سوريا قضية وطن والكورد جزء منها / احمد قاسم

آراء وقضايا 02 يونيو 2013 0
+ = -

لايخفى على أحد أن الكورد جزء أساسي من مكونات الشعب السوري, وأن سوريا بجغرافيتها الوطنية تشمل جزءً من كوردستان منذ انهيار الدولة العثمانية.. فلا أريد أن أرجع إلى التاريخ عندما نسلم بمسلماته الحقيقية , كيفية نشوء الدولة السورية تطبيقاً لإتفاقية سايكس بيكوة وعملية رسم الحدود مع الدولة التركية الحديثة على خلفية انهيار السلطنة العثمانية بعيد الحرب العالمية لأولى.
سوريا الوطن تعني أنها وطن لجميع مكونات الشعب السوري, كورداً وعرباً, أشوريون وتركماناً, سرياناً وأقلياتاً أخرى متعددة.. مما يعني أن سوريا كوطن, ليست لقوم واحد بجغرافيتها وفقاً لتركيبتها التي ركبتها إتفاقية سايكس بيكو, كما أن شعبها ليس من قومية واحدة. وبالتالي, على السوريين جميعاً تحمل مسؤولية مستقبل سوريا كوطن, وعلى الكورد مثله مثل أي مكون آخر تحمل مسؤولياته تجاه هذا الوطن لما له من شراكة ليس في الإنتماء فقط بل في تملكه لجزء من هذا الوطن أيضاً.
إن القضية السورية التي تمر بأزمة الوجود, والتحديات التي تهدد كيانها كدولة, تفرض بنفسها على أبنائها بتحمل تبعات ما تجري على الأرض من أحداث, وما تحاك من سياسات دولية تجاهها على الصعيدين الدولي والإقليمي. لقد تبنى الكورد في بداية نشأة الدولة قضية الوطن, مع الإحتفاظ بخصوصيته القومية التي تمتد إلى ما وراء الحدود في عمقه الشمالي والشرقي. ليؤكد في كل مراحله التاريخية على أنه جزء من أمته وقوميته الكوردية التي تجزأت مع وطنه إلى أجزاء أربعة بفعل دولي من دون إرادته.
ومع تطور الحياة التاريخية, والتحولات الإجتماعية التي طرأت على مجتمعات الشرق الأوسط مروراً بمرحلة الإستعمار, وانعكاسات الحرب الباردة عليها, اكتسب الكورد في سوريا هوية الإنتماء إلى الوطن مع رفض الإنصهار الذي أعتمدت الشوفينية العربية في سياساتها تجاهه في مراحل حكمه على سوريا . حيث كانت سياسة البعث تجاه الكورد, سياسة شوفينية نازية بمعناها العميق من الكلمة, إنطلاقاً من مشروعيه العنصريين ( الإحصاء الإستثنائي والحزام العربي ) عوضاً عن العشرات من القرارات الأمنية والخاصة بذلك الإتجاه لمحو هوية الكورد القومية وصهره في بوتقة القومية العربية , وإطفاء الصبغة العربية على الشعب والوطن السوري. مما أدى بالكورد إتباع نوع من المواجهة على خطين, خطاً ينكر عليه إنتماءه الوطني واتهامه أنه مهاجر, والآخر على أنه جزء من القومية العربية في أحسن ألأحوال وفي كثير من المناسبات كانت الجهات الحكومية تسمي الكورد بأكراد العرب. ومع ذلك لم يخطيء الكورد في اختيار انتماءه الوطني والقومي.
لقد مارس الكورد سياسة متوازنة على الصعيدين القومي والوطني, لاينفي أحده الآخر, بل يكملان بعضهما للحفاظ على شخصيته عبر مراحل نضاله السلمي المدني والديمقراطي في مواجهة تلك السياسات الإقصائية والتهميشية التي اتبعها الحكومات االمتاعقبة تجاهه. وإنه يستمر, وسيستمر في سياساته تجاه قضيته الوطنية التي اصبحت على المحك نتيجة هذه الحرب المجنونة التي اعلنها النظام ضد إرادة الشعب السوري بكافة مكوناته اقومية والدينية والمذهبية منذ أكثر من سنتين.
إنطلاقاً من مسؤولياته الوطنية التي تستمد في عمقها التاريخي والجغرافي, أبدى الكورد إستعداده لمناقشة مستقبل سوريا مع بقية المكونات والقوى المختلفة التي تتشكل منها المعارضة السورية لمواجهة هذا النظام الديكتاتوري . فقط طرحت الحركة السياسية الكوردية مسودة مشروع على الملأ , طالبت من خلالها الحكومة والمعارضة على حد سواء إنعقاد مؤتمر وطني شامل لدراسة الحلول الواجب إتخاذها كخارطة طريق من أجل إنقاذ سوريا من خطورة الإنزلاق والتهور, وذلك في الشهر الخامس من العام 2011 أي بعد شهرين من إندلاع ثورة الحرية والكرامة. لكن مما يؤسف عليه , أن الحكومة لم تأخذ بالمشروع مع إهمال المعارضة تلك الرؤى التي كانت الفرصة الوحيد لإنقاذ سوريا لو أتخذت بها كمفتاح للحلول من أجل التغيير وبناء نظام ديمقراطي تعددي توافقي بطرق سلمية , والإبتعاد عن العنف, يؤمن حرية الإنسان وفقاً للمواثيق ولائحة حقوق الإنسان. لقد اختار النظام العنف تجاه المتظاهيرين من اليوم الأول, ليستغل أطراف دولية ذلك العنف الغير مبرر في عملية دعم الثورة ودفعها نحو التسلح في مواجهة عنف النظام, وتشعل حرب ليس للسوريين فيها إلا الموت والتدمير, مما اضطرت الحركة الكوردية إتخاذ الموقف الثالث تجاه هذا التدمير إنطلاقا من مسؤولياتها الوطنية كما أسلفت.
مع تطور الأحداث على الأرض وشراسة الحرب الدائرة تشكلت معارضات على الساحة السورية بشقيها السياسي والعسكري. لتستمد هذه المعارضات دعمها المادي واللوجستي من مصادر مختلفة لتختلف فيما بينها وفقاً لمصارد الدعم لها. وطالبت من الكورد الإنضمام إليها كسوريين وليس كموكون قومي له خصوصيته وقضيته القومية, بحجة أنها في حالة ثورة تستوجب تأجيل الإعتراف بحقوقه القومية إلى ما بعد إسقاط النظام لتكون صناديق الإنتخاب مصدرأ للشرعية وحكماً بين كافة مكونات الشعب السوري. مما أدى إلى امتعاض الكورد من عقلية المعارضة التي تشبه الوجه الآخر للنظام وفكره الإستبدادي. في حين أن الشارع الكوردي التهب بفعل شباب الكورد الذي خرج بعشرات الآلاف وفي كل المدن لإعلان ثورته السلمية ضد هذا النظام المجرم الذي اضطهد الكورد من استلامه السلطة عام 1963.
لقد اختار الكورد سياسة وطنية بامتياز, ولم يستغل ضعف النظام لتحقيق مكاسب آنية , بل تحمل مسؤولياته تجاه وطنه بعيداً عن اجندات اقليمية ودولية مع الحفاظ على المطالبة بحقوقه المشروعة من خلال الحوار الوطني السلمي مع كافة أطر المعارضة ودعوتها على الإعتراف المبدأي والدستوري بحقوق الكورد. إلا أن تهرب المعارضات من هذا الإستحقاق وفي هذه الظروف الصعبة والدقيقة لاتخدم القضية الوطنية السورية بقدر ما تخد النظام في سياساته المتبعة بين المكونات ( فرق تسد ).
إن سوريا في نظر الكورد هي قضية وطن تُدمَر, وأن الكورد هو جزء من هذه القضية, إنهما صنوان لاينفصمان.. فلن تكون سوريا بدون الكورد, ولا حرية تتحقق بدون حرية سوريا.. لكن المعارضات وكأنها تحاول الطيران بجناح واحد, ناسية أو متناسية أن جناحها الآخر هو الكورد.
أحمــــــــــد قاســـــــــــــــــــــم
2\6\2013

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر