراكز صنع القرار، فإنه يؤدي إلى تغيير في الرجل أيضاً، فقد تعود الرجل أن يكون هو الآمر الناهي في كل شيء، سواء في البيت أم في الدولة، لذلك فإن مشاركة المرأة ستؤدي إلى تغيير هذا الأمر وتقوم بدفعه نحو حياة تشاركية جماعية، أي أنه يؤدي إلى دمقرطة عقلية الرجل شئناً أم أبينا، ففي البداية كان هناك حالة من عدم القبول، لأننا تعودنا أن نرى في كل شيء لوناً واحداً، وعقلاً واحداً، رأياً واحداً، وإرادةً واحدةً، لكن الزمن أثبت أن القرارات بقدر ما تكون مشتركة، وبقدر ما تكون جماعية تكون أقوى وأكثر تأثيراً، وتم إثبات أن المرأة بالفعل صاحبة قوة وذكاء كافٍ من أجل القيام بالرئاسة، بالطبع هذا النظام يجب ألا يكون محصوراً بالحياة السياسية، بل يجب أن يكون نظام حياة وثقافة نبني عليها أنفسنا أينما كنا، سواء في البيت أم في الشارع، لأنه يعتمد على الحياة الندية والتشاركية وهذا المفهوم يجب أن يكون سائداً في كل مجالات الحياة، فالرجل القوي والرجل المثقف هو الرجل الذي يعرف كيف يعمل مع امرأة بشكل ديمقراطي وبشكل جماعي، أي أن المقاييس يجب أن تتغير، فقديماً كانت الرجولة تقاس بالشهامة والمرؤة، والآن تقاس بدرجة الديمقراطية وبمستوى تخلصه من الذهنية التقليدية البالية التي تنظر إلى المرأة نِظرة دونية، لذلك أرى أن نظام الرئاسة المشتركة سيغير الكثير من عاداتنا ورؤيتنا لبعضنا ولأنفسنا.

.

نظام التعاونيات سيكون أساس النظام الاقتصادي

.

ـ سيعتمد النظام الفيدرالي الديمقراطي المجتمعي في اقتصاده على الكومونالية التشاركية أي التعاونيات كبديل مضاد للاستغلال الاقتصادي، هل يمكنك الحديث عن النظام الاقتصادي لهذا النظام، ومدى فعاليته في المجتمعات الشرق الأوسطية؟

.

نظام الدولة القومية لم تكن فاشية من الناحية القومية فقط، بل إن مؤسسات الدولة كانت قد تحولت إلى ورم سرطاني تقوم باستغلال الشعوب، فقد تحولت الأجهزة الحكومية كلها إلى مصاصي دماء يمص جهد الفقراء والمحتاجين من أجل أن لا يتطور ولا تكون الرفاهية في مناطقنا، إذ كانوا يقومون بأفظع أشكال الاستبداد الاقتصادي، وبالرغم من أنَّ المنطقة كانت من أغنى المناطق السورية إلا أن شعوب شمال سوريا كانت من أفقر المكونات، هذه بالطبع كانت سياسة مبرمجة، لأنهم يعلمون جيداً أن تخلص الناس من الفقر يعني تطور الوعي ويعني عدم قبول الواقع، ولم تكن عامة الشعب تقدر على التفكير أكثر من كيفية الحصول على قوتهم اليومي بسبب الوضع المعيشي الكارثي الذي أوصلهم إليه النظام القومي الفاشي، وكانت كل الخيرات والثروات بيد نخبة تقوم باحتكارها، لذلك قبل كل شيء سيكون نظام الاقتصاد في الفيدرالية هو نظام تشاركي يؤمن احتياجات الناس، أيضاً ستكون الأولوية في الاستفادة من الخيرات المادية للمنطقة، نظام التعاونيات سيكون أساس النظام الاقتصادي، بحيث لا يبقى إنسانٌ محروماً من الاحتياجات الحياتية، أيضاً من الأهمية القول: إن المرأة في النظام الاقتصادي أيضاً سيكون لها دورٌ طليعيٌّ.

.

مناطقنا هي مناطق زراعية، ولذا لا يمكن تطوير أي اقتصاد بدون الزراعة التي هي أم الاقتصاد، ولهذا سيعتمد النظام الاقتصادي على الزراعة والاكتفاء الذاتي من كل النواحي، وفي الحقيقة إذا ما تم استثمار الإمكانيات الموجودة في المنطقة بشكل صحيح وفق سياسة اقتصادية سليمة، فقد نتمكن من أن نصل إلى أعلى درجات الرفاهية، بالطبع هناك صعوبات وهناك مفاهيم خاطئة لكن يجب أن نصر على تطوير نظام اقتصادي تشاركي يناهض الاستغلال.

.

الكومين سيكون النواة أو الخلية الأساسية

ـ وماذا عن الكومينات ودورها في هذا النظام؟

.

الكومينات هي الوحدات الاجتماعية الأساسية، فالمجتمعات المنظمة هي المجتمعات الأقرب للحرية، الكومين هو التنظيم الاجتماعي الذي يمكن أن يقوم المجتمع بالاكتفاء بذاته دون أن يحتاج لغيره، وهذه خاصية مهمة. لقد حولت الدول المجتمعات إلى مؤسسات متسولة، لا حول لها ولا قوة، تكون محتاجة لكل شيء ودون إرادة، لذلك تتحول إلى قطيع مع الزمن، بحيث تكون عاجزة عن حل أصغر مشكلة، في حين قوة العقل المشترك قويةً جداً والذكاء الاجتماعي متطور جداً إذا ما تم منح الصلاحية للمجتمع، فلا يوجد أي مشكلة لا يمكنه حلها، لذلك فإن الكومين هو بمعنى آخر تحول المجتمع إلى إرادة القرار، بحيث يستغني عمن يديره، فيكون هو القوة الكافية لإدارة نفسه وحل قضاياه بنفسه، لذلك الكومين سيكون النواة أو الخلية الأساسية الذي يعتمد عليها نظام الفيدرالية الديمقراطية.

.

هناك حاجة لحوار سوري- سوري، لفهم بعضنا البعض والتخلص من الأحكام المسبقة

.

ـ تبرر الأوساط الشوفينية السورية رفضهم لمشروع النظام الاتحادي الديمقراطي المطروح في روج آفا – شمال سوريا بأنه تكرار لما حدث في العشرينيات من القرن العشرين من محاولات المستعمر الفرنسي من انشاء دويلات طائفية وعرقية في المنطقة، أي يرون إنه مشروع تقسيمي وانفصالي، ماذا تقولين في هذا الشأن، وهل ثمة تواصل بينكم والاطراف والمكونات في الداخل السوري، بشأن إمكانية تطبيق النظام الفيدرالي في عموم سوريا مستقبلاً؟

.

بالطبع هناك ردود فعل مختلفة من هذا المشروع، وإلى حدما يمكن أن نعطي معنى لها، لأننا تمزقنا كثيراً وفقدنا ثقتنا ببعضنا البعض، حتى إن كل مكون كان يشك بالآخر، لقد تعرضت المنطقة بالفعل لعدة تقسيمات، لذلك هناك تخوف من أن يكرر التاريخ نفسه، هناك شيء يجب أن يقبله الجميع وهو أن سوريا لن تعود إلى وضعها السابق، لأن وضعها السابق لم يكن ديمقراطياً أولاً، ونظام الدولة القومية أفلس وهناك حاجة إلى سورية جديدة، لذلك من الأهمية بمكان القيام بتطوير سوريا لتضم جميع المكونات وتضمن حقوق الجميع، وهذا فقط يمكن أن يحمي وحدة سوريا، وإلا فإن العودة إلى سوريا مركزية تطحن الهويات سيكون أمراً مستحيلاً في الوقت الراهن، وهذا لن يفيد السوريين.

.

إذا كنا بالفعل نريد وحدة سوريا حينها هناك حاجة لنظام يخاطب مطالب كل السوريين، وهذا يعني أنَّ النظان المطلوب النظام الديمقراطي غير المركزي، وإلا فإن هذه الحرب ستستمر. إني أرى المشكلة في أمرين وهو إن إخواننا العرب مازالوا يحمون الدولة القومية ومازالوا يفكرون بتعصب قومي، وهذا أمر خطير، لأن المكونات لن تقبل وهذا سيؤدي إلى تمزق وحدة سوريا، وأيضاً هناك تقصير من قبلنا، وهو أننا لم نعمل على إفهام مشروعنا بالشكل المطلوب لقطاع واسع من السوريين، إني أرى أن هناك حاجة لحوار سوري- سوري، فعقد اجتماعات يمكننا أن نفهم بعضنا البعض، وإذا ما تم التخلص من الأحكام المسبقة حينها يمكن أن نتخلص من المخاوف أيضاً، لذلك أرى بأنه هناك حاجة ماسة لاجتماعات نحاور بعضنا البعض من أجل تجاوز المخاوف الموجودة، واذا ما تم قراءة وفهم مشروعنا سيعرف الجميع أنه هو المشروع الأمثل لضمان وحدة سوريا.

.

ضمان نجاح المشروع الفيدرالي، الوحدة والتضامن بين المكونات وتحقيق نظام دفاعي قوي

.

ـ علامَ يتوقف نجاح وديمومة النظام الاتحادي الديمقراطي لروج آفا – شمال سوريا بل وامتداد هذا المشروع الديمقراطي إلى عمق الداخل السوري؟

.

إن ضمان المشروع يتوقف على مدى ديمقراطية النظام أولاً، فبقدر ما يشمل كل المكونات ويكون نظاماً عادلاً ستكون له الاستمرارية، والأمر المهم الآخر هو الوحدة والتضامن بين المكونات، نعلم جيداً أن الدول المجاورة وعلى رأسهم تركيا وإيران يكنون العداء لهذا المشروع ويعملون ما في وسعهم من أجل إفشال هذا المشروع فيقومون بتطوير أقذر المؤامرات لخلق الاستفزاز بين الشعوب، ومن أجل أن نفرغ هذه المؤامرات ونحمي المشروع علينا أن نرص صفوفنا وأن نتجنب الوقوع في فخهم، بالطبع لن يكون من السهل تحقيق ذلك لكن ذلك ليس مستحيلاً، وتجربة الخمس السنوات الماضية أكدت أن شعوبنا يمكن أن تعيش دون تناحر، ويمكن أن تقرر مصيرها وأن تحمي نفسها في جبهة واحدة، وقد حققت الإدارة الذاتية الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية تطورات كبيرة في توحيد جميع المكونات، وخوض معركة تحرير الأراضي معاً ضد عدو الشعوب داعش والاستشهاد في خندق واحد هو إثبات على هذه الحقيقة والارتباط بدماء شهداء التحرير، لذا يجب أن نكون حذرين وأن لا نقع في الأخطاء.

.

ومن أجل ضمان واستمرارية هذا المشروع هناك حاجة لتحقيق وتطوير نظام دفاعي قوي، إننا اليوم أمام هجمات شرسة، ولكي نحمي مكاسب شعوبنا يجب أن نعمل يومياً لتقوية صفوف قوات سوريا الديمقراطية كماً ونوعاً، وإضافة إلى النظام الدفاعي العسكري يجب أن نكون ذوي نظام دفاعي عام ونعمل لتحقيق الاكتفاء الذاتي ضد كل أنواع الحصار السياسي والدبلوماسي والاقتصادي، إننا أصحاب إمكانيات مادية ومعنوية كبيرة ، فإذا ما قمنا بتنظيمها بشكل فعال، حينها يمكننا هزيمة أي قوة في العالم.

.

ـ هل ثمة كلمة تودين توجيهها إلى شعوب ومكونات روج آفا- شمال سوريا؟

.

في النهاية أود القول: إن شعوبنا ومنطقتنا تمر بمرحلة حساسة جداً، وهذه المرحلة بقدر ما تحمل لنا من فرصٍ تاريخيةٍ كبيرة، هناك مخاطر كبيرة أيضاً، وهذه الفرص لا تتكرر دائماً، لذلك يجب أن نقوم بتقييم هذه الفرص بشكل جيد وإلا فإننا لن نتخلص من أن نصبح ضحية مرة أخرى، كل شيء يأمرنا بالمضي قدماً نحو مستقبل مشرق يليق بنا، كل ما هناك أنه علينا أن نسير بإيمان وبإصرار كبيرين.

.

• نشر الحوار في صحيفة روناهي في جزأين في العددين 311 (20 تموز 2016) و313 (27 تموز 2016)

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر