لماذا تفشل كل المبادرات في سوريا؟ / فايز سارة

آراء وقضايا 05 يونيو 2014 0
+ = -

كوردستريت / لعل الأهم فيما يميز الأزمة في سوريا، يتجسد في الفشل المتكرر الذي أصاب كل المبادرات التي أطلقت لمعالجة الأزمة في سوريا بصورة كلية أو في بعض من جوانبها. وهذه الحكم لا يتصل فقط بالمبادرات الدولية التي بينها مبادرة السيد كوفي أنان، والتي يحاول المبعوث الدولي والعربي الجديد الأخضر الإبراهيمي إحياءها مع بعض التعديلات، وإنما ينطبق على المبادرات الإقليمية، وقد طرحت جامعة الدول العربية اثنتين منها، وينطبق الأمر أيضا على مبادرات سورية محلية، آخرها موضوع عقد مؤتمر إنقاذ وطني، تصارع الموت قبل عقد المؤتمر بعد أن أعلن بعض المشاركين في الإعداد له انفصالهم عنه، مما يشير إلى فشل مؤكد للمؤتمر، وهو مصير يماثل مصير مبادرة رسمية قامت بها السلطات في العام الماضي عندما عقدت مؤتمر الحوار الوطني برئاسة فاروق الشرع، وتراجعت عن تنفيذ مقرراته وتوصياته.

وفشل المبادرات الدولية والإقليمية والمحلية الهادفة إلى معالجة الوضع السوري، لا يستثني فشل مبادرات أطلقتها كتل المعارضة وجماعاتها. وكلها لم يكن مصيرها أفضل من سابقاتها، ولعل المثال الأبرز والأوضح في هذا كان مؤتمر المعارضة في القاهرة الذي انعقد تحت رعاية جامعة الدول العربية، وضم أغلب كتل المعارضة السورية ومعظم جماعاتها، وسط بيئة إيجابية أدت إلى إقرار وثيقتين أساسيتين: العهد الوطني والمرحلة الانتقالية، دون أن يصل المشاركون فيه إلى عدم توافق يتجاوز ذلك، بل إن كتله الرئيسية كرست الاختلاف في ثلاث نقاط، أولها انسحاب المجلس الوطني الكردي، والثاني رفض المجلس الوطني تشكيل لجنة متابعة مسؤولة، والثالث تحفظات أثارتها هيئة التنسيق الوطني.

وسط تلك الدوامة من الفشل المتكرر في موضوع المبادرات الهادفة إلى معالجة الوضع السوري في كليته أو بعض مفاصله وحيثياته، يطرح السؤال الجوهري نفسه: لماذا فشلت وتفشل كل تلك المبادرات، خاصة أن معظم المعنيين بالوضع السوري لا يتوقعون سوى الفشل لمهمة الأخضر الإبراهيمي الحالية؟

وتتطلب الإجابة عن هذا السؤال ملاحظة أربع نقاط رئيسية؛ الأولى فيها تتصل بعدم توفر إرادة دولية موحدة، وهذه حقيقة مكرسة في مسارات الأزمة السورية في مجلس الأمن الدولي وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث الانقسام واضح ليس كما هو شائع فقط بين روسيا والصين وآخرين من جهة، وكل من الولايات المتحدة والدول الغربية والعربية وتركيا، بل إن الاختلاف والخلاف قائم بين الدول المنتمية إلى كل طرف، وطالما أن المجتمع الدولي على هذا النحو من الانقسام والاختلاف، فإن أيا من المبادرات لن تنجح، حتى لو تم تمرير بعض هذه المبادرات في مجلس الأمن الدولي، لأن تلك المبادرات تتضمن في مضمونها أسباب عدم نجاحها، بل هي لا تملك آلية تتجاوز من خلالها العقبات التي تعترضها أساسا.

النقطة الثانية أن بلدان الجوار السوري والقوى الإقليمية تعاني من ضعف لا يمكنها من تدخل حاسم في الوضع السوري. والأمر في هذا الجانب لا يتعلق بالجانب العسكري على الرغم من أهميته. بل أيضا بجوانب سياسية واقتصادية واجتماعية، تدفع جميعها دول الجوار السوري والقوى الإقليمية بعيدا عن الدخول العميق في الوضع السوري، ولعل المثال التركي هو الأبرز، إذ يمكن لتداعيات الوضع السوري أن تأخذ تركيا إلى كارثة محققة، فيما لو تحركت وتوحدت عناصر قومية وطائفية ودينية وسياسية ومسلحة، في مواجهة سلطة العدالة والتنمية التي يقودها أردوغان.

وتتعلق النقطة الثالثة بالمعارضة السورية التي ظهرت ضعيفة ومرتبكة وقليلة الخبرة، إضافة إلى انقسامها وغياب الرؤية السياسية عند الأهم من كتلها وجماعاتها، بل معظم تلك الملامح موجودة داخل الحراك السوري في شقيه المدني والعسكري، الأمر الذي أعاق ثورة السوريين على الرغم من التضحيات الكبيرة عن امتلاك القوة اللازمة والكافية لتحقيق الهدف الرئيسي في تغيير أو إسقاط النظام.

وبالتقدير، فإن النقطة الرابعة هي الأهم والأكثر تأثيرا على الرغم من أهمية النقاط الثلاث السابقة. وتتعلق النقطة الرابعة بالنظام الحاكم الذي من الواضح أنه أقام قطيعة بينه وبين السياسة، واختار خط المعالجة الأمنية – العسكرية إلى نقطة النهاية، الأمر الذي يعني أنه يغلق الباب أمام كل المبادرات السياسية، التي لا شك أنها تقوم على توافق واتفاق وتنازلات للخروج من أوضاع، ثبت أن المعالجات الأمنية – العسكرية لا تستطيع معالجتها وإيجاد حلول لها.

إن بقاء الأحوال المحيطة بالوضع السوري على ما هي عليه من حيث غياب الإرادة الدولية الموحدة، وضعف الجوار السوري وقواه الإقليمية، وبقاء أوضاع المعارضة على ما هي عليه، واستمرار النظام في مواقفه وسياساته، إنما يعني بالدرجة الأولى أن من المستحيل نجاح أي مبادرة تتعلق بسوريا، وأن الطموح إلى نجاح أي مبادرة يفرض تغييرا جوهريا في الأحوال المحيطة، والأهم في ذلك أمران؛ أولهما تغيير في الموقف الدولي نحو إرادة وموقف واحد، أو تغيير وتبدل في مواقف النظام وسياساته، وقد نحتاج الاثنين معا إذا كانت الرغبة في معالجة سلمية وهادئة وجوهرية للوضع السوري.

المصدر: الشرق الاوسط

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر