سوسن موسى ومقال عن واقع المرأة

آراء وقضايا 07 أغسطس 2014 0
+ = -

سوسن موسى ومقال عن المرأة

كوردستريت:

قضية المراة قضية اجتماعية انسانية مجتمعية عامة وقضية خاصة تتعلق باضطهاد المراة وماتتعرض له من اشكال الظلم والقهر والعنف والتمييز الجنسي والقانوني في كل مجالات الحياة وهي قضية تخص الرجال مثل النساء لانها قضية مجتمع باكمله فمحال الحديث عن تقدم نصف المجتمع دون نصفه الاخر فهي انسانة تختلف فيزيولوجيا عن الرجل لافضل لاحد في ذلك لاتمام دورة الحياة واستمرار البشرية فهما يكملان بعضهما وتجمعهما وحدة جدلية لكل منهما دورا لايقل باهميته عن الاخر في المجتمع فللنهوض به لابد من تطبيق التنمية الاجتماعية لكلاهما بنفس السوية فلكل منهما حقوق وواجبات متساوية دون نقصان


فكل مكسب تحققه المراة في سعيها لحريتها هو مكسب للمجتمع كله فهي (المربية -المعلمة )ولن يتحقق تحررها الاعلى صعيد المجتمع ونظامه السياسي العام والقانوني فقضية المراة تاريخية قديمة تمتد لازمنة بعيدة من تاريخ البشرية بدات بالتبلور بظهور الملكية الخاصة عندما بدا استغلال الانسان للانسان فباتت ملكية خاصة للرجل ولازالت شانها شان اي شي كالعبيد وبتقدم مراحل الحياة اخذت شكل عبوديتها انماطا تتناسب والواقع المعاش وماالتقسيم الوظيفي لعمل المراة والرجل الا نتيجة لتلك العلاقات التي استعبدت المراة وظلت ملكا للرجل و كرست في ثقافة المجتمع على مر التاريخ حتى اكثر النساء تطورا علميا ثقافيا تبقى اسيرة لالتزامها بمهامها المنزلية لالتصاق هذه المهمة بها و التقييم الدوني لها و ما تفانيها بعملها خارج و داخل المنزل الا لتثبت انها المراة الافضل بتقييم مجتمهعا تاركة للرجل مهمة التلذذ بسيطرته عليها و ارضائها له لانه الامر الناهي .


ولا ننسى دور الاديان التي اخضعت المجتمع لسلطاتها بربطهم برجالات ادعو لانفسهم وكالة الله على الارض و اعتبار المراة مصدر الفتنة التي لا بد من تقييدها ضمن اطر و قوالب يقرره اسيادها و استغلت اسوء استغلال فالمراة المنتجة التي تمتلك وسيلة انتاجها هي اكثر تحررا من غيرها و طبعا يعتمد ذلك على طبيعة الانتاج المجتمعي و علاقاته لكنها تبقى الخطوة الاولى بطريق الحرية.


ففي العلاقات الاجتماعية و الانسانية يكمن النقص و الاحتياج المتبادل بين الطرفين و الحب بصفته مسعى للاكتمال بالاخر و اشباع الحاجات الجذرية في الوقت ذاته فهي علاقة ايجابية و هي الاصل في العلاقات الاجتماعية و الانسانية لحل قضية المراة حلا جذريا ايجابيا و مبدأ جدير بالسعي لتحقيقه في اطار قضية الحرية و الانعتاق و هو هدف بحد ذاته و ليس وسيلة لهدف اخر كالتقدم المصطنع بمعنى (التقدم يقاس بدرجة تمتع الرجل و المراة بحريتهما و حقوقهما و ليس العكس )و من هنا نؤكد انه يجب ان تصاغ قضية المراة و تحل ضمن مشروع النهوض بالانسان لتحقيق حريته و سعادته و انعتاقه و لان في مجتمعاتنا لم نتوجه للانسان بمشاريعنا التنموية و التثقيفية فبقيت المراة هامشية خارج اطار التطور الحقيقي فيجب علينا الاستعانة بتاريخ الدول المتقدمة و نستقدم مناهجهم و مبادئهم و قيمهم التي طورتهم لا ان نكتفي بنظرياتهم و الافكار و الا نستورد تقنياتهم دون حاضنتها المعرفية التي انتجت تلك التقنيات و الا ناخذ العلوم الحديثة (التي لا تتعارض مع الدين) دون الادراك انها فرع من فروع المعرفة التي انتجت هذه العلوم كلها فلو اقتطعت منها ستموت لخروجها عن اطارها المعرفي العام .


فاذا لم يعترف بانسانية المراة ستبقى العلاقة بين الطرفين غريبة و تفرض اساليب للتعامل بين سلطة الرجل على تابعه الذي لا يخلو من العنف و كل التدابير القانونية الاجرائية و منحة هنا وامتيازا هناك لا تحل المشلكة الحقيقية فلا بد من تطبيق روح القانون التي هي قوة روحية داخلية للفرد والمجتمع مرادفة للحرية و مقترنة بها و ليست مجرد قوة خارجية غريبة تكون قيدا على الحرية لهذا لا بد من نشر وعي بهذه القضية التي تقاس بها المجتمعات ورقيها وبداية تعريف المراة بنفسها و وعيها لذاتها و الذي سيحدد معرفتها بالرجل و تصورها عنه و المجتمع و الدولة و هذا يحدد موقف الرجل منها خاصة و هي امه و مربيته و معلمته و شريكته و يشمل وضع المراة في المجتمع و موقعها في سائر مجالات الحياة و مدى انعكاسها في التشريعات و القوانين و العمل على تطوير هذه القوانين بما يكفل اكتمال شخصية المراة القانونية والاجتماعية و الاخلاقية و مساواتها بالرجل و الارتقاء بقضيتها من مجرد قضية نسوية الى قضية اجتماعية فهي قضية الرجل و المراة فالانوثة الحرة هي شرط الرجولة الحرة .


على ما تقدم يمكن اعادة بناء قضية المراة و تحررها و حريتها وفق مبدا حرية الفرد و حقوق الانسان و المواطن انطلاقا من حقيقة ان الانسان غاية في ذاته و الاعتراف بالمراة ذاتا انسانية حرة و فردية مستقلة مساوية للرجل في الكرامة الانسانية و سائر الحقوق هي المقدمة لتحرر المجتمع فالانسان لا ينتج عالمه و تاريخه فحسب بل ينتج ذاته في العالم و التاريخ فالانسان هو مبدا التاريخ و غايته لهذا يقتضي ان يعمل جميع المواطنين لاهمية قضية المراة افرادا و هيئات في مجال الثقافة و التربية و القانون في التعريف بالاسباب التي تجعل المراة كائنا ضعيفا و مهانا ونقدها فضعفها هو ضعف للمجتمع و قوة وهمية للرجل و هو مصدر العجز و التواكل و اللامبالاة و الخوف من الحرية التي تؤرقه فواهم من يعتقد ان التقدم في المجتمع يسمى تقدما مالم تحصل ثورة على صعيد الوعي و تضع الانسان في مركز العالم و تجعله هدفا للتقدم ليصبح الرجل سيد نفسه و يساعد بارتقاء المراة لتصبح سيدة نفسها .


و مما لا شك فيه ان قضية المراة مرتبطة بقضية الاسرة فالفرد و العائلة هما مقدمتا المجتمع المدني التي لابد من ارساء حياتها على قيم انسانية اجتماعية حديثة تقوم على مبدا الحقوق المتساوية و على مبدا الاختيار الحر و التشارك التام في شؤون الحياة و هو شرط الحب الانساني الذي يتلقاها الاولاد فيكسبهم توازنا .


فقضية المراة في احد اهم وجوهها هي قضية التربية و التعليم و المناهج و الكتب المدرسية قضية رباب تطبخ و تكنس و سمير يلعب و يلهو التي يحيل على التقسيم الجنسي للعمل و تحديد اقدار الافراد بالاعمال التي يمارسونها و احتقاره و النفور منه مما يفرض ثقافة سائدة و تقيم فروقا جوهرية بين الافراد بالانحياز للرجل دون المراة فكيف يمكن تفسير المعضلة التالية ( المراة جارية و مملوكة للرجل و الرجل ابن الجارية التي يمتلكها ) فهذه الثقافة التقليدية المفعمة بعناصر الاستبداد هي مضمون العلاقات الاجتماعية القائمة على الاستغلال و الاستتباع و الاستعباد ليس ممكنا تحسينها او تطويرها او تحديثها مالم يتغير محتواها المعرفي و الثقافي و هنا يكمن دور الدولة بتسييد القانون على القوي و الضعيف الغني و الفقير الحاكم و المحكوم و ترجمة القيم الانسانية و خاصة المساواة بين المراة و الرجل الى تشريعات و قوانين تكفل حرية الفرد و حقوق الانسان و تصونها فالدولة وحدها تستطيع تعميم القيم و المبادئ الانسانية و الديمقراطية في مناهج التعليم و برامج التنمية الاجتماعية و التدريب و التاهيل و من خلال المؤسسات الثقافية و الاعلامية و الخدمات الاجتماعية فالاحزاب السياسية و الافراد وحدهم لا يستطيعون تغيير العلاقات الاجتماعية من دون دولة الحق و القانون و هو ما يظهر ان قضية المراة هي قضية ديمقراطية .


ان حق المراة مساوي لحق المراة في التعليم و العمل و هو فائق الاهمية شرط ان يكون مدخلا لتحسين ظرفها الاجتماعي و الانساني و الحقوقي و السياسي و تغييره و الا فسيعزز دونيتها و يزيد شقائها و يضاعف استغلالها مادامت اسس التربية و مناهج التعليم و الكتب المدرسية و الجامعية محكومة بشروط التقليد و اسسه المعرفية و الاخلاقية و حتى يوضع هذا الحق في موضعه الصحيح يجب اعادة النظر في اسس التربية و التعليم و المناهج و الكتب وفق مبدا المساواة و اعادة النظر في شروط العمل و ضمان حق المراة في عائد عملها المتراكم في ثروة الاسرة بما في ذلك العمل المنزلي بصفته قيمة مضافة في انتاج الاسرة يجب احتسابه في الناتج المحلي و وضع التشريعات الكفيلة بحصول الزوجة على حقها في عائد عملها المتراكم من هذه الثروة بعد انفصالها .


فالزواج المدني القائم على الاختيار الحر و القبول المتبادل و على الحب بصفه معرفة و فهم اولا هو المدخل الضروري لحل المشكلة حلا جذريا بهذا الاسلوب يصبح الزواج حديثا و لا يمكن ان يتم ذلك اذا لم تتوفر له الشروط المادية و الضمانات القانونية و لما كان القانون هو مبدا وحدة المجتمع و ماهية الدولة فالزواج المدني هو المدخل الضروري لتوحيد القانون و مقدمة لتوحيد المجتمع فلا يعقل ان نتحدث عن مجتمع مدني او وحدة وطنية في ظل قوانين متعددة في المجتمع الواحد و خاصة قوانين الاحوال الشخصية .


فان تربية الجيل الناشئ من الجنسين في فضاء الحرية الذي يمثله المجتمع المدني هو شرط التعارف و التفاهم الذي يسبق الزواج المدني فالزواج هو الشراكة الكاملة بقدر ما يكون افراد الاسرة احرارا تولد اسرا حرة و توفر شروط موضوعية و ذاتية لمجتمع حر فالحب و الحرية مترابطان لا ينفصلان عن بعضهما مما يقتضي بضرورة العلاقة بين الجنسين قبل الزواج للتعارف و التفاهم و خروج هذه العلاقة من دائرة العيب و الاثم و نقل مواطن الشرف من بين ساقي المراة و الرجل الى راسيهما و قلبيهما ولابد ان يرافقهما الكف عن ازدراء الجسد .


من هنا كانت قضية المراة قضية المستقبل للامة و العالم لارتباطهما الوثيق بتفاوت النمو الذي يتعمق بين المجتمع المتقدم و المتاخر المهمش و المستباح و ما يفرضه العالم المتقدم من ثقافة و سياسة تحافظ على تفوقه و امتيازه على العالم المتاخر و ارتباطها ايضا بالمسالة الاجتماعية و التفاوت الاجتماعي الطبقي الذي يقسم مجتمعاتنا لقلة غنية و كثرة فقيرة مهمشة فلا حرية مع الفقر و التهميش و ارتباطها ايضا بالنظام السياسي و الحقوقي العام و اخيرا ارتباطها بالمسالة الثقافية و الاخلاقية و المرتبطة بوعي المجتمع ككل و الذي لا يزال متاخرا بممارساته عن الدول المتقدمة .


خلاصة القول ان حقوق المراة هي واجبات الرجل و حقوق الافراد هي واجبات الدولة.

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر