مشروع حزب “الوحدة” لتوحيد الخطاب الكوردي

بيانات سياسية 25 مايو 2015 0
+ = -
مقدمة: 
من المفترض أن يكون لكل حزب أو جماعة أو مذهب أو حتى لكل فرد, جانب اعتباري وخصوصية يتحرك وفقها, ومطالب يسعى إلى تحقيقها, حيث أن الخصوصيات تشكل مفردات ضمن فضاء أوسع هو المجتمع أو الوطن أو الدين… 
.
في حالات الحروب والكوارث التي تصيب هذا الفضاء الجامع حيث يخسر الجميع, وتعجز الحالة الفردية عن الردع والمجابهة أو التأقلم, ليس أمام الوحدات الأصغر سوى التعامل معها ضمن صيغة جمعية, بغية التقليل من حجم الخسائر وعدد الضحايا, وهذه حالة دارجة حتى عند الأحياء غير العاقلة, ناهيك عن عشرات الأمثلة والحِكم التي دوّنها التاريخ ويسردها العقلاء, عن ضرورة التفاهم ووحـدة الصفوف لتجاوز المحن والصعاب … لذا لا بد في حالتنا السورية المأساوية أن يتخلى أبناء ( أصحاب) كل خصوصية عنها طواعية أو عن جزء منها – على الأقل – لمصلحة الكل التي هي مصلحة الوطن وبالتالي مصلحة الجميع . 

في الوضع السوري العام:  
.
بعد نصف قرن من الاستبداد والتمييز الذي مارسه نظام حزب البعث وأجهزته الأمنية, وما رافق هذه السنين من كم للأفواه وكبت مستدام, انفجر الغضب السوري وخرجت الناس إلى الشوارع في مظاهرات عفوية تطالب بالحرية والكرامة, لكن عوامل عديدة خارجية منها وذاتية, أبقت حلم السوريين وشعاراتهم المرتجلة أسيرة مقاطعات صغيرة مغلقة (حي, بلدة, منطقة…. مدينة) في عهدة قيادات محلية ناشئة, منقطعة عن الهيكلية المفترضة للثورة وعن قيادة مركزية – أيضاً – مفترضة, فترسّخت الخصوصيات وعمت المزاجيات, ثم تعارضت فيما بينها, واستُسهِل بالتالي أمر جرِّها من قبل النظام وآخرين إلى التسلح والعسكرة, التي جلبت على البلاد الويلات والكوارث . 
.
يبقى النظام هو المسؤول الأول عما حلّ بالبلاد, لكن مردود التدخل الإقليمي الذي سهّل له الإسلام السياسي, كان سلبياً أيضاً, وذلك من خلال توجيه الحراك الشبابي والنبض الثوري السلمي  نحو العسكرة والصدام المسلح مع آلة الحرب المكدسة لدى الدولة, بدافع التخندق الطائفي, و تحت مسمى الجهاد المقدس, الذي تحول إلى مظلة جمعت  تحتها عشرات آلاف الجهاديين من مختلف دول العالم, ينشرون رعباً وإرهاباً, يضاف إلى عنف النظام وخياره الأمني المقيت, و يتحول البلد بناسه وعمرانه ومؤسساته إلى ضحية للعنف والعنف المضاد, في معادلة لا زالت هي نفسها منذ أربع سنوات ونيف, ولا زال الحلّ بعيداً عن متناول السوريين رغم مؤتمرات ومشاورات هنا ومبادرات هناك, وقد يستغرق إقناع الأطراف بحل واقعي وتسوية تاريخية زمناً أطول, بسبب إلغاء كل طرف للآخر تماماً (هكذا نظام وهكذا معارضة)، حيث يستمر الأول في تعنته  وغروره, وتتمسك الثانية باشتراطاتها المسبقة, ليستمر نزيف الدم السوري و نزوح السكان وتستمر هجرة الشباب وتزداد مساحة الخراب والدمار مع إشراقة كل يوم, ولتتسع رقعة الفوضى والعبث, ليطال المرافق  الخدمية وما تبقى من مؤسسات الدولة, كما السلم الأهلي والأمان, وحتى حق الحياة نفسها, حيث تستعر النزاعات المختلفة, وتنمو الأحقاد وتبدأ مسلسلات الثأر والانتقام, ويبتعد السوريون عن بعضهم, وعن كل ما يجمعهم وعن تاريخ العيش المشترك, لتحشر كل مجموعة نفسها ضمن خصوصيتها الإثنية أو الطائفية والفكرية, وهذا بحد ذاته  يشكل خطراً كبيراً يحدق بالبلاد ويهدد مستقبل التعايش والاستقرار فيها. 
آفاق الحل: 
.
من الصعب أن  تحقق هكذا ثورة أهدافها في التغيير الشامل المنشود,  وهذه حقيقة يجب أن نقرّ بها, كما يجب أن نعترف بتراجع دور المعارضة ومصداقيتها وتفشي داء الفساد مبكراً في أغلب إداراتها  ومكاتبها وممثلياتها, أما الشأن الداخلي في المناطق التي هي خارج سيطرة النظام فيتحكم فيه أمراء الحرب وقادة الكتائب المقاتلة التي لا تتردد في مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية – داعش أو جبهة النصرة، حيث يسيطر التنظيمان على أكثر من نصف مساحة  البلاد, وهذا هو الخطر الأكبر على الحاضر والمستقبل .  
.
نحن كفصائل وأحزاب سياسية سورية, تراجعنا إلى الصف الثاني حين تبوأ العسكر الصفوف الأولى, ولم نكن أبداً جزءً من الصراع المسلح، وبالتالي لم تتلطخ سمعتنا وأيادينا بقطرة دم سورية, فالخيار العسكري فاشل تماماً في تحقيق أي قدر من الحرية والكرامة للسوريين, بل تسبب ويتسبب في المزيد من هدر الكرامة والاستعباد في ظل قوانين وفتاوى الفصائل الجهادية أو في مخيمات اللجوء. 
.
من جهتنا نرى بأن تحقيق مطالب السوريين في الخلاص من الحكم الدموي كما من إرهاب المجاميع الجهادية وثقافتها السلفية يمرّ عبر ما يلي : 
.
1-       تكثيف الحوارات بين الفصائل والأطر الوطنية المختلفة, للوصول إلى الحد الأدنى من المشتركات, وليكن في المقدمة منها الإقرار بفشل الخيار العسكري, والقبول بالحل السياسي التفاوضي السلمي قولاً وعملاً, ووقف القتال, للحفاظ على ما تبقى من وطن وعلى من بقي فيه من شعب.
.
2-       الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني يشترك فيه ممثلو المعارضة من جميع المكونات الإثنية والمذهبية والدينية والفكرية وفعاليات مجتمعية, يخرج بقرارات موضوعية جريئة, كما بتشكيل مرجعية وطنية للسوريين (مجلس مؤقت) من بين صفوف المؤتمرين, مفوضة تفويضاً كاملاً للبحث عن الدعم الدبلوماسي و آليات حلّ سياسي, للتفاوض المباشر مع ممثلي النظام برعاية وضمانات دولية, وفي حال تحقيق هذه الضمانات وكحسن نية لإنجاح الجهد السياسي الدبلوماسي يمكن تهدئة الأجواء باتخاذ خطوات تمهيدية من بينها:
.
أ  –  الإفراج عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي وكافة الموقوفين والموقوفات لدى مختلف الفُرقاء. 
ب –  عودة جميع  أطراف المعارضة إلى المناطق الآمنة في الداخل السوري.
.
ج – وقف إعلام الحرب وكل أشكال الإثارة والتحريض والتصعيد المتبادل وتبني خطاب عقلاني موازي ومكمل للجهد السياسي الدبلوماسي بحيث يجري تسليط الأضواء على حقيقة ما يعانيه السوريون في بلدان التشرد وعذابات النزوح وكذلك فظائع وممارسات شبكات الإرهاب وعنوانها الأبرز داعش. 
.
د – سحب الدعم السياسي من الكتائب المقاتلة وإنهاء مهمة المقاتلين الأجانب بترك الساحة السورية واعتبارهم دخلاء من تاريخه.
 
في الوضع الكردي الخاص: 
.
خلال قرن مضى ووفق جميع الوقائع ومصادر التاريخين الحديث والمعاصر, تعايش السوريون من كل المكونات, وتشاركوا, ودافعو معاً عن الوطن المشترك واستقلاله وسيادته, حيث تميز الكُرد تحديداً بسرعة الانفتاح على الداخل السوري, وتقبلوا مفهوم الوطن المشترك, واستمر ذلك حتى إعلان منطلقات حزب البعث كحركة قومية عنصرية, حيث أجّجت مشاعر المكونات الأخرى, التي لجأت بدورها إلى البحث عن ذواتها وخصوصياتها الإثنية ( الكرد مثالاً) . 
.
قد تكون ثمة عوامل أخرى للنهوض القومي لدى الكرد لسنا هنا بصددها, لكن الروح القومية  انتعشت لديهم منذ بداية الخمسينيات و تُوّج بإعلان أول حزب سياسي ديمقراطي في 14حزيران 1957, إلا أن جملة من العوامل الذاتية والموضوعية ساهمت في إخفاق هذا الحزب وانقسامه على نفسه, فانشغلت القيادات الحزبية  بالخلافات البينية, على حساب القضية وكل ما أضيف إليها من تعقيدات إثر سياسات شوفينية مُمَنهجة ومراسيم جائرة واختراقات أمنية عبر الترهيب والترغيب من قبل النظام القوموي العروبي . 
.
تتالت موجات الانشقاق, فتراجع الاهتمام بالمعرفة والسياسة. إلا أن ربيع الشعوب قد حلّ من غير ميعاد, والاندفاع نحو بريق الحرية أعاد للسياسة والأحزاب أهميتها ودورها المفترض. 
.
 إن الحركة الكردية, ورغم انقسامها و نشاذ بعض الأصوات الشعاراتية من بين صفوفها, لم تساهم في دفع مؤيديها إلى المحرقة السورية, الأمر الذي يفسره بعض أوساط المعارضة – إجحافاً- بالأنانية الكردية, أو خذلان الثورة, هذا من جهة, ومن جهة ثانية صراع بعض الدول والأطراف الإقليمية على النفوذ في سوريا, ومن جهة ثالثة مساعي النظام السوري نفسه للبقاء فاعلاً بشكل أو بآخر في الوسط الكردي, ومن جهة رابعة وهي الأخطر مجاميع الدولة الإسلامية والنصرة المتربصة بالكُرد على وجه التحديد وما تملكه هذه المجاميع من مفاتيح وشيفرات لاختراق المجتمع الكردي عن طريق الفتاوى واستغلال الدين, وبالتالي قد تزداد مساعي تشتيت الصف الكردي, عبر تقسيم المقسم وشق المنشق باستخدام المال السياسي, والإعلام المغرض, واصطياد من يغريهم الطعم, في محاولات لخلط الأوراق وجرّ الكُرد إلى مواقع لا تخدم قضيتهم.
.
نحن في حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) على ثقة تامة  بأن الحالة الكردية الخاصة في سوريا هي جزء من الحالة الوطنية العامة, لم تعد تحتمل تبعات الفرقة والتشتت, ولا بديل عن التآلف وتوحيد الصفوف, والعمل الجماعي ضمن إطار مؤسساتي, يستمد قراره من مصالح ونبض الناس, دون مراهنة على الخارج, سواء في الظرف الحالي الخطير أو في ظروف التفاوض والدبلوماسية مستقبلاً, لذلك  نرى من الأهمية العمل على: 
.
1- دعوة القيادات الحزبية الكردية إلى الداخل, وإطلاق الحوار البيني المكثف دون تلكؤ, من أجل  تحديد المشتركات وجعلها حداً أدنى  للاتفاق, ومنطلقا للعمل الجماعي, بديلاً عن ثقافة الحزب الواحد, وعقلية القائد الأوحد, لما  لشعبنا الكردي خصوصاً ولشعوب المنطقة  عموماً من تجارب مريرة في هذا الصدد. 
.
2- إن الإطارين الكرديين (ENKS, TEV- DEM) لا يمتلكان من المرونة والمبادرة ما يكفي لإنهاء القطيعة بينهما, كما لا يتوانى كل منهما عن الترويج لوجوده كفرع سوري يتبع جهة كردستانية, مما يسجل تغييباً للمشروع الكردي السوري, يؤثر على مصداقية أي طرح, أو أي دور للكُرد السوريين في أي مشروع وطني مرتقب. 
.
3- اعتبار أية مظلة أو أي إطار, يضم عدداً مناسباً من الأحزاب والشخصيات الوطنية, تصنع قرارها المستقل دون تفريط بالانتماء السوري ولا بالتواصل والامتداد الكردستاني, هي وسيلة مناسبة لتدارك فوضى الأحزاب والفلتان الشعاراتي, وتُسهل أداء مهمات المرحلة الحالية, وتقلل من حدة التوتر الناشئ عن حالة (خندقين متخاصمين) في الشارع الكردي السوري. 
.
4- ضرورة إخراج المرجعية السياسية القائمة من حالة الجمود وتفعيلها, وذلك بدعوة ما تبقى من أحزاب المجلس الوطني الكردي وممثلي حركة المجتمع الديمقراطي تف- دم والأحزاب التي لا تنتمي إلى الإطارين إلى استئناف اجتماعاتها الرسمية للتحاور بشفافية واعتماد نقاط دهوك الثلاثة أساساً يمكن البناء عليه في تطوير المرجعية وتوسيعها, لتضم تحت سقفها ما أمكن من القوى والأحزاب والتحالفات, وتعيد للمثقفين والمستقلين والرموز الاجتماعية دورهم المسلوب, بتمثيل منصف وإشراك فعلي, حتى وإن تطلب الأمر تعديل اتفاقية دهوك نفسها وتحويلها من اتفاقٍ بين مجلسين فقط إلى اتفاق أشمل .
.
5- اعتماد مبدأ التصويت والانتخاب الحرّ في اتخاذ القرارات وفق الأكثرية المطلقة ضمن أي إطار بدلاً من التوافق ونمطية المناصفة ( فيفتي- فيفتي) المعطلة . 
.
6- ضرورة إشراك ممثلي ومنظمات المناطق الكردية الثلاث (كوباني, الجزيرة, عفرين) وعلى قدم المساواة في اتخاذ  القرارات المصيرية التي تخص الكرد السوريين، و تمكين النخب الثقافية والمهنية وكذلك نشطاء الحركة النسائية والشباب للمشاركة في الشأن العام .
.
7- الإقرار دون مواربة بدور وحدات حماية الشعب والمرأة (YPG & YPJ  ) في الدفاع عن المناطق الكردية ومتابعة العمل على توسيع غطائها السياسي وتعزيز قدراتها الدفاعية وفق مضامين اتفاقية دهوك ورفدها بأية تشكيلات كردية أخرى إن وجدت، وتفعيل قانون الدفاع الذاتي وإمداد هذه الوحدات بالمتطوعين من جميع الأطياف التي تتعايش في المناطق الكردية واعتبار ذلك ضرورة مجتمعية وأخلاقية, والتآزر والتنسيق مع القوى الكردستانية (بيشمرگه , گريلا …) والتحالف الدولي بهدف محاربة شبكات الإرهاب وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية داعش ضرورة وطنية قومية إنسانية, و تحرير كوباني كان ثمرة هكذا جهد مشترك.   
.
8- اعتبار الإدارة الذاتية القائمة ضرورة مرحلية من الواجب حمايتها وتطويرها وإغناؤها بالخبرات والكوادر, واعتبار الآسايش مؤسسة لحفظ الأمن والنظام العام, تبقى بحاجة إلى استيعاب المتطوعين من كافة أطياف المجتمع ومزيد من التنظيم والمهنية.
.
9- احترام خيارات أشقائنا في الأجزاء الأخرى من كردستان, دون التدخل في شؤونهم, آملين تعاملنا من قبلهم بالمثل, مع ضرورة تمتين وشائج العلاقات الأخوية, وتطوير العلاقات الرسمية بين المرجعية  السياسية الكردية في سوريا وأحزاب ومؤسسات إقليم كردستان العراق.
>
10- اعتبار القادة والرموز الكردستانية رموزاً قومية, والرموز السورية رموزاً وطنية, تبقى محل احترام وتقدير, من الخطأ التخندق والتمترس وراء رمز أو راية للإساءة إلى آخر أو التقليل من شأنه. 
.
 11- إعادة صياغة الخطاب والمشروع السياسي الكردي, ليتضمن أسس عقد اجتماعي جديد وشكل الحكم في سوريا، وذلك من خلال طرح واقعي متزن, نراه من جهتنا يتجسد في نظام حكم ديمقراطي تعددي لا مركزي، يتيح الفرصة للمكونات ذات الخصوصية بإدارة نفسها ذاتياً ضمن وطن مشترك ذات سيادة وعلم وجيش وطنيين. 
.
12- التأكيد على ضرورات استمرار التواصل والحوارات للعمل المشترك مع المحيط الاجتماعي والمكونات السورية المختلفة ونخبها السياسية والثقافية والمجتمعية, وتكثيف المساعي لعقد مؤتمر وطني لأطياف المعارضة السورية سيما تلك التي تقتنع  بأن لا بديل عن الحل السياسي السلمي للمسألة السورية, وتسعى جاهدة بإخلاص للتوصل إلى اعتماد ورقة عمل تاريخية . 
.
24 أيار 2015     
الهيئة القيادية
لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

 

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر