نشرت صحيفة “كومسومولسكايا برافدا” مقالا للاقتصادي الأمريكي الشهير جيفري ساكس، يؤكد فيه أن الأزمة السورية هي الأخطر والأشد تدميرا على وجه الأرض.

 

جاء في المقال:

 

يواصل صاحب نظرية “العلاج بالصدمة” البروفيسور جيفري ساكس فضح سياسة البيت الأبيض السرية. فبعد تحقيقه تحت عنوان “”داعش” بقي حيا حتى الآن بفضل الولايات المتحدة”، ها هو يكتب مقالا جديدا في موقع “بروجيكت سينديكيت” الإلكتروني.

 

ويصف ساكس الحرب الأهلية في سوريا بأنها الأزمة الأكثر تدميرا والأخطر على وجه الأرض. إذ منذ عام 2011 قتل هنا مئات ألوف الأشخاص، واضطر زهاء 10 ملايين من السوريين إلى ترك منازلهم. وبدأت أوروبا تترنح من إرهاب “داعش” ومن العواقب السياسية لتدفق اللاجئين.

 

أما الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو، فكانوا غير مرة قاب قوسين من المواجهة المباشرة مع روسيا.

 

يقول ساكس إن “الرئيس أوباما، مع الأسف، يفاقم هذه المخاطر، ويخفي دور الولايات المتحدة في سوريا عن الشعب الأمريكي والرأي العام الدولي”. ويضيف أن من الضروري “لإنهاء الحرب في سوريا أن تقدم الولايات المتحدة تقريرا صادقا عن دورها في النزاع السوري الذي تلعبه – سرا أحيانا – منذ عام 2011 ولغاية هذا اليوم. ويجب أن يتضمن التقرير معلومات عمن يمول ويسلح ويدرب ويحرض مختلف أطراف النزاع. وهذا التقرير سيساعد في وضع نهاية للسلوك غير العقلاني للعديد من الدول”.

 

ويقول ساكس إن “هناك اعتقادا سائدا ولكنْ خاطئا يشير إلى أن أوباما حال دون تدخل الولايات المتحدة في الحرب السورية. وعلاوة على هذا، ينتقد اليمين الأمريكي الرئيس أوباما لأنه في البداية أعلن أن استخدام السلاح الكيميائي خط أحمر بالنسبة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن عندما تجاوز الأسد كما يزعمون هذا الخط، تراجع أوباما”.

 

هذا هو أوباما صانع السلام. لذلك ليس غريبا أن يمنح جائزة نوبل للسلام.

 

ولكن أوباما بالذات هو الذي أصدر أمرا سريا عام 2013 إلى وكالة الاستخبارات المركزية لتسليح المعارضة السورية. وهو ما كتبت عنه “نيويورك تايمز″ في شهر يناير/كانون الثاني. حينها خصصت المملكة السعودية مبالغ مالية كبيرة لتمويل هذه العملية. ومن جانبها ضمنت الوكالة تنظيم وإعداد ومساندة المعارضة.

 

ويأسف ساكس لعدم إجراء السلطات الأمريكية ووسائل الإعلام تحقيقات في هذه المسائل. وهكذا، “بقيت الجماهير تجهل حجم العمليات التي تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية والمملكة السعودية، وكم تنفق الولايات المتحدة في سوريا سنويا؟ وما هي أنواع الأسلحة التي ترسلها الولايات المتحدة والمملكة السعودية وتركيا وقطر وغيرها إلى المعارضة السورية؟ وأي المجموعات تتسلمها؟ وما هو دور القوات الأمريكية في هذه الحرب؟ وهل هو توفير الغطاء الجوي؟ لا تجيب الحكومة الأمريكية عن هذه الأسئلة، وخاصة أن وسائل الإعلام الرئيسة لا تطرحها.

 

ويضيف ساكس أن “أوباما تعهد أكثر من عشر مرات بألا تطأ أقدام الجنود الأمريكيين أرض سوريا. ومع ذلك، تعلن الحكومة بين فترة وأخرى عن وجود قوات أمريكية خاصة في سوريا. والبنتاغون ينفي باستمرار وجود هذه القوات في خط المواجهة. ولكن عندما قصفت الطائرات الروسية والسورية مواقع المتمردين في شمال سوريا، أبلغ البيت الأبيض الكرملين بأن هذه الهجمات تهدد حياة أفراد القوات الأمريكية الموجودة في هذه المنطقة. ولم تقدم السلطات أي توضيح لمهمة هذه القوات وكلفتها”.

 

ولكن “بفضل تسرب معلومات عن تحقيقات صحافية وتصريحات مسؤولين في دول أخرى والمعلومات النادرة التي يكشفها المسؤولون في الولايات المتحدة، نعلم أن الولايات المتحدة ضالعة بصورة مباشرة حاليا في الحرب السورية لإطاحة الأسد والقضاء على “داعش”. ومن بين حلفاء الولايات المتحدة في هذه الحرب: المملكة السعودية وتركيا وقطر وغيرها من دول المنطقة.

 

لقد أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات على تسليح وتدريب القوات الخاصة والهجمات الجوية والدعم اللوجستي للمتمردين ومن ضمنهم مرتزقة أجانب. كما أنفق حلفاؤها المليارات أيضا، ولكن لا أحد يعرف حجم هذه النفقات”.

 

وبحسب ساكس، لم يُمنح المجتمع الأمريكي حق التصويت عند اتخاذ هذه القرارات، ولا على المبالغ المخصصة لها. ولم يوضح  أحد أو يبرر دور وكالة الاستخبارات المركزية، لا للشعب الأمريكي ولا للمجتمع الدولي.

 

ويقول ساكس: “أنا إلى جانب الرأي الآخر الذي يفيد بأن الحرب يجب أن تكون الوسيلة الأخيرة في الإمكانات المتوفرة، ويجب أن تقتصر على عمليات ديمقراطية صارمة. ومن هذا المنطلق، فإن الحرب السرية للولايات المتحدة في سوريا هي غير مشروعة حتى من وجهة نظر الدستور الأمريكي وميثاق هيئة الأمم المتحدة. وإن الحرب الأمريكية على جبهتين في سوريا هي مغامرة ومقامرة غير عقلانية. وإن المحاولات التي تقومها بها الولايات المتحدة لإطاحة الرئيس السوري ليس هدفها حماية الشعب السوري كما يؤكد أوباما وكلينتون”.

 

عمليا إنها حرب بالوكالة ضد روسيا وإيران على الأرض السورية، وإن مخاطر هذه الحرب هي أكبر بكثير وأخطر مما يتصورون. فعندما أعلنت الولايات المتحدة الحرب على الأسد، زادت روسيا من دعمه. وقد رأت وسائل الإعلام الأمريكية أن تصرف روسيا هو تحدٍ مهين. وسألت: كيف يجرأ الكرملين على منع الولايات المتحدة من إسقاط الحكومة السورية؟ ونجم عن ذلك مواجهات دبلوماسية مع روسيا، التي يمكن أن تؤدي إلى نزاع مسلح غير مقصود في حال تصعيدها.

 

ويختتم ساكس مقاله بالقول إن هذه المسائل يجب أن تكون موضع دراسة قانونية وتحت رقابة ديمقراطية. و”أنا واثق من أن الشعب الأمريكي سيقول “لا” صارمة للحرب التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا؛ لأن الشعب الأمريكي يريد السلام والأمن، ويريد القضاء على “داعش”؛ لأنه يتذكر جيدا عواقب ما فعلته الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا وأمريكا الوسطى وإفريقيا وفي جنوب شرق آسيا. (روسيا اليوم)