كوردستريت .. لمحة عن الحكم الذاتي والفدرالية – د. محمد حسن

ملفات ساخنة 03 مايو 2014 0
+ = -

لمحة عنالحكم الذاتي والفدرالية

 

إن الحديث عن أنواع الأنظمة و أشكالها، إنما هو حديث يبحث في طبيعة الحكومات و طرق ممارسة السلطة في هذه الدولة أو تلك. وإنالدولة الحديثة ومنذ تبلور مفهومها في القرن الخامس عشر، كانت موحدة وبسيطة الشكل أي مؤلفة من ثلاثة عناصر:الأرض و الشعب و السلطة. هذه السلطة في بداياتها كانت شديدةالمركزية وممثلة في شخص الحاكم فهو من يتخذ من المركز أو العاصمة جميع القرارات دون إشراك المواطنين في إدارة شؤونهم وذلك حتى في مناطقهم التي يعيشون فيها. لكن نتيجة التطور التاريخي للشعوب و لعدم استجابة نظام المركزية لتطلعاتها و نتيجة انتفاضات و احتجاجات هذه الشعوب على عدم مشاركتها في إدارة شؤونهاأصبحت السلطة تُمارس في بعض الدول بطريقة أقل مركزية حيث استدعى التطور أن تتخلى الحكومة المركزية عن جزء من سلطاتهالصالح الإدارات المحلية كالمحافظات أو الأقاليم أو الولايات و هذا ما يطلق عليه نظام اللامركزية الإدارية.هذا النظام المبني على توزيع ممارسة السلطة بين المركز و الوحدات الإدارية تبلور وتطور بشكل تدريجي حتى أصبحت بعض الدول نموذجاً للامركزية الإدارية في وقتنا الحاضر كإيطاليا و فرنسا.

غير أن هذا اللامركزية الإدارية و على الرغم من تمكينها الشعوب من المشاركة مع سلطة المركز في إدارة شؤونهم إلا أنها في حالات كثيرة لم تستطع تلبية رغبات وخصوصيات جميع مكونات و أطياف الدولة، خاصة عند وجود تنوع اثني أو ديني أو لغوي أو ثقافي داخل الدولة الواحدة.

من هنا ظهرت الحاجة إلى نظام جديد يلبي رغبات و خصوصيات المكونات المختلفة وذلك في الدول ذات المجتمعات التعددية، حيث ظهرت فكرة الحكم الذاتي الذي يكفل لكل مُكون إدارة ذاتية داخل منطقته مع الحفاظ لحكومة المركز بجميع أوجه السيادة الخارجيةبالإضافة إلى نوع من الرقابة على أعمال سلطات الحكم الذاتي.

 

 

 

الحكم الذاتي

 

هذا النظام تم تطبيقه في البداية من قبل الدول المستعمرة، حيث لجأت هذه الدول إليهلإيجاد صيغة قانونية تحدد علاقاتها مع الأقاليم التابعة لها وذلك بعد فشل سياسات الحكم المركزي التي كانت تتبعها مع مستعمراتها. ولكن ما لبث الأمر و أن أصبح له طابع دولي حيث أقر ميثاق الأمم المتحدة بحق الشعوب التي تعيش في هذه الأقاليم بالتقدم في الشؤون السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و التعليم. فالأممالمتحدة،ومن قبلها عصبة الأمم، كانت تتلقى التقارير السنوية حول وضع هذه الأقاليم و تراقب مدى تطورها. ولكن صورة هذا النوع من الحكم ظلت مرتبطة و لفترة طويلة بالاستعمار الى أن ظهرت محاولات للتخفيف من النظرة الاستعمارية للحكم الذاتي أي النظرة التي تقول أنه نظام موجود بسبب وجود الاستعمار. فتطور الأمر حتى أصبح فكرة مستمدة من حق تقرير المصير وخاصة بعد انتشار وتبني مبادئ ويلسون الأربعة عشر في العالم. نتيجة هذا التطور قامت دول كثيرة بتنظيم هذا النوع من الحكم و وضعه في إطار قانوني ليكون أساساً لحل المسائل القومية.وهذا ما دفع الكثير من الحركات القومية و التنظيمات السياسية في الدول المتعددة القوميات بتغيير نهجها و النظر إلى الحكم الذاتيباعتباره يمثل أحد أشكال التعبير السياسي القومي التي يمكن عن طريقها تنمية التراث الحضاري و الثقافي و قيام الجماعات القومية بإدارة شؤونها الداخلية في اقليمها القومي. و انطلاقاً من هذه الفكرة اتجهت هذه الحركات الى المطالبة بهذا النظام دون رفع شعار الانفصال و الاستقلال التام وذلك حفاظاً على وحدة البلاد و صيانة للوحدة الوطنية. وقد ساعدت هذه الحالات الجديدة على خلق مساحة من التفهُم لهذه المطالب، اذ اتجهت معظم الدول التي تعاني من الصراع الداخلي و عدم التكامل الى النص صراحة على الحكم الذاتي في دساتيرها الأمر الذي أعطى مفهوم الحكم الذاتي الشرعية الدستورية.

إن نظام الحكم الذاتي يعتبر الشكل الأوسع من أشكال اللامركزية الإداريةحيث يتمتع في ظله الاقليم بشخصية معنوية مستقلةيترتب على ذلك استقلال ماليللاقليم. أي أنه بموجب هذا الاستقلال المالي تكون للاقليم موازنة مستقلة عن موازنة الدولة بما يمكنه من القيام بأعباء إدارة شؤونه وبما يضمن تطوره من النواحي الاقتصادية والتربوية والثقافية و الصحية وغيرها من الخدمات العامة التي لا يمكن للاقليم القيام بها من دون وجود موازنة مستقلة خاصة بالاقليم.

 

بموجب نظام الحكم الذاتي تمنح الحكومة المركزية الإقليم صلاحية سن التشريعات الخاصةبالإقليمو تنفيذهاوذلك من خلال :

  1. مجلس تشريعي مُنتخب ( برلمان محلي) يقوم بسن قوانين خاصة بالإقليم.
  2. مجلس تنفيذي ( و هو بمثابة مجلس وزراء) يقوم بتنفيذ هذه القوانين و إدارة شؤون الاقليم ويكون رئيسه رئيسا للإقليم.هذا المجلس و رئيسه إذا لم يكن مُعيناً من قبل السلطات المركزية ففي الغالب يجب أن يحظى تشكيله على موافقة الحكومة المركزية(العاصمة) ولو أنها في أغلب الأحيان موافقة شكلية.

 

إلا أن استقلال الاقليم في شؤونه الداخلية ليس مطلقاً في ظل نظام الحكم الذاتي. فبما أن دولة المركز هي التي تمنح الاقليم إدارة ذاتية فهي تحفظ لنفسهابالمقابل بمستوى معين من الرقابة على نشاطات هيئات الاقليم. فهذا الاستقلال في الإدارة يجب أن لا يتعارض مع الأسس والثوابتالعامة للدولة المركزية و لا يجب أن تتعارض أعمال سلطات الحكم الذاتي و تصرفاتها مع قوانين البلاد. لذلك تكون هنالك دائما رقابة إدارية على نشاطات سلطات الحكم الذاتي و رقابة قضائية على المحاكم العادية و الإدارية في الاقليم و رقابة تشريعية أو برلمانية على القوانين الصادرة من المجلس التشريعي للإقليم. وبالتالي فإنغالبية ممارسات سلطات الحكم الذاتي لابد أن تخضع لمصادقة الحكومة المركزية. كما يمكن للحكومة المركزية إلغاء قرارات سلطات الحكم الذاتي إذا ما ارتأت أن هذه القرارات تتجاوز الدستور أو القوانين أو أنها تضر بالمصالح العليا للبلاد أو بمصالح الأقاليم الأخرى الموجودة داخل الدولة.

من هنا نستطيع أن نعرف الحكم الذاتي بأنه نظام يقوم على اللامركزية الإدارية حيث تقوم بموجبه الدولة و بسبب خصوصية جزء أو أجزاءمن أراضيهابالاعتراف بالاستقلال الذاتي لهذا الجزء أو لهذه الأجزاء مع الاحتفاظ لنفسها بنوع منالرقابة والإشراف.

و على الرغم من أن مفهوم الحكم الذاتي قد اكتسب عبر تطوره الشرعية الدستورية وذلك بالنص عليه صراحة في دساتير البلدان التي فيها تعددية إلا أن تطبيقاته ثبتت في كثير من البلدان عدم نجاحه في تحقيق الغرض الأساسي منه وهو حل مشكلة القوميات والجماعات العرقية والدينية واللغوية وكذلك تحقيق الاستقرار السياسي في الدولة. ومن أمثلة هذا الشكل من أشكال الحكم لدينا تجربة أقليم جنوب السودان التي حصلتفي العام 1972 بعد التوقيع على اتفاقية أديس أبابا والتي أعطت للإقليم الحكم الذاتي في إطار السودان الموحد، إلا إنه في عام1983 أطاح الرئيس جعفر النميري بهذا الاتفاق حيث ظل الصراع قائما بعدها لفترات طويلة. وأيضا يمكننا أن نذكر في هذا المجال أقليم كوردستان- العراق الذي تم إعلانه و من جانب الحكومة العراقية فقط ،أي دون اتفاق مع الجانب الكردي، اقليما يتمتع بحكم ذاتي من خلال القانون رقم 33 لسنة 1974. وكان مصيره الفشل وذلك لأسباب عدة منها عدم المشاركة الفعلية في الحكم الذاتي من قبل الكورد حيث كان المركز نفسه يعين أعضاء المجلسين. واستمر الأمر على هذه الحال حتى العام 1992 حين أعلن الاقليم نفسه و بشكل أحادي اقليما فدراليا داخل العراق ومن ثم تم الاعتراف به اقليما فدراليا داخل العراق الفدرالي بموجب الدستور العراقي لعام 2005.

 

إن هذا الشكل من أشكال الحكم وبسبب الرقابة المفرطة أحيانا من قبل الدولة المركزية أو التدخل من طرفها في شؤون الاقليم لا يدوم طويلا أو وفي أغلب الأحيان يكون مصيره الفشل كما حصل في تجربة الحكم الذاتي في اقليم جنوب السودان و اقليم كوردستان- العراق.كما أن من سيئات هذا النظام هو أن السلطة المركزية تحتفظ لنفسها بحق حل هيئات الحكم الذاتي في الاقليم في حال قيام هذه الهيئات بأعمال تنتهك دستور البلاد أو إذا لم تخضع سلطات الأقليم لأوامر الحكومة المركزية. كما يمكن حل مجلس الاقليم إذا فقد المجلس الأغلبية بسبب استقالة أعضائه مما يعيق المجلس القيام بأعماله. وهذا ما يمكن تفسيره بالقول: بما أن حكومة المركز هي التي تعطي الحق لاقليم ما بأن يدير شؤونه بذاته فإن من الطبيعي أن يكون لها الأمر في حرمان الاقليم من هذا الحق أو سحبه بعد إعطائه. وهذا على عكس النظام في الدولة الاتحادية (الفدرالية)، حيث يتم تبني الفدرالية بالاتفاق بين جميع الأعضاء في الدولة.

 

لاشك أن التطبيق الجيد لنظام الحكم الذاتي من شأنه أن يساهم في حل كثير من الأمور ويمكن أن يكون الحل الأفضل بالنسبة لاقليم ماكما هو الأمر حالياً بالنسبة لإقليم كَتالونيا في اسبانيا. لكن وعلى الرغم من أن بعض الدول أخذت بهذا النظام و شكلت مجالس في الأقاليم مع إعطائها بعض سلطات الدولة إلا أن احتفاظ الحكومة المركزية بحق حل تلك المجالس و توسيع أو تقليص سلطاتهاو أحياناً حتى إلغائها قد جعل من هذا النظام غير فعال. ففيأغلب التجارب لا يوجد استقلال ذاتي بالمعنى الصحيح للكلمة، أي وجود حكومة ذاتية قوية بصلاحيات تجعلها قادرة على الوقوف في وجه الحكومة المركزية عندما تتعدى هذه الأخيرة على اختصاصاتها كما في حالة النظام الفدرالي.

و نتيجة فشل اللامركزية الادارية أو الحكم الذاتي في بعض البلدان وخاصة تلك التي فيها تنوع عرقي أو ديني أو لغوي و من أجل الحفاظ على و حدة البلاد، تلجأ بعض الدول الى اعتماد نظام أخر و هو الفدرالية الذي يعتبر شكلا متقدما من أشكال الحكم الذاتي.

ولكن قبل البحث في موضوع الفدرالية لابد لنا من نُذكر بأنه من الممكن أن تتضمن اتفاقية الحكم الذاتي بنداً ينص على حق تقرير المصير للإقليم و ذلك بعد فترة زمنية غالبا ما تكون خمس سنوات. وهذا ما حصل بالنسبةلإقليم جنوب السودان حيث وقعت الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في العام 2005 على اتفاقية السلام التي نصت على الحكم الذاتيلهذا الاقليم لفترة انتقالية مدتها 6 سنوات، و على حق تقرير المصير مما أعطى فرصة للجنوبيين للتفكير بالانفصال. وفعلاً تحول الاقليم إلى دولة مستقلة وهي دولة جنوب السودان نتيجة الاستفتاء الذي نُظم في العام 2011 حيث اختار الشعب في هذا الاقليم الاستقلال التام.

كما يمكن أن يكون الحكم الذاتي واسعا جدا وبصلاحيات تجعلنا نعتقد أننا أمام اقليم فدرالي وليس اقليميتمتع بحكم ذاتي في ظل دولة بسيطة كما هو الحال في اسبانيا التي لا ينص دستورها على أنها دولة فدرالية و لكنها تُعتبر اسبانيا دولة فدرالية بحكم الواقع فقط وذلك نتيجة الصلاحيات الواسعة جدا الممنوحة لبعض سلطات الحكم الذاتي وهذا يُشكل استثناء على ما ذكرناه أعلاها.

 

 

 

 

الفدرالية

 

 

سنحاول فيما يلي تناول مفهوم النظام الفدرالي بشكل أوسع من النظم التي ذكرناها أعلاه و سوف نبين طرق تشكُله و معايير نجاحه و ذلك استجابةلما يتم تداوله في الأوساط الكوردية حول هذا الشكل من أشكال الحكم ولكي يتسنى للقارئ التعرف نوعا ماعلى هذا النظام من خلال هذا العمل المتواضع.

 

أولاً :مفهوم النظام الفيدرالي

 

مصطلح الفدرالية Federalism يعني الاتحاد أو المعاهدة، و الفدرالية كلمة لاتينية الأصل و مشتقة من Foedusو تعني المعاهدة أو الاتفاق. و سواء أكانت اتحاداً أو معاهدة أو اتفاق فالدولة الفدرالية تنشأ عن طريق اتفاق بين طرفين متميزين أو أكثر. و ينشأ عن هذا الاتفاق تجمع واحد يوفق بين الاتجاهات المتناقضة انطلاقاً من الحاجة المشتركة للاتحاد.

إن الفدرالية كفكرة ظهرت حسب بعض المؤرخينفي العهد اليوناني القديم ولكن ترسخت الفدرالية كنظام سياسي منذ أواخر القرن الثامن عشر من خلال إقدام بعض الدول على تبني هذا النظام. و كان في طليعة هذه الدول التي طبقت الفدرالية كنظام هيالولايات المتحدة الأمريكية حيث اعتمدت هذا النظام في البداية 13 ولايةوذلك في سنة1787 و طبقته فعلياً في العام 1789ثم انتشرت هذه التجربة الأمريكية في العالم حيث أخذت بها كثير من الدول مثل سويسرا في عام 1848و استراليا في عام 1901 وبلجيكا التي حولت دستورها لتصبح دولة فدرالية بعد أن كانت دولة موحدة وذلك في عام 1993، وجنوب أفريقيا بموجب دستور 1994، وكذلك العراق بموجب دستور عام 2005. و بذلكأصبح النظام الفدرالي واقعا ملموسا وانتشر في العالم حتى أصبح (40%) من سكان العالم اليوم يعيشون في ظل أنظمة فدرالية أو في ظل دولة اتحادية.

إن الدولة الاتحادية تعني الفدرالية و هي نظام سياسي و قانوني هدفه التوفيق بين الاعتبارات و الدوافع الاقليمية الخصوصية و الاعتبارات و الدوافع الوطنية العامة، فهو بطبيعته و بالتطبيق الجيد له يقضي على المركزية و علىتركيز السلطة في يد حزب أو فئة أو شخص معين لأنه يعتمد على اللامركزية السياسية. إلا أنه لا يوجد اتفاق بين فقهاء القانون الدستوري حول تعريف الفيدرالية وذلك بسبب صعوبة الوصول إلى تعريف شامل لهذا النظام. و لكننا نستطيع أن نقوم بتسليط الضوء على هذا النظام للوصول الى صيغة واضحة لمفهوم الفيدرالية.

فالدولة الفدرالية تنشأ عن اتفاق لتحقيق دولة اتحادية قوية، وترك الحق لمجموعة الدول أو الأقاليم المشكلة لهذه الدولة بأن تتمتع بقسط من الذاتية أو الاستقلالية بحيث لا تخضع لرقابة الدولة الفدرالية. هذا الاتفاق يولد عنه دولة يطلق عليها الدولة الفدرالية أو الدولة الاتحادية .كما أن هذه الدولة هي دولة واحدة، لكنها تتضمن كيانات سياسية متعددة لكل منها نظامها القانوني الخاص بها واستقلالها الذاتي وتخضع في مجموعها للدستور الفدرالي باعتباره المنشئ لها والمنظم لبنائها القانوني والسياسي. كما تتمتع في الغالب الأقاليم أو الولايات المكونة لهذا الاتحاد، كل منها بدستور محلي يحدد نظامها الأساسي الذي يحدد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في الإقليم و لا يجوز أن يخالف هذا الدستور المحلي الدستور الأعلى للبلاد خاصة في المسائل التي تعتبر من اختصاصات الحصرية للحكومة الفدرالية. فهي بذلك عبارة عن نظام دستوري وسياسي مركب.

إذنيمكننا القول هنا بأن الفدرالية هي اتفاق دستوري يقوم على الاتحاد بين عدد من الكيانات السياسة (الأقاليم أو الولايات) أو الدول بحيث تصبح هناك دولة قوية. و بموجب هذا الاتفاق يتنازل الأعضاء في الاتحاد طوعيا عن السيادة الخارجية و بعض أوجه السيادة الداخلية لصالح الدولة الفدرالية مع الاحتفاظ بالسيادة المحلية واستقلالها الداخلي في ظل دستور وحكومة محليين.

ويطلق على هذا النوع من الحكم اللامركزية السياسية التي تعني الفدرالية لكن أصبح بعض الكورد يستخدمونها لأنها ،وعلى ما يبدو، أخف وطأة من كلمة الفدرالية على مسمع الأخرين ممن يناقشون معهم في هذا الأمر، لكن في الحقيقة كلا المصطلحين لهما المدلول ذاته. وكذلك الحال بالنسبة لمفهوم الدولة الاتحادية و الدولة الفدرالية فكلاهما يعطي المدلول ذاته.

و من السمات الأساسية للفدرالية هي أن هذا النظام يقوم على أساس توزيع السلطات بين الحكومة الاتحادية (المركزية) و حكومات الأقاليم وفقاً لدستور الدولة. فالدستور في النظام الفدرالي هو السلطة العليا التي تستقي منها الحكومات، على المستويين، سلطاتها. فلا يجوز أن تتدخل الحكومة المركزية في الشؤون الداخلية للأقليم و ليس لها صلاحياتعلى أية سلطة اقليمية،لا التشريعية و لا التنفيذية و لا القضائية. كما لا يجوز بالمقابل للأقاليم أن تمارس اختصاصات الحكومة المركزية. فالفدرالية تهدف أساسا إلى بناء نظام حكومي متعدد المستويات بحيث يضم عناصر من الحكم المشترك والحكم الذاتي في الأقاليم، ومن ثم استيعاب الهويات المميزة والحفاظ عليها وتعزيزها ضمن اتحاد سياسي اكبر حجما. بمعنى أنها تهدف إلى ترسيخ الوحدة واللامركزية والمحافظة عليهما في آن واحد، فهي لا تعني بأي حال من الأحوال الانفصال كما يروج لها الأخرون من غير الكورد.و بما أنتوزيع الاختصاصات من شأنه أن يولد بعض الخلافات في التطبيق سواء بين إقليمين أو أكثر أو بين أحد الأقاليم و الحكومة المركزية فإنه من الضروري وجود قضاء اتحادي  مستقل متمثلاً بمحكمة دستورية اتحادية لإبطال القوانين الغيردستوريةو للبت في الخلافات التي تحصل بين الأقاليم أو بين أحد الأقاليم و الحكومة المركزية.

و يمكنناالقول في هذا المجال بأن الاتحاد هنا هدفه التعايش دون انفصال و دون وحدة كاملة بين الكيانات السياسة المكونة له. و يحكم الأعضاء في هذا الاتحاد دستور مشترك و سلطات اتحادية يحفظ لها الدستور القيام بأعباء السيادة الخارجية و في مجالات داخلية محددة. و بهذا يختلف الاتحاد الفدرالي عن الاتحاد الكونفدرالي.

أما الكونفدرالية فهي عبارة عن اتحاد ينشأ عن طريق معاهدة بين عدد من الدول ذات السيادة الكاملة بهدف تحقيق أغراض معينة كالتنمية الاقتصادية أو الدفاع المشترك مع احتفاظ كل عضو في الاتحاد بكامل سيادته الداخلية و الخارجية.

لابد من الإشارة بأن الاتحاد الكونفدرالي لا يعني ولادة دولة جديدة و إنما يتعلق الأمر بنشؤ علاقة جديدة بين الدول الأعضاء في الاتحاد. و هذا ما يؤكده حق أي من الأعضاء بالانسحاب من الاتحاد في حال إذا وجد أن مصلحته تقتضي ذلك، فالاتحاد الكونفدرالي ليس اتحادا دائماً. غير أن هذا الاتحاد يمكن أن يقوى و يتحول إلى اتحاد فدرالي كما حصل في سويسرا عام 1848 .حيث تأسست الكونفدرالية السويسرية لأول مرة في عام 1291 نتيجة توقيع وثيقة دفاع مشترك بين ثلاث كانتونات.فالأمر كان في البداية عبارة عن اتحاد بين كانتونات للدفاع عن أنفسها ضد الأخطار النمساوية والجرمانية و فيما بعد ضد المستعمر الفرنسي ثم تحول الأمر إلى اتحاد فدرالي و نشؤ دولة فدرالية تضم 22 كانتوناً. و كان الأمر كذلك بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فالأمر كان في البداية عبارة عن اتفاقية دفاع مشترك بين الولايات ضد المستعمر البريطاني ما بين عامي 1778_ 1787 ثم تحول الأمر إلى اتحاد فدرالي في العام 1787. ومن الأمثلة الحديثة على الاتحاد الكونفدرالييمكننا ذكر مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي. إن هناك فروقاً كثيرة بين الفدرالية و الكونفدرالية و لكن لا مجال لذكرها في هذا البحث المقتضب.

وعلى الرغم من أنه لم يُكتب النجاح لجميع التجارب الفدرالية في العالم، إلا انه من المؤكد أنه توجد هناك حاليا أكثر من 25 دولة في العالم تبنت النظام الفدرالي، وتعكس كل منها الخصائص الأساسية لهذا النظام. مما يمكن اعتباره كمؤشر واضح على أن هذا النظامقابل للتطبيق في كثير من الدول بمختلف أنظمتها خاصة تلك التي تضم مجتمعات تعددية لغوياً أو عرقياً أو دينياَ أو ثقافياً.

 

ثانياً :طرق تشكل الدولة الفدرالية

تنشأ الدولة الفدرالية بإحدى طريقتين:

1ـ الاتحاد بالاندماج : حيث تنشأ الدولة الفدرالية نتيجة انضمام عدة دول مستقلة إلى بعضها بموجب اتفاق أو معاهدة. و قد تبدأ هذه الدول باتحاد كونفدرالي ثم يتطور الأمر ليصبح اتحاداً فدرالياً مثل ما حصل في كندا و سويسرا. في هذه الحالة تحتفظ حكومات الدول الأعضاء بسلطات واسعة على حساب سلطات الحكومة الاتحادية.

و الدافع وراء هذا الاتحاد يكون إما للاستقواء ضد الخطر الخارجي و مقاومة العدوان و التهديدات الخارجية كما في حالة سويسرا.و ربما يكون الدافع هو تحقيق منافع اقتصادية حيث تكون هناك دول غنية بثرواتها و أخرى متقدمة صناعياً و ثالثة فيها يد عاملة كثيرة فتتحد هذه الدول في دولة فدرالية في سبيل تحقيق التكامل الاقتصادي. فالعامل الاقتصادي كان بارزاً في تشكيل الاتحاد الاسترالي عام 1901. و قد يكون الدافع معنويا، فالروابط المعنوية بين جماعات و شعوب مشتركة في القومية أو الدين أو اللغة قد تكون من دوافع الاتحاد كما حصل في ألمانيا فالقومية المشتركة كان لها دور هام في قيام الفدرالية الألمانية.

 

2ـ التحاد بالتفكك : في هذه الحالة تنشأ الدولة الفدرالية نتيجة تفكك الدولة الموحدة البسيطة إلى عدة كيانات، مثال ذلك البرازيل عام 1890 والعراق عام 2005، فهذه الدول الفدرالية لم تنشأ على اثر اتفاق بين دول مستقلة. ولكن في هذه الطريقة و على عكس سابقتها عادة تحتفظ الحكومة المركزية بسلطات أكبر من سلطات الأعضاء.

وقديكونالدافع لهذا الاتحاد بالتفكك هو المساحة الجغرافية الشاسعة للدولة الموحدة الأمر الذي يمنعها من حكم البلاد و إدارتها من المركز. هنا تلجأ الدولة إلى التفكك و التحول إلى دولة اتحادية بهدف ضمان سيطرتها على كافة المناطق و تقديم الخدمات عن قرب. ومن هذه الدول الأرجنتين و اندونيسيا.

وقد يكون الدافع هو وجود عدة قوميات أو أديان متعددة ضمن الدولة الواحدة و هي غير متجانسة و لا يمكن أن تُحكم وفق نظام سياسي وقانوني واحد فيتم الاتفاق على تبني الحل الفدرالي من أجل إعطاء هذه المكونات استقلالها الجزئي لأن البقاء في ظل نظام موحد يهدد باستمرار استقرار البلاد. و هذا ما حصل بالنسبة الاتحاد السوفيتي سابقاً حيث تبنى الفدرالية لحل مشكلة القوميات و كذلك الأمر بالنسبة لكندا حيث كان الصراع بين الفرنسيين و الانكليز أحد أهم الدوافع لتبني النظام الفدرالي.

لابد من الإشارة إلى أنه يمكن أن تجتمع عدة دوافع في آن واحد لقيام الاتحاد الفدرالي، ففي كندا هناك دافع قومي و لغوي و تهديد خارجي بالإضافة إلى العامل الاقتصادي. فاختلاف القومية و اللغة يُشكل عائقا أمام تشكيل دولة موحدة بسيطة و إن التهديد الخارجي و الضعف الاقتصادي يمنع هاتين القوميتين من تصبح كتلة واجدة مستقلة بذاتها لذلك يتم اللجوء إلى الحل الفدرالي.

 

 

ثالثاً :معايير نجاح النظام الفدرالي

 

صحيح أن الفدرالية نُشأت أساساً للمجتمعات التعددية و لحل المشاكل الناتجة عن هذه التعددية في دولة ما، لكن التعددية العرقية أو اللغوية أو الدينية لا تكفي فقط لبناء نظام فدرالي بل إن هناك شروط يجب توفرها لكي تنجح الفدرالية في بلد ما و إلا سوف نكون أمام فدرالية هشة لا يمكنها الاستمرار. إلا أن هذه الشروط والمعايير ليست مُتفق عليها بشكل عام و ما يكون منها ضرورياً لبلد ما قد يكون ثانويا بالنسبة لبلد أخر، فلكل حالة خصوصيتها. لكن هناك حد أدنى من المعايير أو الظروف لابد من توافرها لكي تسير الفدرالية في الطريق الصحيح و يُكتب لها النجاح . فيما يلي سوف نذكر بعض من هذه الشروط:

 

1ـ الدافع :

يجب توافر دافع أو عدة دوافع لتبني الفدرالية، فلابد أن تكون هناك أسباب موضوعية للأخذ بالفدرالية. وهذا ما تطرقنا له في الفقرة السابقة.

 

2ـ الديمقراطية:

فلا يمكن إنشاء دولة فدرالية حقيقية و دائمة بدون و جود نظام ديمقراطي سواء أكان ذلكداخل الأقاليم المكونة للدولة الاتحادية أو كان ذلك على مستوى هيئات الدولة الاتحادية. فإذا لم تكن الأقاليم ذات حكم ديمقراطي فإن ممثلوا الأقاليم في الحكومة المركزية سوف يكونون مجرد مندوبين عن حكام الأقاليم و ليسوا ممثلين فعليين للإقاليم و منتخبين من قبل شعوب هذه الأقاليم. و كذلك الأمر بالنسبة للحكومة المركزية، فإذا كانت حكومة ديكتاتورية فإنها ستحاول دائماً توسيع اختصاصاتها من أجل بسط سيطرتها على الأقاليم و بالتالي القضاء على استقلالها، الأمر الذي سينتهي بالدولة الفدرالية إلى دولة بسيطة موحدة مع مرور الزمن.

 

3ـ توفر الإرادة لدى الشعوب المكونة أو الداخلة في الدولة الاتحادية:

إن رغبة حكام الولايات أو الطبقة السياسة فيالاتحاد لا تكفي وحدها لبناء نظام فدرالي ناجح. لابد من توفر الرغبة لدى الشعوب ذاتها وبالتالي يجب أن تدرك الشعوب تماماً أن الهدف هو الاتحاد و ليس الوحدة كما يجب أن تعي معنى الدولة الاتحادية ومن ثم لها أن تختار النظام الفدرالي كحل أمثل لها إذا ارتأت هي ذلك.

 

4ـ وجود حد أدنى من التشابه و التجانس في النظم الاجتماعية و السياسية للكيانات الأعضاء في الدولة الاتحادية:

إن الشعور بالتجانس بين الشعوب و وجود رابط بين الشعوب يعتبر عاملاً مساعداَ في استمرار و نجاح النظام الفدرالي في بلد ما. فالانتماء إلى قومية واحدة أو التكلم بنفس اللغة يكون حتماً عاملاً مهماً في نجاح الفدرالية و كنا قد أوردنا مثال ألمانيا و كيف لعبت القومية المشتركة بين أعضائها دوراً أساسيا في بناء دولة فدرالية قوية و متطورة. فألمانيا تعتبر اليوم من أوائل الدول المتقدمة في جميع المجالات و هي إحدى الدول القليلة الغير متأثرة بالأزمة الاقتصادية في وقتنا الحاضر. و هذا ما يمكن أن يحصل في حال حصول جميع أجزاء كوردستان على استقلالها. فالشعب الكوردي و نتيجة خضوع كل قسم منه للاحتلال من قبل دول مختلفة، تأثر بثقافات و لغات تلك الدول المستعمرة. فالإضافة إلى و جود أربع لهجات كوردية، تأثر الشعب الكوردي بشكل عام بلغات الدول المستعمرة وذلك نتيجة السياسات العنصرية لتلك الدول و محاولاتها محو القومية الكوردية بكل خصوصياتها و دمجها أو صهرها ضمن القومية الفارسية في إيران أو الأتاتوركية في تركيا أو العربية في كل من العراق و سورية. فإذاً تبني الحل الفدرالي بالنسبة لكوردستان الكبرى سوف يكون ناجحاً فلن نجد كورديا واحداّ ضد هذه الفكرة و ذلك لوجود رابط قوي و هو القومية المشتركة و بغض النظر عن عوامل كثيرة أخرى التي من شأنها أيضاً تعزيز الاتجاه الى الفدرالية كالدين و اللغة و العادات. حتى في بعض الأحيان لا يوجد خلاف يذكر بين جزئين أو أكثر من أجزاء كردستان. و حتى إذا تم استفتاء الشعب الكوردي فنحن متأكدون أنه سوف يُفضل بغالبيته الدولة الموحدة على الدولة الاتحادية، لكن للأسباب التي ذكرناها أعلاه وما خلقته السياسات العنصرية من بعض التباين بين أجزاء كوردستان ومن خلال دراستنا عن تجارب الشعوب الأخرى فإنه من الأفضل للشعب الكوردي البدء بدولة فدرالية كوردستانية مما يسهل الأمر في الوصول إلى دولة قوية موحدة.

أما بالنسبة لموضوع التشابه في النظم السياسية للدول أو الأعضاء في الاتحاد، فإنه من الأفضل أن تكون جميع الوحدات المكونة للاتحاد الفدرالي ذات نظام حكم متشابه. أي أنه من الصعوبة بمكان أن إنشاء دولة اتحادية بين ثلاثة دول الأولى ذات نظام ملكي مطلق و الثانية ذات نظام جمهوري و الثالثة تعتمد الملكية البرلمانية أو الدستورية في حكمها. وكذلك العامل الاجتماعي له أهميته في نجاح التجربة الفدرالية، فإنه من الصعوبة بمكان أيضا أن نُنشئ دولة اتحادية ناجحة بين شعبين أحدهما متمسك بالدين و يريد نظاماً دينياً و الأخر ديمقراطي و متحرر و يريد نظاماً علمانياً.

 

5ـ توافر نوع من التوازن و المساواة بين الأقاليم الراغبة في الدخول في الدولة الفدرالية:

إن هذا المعيار له أهميته في استمرار و نجاح الاتحاد الفدرالي و ذلك بالنظر إلى التجارب الفدرالية السابقة في العالم. إنالتوازن في المساحة الجغرافية و الكثافة السكانية للأقاليم الأعضاء يلعب دوراً هاماً في بنيان النظام الفدرالي. فالأقاليم الكبيرة قد تسيطر على الصغيرة و تفرض إرادتها حتى على الحكومة المركزيةوهذا ما قد يولد شعوراً لدى الأعضاء الأخرين بعدم الثقة و عدم الارتياح مما قد يؤدي إلى الانفصال والانهيار. وهذا كان من أحد أهم أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، إذ كان الروس يشكلون الغالبية السكانية في الاتحاد حيث كان عددهم يزيد عن عدد سكان كافة الأعضاء الأخرين مجتمعين و كانت مساحة روسيا تساوي 60% من المساحة الجغرافية الاتحاد السوفيتي و حتى أن قدرة روسيا الصناعية كانت تفوق كثيرا قدرة مثيلاتها في الاتحاد. هذا الأمر نتج عنه خلل في التوازن حيث سيطرت روسيا على كل مراكز النفوذ في الاتحاد مستغلة ذلك لفرض إرادتها على الدول الأخرى، الأمر الذي انتهى بالدول الأخرى بالانفصال و بالتالي انهيار الاتحاد السوفيتي في 1991. و كذلك كان الأمر بالنسبة للاتحاد اليوغسلافي الذي بدأ بالانهيار في العام 1992.

