ظاهرة الإغتيال السياسي في الحركة الكردية في سوريا (1)

آراء وقضايا 07 أكتوبر 2016 0
ظاهرة الإغتيال السياسي في الحركة الكردية في سوريا (1)
+ = -

علي شمدين
واجهت الحركة الكردية في سوريا ظاهرة خطيرة أثرت على نضالها، وأحدثت في جسمها نزيفاً قاتلاً، أفقدتها الكثير من طاقاتها النضالية المجربة، ألا وهي ظاهرة الإغتيال السياسي التي مارستها الجهات الشوفينية بحق رموز الحركة الكردية وكوادرها المتقدمة، سواءاً بالتضييق عليها وملاحقتها ومحاربتها بلقمة عيشها، أو عبر إستنفار أبواقها وطوابيرها وتجنيدها في نشرالإتهامات والشائعات المغرضة بحق تلك الكوادر، ومحاولة تشويه سمعتها بين الجماهير وتنظيم الحملات الإعلامية المضللة ضدها، وقد خلّفت هذه الظاهرة الكثير من الضحايا الأبرياء الذين غادروا النضال بين صفوف الحركة الكردية في سوريا بمرارة وألم.
فمن جهة كانت الجهات الشوفينية تتهم هؤلاء المناضلين بالخيانة الوطنية وبالخطرين على أمن الدولة وتواجههم بمختلف اساليب القمع والملاحقة والسجن ومحاربتهم بلقمة عيشهم وسد سبل الحياة أمامهم، ومن الجهة الأخرى تحرض طوابيرها ضدهم وتسلط عليهم أبواقها لتنسج حولهم أبشع الشائعات وأخطر الإتهامات، بهدف عزلهم عن الجماهير وتأليبها ضدهم، فكانت لهذه الظاهرة الدور الأخطر في دفع الكثير من القيادات البارزة إلى دائرة اليأس والشعور العميق بالخيبة والهزيمة، بحيث لم يبق أمامها إلاّ الإنسحاب بصمت من الساحة السياسية كردة فعل سلبية على المعاناة التي كانت تعيشها بين مطرقة الشوفينيين وسندان أبواقها وطوابيرها من المزاودين والمضللين في الوسط الكردي (2).

.
ولا شك بأن تاريخ الحركة الكردية في سوريا مليء بالعشرات من أمثال هؤلاء الضحايا الذين خلفتهم ورائها هذه الظاهرة الفتاكة، فإذا كان المرحومان نورالدين زازا وأوصمان صبري يعتبران نموذجاً للذين تم تصفيتهم من قبل رفاق دربهم بالطرد من الساحتين التنظيمية والسياسية مبكراً قبل الآوان، فإن عبد الحميد درويش يعتبر نموذجاً لأولئك المناضلين الذين صمدوا بعناد في وجه هذه الظاهرة الفظيعة ولم يستسلموا لأساليب التخوين والتكفير التي كانت تعتمدها في مواجهتهم، وظلوا متحصنين في خندق النضال بين الجماهير حتى يومنا هذا، ولم ينحنوا أمامها بالرغم من صخب آلة التضليل التي أطلقت آلاف الشائعات والإتهامات الباطلة ضدهم، ولم يفقدوا العزيمة والثقة بأنفسهم وبجماهيرهم التي أدركت وإن متأخراً جداً أبعاد تلك الحملات والأكاذيب التي حيكت ضدهم بشكل مبرمج، وتنبهت إلى حجم تلك المؤامرة التي إنطلت عليها حتى وقت قريب.

.
فمنذ تأسيس أول حزب سياسي كردي في سوريا، والمؤسسون الأوائل يتعرضون لأخطر الإتهامات والإشاعات المشوهة لتاريخهم النضالي، وكان أقلها هو إتهامهم بالعلمانية والكفر والزندقة وغيرها من الإتهامات التي من شأنها أن تحرض الجماهير المؤمنة بالدين الإسلامي ضدهم، وقد لعبت رابطة علماء الدين الإسلامي التي أسسها الشيخ عزالدين الخزنوي مطلع الستينات من القرن المنصرم، الدور الأخطر في هذا المجال (3).

.
كما أثير سيل من الدعايات المغرضة حول الخلافات بين قيادة الحزب في السجن مطلع الستينات، واتُهِمَ المرحوم نورالدين زازا حينذاك بالتخاذل والجبن والمساومة، ولم تنتهي تلك الحملة المنظمة ضده حتى بعد خروجه من السجن، والتي دفعته في النهاية إلى الإنسحاب من الساحة السياسية والعودة إلى أوروبا، وكان المرحوم أوصمان صبري يقف علناً وراء إثارة تلك الحملة بتحريض مباشر من ثنائي الفتنة (صلاح بدرالدين ومحمد نيو)، وكان دافعه في هذا الانتقام القاتل من الدكتور زازا وإنجراره نحو هذه اللعبة هو أنانيته وتحسسه من الدور الكاريزمي الذي كان يلعبه زازا في المجتمع الكردي كشخصية أكاديمية مرموقة، وهو من القلائل في الشرق الأوسط الذين حصلوا آنذاك على شهادة الدكتوراة في العلوم الإجتماعية، في وقت كان المرحوم أوصمان صبري يفتقد إلى مثل تلك المؤهلات السياسية والتنظيمة، وكان مسكوناً إلى جانب ذلك بنظرية المؤامرة والشك حتى بأقرب المحيطين به.

.
ومن هنا ظل المرحوم أوصمان صبري واقفاً للدكتور نورالدين زازا بالمرصاد، حتى أرغم اللجنة المركزية في النهاية لأن تتخذ موقفاً متشدداً تجاه الدكتور نورالدين زازا، فصدر قراراً بطرده من الحزب ومن ثم تشهيره بين الجماهير وبالتالي تحطيم شخصية وطنية كان يمكن لها أن تقدم الكثير لحزبه ولشعبه ولحركته الوطنية الكردية، وكان هذا الإجراء أحد الأسباب الأساسية التي اضطر معها الدكتور نور الدين إلى جانب الضغوطات الأخرى لأن يترك سوريا، ويقيم في لبنان بعض الوقت ثم يذهب إلى تركيا ومنها إلى سويسرا التي أقام فيها حتى وافته المنية في 7 تشرين أول 1988. وفي هذا المجال يقول عبد الحميد درويش: (هنا أرى من الضروري أن أشير إلى أن عقلية الانتقام الشخصي هذه طغت لفترة طويلة على ممارسات قيادة حزبنا والأحزاب الكردية الأخرى بوجه عام في مرحلة اتسمت بالتنافس على رفع الشعارات بدل الاحتكام إلى الموضوعية، ولا ريب أن هذه العقلية علاوة على أنها كانت عاملاً في إضعاف حزبنا ، فقد أساءت أيضاً إلى العديد من المناضلين الذين ضحوا بالكثير في سبيل خدمة قضية شعبهم الكردي كما أنها أساءت في نهاية المطاف للرفيق عثمان صبري نفسه) (4).

.
وبعد أن إستخدم قادة الإنشقاق المرحوم أوصمان صبري كحصان طروادة لإنجاز إنشقاقهم في 5آب1965 ضد الحزب الأم وضد رئيسه الدكتور زازا، كان لابدّ لهم أن يقوموا بتصفية أوصمان صبري أيضاً والتخلص منه بنفس الطريقة التي تخلص هو بها من المرحوم نور الدين زازا، فنسجوا أفظع الإتهامات وأخطر الأضاليل بحق المرحوم أوصمان صبري، وبالتالي التمهيد لعزله من حزبه بتهمة الخيانة العظمى خلال كوانفرانس حزبهم الذي انعقد في عامودا أواخر الستينات من القرن المنصرم، وهكذا تم تصفية أبرز شخصيتين في قيادة الحركة الكردية في سوريا بإسلوب التشهير والتخوين.

.
لم يكتف المنشقون بإنجاز إنشقاقهم فقط، وإنما ظلوا يترصدون أيّ كادر قد يبرز في الساحة النضالية الكردية ليسلطوا عليه أبواقهم التخوينية ودعاياتهم التشهيرية، وكان محمد نيو يمثل أسوأ نموذج لإدارة هذه الظاهرة الخبيثة بين صفوف الحركة الكردية ، فهو الملا الـ(يساري)،

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك