كوردستريت || آراء وقضايا 

فؤاد عليكو

(دفاعا عن الحركة الكردية  )
يقول السيد صلاح بدر الدين، في الجزء الثاني وبداية الجزء الثالث، عن الانتفاضة والحركة الكردية مايلي :
– كانت هبة، لو كان في قوى جذرية لصارت انتفاضة، لكن الأحزاب السورية و الكردية ما استطاعوا
– أعتقد أن  2004 تاريخ مميز على سقوط  الأحزاب الكردية نهائيا
– صيغة مجموع الأحزاب قرروا إخماد (الهبة) ولم تتحول إلى انتفاضة، ووفد المعارضة ذهب للتوسط بين النظام وأهل قامشلو.

هنا انتهى كلام بدرالدين عن الانتفاضة، بينما الحقيقة تقول عكس ذلك تماما، وبحكم معايشتي للأحداث منذ البداية، وكيفية تحولها إلى انتفاضة حقيقية، فلا من بد تفنيد كلام هذا المتحامل على الحركة الكردية.

في الساعة الثالثة تقريبا ذهبنا أنا و الرفيق عبدالباقي يوسف، سكرتير الحزب حينها، إلى الملعب، وكانت الأمور تحت سيطرة قوى الأمن الداخلي ، حيث كان فريق الفتوة ومشجيعه داخل الملعب، وفريق الجهاد ومشجعيه خارج الملعب، وكان التراشق بالحجارة قائم بين الطرفين من خارج سور الملعب، وكنا نقف معهم في شارع السياحي وندعوهم للهدوء، وفجأة حوالي الساعة الرابعة وجدنا عدة سيارات سوداء، ترجل منها مسلحون مدنيون وعسكريون مع محافظ الحسكة ، ثم أوعز المحافظ باطلاق الرصاص الحي، على الشباب، وهنا جاء إلينا الحاج عبد الحميد شيخو، شقيق المرحوم الفنان محمد شيخو، وأخذنا الى شقته المطلة على الملعب، واستمررنا نحن الثلاثة نتابع الشباب ونحثهم على التراجع لكن دون جدوى، وسقط الشهيد غيفارا بدران خلف برو أمام أعيننا، وحينها هاج الشباب بطريقة هستيرية وخلعوا قمصانهم وربطوا أكمامها على خصورهم ليملؤوا الطرف الآخر  للقمصان بالحجارة والهجوم على أمن النظام، وكان المشهد  تراجيديا حقا، و لا توحي بأقل من الانتفاضة الشعبية العفوية، وسقط العديد منهم  بين شهيد  وجريح،  واستمرت المعركة بين الرصاص والحجارة حتى ساعة المغيب، ثم ما لبث أن انسحب النظام فجأة، بعد أن أمن خروج  مشجعي و أعضاء فريق الفتوة – دير الزور،  من الملعب وتحصن الأمن في المربع الأمني فقط، وبقيت قامشلو هائجة طوال الليل، ولم ينم أحد (يا سيد صلاح ) في تلك الليلة بمن فيهم معظم قيادات الحركة الكردية من المتابعين  في القامشلي، كانوا بين الشعب وأمام المستشفيات، وحينها اتخذنا معا قرارا ميدانيا بأن الجنازات ستنطلق من أمام جامع قاسمو حتى مقبرة قدور بك، بعدها سنجتمع في منزل الدكتور عبد الحكيم بشار جميعا للتشاور والعمل بما تقتضي الظروف السائدة.

ونحن كحزب يكيتي اجتمعنا وقررنا تجهيز لافتات تعبر عن المأساة وتجريم النظام والمطالبة بحل القضية الكردية، واللافتات السود الأربع التي تجدها في المظاهرة كانت عائدة لنا ومن كلماتنا تحديدا، كما قررنا المشاركة مع عائلاتنا دون تخلف أحد من القيادة والقواعد.

وفي اليوم الثاني كان الحشد أمام الجامع كبيرا جدا وشارك جميع قيادات الأحزاب الكردية في الجنازة يتقدمون الصفوف، لكن وقبل الوصول إلى المقبرة واجهنا النظام مرة أخرى بالرصاص الحي، وسقط عدد آخر من الشهداء، وبعد انتهاء مراسم دفن بعض الشهداء على مقبرة قدور بك وجهنا أنصارنا  كحركة كردية، بأخذ جثمان الشهداء الآخرين  إلى مقبرة الهلالية بالسيارات ، لكن الجماهير الغاضبة لم تلتزم بقرارنا وأصرت على أخذهم سيراً على الأقدام، وهكذا ذهب قسم من القيادات الكردية إلى منازلهم وبقي بعضنا مع الجنازات، أتذكر منهم مع حفظ الألقاب:عبدالباقي يوسف، إبراهيم برو،فيصل بدر،مشعل تمو. ..ريزان شيخموس وغيرهم.

وأثناء مرورنا فوق  جسر الجغجغ  جوبهنا بالرصاص الحي مرة أخرى، وأثناء حديثي مع سائق السيارة( صلاح سليمان) التي كانت تحمل الجنازات الثلاثة بأن يتوقف عن السير حتى نتصرف، وفي تلك  اللحظة أصيبت مرآة السيارة  برصاصة  و سالت  الدماء على  وجه السائق صلاح، و ظننت بأنه قد أصيب بالرصاص ، لكن والحمد لله كانت شظايا زجاج المرآة.
حينها شدني الشيخ عبدالصمد عمر الى جانب الطريق وقال يبدو بانك المستهدف، وهو الآن عضو  الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي.

ثم غيرنا وجهتنا بالذهاب الى المقبرة عن  طريق الحزام، تجنبا لمواجهة الرصاص، وهكذا تم  دفن جميع الشهداء في المقبرتين مع إلقاء كلمات معبرة عن الحدث المأساوي.

في اليوم الثاني انتفضت عامودا والدرباسية وديرك، ثم بقية المدن في الجزيرة،  حيث سقط شهيدان في الحسكة وشهيدان في ديريك وشهيد في رأس العين وهو نوري محمود إبراهيم باشا حيث قتل بطريقة وحشية بشعة وهو مصاب  داخل المشفى، بينما تم تحطيم الصنم – تمثال حافظ الأسد – في عامودا ،وفي اليوم الثالث وما تلته انتفضت كوباني وحلب وعفرين ودمشق  (حي زور آفا ) تحديدا ، وسقط ستة شهداء في حلب بالرصاص بينهم امرأة  (فريدة أحمد ) ، وقتل مساعد للأمن العسكري في كوباني، طعناً بالسكين، على يد الشاب رمزي شيخ حسن. وهكذا عمت الانتفاضة جميع المناطق الكردية وأماكن تواجدهم، واعتقل أكثر من 5000 شخص، في زور آفا وحدها أكثر من 1500 شخص بين عمر 15-80 ، وقطع الماء والكهرباء عن الحي تماما، وكانت الحركة الكردية مجتمعة تلتقي يوميا من الصباح حتى المساء في منزل الدكتور عبدالحكيم بشار  مدة 35 يوما، ثم انتقلنا الى منزل الاستاذ محمد اسماعيل، وكنا نتابع أخبار المناطق الكردية اول بأول و نتخذ مايلزم ، وكان يتم  التوقيع على جميع بياناتنا تحت اسم (مجموع الأحزاب الكردية) بما فيهم حزب الاتحاد الديمقرطي pyd ،  وكان جميع البيانات  تطالب بوقف العنف المفرط من قبل النظام ومحاسبة متسببي  القتل، و تطالب  بالإفراج عن المعتقلين، لكن دون جدوى. وفي ظل استمرار القمع والاعتقالات انتفضت الأجزاء الثلاثة الأخرى من كردستان، وسقط 3 شهداء في أورمية بكردستان ايران نصرة للشعب الكردي في سوريا ،كما انتفضت الجالية الكردستانية في أوربا بقوة واقتحمت بعض السفارات، وهكذا تحولت الانتفاضة إلى (ملحمة) كردستانية تاريخية قد لا تتكرر. (حركة كردية موحدة, تضامن كرستاني لانظير له)،  وكادت أن تسقط الحدود بين تركيا وسوريا، حينها تدخل الرئيس المصري حسني مبارك وجاء الى دمشق وطالب من المجرم بشار الأسد وقف العنف، خشية أن تخرج الأمور عن السيطرة ، وهنا لابد وللأمانة التاريخية من ذكر دور قناة ROJ -t.v في التغطية المباشرة لتطورات الأحداث أول بأول، وعلى مدار الساعة وشاركتُ عدة مرات في البث المباشر لها، وكذلك الآخرون من القيادات الكردية.ولولا هذا الالتفاف الكردستاني وتضامنهم مع الشعب الكردي في سورية لحول النظام بعض المدن الكردية إلى ركام، وكان مسؤولوا النظام  يذكروننا باستمرار بمصير مدينة حماة أثناء لقاءاتنا معهم.

من الجدير ذكره بأنه حصل ضغط كبير على مدينة الحسكة ورأس العين وحي زورآفا بدمشق ، وكانوا يستنجدون بنا لوقف هذا القمع والنهب للممتلكات الخاصة بطريقة ممنهجة، فهل كنت تريد- يا سيد صلاح –  أن نقاتل لآخر كردي سوري، حتى نشبع غرورك المريض، أنت الذي كنت تعبر عن غضبك بطريقة خاصة، ولله في خلقه شؤون.

من الواضح، ياسيد صلاح ، أنه لديك عقدة مع وحدة الحركة الكردية، ودائما تقف بالضد منها، حيث لازلنا نتذكر عام 1986عندما وصل التفاهم إلى مراحله الاخيرة بين الأحزاب الكردية الأربعة (البارتي،التقدمي ، اليساري،  الاتحاد الشعبي )لتأسيس تحالف بينها ، حينها بعثت برسالة بأن(اليمين مرتد وطنيا وقوميا) ولايمكن التعامل معه وهكذا أفشلت الاتفاق، وعندما ناقشنا الموضوع في المؤتمر السادس 1987 هددنا المرحوم سامي ناصرو بالانسحاب وافشال المؤتمر إذا ما اتخذنا قرارا يدعم الحوار والتفاهم.

كما أن الأستاذ مصطفى أوسو كتب مؤخرا في موقع ولاتي مه في 12 أيار 2021 ، بأنه عند زيارتك له في فندق دم دم ما يلي (وهنا يبدو أنه يقصد السيد مصطفى جمعة) أخبر السيد صلاح بدر الدين بما جرى بيني وبينه من مناقشة الموضوع، حيث لم تمضِ ساعات قليلة على نقاشنا الحاد حتى قام بالاتصال معي، قائلاً: أنه كان يريد فقط من لقائه بالسيد مصطفى جمعة، إبلاغه رسالة لقيادة حزب آزادي، وأنه يريد أن يراني أيضاً في موعد حدده هو واتفقنا عليه سوية.

وبالفعل حضر في الموعد المحدد إلى مقر إقامتنا في فندق «دم دم» بمدينة هولير، حيث قال أن رسالته لقيادة حزب آزادي، هي: تحديد موقعه ومكانه في الحزب، واتخاذ القرار بهذا الشأن وإبلاغه بذلك..، وأضاف أيضاً، أنه وفي حال عدم تجاوب قيادة حزب آزادي مع هذه الرسالة، وإيجاد موقع يتناسب مع مكانته ومؤهلاته، فأنه لن يسكت على الأمر ولن يقف مكتوف الأيدي، وسيحرك خلاياه وأنصاره ضمن الحزب على حد تعبيره.
وعلى الأرجح لم يكن لديك القدرة للعمل تحت قيادة سكرتير الحزب الاستاذ خير الدين مراد، لذلك كنت تريد أن تكون  إما رئيسا للحزب، حتى وإن كان فخريا ، أو ناطقا رسميا للحزب، بعيدا عن تأثيرات واملاءات القيادة، حتى يتسنى لك بيع بضاعتك (القضية الكردية ) في سوق النخاسة، خاصة وأنك شممت رائحة الدولار عند عبدالحليم خدام بعد انشقاقه، ولما لم تفلح في ذلك عملت على شق الحزب الوليد بعد ست سنوات من إعلانه. وهنا سؤال يطرح نفسه: تقول ان الحركة الكُردية سقطت بعد 2004 ثم تطلب العودة للحزب في 2005 وإلا ؟!. ما هذا التناقض، ولماذا تريد العودة إلى  حركة تراها سقطت؟!.
إضافة إلى كل ذلك عملتَ على مبدأ (خالف تعرف) لأن إجماع الحركة الكردية والكردستانية والشعب الكردي يطلق على ما حصل ، بانتفاضة 12 آذار، إلا أنت تطلق عليها (هبة)
يبدو ان لك قاموس خاص في اللغة العربية وتتقن اختيار الكلمات المناسبة للمناسبات؟؟!!.

— اللجنة الأمنية للنظام: كانت تتشكل من اللواء هشام اختيار رئيس مكتب الأمن القومي.
اللواء محمد منصورة رئيس إدارة الأمن السياسي.

العميد خضر رئيس فرع أمن الدولة في الحسكة.
ولم يكن هناك وجود للواء علي مملوك كما  ذكرت في المقابلة. بدأت اللجنة عملها بداية مع أجهزة النظام الإدارية في المحافظة ثم انتقل للاجتماع بوجهاء العشائر العربية والفعاليات  المسيحية، بعدها انتقلت إلى التواصل مع احزاب الحركة الكردية  بشكل فردي أو عدة أحزاب، وكانت تتجنب الاجتماع مع مجموع الأحزاب الكردية دفعة واحدة، وهكذا جاء دوري في اللقاء حين اتصل معي الأخ عبد عبدالعزيز اليوسف من اغوات عشيرة الكاسكان، وذهبنا معا للقاء، وكان الثلاثة  موجودين في مقر مدير منطقة القامشلي، حينها بدأ اللواء المقبور هشام اختيار بالحديث المرن بداية ثم تدرج في التصعيد والتهديد المباشر، والتذكير بمجزرة حماة وتحميل المسؤولية لحزبنا و ب ي د بالدرجة الأساس، وباننا وراء حرق مؤسسات الدولة، خاصة الجمارك والأعلاف في قامشلو، واستغرق حديثه وتهديداته قرابة ساعة، ثم استلم الحديث العميد خضر وقال بالحرف، لدينا في المعتقل رفاق لكم اعترفوا صراحة بأنك اعطيتهم الأوامر بحرق المؤسسات، وبعد أن أنهى حديثه لم يتكلم اللواء محمد منصورة شيئا ويبدو انه اكتفى بحديث زملائه، عندها طلبت الحديث، فقلت على حسب ما أتذكر وحسب ما ذكرني به الأخ اكرم اليوسف قبل ايام المقيم في الرياض شقيق عبد اليوسف المقيم حاليا في السويد ،ويبدو أن الأخ عبد كان قد نقل مجمل الحوار إلى اخيه حينها.

بداية وجهت حديثي للعميد خضر بأن ماتتحدث به عن اتهام لرفاقنا غير صحيح بالمطلق، ويبدو أنكم تمارسون تعذيبا قاسيا بحق الشباب لنزع اعترفات وهمية منهم، لترضوا أنفسكم  وأمام السلطات العليا، وإخفاء حقيقة ماجرى، وتحميل الكرد المسؤولية  لا أكثر ،ولسنا أغبياء حتى نقوم بإحراق مؤسسات الدولة التي تخدمنا بالدرجة الأساس، وأن اللافتات السود الأربعة هي لافتاتنا، ومطالبنا مدونة فيها مختصرا، ثم توجهت إلى اللواء بخيار بالحديث، بأن السياسة العنصرية الممارسة من قبلكم منذ نصف قرن جعل الشعب يفقد الثقة بكم وبالوطن كليا، حيث إن شعور الاغتراب طاغ عليه، وذكرته بالإحصاء الاستثنائي والحزام العربي، وحتى تسجيل ولاداتنا كان يتم بموافقات أمنية، وكذلك حرماننا من العمل في مؤسسات الدولة الحساسة كالدفاع  والخارجية،  كما أن لغة التهديد والوعيد .  لم يعد مفيدا وإنما لغة الحوار فقط سيؤدى إلى النتيجة المرضية بالنسبة للطرفين، والحركة الكردية جاهزة للحوار اذا رغبتم في ذلك، وهو الحل الانجح لحل القضية الكردية في سوريا حسب تصوري.

ثم عاد وكرر تهديده وقال انتهى اللقاء. وعندما خرجنا للشارع قبلني عبد من جبيني، وقال:  الحمد لله على سلامتك، فلم أكن أتوقع انك ستخرج من عندهم بعد ردك هذا ، قلت له أنني في وضع لابد من قول ذلك، فهناك دماء الشباب على الأرض والآلاف في السجون وتحت التعذيب.

بعد فترة ثلاثة أشهر  تم الإفراج عن الكثير من السجناء، وحينها اعترف سجين من قدور بك، اسمه إبراهيم، بأنه كان تحت التعذيب الشديد، عندما طلب منه المحقق بأن لاخلاص لك اذا لم تعطني اسم قيادي حرضك، وعليه أنا اعطيت اسم فؤاد عليكو، رغم أنني لا أعرف الرجل، لكنني كنت سمعت باسمه  علما  بأنني لا اتعاطى السياسة.

وقبيل عودة اللجنة إلى دمشق اجتمعت بالوجهاء الكرد ليستمع إليهم ويبعث برسائله التهديدية مرة أخرى، وهنا تفاجأ بأن الجميع على موقف واحد ومع حركتهم السياسية في توجهاتها، كما تفاجأ حين سمع كلاما محددا من الاخ إبراهيم باشا المللي بصيغة سؤال، هل توجد قضية كردية في سوريا سيادة اللواء؟.وكررها ثلاث مرات، حينها قال سنلتقي واشرح لك  الوضع، وبعدها بفترة التقوا في دمشق بمعية السيد صلاح كفتاروا ،حينها قال بالحرف بأنه لا توجد لدينا قضية كردية ، ورد عليه الباشا ، بأنكم لن تجدوا الاستقرار في سوريا بدون حل القضية الكردية.

هذا ملخص مقتضب عن الجزئية التي شاهدتها، وأنا متأكد بأن لكل مدينة كردية ملحمة من الجزيرة إلى كوباني إلى حلب وعفرين ودمشق، ويتطلب الأمر من النخب الثقافية تدوين هذه الملاحم التاريخية وفاء لدماء الشباب وتضحيات شعبنا.
في الجزء الثامن سأتحدث عن اغتيال شيخ الشهداء معشوق الخزنوي .