أما بالنسبة لعدد الأعضاء في الاتحاد، فالأمر له أهميته و لكن ليس بقدر أهمية المعايير أو الشروط الأخرى. من حيث المبدأ لا يوجد عدد معين يجب الالتزام به لقيام الاتحاد الفدرالي، لكن من الأفضل أن يكون عدد الأقاليم كثيراً و ذلك لمنع سهولة الاتفاق بين بعض منهم على حساب الأخرين. فإذا كان عدد الأقاليم 5 و اتفق ثلاثة على تمرير قانون معين ليس في مصلحة الإقليمين الأخرين فهنا نكون أمام مشكلة حقيقية، صحيح أن الثلاثة مارسوا الديمقراطية و لكنه اجحاف في استعمال الحق. لأن الأصل في الاتحاد هو الاتفاق.أما إذا كان العدد أكثر من 9 فهناإن موضوع تمرير القوانين و القرارات الهامة لا يكون بالسهولة ذاتها كما في الحالة الأولى. و هذا الأمر له أهميته خاصة في الموضوعات الهامة كتعديل الدستور و المشاركة في الحروب وعقد الاتفاقيات ذات الأهمية لكل الأقاليم. فالتجارب الفدرالية الناجحة حتى الأن يكون في الغالب عدد الأقاليم أو الولايات فيها كثير، فهناك 50 ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية و 16 مقاطعة في ألمانيا و22مقاطعة في الأرجنتين، كما أن هناك دول أخرى يكون في العدد أقل بكثير و هي ناجحة حتى الأن كما هو الحال بالنسبة للإمارات العربية المتحدة ( 6 إمارات) و استراليا (6 ولايات و 2 مقاطعات كبرى). أما في بلجيكا فالأمر مختلف، حيث أنها مقسمة إلى 3 و حدات و 3 أقاليم و 4 مناطق لغوية لكن كل ما في الأمر هو أن بلجيكا فيها الناطقون بالفرنسية و الناطقون بالهولندية و الناطقون بالألمانية و هناك منطقة بروكسل و هي عاصمة الدولة الفدرالية فهي منطقة مزدوجة اللغة (الفرنسية و الهولندية).

 

في النهاية يمكننا القول بأن هذه الشروط أو المعايير ضروريةلاستمرار و نجاح النظام الفدرالي. و هذا لا يعنيأنه بعدم توفر هذه الشروط لا يمكن إقامة نظام فدرالي. بل يمكن قيام دولة اتحادية لا تتوفر فيها معظم الشروط السابقة و لكن هذه الدولة أو هذا الاتحاد لن يدوم طويلاً و سوف يكون مصيره غالباًالفشل. يمكننا القول أيضاً أنهفي حالة نشوء دولة فدرالية بدوافع ليست اقتصادية أو جغرافية أو لمقاومة العدوان و إنما تم تبني الفدرالية فقط لحل مشكلات قومية أو طائفية نتيجة وجود تعددية عرقية أو دينية في الدولة و كان هذا هو السبب الأهم أو الوحيد لتبني النظام الفدراليفإن هذه الفدرالية لن تدوم طويلاً و إذا دامت فترة من الزمن فلن تكون فدرالية ناجحة لأن هذا الحل لا يُمكِن الشعوب من إشباع رغباتها القومية أو الطائفية خاصة تلك الشعوب التي عانت من سياسات التمييز في ظل أنظمة ديكتاتورية. وهذا ماحصل عند استقلال باكستان الاسلامية عن الهند في عام 1947 واستقلال بنغلادش عن باكستان في عام 1971

و نضيف أيضاً أنه يمكن الاعتماد على هذه المعايير وإسقاطها على أية حالة في العالم لمعرفة مدى ملاءمة هذه الحالة مع هذه المعايير وأيضاً لمعرفة مدى نجاح هذه التجربة في حال إذا تم اعتمادها في دولة من الدول أو بين عدة دول راغبة في تبني النظام الفدرالي.

 

                                                                                                في 1 أيار 2014

 

د. محمد حسن
 دكتوراه في القانون الدستوري
Panthéon Assasجامعة باريس الثانية  
E-mail : [email protected]

 

المراجع :

ـ لطيف أمين، الفدرالية وأفاق نجاحها في العراق، دار سردم،السليمانية، 2006.

ـ ﻤﺤﻤﺩﻫﻤﺎﻭﻨﺩﻱ، ﺍﻟﻔﻴﺩﺭﺍﻟﻴﺔﻭﺍﻟﺤﻜﻡﺍﻟﺫﺍﺘﻲﻭﺍﻟﻼﻤﺭﻜﺯﻴﺔﺍﻹﺩﺍﺭﻴﺔ وﺍﻹﻗﻠﻴﻤﻴـﺔﺩﺭﺍﺴﺔﻨﻅﺭﻴﺔﻤﻘﺎﺭﻨﺔ،ﻁ 2، ﻤﻭﻜﺭﻴﺎﻨﻲ،ﺍﺭﺒﻴل2002.

ـ ﻤﺤﻤﺩﻋﻤﺭﻤﻭﻟﻭﺩ، ﺍﻟﻔﻴﺩﺭﺍﻟﻴﺔﻭﺇﻤﻜﺎﻨﻴﺔ تطبيقهاكنظام سياسي، العراق نموذجا، مطبعةمجد، بيروت 2009

– BEAUD Olivier, Théorie de la Fédération, Paris, Presses Universitaires de France, 2ème éd., 2009.

– CHAUTARD Sophie, Comprendre les conflits du Moyen-Orient, Studyrama perspectives, 2006. GICAQUEL Jean, Droit constitutionnel et institutions politiques, Paris, Montchrestien, 18ème éd., 2002.

– LEJEUNE Yves, Le droit fédéral belge des relations internationales, Paris, A. Pedone, 1994.

 

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك