علاقة حزب الاتحاد الديمقراطي بحزب العمال الكردستاني

آراء وقضايا 27 يوليو 2016 0
علاقة حزب الاتحاد الديمقراطي بحزب العمال الكردستاني
+ = -

كل الأحزاب الكردية التي تأسست في سوريا لا يمكن اعتبارها أحزاب مستقلة ، فهي قد تأسست و تشكلت بدعم مباشر أما من أحزاب و زعماء كردستان الجنوبية، أو بدعم مباشر من حزب العمال الكردستاني و قيادته . فأول حزب كردي تشكل في سوريا عام 1957 هو الحزب الديمقراطي الكردستاني كان بدعم مباشر من قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق . و من ثم حدثت انشقاقات عديدة ضمن الحزب ،و تحولت إلى تيارات سياسية مرتبطة بعضها مع قيادة حزب الديمقراطي الكردستاني ، و بعضها مع قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني .و مع نهاية التسعينات من القرن الماضي تشكلت تنظيمات و أحزاب كردية مرتبطة مع قيادة حزب العمال الكردستاني، بعد أن أصبح لها الآلاف من المؤيديين بين الكورد في سوريا و روجافا .

.

حزب العمال الكردستاني PKK حاول منذ بداية التسعينات في القرن الماضي تشكيل فروع و تنظيمات تابعة له في كل من كردستان العراق و إيران و سوريا على غرار حزب الديمقراطي الكردستاني، وفي إطار صراعها الفكري و الإيديولوجي مع مشروع الذي يمثله حزب الديمقراطي الكردستاني . و أول تنظيم سياسي شكله هو حزب الحرية الكردستاني في كردستان العراق عام 1992 . لكنه واجه مصاعب عديدة و لم يصبح حزبا مؤثرا بسبب تدخل قيادات PKK في شؤونه الداخلية أولا ،و بسبب محاربة أحزاب كردستان الجنوبية لها ثانيا .و انتهى هذا الحزب فعليا بعد سنتين من إعلانه . لكن مساعي PKK من أجل تشكيل حزب بديل لم يتوقف ،ففي عام 1995 أعلن عن تأسيس حزب آخر في كردستان العراق هو اتحاد الوطنيين الديمقراطيين الكردستانيين. و لكنها لاقت نفس مصير حزب الحرية و انتهت مع بداية 2000 ،ليؤسس بعدها حزب الحل الديمقراطي الكردستاني الذي ما يزال موجودا و لكنه حزب صغير و غير مؤثر في جنوب كوردستان.

.
في كردستان الشمالية بعد التسعينات من القرن الماضي ، و مع زيادة حدة الاشتباكات و المواجهات بين الجيش التركي و مقاتلي حزب العمال الكردستاني و انتشارها في معظم مناطق كردستان الشمالية . حاول الرئيس التركي في ذلك الوقت تورغوت أوزال التقرب من حل المسألة الكردية بطريقة سلمية ،بعد أن تحولت الاشتباكات إلى خطر يهدد أمن تركيا ، و لم يعد بالإمكان السيطرة على الوضع في ظل التدهور الأمني الخطير الذي شهده الساحة التركية عامة .فأبدى أوزال مرونة في التعامل مع القضية الكردية ، و حاول تأسيس حزب كردي علني يمكنه منافسة حزب العمال الكردستاني في الساحة كردستان الشمالية. و لكن حزب العمال الكردستاني شجع بدوره تأسيس حزب كردي علني ،و لم يعاديه كما كان يتوقعه السلطات التركية . و اصبح تأسيس الأحزاب الكردية العلنية في تركيا شيئا طبيعا رغم أغلاق العديد منها . و لكن تأثير حزب العمال الكردستاني PKK واضح و قوي في معظم تلك الأحزاب ، بل إنها كانت بمثابة الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني في تركيا .و حتى الآن فإن أكبر حزب كردي في تركيا هو حزب الشعوب الديمقراطي HDP بقيادة صلاح الدين دمرتاش و الذي يملك حوالي 60 نائبا في البرلمان تركيا هو حزب في تنسيق و انسجام تام مع قيادة و توجهات حزب العمال الكردستاني PKK. اصلا القاعدة الشعبية ل HDP هي نفسها القاعدة الشعبية ل PKK .

.

في كردستان الشرقية لم يؤسس PKK أي تنظيم أو حزب سياسي قبل عام 2000 .و لكنه كان يمارس نشاطاته و فعالياته السياسية في مختلف محافظات الكردية في أيران ،و جند الألاف من الشباب و الشابات في صفوف جناحه العسكري . فساحة كردستان الشرقية كانت تعاني من فراغ سياسي ، بعد تراجع نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني – إيران مع انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 نتيجة الهجمات التي شنها الجمهورية الاسلامية على الحزب و قواعده . و استطاع حزب العمال الكردستاني إملاء هذا الفراغ و اصبح التنظيم الكردي الأقوى في كردستان الشرقية .و بعد 2000 تم تأسيس حزب الحياة الحرة الكردستاني و الذي يملك حاليا جناح عسكري خاص .

.
في سوريا او في كردستان الغربية ( روجافا )، يمتلك حزب العمال الكردستاني أوسع قاعدة شعبية لا تقل عن ساحة كردستان الشمالية بل ربما يتجاوز ها في بعض المناطق . فمع بداية التسعينات من القرن الماضي و حتى عام 2000 انضم الآلاف من الكورد إلى صفوف حزب العمال الكردستاني و جناحه العسكري ،قوات الدفاع الشعبي HPG .

.

بعد اعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني PKK عبد الله آوجلان في شباط عام 1999 . حدثت تغيرات مهمة و استراتيجية في رؤية و مواقف الحزب العمال الكردستاني، بعد أن طالب زعيم الحزب من سجنه في جزيرة أمرالي بتلك التغيرات ،و وافق الحزب على كافة مطالب زعيمه .

.
فأعلن الحزب عن وقف إطلاق النار من جانب واحد ، و سحب مقاتليه من كردستان الشمالية .و أكد على استعداده لحل القضية الكردية دون المساس بحدود الدولة التركية أو أية دولة يتواجد فيها الاكراد .و اقتصرت مطاليبه على تحقيق مطالب الشعب الكردي في إطار الحلول الديمقراطية . فحل الحزب نفسه بناء على اقتراحات قدمه زعيم الحزب .و تشكلت بعد ذلك تنظيمات و أحزاب مستقلة عديدة في كافة اجزاء كردستان الخاضعة لتركيا و إيران و العراق و سورية ، لكن تجمع هذه التنظيمات و الاحزاب تنسيق مشترك ضمن إطار تحالف أو مؤتمر أو منظومة يتخذ اللامركزية أساسا لعملها ،و يعطي الحرية لكافة التشكيلات و الأحزاب للممارسة عملها دون أي تدخل من قيادات المنظومة أو المؤتمر .

.
في تموز عام 2003 اجتمع حوالي 150 من كوادر حزب العمال الكردستاني سابقا مع بعض المؤيديين للحزب و كلهم من كوردستان الغربية و سوريا في مؤتمر استمر أسبوعا كاملا في جبال قنديل بكوردستان الجنوبية . تأسس في ذلك المؤتمر حزب الإتحاد الديمقراطي PYD .و كان من جملة القرارات المهمة التي اتخذها المؤتمر هو اعتبار حزب PYD تنظيم مستقل غير خاضع لأي تنظيم آخر و يجمعها تنسيق مع مؤتمر أو منظومة المجتمع الكردستاني مع فصائل و أحزاب كردية عديدة تمثل الكورد في أجزاء كوردستان الأخرى .

.
لا يمكن اعتبار حزب PYD حزب منفصلا تمام عن تشكيلات منظومة المجتمع الكردستاني أو حزب العمال الكردستاني، و لكنها أيضا ليس فرعا من أي حزب فلها قيادة منتخبة و ساحة عمل لا يتدخل فيها أي قوة بشكل مباشر .و لكنها مثل الأحزاب الكردية الأخرى المتأثرة بقيادة حزب الديمقراطي الكردستاني. فإن PYD أيضا تعاني من نفس المشكلة ، و هي ارتباطها و تأثيرها بحزب العمال الكردستاني . و إستمرار PYD مرتبط باستمرار ارتباطها مع حزب العمال الكردستاني. و فك الارتباط تعني نهاية PYD لما لحزب العمال الكردستاني من تأثير و نفوذ بين قاعدة PYD الشعبية . رغم أن هذا الارتباط يجلب متاعب عديدة ل PYD و لكنها ضرورية و لايمكن التخلص منها بسهولة .

.
الشباب و الشابات الذين أسسوا PYD كانوا يأملون من وراء ذلك تشكيل حزب كردي سوري مستقل . و لكن تدخلات قيادات منظومة المجتمع الكردستاني، و كذلك الحالة الشعبية الذي يعاني منها الحزب بين الكورد في سوريا ، و عدم امتلاكها لكوادر قيادية واعية .و تعقيدات الوضع السوري ، و الهجمات التي شنها النظام السوري على الحزب ، جعل من الحزب غير فعالا ، و غير قادر على أن يلعب دورا قياديا بشكل فعلي . و لكن بعد عام 2011 و مع بروز الأزمة السورية أستطع PYD أن يصبح القوة الأكثر فعالية و شعبية في غرب كوردستان ،و من أتهمها بأنها فرع أو اسم فقط . اضطر اليوم للاعتراف بأنها القوة المسيطرة و الأساسية في روجافا .

.
من الخطأ الطلب من حزب الاتحاد الديمقراطي PYD بقطع العلاقات مع حزب العمال الكردستاني PKK. فهذه العلاقة ضرورية و مهمة .و لكن قيادة PYD و لكي تكون أكثر فعلا عليه أن تكون أكثر استقلالية في اتخاذ القرارات المصيرية .و كل القرارات التي تنسق ببن PYD و منظومة المجتمع الكردستاني تؤكد على هذه الاستقلالية التنظيمية . و ما يربط PYD مع الأحزاب الكردية الأخرى التي تملك نفس التوجهات و النهج هي رابطة يجب أن تكون كرابطة الأحزاب الاشتراكية الدولية فيما بينها ،أي تتضمن مزيدا من الاستقلالية في تأخذ القرارات التي تهم كوردستان الغربية . و الاستقلالية لا تعني الانفصال و القطيعة بل العكس مزيدا من العمل المشترك و التنسيق و لكن بدون فرض قرارات من خارج روجافا . الاستقلالية ستجعل من PYD أكثر قوة و نشاطا و أكثر تأثير ، و التقيد و فرض القرارات سيجعل من PYD هيكل بدون روح. و أعتقد أن أحد أسباب عدم تطور حزب الحل الديمقراطي الكردستاني في جنوب كوردستان يتعلق بهذه النقطة فهو ظل اسما فقط و لم يمتلك الاستقلالية .أما تطور حزب الشعوب الديمقراطي HDP في شمال كوردستان فهو حسب اعتقادي لأنه يمتلك الاستقلالية و القرار . و رغم ان وضع PYD يختلف و لكن ما ينتظره يتحتم عليه مزيدا من العمل و النضال و الارتقاء بأساليب العمل التنظيمي .و إعادة النظر بالخطوات و القرارات التي تعيق تطوره . و ممارسة النضال و العمل الاحترافي المؤسساتي و البعيد عن العاطفية و الشعارات الأستفذاذية.

.

نورالدين عمر

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك