فرانس 24 : ما أهمية “عين العرب” (كوباني) للفصائل الكردية وتنظيم “الدولة الإسلامية”؟

ملفات ساخنة 08 أكتوبر 2014 0
+ = -
 
 

فرانس 24 / “لعين العرب”، أو كوباني بالكردية، أهمية مفصلية في الوجدان الكردي عامة والكردي السوري خاصة، فالمدينة والمنطقة المحيطة بها تقعان في صلب المشروع الاستقلالي الكردي العلماني. ومن خلال ضرب هذه المدينة الكردية بامتياز يضرب تنظيم “الدولة الإسلامية” هذا الحلم الكردي التاريخي و يكسر بذلك فكرة القومية الكردية باسم مشروعه الإسلامي مبرهنا أن صراعه مع الفصائل الكردية ليس عرقيا بل دينيا عقائديا.

رغم الضربات الجوية، الموجهة من التحالف الدولي، التي طالت مرابض مدفعية تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” خلال تقدمه نحو مدينة عين العرب-كوباني، استمر جهاديو التنظيم بالتقدم ميدانيا مسيطرين على القرى واحدة تلو الأخرى وصولا إلى السيطرة على تلتين إستراتيجيتين تشرفان على المدينة، وهو ما يتيح التحكم بشوارعها ومفاصلها بنيران الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.

التكتيك العسكري المتبع من قبل جهاديي “الدولة الإسلامية”

الفيديوهات والصور التي وردتنا من أرض المعركة ومن مصادر مقربة من تنظيم “الدولة الإسلامية”، تشير بوضوح للتكتيك العسكري المعتمد والذي يجعل الضربات الجوية دون جدوى تُذكر ميدانيا. فبات من الواضح أن الوقع المعنوي لهذه الضربات، والذي عوّل عليه الكثيرون، على جهاديي “الدولة الإسلامية” ضعيف وإن كان في بداياته قد شجع العديد من المقاتلين الأكراد على العبور من تركيا للمشاركة في القتال، كما حصل في مواجهات سابقة عرفتها المنطقة في الأشهر التي خلت.

فبالرغم من تمكن طيران التحالف الغربي-العربي من ضرب بضعة قطع مدفعية ثقيلة من نوع “هاوتزر” الأمريكية استقدمها التنظيم من العراق، والتي كان لها دور أساسي في تقدم الجهاديين على امتداد جبهات عين العرب-كوباني – التي كانت تمتد على 180 كلم في بداية المعارك – فاليوم ومع دخول الجهاديين إلى أحياء في المدينة لم تعد لهذه المدفعية أهمية تُذكر. فالقتال أصبح قتال شوارع لا فائدة لمدفعية الميدان فيه. وفي نفس السياق بمجرد دخول تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى أحياء المدينة يصبح تأثير ضربات الطيران محدودا في سياق مواجهة وقتال تلاحمي. وتنظيم “الدولة الإسلامية” يعتمد على فرق مقاتلة صغيرة قوامها ما بين 10 و15 مقاتلا “انغماسيا”، أي من قوات النخبة المتمرسة لديه، يتقدمون من عدة محاور في نفس الوقت مع استقلالية تامة في إدارة المعركة لقادة المجموعات، ما يعطيها مرونة وسرعة تفاعل وحركة ثمينة في سياق حرب الشوارع، ومراقبة عن بعد وبالمناظير لقائد الهجوم. وبذلك ضرب أو حتى القضاء على أي من المجموعات على حدا سيكون وقعه محدودا على سير المعركة بشكل عام. فحتى الدبابات ليس لها أهمية تُذكر، سوى تحريكها كنوع من الطعم لكشف نقاط تمركز مقاتلي الفصائل الكردية لدى محاولتهم إطلاق النار عليها على تخوم المدينة.

أهمية عين العرب-كوباني للفصائل الكردية كما لتنظيم “الدولة الإسلامية”

كثر الكلام عن أهمية عين العرب-كوباني الإستراتيجية والعسكرية لملاصقتها للحدود التركية ولأسباب أخرى جُلها تحليلي لا يستند إلى شيء. وغاب عن الكثيرين أن تنظيم “الدولة الإسلامية” هو في واقع الحال مُمسك بشريط حدودي طويل مع تركيا كما على معابر أهمها معبر تل أبيض، فالسيطرة على مدينة إضافية في هذا السياق لا يقدم ولا يؤخر ميدانيا. وإن كان من أهمية عسكرية لمنطقة عين العرب-كوباني فهي تكمن في التخلص من “جيب عسكري معاد” يؤدي إلى غربي مناطق حلب وشرقي مناطق الرقة الواقعتين تحت سيطرة “الدولة الإسلامية”، علما أن عددا من الفصائل المسلحة المعادية لتنظيم “الدولة الإسلامية” لجأ إلى هذه المناطق بعد سيطرة التنظيم تباعا على الرقة المدينة ومناطقها كما على مناطق ديرالزور. وقد تحالفت هذه الفصائل مع الفصائل الكردية كما مع عدد من فصائل الجيش السوري الحر وغيرها من الفصائل الإسلامية مع بداية الصراع مع “الدولة الإسلامية في العراق والشام” مطلع العام. إذن من هذه الناحية فليس لمعارك المنطقة  والمدينة أهمية وجدوى عسكرية.

لكن ما يفوت البعض هو أهمية المدينة المعنوية لطرفي الصراع. فكوباني بتسميتها الكردية هي في صلب الوجدان القومي الكردي. وتجد التسمية جذورها في “كوم بانيا” أو “الإجماع” باللغة العربية، ذلك في سياق سعي كردي للإجماع على موقف موحد لمواجهة العشائر العربية مطلع القرن الفائت. بيد أن هنالك من يؤكد أن التسمية هذه هي نسبة لتوحد عشيرتين كرديتين بين الحسكة وعين العرب. كما أن كوباني كانت في أواسط القرن الماضي في صلب الصراع ما بين تركيا وأقليتها الكردية، حيث عدد من كوادر “حزب العمال الكردستاني” يتحدرون من المدينة، والحزب المذكور أو الـ”بي. كيه. كيه” له اليد الطولى في إنشاء وتدريب “وحدات الدفاع الشعبي الكردية” التي يمتد قتالها اليوم من سوريا إلى العراق حيث تفوقت على البشمركة من حيث الفعالية والاندفاع في قتال “الدولة الإسلامية”.

وكوباني باتت مع استفحال الصراع في سوريا وتمدده للعراق في قلب المشروع الاستقلالي الكردي، لدرجة أن نجاح تجربة الإدارة الذاتية الكردية في سوريا، والذي لم يساهم أو يساعد فيه إقليم كردستان العراق على خلاف ما يتم التداول به، بات يعوّل على تجربة كوباني الكردية بامتياز والتي تختلف عن تجربة الحسكة حيث لا يزال للنظام والإدارة السورية موطئ قدم ومشاركة فعلية في المجهود العسكري إلى جانب الفصائل الكردية. ما يجعل سقوط قرى ومناطق كوباني ومن ثم وصول المعارك للمدينة نفسها ضربة قاسية للمشروع القومي الكردي ككل.

وهنا تكمن أهمية المدينة الحقيقية بالنسبة لتنظيم “الدولة الإسلامية” الذي يهدف لضرب المشروع القومي الكردي كما المشروع القومي العربي على حد سواء، “فلا مكان للقوميات في ظل المشروع الإسلامي الذي يتخطى القوميات”. وما ورد في خطاب أبو محمد العدناني، الناطق باسم “الدولة الإسلامية”، الأخير إلا تأكيد وتكرار لهذا التوجه، حيث ذكر العدناني أن الصراع مع الفصائل الكردية ليس صراعا عرقيا بل صراعا عقائديا ودينيا، ذلك علما أن الأكراد، وخصوصا العراقيين والأتراك منهم، لهم وجود فاعل على شتى المستويات في صفوف “الدولة الإسلامية”، لا بل هم في خطوط المواجهة الأولى إن كان مع البشمركة في العراق أو مع الفصائل الكردية في سوريا. ففي معارك سنجار، كما في معارك عين العرب-كوباني الأخيرة، كان من الواضح أن هنالك مشاركة لمقاتلين أكراد في صفوف الجهاديين.

حتى أن تنظيم “الدولة الإسلامية” حريص على إظهار هذا الواقع للعلن من خلال إعادة تسمية مدينة كوباني-عين العرب بـ”عين الإسلام” في إشارة وسعي واضح لـ”محو الشرخ العرقي ما بين العرب والأكراد في ظل دولة الخلافة الإسلامية” بحسب قادته وأمرائه. لكن الواقع يبقى أعقد من ذلك ويجب التذكير أن استفحال الحرب في كل من سوريا والعراق فتح باب التجاوزات على مصراعيه وأعاد إحياء الضغائن والمخاوف التاريخية، فكم من قرية كردية هُجِرت وتُهَجَر وكم من قرية عربية دُمِرت وتُدَمر باسم هذا الفريق أو ذاك…

وسيم نصر

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر