كردستان من التعتيم إلى الإنكار

آراء وقضايا 20 مايو 2015 0
+ = -

 

.

الجزء الأخير

.

 حذار من المعارضة-البعثيين

.

   أما وفي الجانب الأخر من الدراسات التاريخية، إذا نظر إليها كأبعاد زمنية مترابطة، وعرضت للبحث عن الحقيقة، لا بد من التطرق إلى الفترات السابقة للإسلام، والى هجرات الشعوب في مراحل تاريخية متتالية، وتحت الظروف والعوامل المتنوعة، ومنها البحث في تاريخ العرب قبل الإسلام وبعده، وبدايات بروزهم في المنطقة، خارج وداخل الجزيرة العربية، وهل كان لهم حضور ما خارجها؟ باستثناء الغساسنة والمناذرة، وفيما إذا كان العامة من الشعب فيهما عرب أقحاح؟ أم فقط قبائل ضمنها وملوكهما التابعين للفرس والإمبراطورية البيزنطية.

.

   تاريخ شعوب المنطقة معروفة لكل مؤرخ، لكن، وكما ذكرنا آنفا، معظمه كتب حسب أهواء القوي أو المنتصر، فتسود صفحات وتبيض بعضها لرغباته وأجنداته، فالعرب احتكروا الإسلام لذاتهم، مثلما فعلها الترك والفرس، وسخروها لطغيانهم، ودمجوا تاريخهم في تاريخه، واستخدموه لاحتلال الشعوب التي أنضوت تحت رايته، وطمس الكثير من تاريخ تلك الشعوب، ومنها الشعب الكردي والأمازيغي، أصدق شعوب الشرق في إسلامهم، وكذلك القبطي وأصحاب الحضارات المديدة على طول سوريا ولبنان والعراق، ولم يبقى منهم سوى فتاتهم، يعرفون باسم كنائس متناثرة، معظمهم اندثروا في العروبة تحت راية الإسلام، وبعضهم في الفارسية والطورانية، وقليل تاريخهم انقذ من التدمير الممنهج، مثلما يدمرها اليوم الإسلام السياسي التكفيري العروبي وعن تخطيط. هؤلاء لم يستولوا على جغرافية الشعوب فقط، تحت غطاء الإسلام، بل نهبوا تاريخهم وأبطالهم وقادتهم، بعدما اندمجوا في الأمة الإسلامية، متخليين عن ماهيتهم القومية، ليحورها البعث، وقبلهم الناصريون، وكتابهم العروبيون، إلى تاريخ عربي، والأمة العربية، والوطن العربي، وفعلها الفرس والطورانيون بأقسام من تلك الشعوب، وأصبح الإسلام بشعوبها الحلقات التابعة للعرب، وليس العكس، ونادرا ما يدرس التاريخ كتاريخ إسلامي صرف بكل شعوبه.

.

   الثاني: البعد الأخوي-الإسلامي، فبعد إنكارهم لجغرافية جنوب غربي كردستان، وحداثة الكرد فيها وأنهم قدموا من الشمال، رافقها النفي المطلق لتاريخهم، وإنكار جغرافيتهم، يعرضونهم في جنوبه وحسب دراسات البعثيين كمهاجرين حديثي العهد إلى المنطقة، يقبلونهم ضمن المنطقة كتابعين للعشائر العربية، كأخوة مسلمون مع تحذير بعثي، بأنهم سيطردونهم ويهجرونهم حين الضرورة، مثلما فعلتها السلطات السورية المتتالية بدءاً بالناصرية والبعث إلى بشار الأسد، ومحاولات المنظمات الإسلامية السياسية العروبية المتمثلة في داعش. وهجمات الأخيرة المتواصلة على المنطقة الكردية، تنفيذ لخطط مرسومة في الأروقة الإقليمية، والدول المستعمرة لكردستان، والبعث هم قادة التنفيذ بدعم إعلامي من الأقنية التلفزيونية، المتسترة تحت عباءة المعارضة، والمحركة لنفس الأحقاد والصراعات القومية بين الشعوب كما كانت في عهد السلطات السابقة.

.

   برزت في هذا شريحة من المعارضة السورية الخارجية، وقسم من المعارضة الإسلامية العروبية العسكرية في الداخل، والجهتين لا زالوا تحت تأثير ثقافة البعث بشكل أو آخر ولم يتعلموا غيرها من المفاهيم رغم مرور سنوات أربع على الثورة السورية. فالإسلام السياسي المدموج بالقومي العروبي، والتي يمثلها بشكل واضح، البعث العراقي تحت أسم الحركة النقشبندية، ومجموعات في المعارضة السورية، يفرزون شريحة من الكتاب والسياسيين، يجاهرون بأفكارهم تجاه الكرد وقضيتهم في جغرافيتهم، وديمغرافيتهم التي فتت وعلى مدى نصف قرن، وبطرق مبرمجة، ولا يتوانون من المواجهة العلنية، مع أغطية هشة، لا تحجب الحقد والخبث.

.

2-مهاجمة الكرد، بأنه شعب غير متكامل، ولا يملك مقومات الأمة، أو القومية الواحدة، فينقدون لغته، من حيث اللهجات المتعددة، ووعيه القومي، ودرجات انتماء قادته إلى البعدين العشائري على حساب البعد الوطني أو القومي، والصراعات العشائرية الماضية، والتي تبرز اليوم في الصراعات السياسية بين الأحزاب، وتدرس على أنها عوامل تبين على أن الكرد شعب غير متماسك ولا يكونون شعبا قادرا على تكوين دولة أو لا ينتمون إلى جغرافية موحدة. وبعض الكتاب من الشريحة البعثية الجديدة، يتطاولون على التاريخ، من حيث تكوين الشعب الكردي، وهل هم قومية ولماذا لم يشكلوا كيانا سياسيا. كل هذه الدراسات المبرمجة ضمن مراكز خاصة في الدول المستعمرة لكردستان، وتطرح ضمن مقالات وكتب وعلى الإعلام، مصروفة عليها بسخاء، وبطرق خبيثة، وبنفس الأساليب المعمولة عليها البعث سابقا، ويروجونها ليس فقط ضمن المنطقة بل في الخارج أيضا. وبسبب الإمكانيات الكردية البسيطة والشحيحة مقارنة بما كان البعث والدول المستعمرة لكردستان يسكبونها، بقيت عمليات التفنيد وتبيان الحقائق هشة وضعيفة حينها، واليوم شريحة البعث الجديد، والمتواري خلف شعار المعارضة، وقادة الثورة، وزعماء المنظمات الإسلامية الإرهابية العروبية، يفرزون دفعات جديدة من الكتاب، ليوجهوا أقلامهم، بطرق مباشرة، ولو كانت مغايرة للتعتيم البعثي، لكن الأدوات تبقى هي نفسها، ومثلها في الإعلام المعارض القومي أو الإسلامي، مركزين على تشويه تاريخ وماهية الوجود الكردي في جغرافيته بجنوب غربي كردستان، الملحقة بسوريا بموجب معاهدة سايكس بيكو في مايو 1916م، والمكتملة باتفاقية انقره في 20 تشرين الأول عام 1921م. بين فرنسا وتركيا الكمالية.

.

  التمعن في ظهور هذه الطفرات، على خلفية أدبيات البعث السابق، ودراسة طرق هؤلاء الكتاب، ومحاولاتهم عرض الثقافة نفسها والغايات الماضية بكلمات منمقة، كالوطنية، وشعارات المعارضة، والإخوة الدينية، والعيش المشترك، تبين أن القادم الكردي أصعب من ماضيه، والعدو لا يزال متربص، ولم يتشرب  شيئا من مفاهيم الثورات الجارية، إلا مساوئها، والإخوة العرب الوطنيون، رغم محاولاتهم لكن أصواتهم لا تزال خامدة، والوطنية الحقة، والتي هي من الركائز الرئيسة التي تمسك بها الشعب الكردي بحركتيه الثقافية والسياسية، رغم كل الاضطهاد، والتمييز العنصري، لا تزال طامره تحت طغيان الثقافة التي نشرها البعث وسلطتي الأسدين وصدام، والتي تحاول أحيائها البعث الجديد بشقيه العروبي والإسلامي.

.

  الدمار الجاري في الشرق، على يد هؤلاء، تبين أن آفة زوالهم تنمو، ونهاية البعث العروبي الإسلامي ومعهم سلطة الأسد تكاد تصبح حتمية، وهذه هي مرحلة أفولهم، وهي تشبه مراحل انقرض المجموعات الفاسدة. لا شك ستبقى طفرات استثنائية تصارع البقاء، وهذه هي المجموعات والمنظمات التي ننبه إليها ونحذر منها، فكثيرا ما تخلق مثل هذه الشرائح شرور بين المجتمع، قبل أن تزول. وما ينشره هؤلاء الكتاب من التاريخ المشوه والمزور، والإعلام من المفاهيم الخاطئة، لإثارة الصراع العربي الكردي، عن طريق عمليات إنكار الكيان الكردي في جغرافيته، وإبراز الوجود العربي القادم والمستوطن بعثيا مكانه، تندرج في خانة الحذر والانتباه الدائم، ليس فقط من قبل الكرد والشعوب غير العربية، بل من قبل العرب الوطنيين أولا.

.

 

د. محمود عباس

نائب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا.

الولايات المتحدة الأمريكية

[email protected]

 

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر