خطاب الكراهية جائحة يجب مكافحتها..

آراء وقضايا 21 يونيو 2020 0
خطاب الكراهية جائحة يجب مكافحتها..
+ = -
كوردستريت || آراء 
بقلم : م. محفوظ رشيد 
     
    لازم خطاب الكراهية النزعات العدوانية الشريرة للكيانات الصغيرة والبسيطة، الكبيرة والمركبة على حد سواء منذ الأزل بهدف احتكار الثروة والسلطة والجاه..، ووسائل الأعلام والتواصل الكلاسيكية منها والحديثة مسؤولة عن الترويج له لأجل تمهيد وشرعنة الوسائل والأساليب المتبعة (تغييب، اقصاء، تصفية..) لتحقيق غايات مبيتة، وذلك بخلق الظروف وتهيئة النفوس للتنقيذ دون الاكتراث بما ستنجم عنها  من التداعيات الخطيرة والوخيمة وتأثيراتها السلبية مستقبلاً. 
    استثمر خطاب الكراهية كسلاح فتاك في تسعير الصراعات وتعميق الخلافات على أسس عرقية ودينية وطائفية، واستخدم في توسيع الشروخ بين الأوساط المجتمعية على أساس الشكل واللون واللغة، وزيادة التباين وفقاً للانتماءات المناطقية والعشائرية، وتضخيم الفوارق تبعاً للأنماط المعيشية والفكرية..
    كل ذلك من أجل تطبيق القاعدة الاستعمارية “فرق تسد”، وتشكيل منظومات حكم استبدادية فاسدة من شأنها كبح عجلة التنمية والتطور، وقيادة مجتمعاتها ودولها نحو الهاوية، وجعل أوطانها جثة هامدة ولقمة سائغة للأعداء والمتربصين عبر هدر الثروات واستنزاف الطاقات، لتغدو بالنهاية رهينة لسياساتهم ومصالحهم وصفقاتهم..
    وهنا يبرز الدور السلبي للنخب السياسية والدينية والفكرية والاجتماعية والتربوية..في تعويم خطاب الكراهية، إن كانت في الموقع الغلط والاتجاه الخطأ نزولاً عند الرغبات الشخصية أوالدوافع المحلية أو الضغوط الخارجية، بمعنى التماهي مع التياروالانخراط في حملات الكراهية دون شعور أو إلتزام بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنسانية المنوطة بها.
    إشاعة خطاب الكراهية واستفحاله في المجتمعات يعزو إلى خلفيات تاريخية ومواقف مسبقة مع تراكم لوقائع مؤلمة متبقية في الأذهان والنفوس دون حلول جادة ومعالجات جذرية لها، حتى أصبحت قنابل موقوتة تنفجر بدوافع الثأر والانتقام، فالاجراءات الاستثنائية والمشاريع العنصرية والقوانين التمييزية واللوائح الاتهامية النافذة والفاعلة لصالح (لخدمة) مكون أو طيف معين ضد مكونات أخرى أو على حسابها ضمن الوطن الواحد تخلق أرضية خصبة لنمو الأحقاد والضغائن كجائحة بانتظار ساعة الانتشار والانفجار التي لا يتكهن المرء آثارها ونتائجها ولا حجم ضحاياها والتي ستعكس على الجميع بدون استثناء.
    لاسقاط ما سبق ذكره على الواقع السوري لا سيما منذ بدء الأزمة، لا بد من قراءة منطقية ونظرة موضوعية لأسباب نشوء الكراهية واستشرائها، والتي أوصلت الأوضاع إلى ما نحن عليه من قتل وتدمير وتهجير بين الشعب الواحد وتفتيت الوطن الواحد، مخلفة الكثير من الويلات والمآسي والمعاناة..
    فسوريا منذ تشكلها كدولة بعد الحرب العالمية الأول بموجب معاهدات استعمارية تضم تنوعاً في الأثنيات والأديان والطوائف والمذاهب..، وتعدداً في التيارات والمدارس الفكرية والسياسية والثقافية..، لكن اصرار الأنظمة المتعاقبة على مركزية الحكم ووحدة المكونات وعدم الاعتراف بخصوصياتها رسمياً، ومساعيها الدائمة والحثيثة لصهر تلك المكونات في بوتقة العروبة من منطلق عقائدي شوفيني، بناء على أيديولوجيات وأفكار دينية كأخوان المسلمين وقومية مثل حزب البعث العربي الذي اعتبر نفسه قائداً للمجتمع والدولة في كل الجزئيات والتفاصيل والعموميات.. وفي جميع المجالات والأصعدة..، وأصبح كل مخالف أو معارض متهماً ومداناً تحت الطلب.
   وأصبحت التوصيفات والتقييمات لدى كل مكون للرأي العام ثقافة عامة متداولة لصالح القومية السائدة بمعظم تصنيفاتها، فالكورد ملاحدة وانفصاليون واسرائيل ثانية، والمسيحيون أتباع كنائس الغرب الكافر والاستعماري فهم من أهل الذمة، والايزيديون عبدة الشيطان غير معترف بهم، والسنة سلفيون وأصوليون تابعون للسعودية وتركيا..، والعلويون نصيرية وكفرة وتبعية إيرانية، والشيوعيون خطر على أمن الدولة، والعشائر متخلفة ومرتبطة بالرجعية العربية،.. وهكذا..
    بهذه  الوصفات الجاهزة والتقييمات المؤدلجة باتت الكراهية جزءاً من العقل الباطني والسلوك الشخصي بحيث يشعر السوري بالاغتراب في وطنه، يكبت أنفاسه ويجمد نشاطاته، أو يهجر البلد ليبحث عن نفسه في بلاد الاغتراب، أو لينافق ويجامل ويخرج من جلده وينضم إلى التيار الجارف ليضمن حياته ومستقبله من باب الأنانية الشخصية والانتهازية الحزبية أو العشائرية أو الطائفية..
    بهذا الشكل أصبح النسيج الوطني مترهلاً وهشاً استطاعت مختلف قوى الارهاب والظلام بكل تلويناتها وتكويناتها استغلال هذه الثغرات والتسلل من خلالها والتنكيل بسوريا أرضاً وشعباً، ووضعها أمام مصير مجهول وغامض..
    لأجل مكافحة جائحة الكراهية كان وما يزال ترتيب البيت الداخلي وتوحيده وتحصينه من ضروريات الواجب الوطني، وذلك من خلال تحقيق الشراكة الحقيقية في الوطن بين جميع مكونات الوطن والاقرار بخصوصياتها (اللغوية، الثقافية، السياسية، الاجتماعية، الدينية..)، وتوفير الحريات العامة والخاصة، وتطبيق قواعد العدل والمساواة وتكافؤ الفرص على أساس المواطنة الحقة، وجعل العلمانية والديموقراطية والتعددية واللامركزية ركائز لنظام الحكم واعتمادها معايير ومصادر رئيسية لوضع الدستور وتشريع القوانين المنظمة..
    لن ينتهي مفاعيل وتأثيرات خطاب الكراهية الذي حض على العنف والعنف المضاد من تدمير البشر والشجر والحجر، وتحطيم القيم والمبادئ والروابط ..(الاجتماعية والوطنية والانسانية..)، إلا بالمكاشفة والمصارحة بين جميع المكونات، ونشر العفو والتسامح والنسيان.. عبر وسائل وآليات ممنهجة ومبرمجة مع توفير ضمانات لصيرورتها واستمراريتها، وذلك بتطبيق العدالة الانتقالية، وإعادة الحقوق لأصحابها وتعويض المتضررين، وإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها وبخاصة من النواحي الديموغرافية والجغرافية التي تم تغييرها عن سابق اصرار وتصميم، وإلغاء كافة القوانين التمييزية التي طالت مكونات محددة من الشعب السوري وإزالة آثارها الضارة..
    بتوفر الإرادة والجدية لدى كافة أطراف الصراع الداخلية بالحوار على أرضية الوطن للجميع ومسؤولية الجميع، لإعادة تحريره وبنائه على أسس جديدة ليكون وطناً موحداً حراً مستقلاً لكل أبنائه،  بعد إنقاذه من براثن الحرب المدمرة التي تديرها قوى الظلم والظلام عبر أدواتها المحليين (المغرر بهم) تحت عناوين ومفاهيم دخيلة وغريبة عن مجتمعاتنا وثقافاتنا وعاداتنا وأعرافنا كالغزو والسبي والخطف والتعفيش والتهجير والاستيطان والغدر والنحر والارتزاق والارهاب والتكفير والتفجير…باسم الاسلام السياسي المتطرف والمقيت (وأذرعها داعش، نصرة وأخواتهما) الذي تدعمه وتقوده دوائر استخباراتية عالمية، وفي واجهاتها البارزة تركيا العثمانية وقطر الأخوانية وإيران الصفوية..، تنفيذاً لأجندات مراكز دولية متنافسة ومتصارعة على تقاسم النفوذ في العالم لضمان أمنها ومصالحها.
#مساهمتي في مبادرة “معاً في مواجهة خطاب الكراهية بين السوريين” التي أطلقها اللقاء الوطني الديمقراطي في سوريا.
………..انتهى……
آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك