كردستان: كيف نحلم بها؛ وكيف تكون؟

آراء وقضايا 14 أبريل 2015 0
+ = -

سيهانوك ديبو

………….

إذا انطلقنا من الفرضيَّات الصوريَّة التالية وعلى طريقة المنطق الأرسطي:

.

   *كل الكرد يحلمون بكردستان ( فرضية مؤكَّدة رقم واحد)

   *كردستان لدى كل الكردستانيين غير محرَّرة ( فرضية مؤكَّدة رقم اثنان)

   *كل الكرد يحلمون بكردستان محرَّرة ( فرضية مؤكدة وجزء من النتيجة شبه الكلية المؤكدة)

.

إنَّ هذه الفرضيات تُحتِّمُ على كل الكرد بالإضافة إلى المقتنعين بقضيتهم في الشرق الأوسط وفي العالم بأنه يجب إيجاد حلٍّ لمثل هذه القضية التي لم يعد حلُّها مقتصراً على الشعب الكردي بل أصبحت عالميةً أيضاً وخاصةً بعد الطفرة العالمية المتمثلة بالدعم العالمي لكوباني في الأول من شهر تشرين الثاني من العام الفائت؛ المدينة التي قاومت في وجه تمدد  الدولة الداعشية.

.

مجموعة من الأسئلة:

.

1- هل يكمن الربط المُحَتّم بين حل القضية الكردية وبين وجود الدولة فقط؟

2-هل يكمن الحل في إقامة دولة للكرد على شاكلة الدول القائمة في الشرق الأوسط؛ وتكوين الحل على أساس تشكيل الدولة على أساس القومية؟

.

3-هل كانت كردستان على طول تاريخها مقتصرة على الكرد وحدهم؟

4-وإذا ما افترضنا بشكل كليّ؛ بأن القضية الكردية هي ناتجة عن تغييبها وابتلاعها كجغرافية قبل مائة عام؛ فهل سيكون الحل وحده مجلوب مِنْ مَن فرض هذه الجغرافيات والخرائط؟

5- ما هو دور وموقع الإرادة المجتمعية التحررية، وما هو موقفها مما يحدث؟

.

6- الأوضاع المقلقة التي نعيشها ( كرديا- كردستانيا- سوريا- شرق أوسطيا)؛ من الضرورة الأبستيمية أن نحكم عليها بأنها نتجت من تعويم فكر التأطير المُسّطح، وتنتج من تأطير فكر القومية البدائية المتعاملة مع القضايا وفق منظور فئوي؛ تطرح نفسها على أنها نتيجة من نتائج (القرقعة) والتصادم بين السياسات الدولية، وأخيراً؛ انفلات تبدياتها كنتائج؛ بدلا من أن تطرح نفسها كهدف للقضية. فهل أنهى هؤلاء أدوارهم الاستشرافية؟ وهل هم يدخلون – وبشكل غير مستتر-  كي يكونوا عكس تطلعات الشعب وإرادته المجتمعية؟

.

وقبل الإجابة من المهم أن نوضح ماهية الدولة القومية كإحدى أشد المواضيع تعقيداً في علم المجتمع واجتماعه، تُعرَض وكأنها عصا سحرية وأداة لحل جميع القضايا المناهضة للحداثة. بينما مضموناً تجعل من القضية الاجتماعية الواحدة ألفاً والسبب في ذلك كما يعلله أوجلان إلى تسريبها جهاز السلطة حتى أدق الأوعية الشعرية للمجتمعات والسلطة بحد ذاتها تفرز المشاكل وتنمّ عن القمع والاستغلال كقضايا اجتماعية نظراً لطابعها الكموني لرأس المال المنظًّم في هيئة العنف. ذلك أنَّ مجتمع الأمة النمطية الذي ترمي إليه الدولة القومية ينشئ مواطنين مصطنعين، مزيفين، مشحونين بالعنف، يبدون متساوين حقوقياً كما يزعم، إذا عمل على مساواتهم ببعضهم بعضاً بِبتر جميع أعضاء المجتمع بمنشار السلطة.

.

إنَّ تفسير بعض مظاهر الاجتماعي البدائي والفكر الأولي القومية البدائية على حساب القومية المتضامنة مع القوميات الأخرى وفي الحيز نفسه ولأن همّاً فكرياً واحداً ربط بينهما وهو “إعادة اكتشاف المسألة السياسية” إلى جانب الوعي المضاد الذي جمع بينهما يعتبر بمثابة المَطَب الذي يقع فيه الكرد حينما يربطون مسألة التحرير بمسألة الدولة على أساس القوم، علماً أنَّ الدولة القومية كما أشرنا لم تكن جالبة الحرية دائماً وإنما عكسها دائماً تجلب الحرب والفوضى والتقويض الثقافي لصالح السياسة وإدخال البلد أو الدولة في نفق التوازنات التي أحدثتها بالضرورة، فتبقى القائمة من الدولة أسيرة التبعية السياسية، الاقتصادية، الثقافية وهذا يؤكِّد أن كل الدول الحالية في الشرق الأوسط لم تزل غير محرَّرة وإنما مستبَدة بأمرها كدولة وشعوبها مستبدَة بأمورهم أيضاً من قبل الزمرتين الاستبداديتين؛ الخارجية التي صنعت الدولة والداخلية التي تحرص على دخول المستبد الخارجي في اللحظة التي يريدها؛ وهذا ليس سوى التحليل لكنه الوقائع الحالية التي نعيشها، والتي باتت تمثل نوعا مخزيا من أنواع العطالة الفكرية والتشخيص البدائي المرتكز إلى العاطفة والرغبة فقط. ومثل هذه الحالة بعيدة كل البعد عن كنه الحرية التي ينتظرها الشعب.

.

و(كردستان) موطن الكرد غير متحرِّرة حتى اللحظة وعملية تحرير كردستان تمرُّ بالضرورة عبر تحرير الشعب الكردي وهذا ليس له علاقة موثّقة بين التحرير كسيسيولوجيا والتحرير كجغرافيا، أي أن المادة لا تولد الحرية وإنما الوعي والذهنية الثورية هما أساس المجتمع الحر، فالمادة (الدولة الاستبدادية على أساس القوم) هي الطاقة المحبوسة التي تولد العبودية وأمّا الوعي هي الطاقة المتدفقة وهي الحرية بذاتها، كما يقول أوجلان في مجلَّده الثالث سوسيولوجيا الحرية.

.

والتدافع أو التصارع بين الطاقة المتدفقة والطاقة المحبوسة؛ بين الحرية واللا حرية سينجم عنها وبالضرورة وعيا مجتمعيا يخلع كل الأثواب المزركشة والتي تخبئ من تحتانيها ( أسباب الفساد والتدمير)؛ مثل هذا الوعي المجتمعي يخلق حالة ذهنية ثائرة تتمثل بالقوى الطليعية التي تحرر المجتمع وتتأهب لإحداث العملية النوعية المتمثلة بالمجتمع السياسي الأخلاقي.

.

في الحقيقة لا يمكن البحث في نشوء كردستان بشكل منعزل عن أدوات التحرير أولاً وثانياً أن ندخل في فهم تاريخانية الكرد، فالكرد يصنعون تاريخهم وهم جزء منه، لكنهم معرَّضون لسوء فهمه و تفسيره وتقليدهم للمستبدِّ وبالتالي الوقوع في الخطأ نفسه، فالتجربة التاريخية لحرية كردستان تفرض علينا متابعة مسيرتها خلال المرحلة الأخيرة، لأنَّ النجاح والتقدُّم الذي أحرزته لم يعودا كافيين فقط لمثل هذه اللحظات التي نعيشها، وهذا يفرض إعادة طرح الأسباب والأسئلة واللجوء الى أدوات حلول جديدة، تفكِّك الحاضر وتعيد قراءة الماضي، إذْ أنَّ طبيعة الحرية تعمل على الإجابة عن مشكلة التاريخ السياسية، فنجد صعوبةً بتصوُّر التاريخ ومعالجته، فهو محور أفكارنا وسلوكنا، ونعجز عن فهمه واستيعابه، فنحن بعيدون عن التحرر من الصيرورة لأنَّنا في خضمَّها؛ التي تقدِّم كما الحرية قوة تشكيل ذاتي وتتحرِّر وتسيطر على ذاتها، ستبحث عن نفسها متلمِّسةٍ طريقها وستجدها تتَّسع بقوةٍ حتى تقارب الحل كما يقول مارسيل غوشيه في كتابه دين المعنى وجذور الدولة.

.

إنَّ الفوضى العارمة المستشرية في بلدان الشرق الأوسط تحت عنوان واستعارة العنوان اللاحضاري (الصراع الجديد بين الهلال الشيعي والقمر السني)تظهر للوسط حقيقة إفلاس حل الدولتية القومية وتشاطر السلطة بكل نواحيها وبكل سطوعها وبالتالي اعادة انتاج جديد من أجل الدولتية القومية ( دولة فارسية بعباءة سوداء تشكل رأس الحرب والحربة للهلال الشيعي؛ ودولة تركياتية خضراء تتقاسمها مع بعض الدول العربية؛ يمثل هذا المجموع رأس الحربة للقمر السني)، علما بأن الشمس الدالة على الحق الكردي؛ لا متعلقات بينه وبين القمر والهلال، فما يحدث لا يمكن تسميته إلا الفوضى الهدامة؛ وهذه الفوضى أسقطت كافة أقنعة الدولتيات القومية بكل أشكالها القائمة التي عجزت عن تقديم نفسها كمحررة لشعوبها بالدرجة الأولى وأن تكون ممثلة لشعوبها في السباقات العالمية بالدرجة الثانية وعلى مبدأ التلاقح الحضاري وتنافسها بالدرجة المطلوبة.

.

وقوة الحل متمثلةً بالإدارات الذاتية الديمقراطية وكونفدرالية الشعوب وإسقاط كافة أشكال المركزية بعد دحر كافة أشكال وصنائع وصناعات الاستبداد وأخطرها الدهنية المستبدة، ومن خلال هذا المنطق فإن جغرافية كردستان التي شكَّلت مهداً لبزوغ فجر الحضارة ماضياً؛ ستشكِّل هذه المرة مهداً لبزوغ فجر الكونفدرالية الديمقراطية والديمقراطية الراديكالية المباشرة والحقيقية. فثمة قاعدة في الطبيعة مفادها كل شيء ينمو مجدداً على جذره،

.

وصيغة الإدارة الذاتية الديمقراطية تُعتبر بمثابة معايرة متقدمةٍ للظرف السوري الحالي المقلق ذي الكثافة العليا من التشابك والتعقيد، مثل هذه الصيغة المطروحة منذ سبع سنين من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD والمعمول بها فعلياً منذ ثلاثة سنوات تقريباً في روج آفايي كردستان؛ شمال شرق سوريا؛ تعتبر من الرؤى النهضوية المتقدمة وتحقيق مسألتي التحول والتغيير اللتان تضمنان حل كل الأزمات والمشاكل وأهمها حل للقضية الكردية واعتبارها من أسس الحل الكلّي في سوريا، وفي الوقت تأكيد على مسألة العمق الكردستاني للقضية الكردية.

.

نتيجة راهنة:
كردستان غير متحررة؛ هو التشخيص العلمي والعملي للقضية. وحق تقرير المصير للشعب الكردي وفق التفسير الديمقراطي غير الدولتي هو الحل العلمي والعملي لأعقد قضية في العالم.

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر