عندما يكون بيتنا من زجاج

آراء وقضايا 13 مارس 2019 0
عندما يكون بيتنا من زجاج
+ = -

كوردستريت|| مقالات

مصعب القره غولي

.
راودني شعور بالفرحة الغامرة، وأنا أشاهد قافلة من الحافلات وهي تدخل بغداد من مدخل الفلوجة تشير لوحاتها إلى مدينة الرمادي وعليها لافتات خط عليها عبارة (جماهير الانبار ) .

.
لم اخفي ميولي العاطفية حيال هذا المنظر، الذي يبعث الأمل في عودة الصبغة الغربية وامتدادها لشوارع بغداد، بعد أن فعلت الأحداث السابقة فعلتها, بالوضع الديموغرافي لتلك المدينة التي كانت يوما ما تعني ما تعنيه لي ولغيري.

.
بعد السؤال عن الغرض الذي لأجله جاءت تلك الحشود، قيل لي أن مباراة ستقام بين فريقين أحدهما يمثل محافظة الانبار، ولكوني لست مهتما بالشأن الرياضي صدقت ما سمعته دون التأكد من ذلك الخبر.
حملت حقيبتي متجها نحو صديق لي في اليرموك، وأنا فرح بهذا المشهد الذي غاب لسنوات، حيث أصوات المنبهات الصادرة عن السيارات وأهازيج المراهقين وهتافات الشباب بشيء لم اكلف نفسي عناء التمعن والإنصات له.. فلا يهمني اسم الفريق ولا النتيجة، فما أفرحني هو أن أبناء الرمادي عادوا يمرحون في بغداد.

.
أكملت سيري بعد أن استأجرت سيارة أجرة باتجاه منزل صديقي الذي الح بكثرة اتصالاته وامتعاضه من تأخري، وكأنه لا علم له بوضع العاصمة وتعقيدات الزحام الشديد فيها, وبعد وصولي استقبلني بحفاوته المعهودة وتبادلنا أطراف الحديث، فبدا وكأنه لا خبر لديه عن الحدث الرياضي الذي ستشهده بغداد, عندما أخبرته عنه!

.
بما انه من المتابعين لكرة القدم، أصابه الفضول لمعرفة المتنافسين, فبادر للتأكد من أصدقائه، وأتصل بصديق له ينتسب لإحدى المنشآت الرياضية في بغداد، ومن خلال إنصاتي لمكالمته أيقنت أن فرحتي بما شاهدت لم تكن بسبب ما تصورته.

.
ما سمعته لم يكن في حساباتي، حيث أخبرني أن جمهور من أبناء الرمادي، قدموا بغداد لحضور مناسبة يوم الشهيد العراقي.. ورغم تقبلي للموضوع, لكني لم أتمكن حينها من إخفاء تذمري وعدم ارتياحي، خصوصا بعد أن علمت أن من سيلقي خطاب تلك المناسبة المزعومة، هو السياسي الشيعي عمار الحكيم.
كعادتي في نقدي اللاذع للطبقة السياسية ، استطردت مسهبا في بيان مثالب تلك الزعامات والحكيم منهم، الذي لا اغفر له استيلائه على منطقة الجادرية كلها, وما يشاع من استحواذه على عقارات وأراضي تابعة للدولة استنادا إلى ما يقوله بحقه أبناء الشيعة أنفسهم!

.
وأنا في غمرة انفعالي شاهدت الامتعاض على وجه مضيفي جراء حديثي، فالرجل يبدو عليه الإعتزاز والإقتناع “بالوحدة الوطنية” المدعاة.. وربما له العذر في ذلك، فالبيئة الاجتماعية لسكان بغداد تختلف عما نحن عليه في حزامها.
بعد أن تبادلنا أطراف الحديث ورضوخا لاعتبارات الضيافة وآدابها، وجدت نفسي مرغما على القبول بمقترحه المتعلق بسماع ما سيقوله الحكيم ، فبادر إلى تشغيل فضائية كانت تنقل الحدث.

.
رغم كثرة الجموع المحتشدة حول هذا الزعيم وطريقة الإخراج، إلا أنها لم تأخذ مني مأخذها, كوني آليت على نفسي أن أكون حريصا على سماع فقرات الخطاب نزولا عند رغبة صديقي أبا عمر الذي بدت عليه, إمارات الانزعاج من تحسسي المفرط تجاه من يعتقدهم شركاءه في الوطن الجريح!
بدأ الرجل حديثه بما لا يعنيني، من قبيل إشارته لعطاء أسرته الفكري والجهادي والوطني حسب زعمه، وذكره لأسماء بعض الشهداء من رموز طائفته وتقديم اعتذاره للجمهور, الذي تكلف عناء السفر والمجيء إلى بغداد.

.
وانتظرت وانا ملول لسماع الرسالة التي يود هذا الشاب إيصالها لمن حوله، وهل للوطن شيء من اهتماماته, وما إن سمعت قوله (ان العراق سيدا لا تابعا ولا خاضعا ).. فوجئت بكلامه, فقد أحسست حينها أني ربما كنت مندفعا كثيرا, لكني تظاهرت باللامبالاة وصديقي يرمقني بنظرات لم أفهم مغزاها .
كلمت أبا عمر بما أحاول من خلاله, فضح تناقضات المتكلم وأقارن ما يدعيه مع سلوكه، لكني لاحظت أني أكلم نفسي فحسب.. فصاحب الدار مشغول عني بمتابعة مفردات الخطاب خصوصا ما يتعلق منها بدولة الأحزاب وأحزاب الدولة.

.
للأمانة وباعتباري اعد نفسي موضوعيا يمكن القول إن ما سمعت، كان خطابا وطنيا بامتياز وبغض النظر عما لدي من مؤاخذات على المتكلم وانتمائه المذهبي.
برغم الانطباع الجيد الذي تولد لدي وقناعتي ببعض الأمور المتفق عليها، إلا أن ما لم يسر خاطري هو كيف تمكن هذا الرجل من إستمالة قلوب ومشاعر أبناء الغربية, ويقطعوا المسافات لحضور خطاب زعيم شيعي ؟
ألا يعني ذلك عجز زعمائنا عنن تحشيد عدد كهذا من المناصرين؟

.
اني لا اجد في ذلك أي مكسب سوى أنه سيجعل رقاب غيرنا مشرئبة, مادام البيت السني منقسما على نفسه.. فعندها نكون كمن بيته من زجاج ويرمي الأخرين بالحجارة!

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك